المكابيين الثاني 13 - تفسير سفر المكابيين الثاني
 حملة أنطيوخس الخامس وليسياس
  
  
 جاءت هذه الحملة نتيجة لاستغاثة الحامية السلوقية الموجودة في قلعة (عكرة) في أورشليم، فقد قام يهوذا المكابى بالتضييق عليها بقصد إخضاعها ولكنه لم ينجح في ذلك، وقد ظلت الحامية موجودة بها إلى أن قام سمعان المكابى بفتحها وطرد الجنود منها حيث كان ذلك إذانا بانتهاء الاحتلال السلوقى لأورشليم (1مكا13: 49-52) أما حملة أنطيوخس الخامس فقد فشلت في تحقيق أهدافها ومن ثم عقد معاهدة صلح مع اليهود، حيث أكدت هذه المعاهدة استمرار نجاح الثورة المكابية.
  تزلف منلاوس وقتله
 فى السنة المئة والتاسعة والأربعين، بلغ أصحاب يهوذا أن أنطيوخس أوباطور زاحف على اليهودية في جيش جرار، ومعه ليسياس وصيه وقيم المصالح، ومعهما جيش يوناني مؤلف من مئة وعشرة آلاف راجل وخمسة آلاف وثلاث مئة فارس واثنين وعشرين فيلا وثلاث مئة مركبة ذات مناجل. فأنضم إليهم منلاوس، وجعل يحرض أنطيوخس بكل نوع من الحيل، غير مبال بخلاص وطنه، بل ساعيا لأن يعاد إلى منصبه، ولكن ملك الملوك أثار سخط أنطيوخس على ذلك المجرم، فإن ليسياس أظهر له أن الرجل كان هو السبب في تلك الشرور بأسرها. فامر الملك بأن يذهب به إلى بيريه ليقتل على عادة البلاد. وهناك برج علوه خمسون ذراعا مملوء رمادا، وفيه آلة مستديرة تهوى براكبها من جميع جهاتها على الرماد. ففي ذلك المكان يصعد المذنب بنهب المقدسات أو ببعض الجرائم الفظيعة الأخرى، ويفع به لهلاكه. وبهذا التعذيب هلك الأثيم منلاوس، ولم يحصل على تربة يوارى فيها، وحدث ذلك بكل عدل، فإنه قد أرتكب جرائم كثيرة على المذبح الذي ناره ورماده مقدسان، وفي الرماد ذاق موته.
 جاءت هذه الحملة ناقضة للاتفاقيات السابقة الواردة في الإصحاح الحادى عشر، ومثلت تحولا كاملا في السياسة السلوقية تجاه اليهود، ولا شك أن العنف والقسوة منسوبان ليس إلى الملك الغلام بل ليسياس الوصي عليه، ثم ما تلبث سياستهم في أن تتحول إلى تعاطف مع اليهود وعقد صلح مع حماة بيت صور، وفي نهاية الحملة يكرم الملك الهيكل بسخاء، في حين يأمر بإعدام منلاوس رئيس الكهنة المرفوض.
 فى تلك الحملة كان يهوذا قد قام لمحاصرة قلعة عكرة، بينما استخدم بقية قواته في سد الطرق الوعرة المؤدية إلى أورشليم من السهل السأحلى، ولكن قواته لم تكن تسمح بالهجوم على الجيش المالكى الكبير، وعندما طوق جيش الملك الأوجار التي تسببت في إعاقة تقدمه نحو أورشليم من خلال أدوم، وضرب الحصار حول الحصن اليهودي في بيت صور، اتخذ يهوذا القرار الصعب برفع الحصار عن القلعة ومواجهة الجيش المالكى في بيت زكريا، وهزم يهوذا ومات أخوه كبطل تحت أحد الأفيال، وعاد يهوذا إلى الهيكل الحصين ولم ينقذهم سوى تدخل إلهي من هزيمة ساحقة (راجع1مكا6: 28......الخ).
 
      
 عملة أنطيوخوس الخامس
 
 يهوذا المكابي
يوناثان المكابي
 بعض الجواسيس ليكتشفوا معسكر جيش ديمتريوس (1مكا12: 26).
 وهنا انتبه اليهود إلى أن هناك من ينقل الأسرار العسكرية إلى الأعداء، فلن يكن التفوق العسكري للسلوقيين هو السبب الفعال لتقدمهم في الحرب، حتى اكتشفوا ذلك الجاسوس، فقد كان هناك بالطبع من أفشى سره!! وحينئذ أعدموه، أما اسم ذلك الجاسوس فهو رودقس.
  رودقس Rodokos: الاسم ليس يونانيا ولا يهوديا ولا أراميا، ولكنه إيرانى على الأرجح، وقد تسمى الكثير من اليهود في تلك الآونة أسماء إيرانية (فارسية) ورما جاء من الاسم "رودقس" الأسماء روس Rose أو Rosy ويكون شكل الاسم الإيرانية Rodak، ويأتي من الكلمة Rose أي وردة.
  التفاوض مع اليهود:
 يأتي السعي إلى هذه المفاوضات عن إعدام الجاسوس، مما يؤكد أنه كان له ضلع في تلك الأحداث المؤسفة، وقد بدأ الملك التفاوض مع بيت صور وعقد الصلح معهم، ربما ظما منه أنهم يؤيدونه ضد المكابى، وإلا لما كان قد واصل هجومه على جيش يهوذا (آية22) غير أن القضية قد حلت بشكل حاسم عندما أصبح الأمر يتعلق بتاجه وعرشه، حيث وصلته الأنباء من إنطاكية بأن فيلبس نائبه هناك قد آثر الاستحواذ على العرش، ومن ثم بادر بعقد الصلح الكامل مع اليهود كافة، ولقد أظهر في ذلك حسن النية عندما قام بإكرام الهيكل، الأمر الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل إكرامه للأمة بأسرها وشرائعها وعقائدها وإلهها.
 ثم تصادف الملك مع يهوذا (رحب بالمكابى/آية24) باعتباره ممثلا لليهود كلهم. غير أن ذلك أتى بعد تدمير الملك لتحصينات جبل الهيكل (1مكا:62) ثم تعيينه ألكيمس Alcimus في نفس الفترة رئيسا للكهنة خلفا لمنلاوس.
  هيجمونيدس Hegemonids: جاءت هذه الكلمة في العبرية: (سر سافا = رئيس جيش) ووردت في النص اليوناني بمعنى: (يكون حاكما) غير أن البعض بطريقة الخطأ قد ترجمها على أنها اسم قائد عينه أنطيوخس على ذلك الإقليم، ولكن الأرجح أن الملك في سياق مراضاته لليهود قد عين يهوذا قائدا من عكا (بتولمايس) حتى الجرانيين (جرار) وهو ما يرد لوضوح في الترجمة اللاتينية (فولجاتا)، ويبدو الأمر منطقيا عندما نقرأ كيف ثار أهل عكا على تلك الاتفاقية مع اليهود رافضين خضوعهم لقيادتهم، وهو السبب الذي جعل الملك يتجه إليهم بصحبة ليسياس ليهدئ من روعهم مدافعا عن تلك الاتفاقية، مؤكدا لهم عدم تخلى المملكة عنهم، وعليه يمكن قراءة النص كالآتي: "رحب بالمكابى وعيته قائدا لبطلمايس إلى حدود الجرانيين."
 وهذه الكلمة هيجمونيدس هي التي اشتق منها كلمة هيغومينوس، والمستخدمة في الكنيسة بمعنى "قمص" أو "مدبر" وهي رتبة إدارية في الكنيسة تعطى لأحد القسوس يصبح بموجبها مسئولا عن مجموعة من القسوس، كواحد متقدم في الجماعة يدبرهم ويخضعون له في أتضاع وطاعة. وفي كثير من الكنائس الآن يوجد أب قمص مع عدد من القسوس ويخضع له الجميع في أبوة روحية.
  الجرانيين / الجرار Gerar, Gerrenians
 (5) كلمة عبرية معناها "جرة" وهي مدينة هامة بالقرب من البحر المتوسط، جنوب وجنوب غرب حدود كنعان، وتقع كذلك على مسافة 14 كم جنوب شرق غزة وغرب بئر سبع
، وهي المدينة التي انحدر إليها كل من إبراهيم واسحق عندما حدث جوع في الأرض (تك20: 1و 126) مما يدل على غناها ورفاءها لمدة طويلة وتقع الآن على مسافة 23كم حنوب غرب "بيت جبرين).
 ويرى البعض الآخر أن الجرانيين شعب سكن شبه جزيرة سيناء بقرب سيربونيس Sirbonis شرق البلزيوم، وإن كانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة البلطمية بخارج الحدود السلوقية، ولكن علماء آخرين يرون أن جرار كانت بقعة محلية مهمة في أضيق موقع بوادى لبنان شرقا وإلى الجنوب من بيروت قليلا وهي التي اطلق عليها فيما بعد اسم "خلقيس" Chalkis، وقد سميت المدينة ليس باسم المنطقة ولكن باسم الجماعة العرقية التي تسكنها.
  وضع اليهود بعد رحيل أنطيوخس الخامس عنها:
 انسحب الملك الصغير دون أن يرغم يهوذا ورجاله على إلقاء أسلحتهم، وترك المجال مفتوحا أمام اليهود ليعود من ترك مسكنه منهم إلى دياره، وربما ترك الملك أيضًا الطريق ممهدا أمام المزيد من التوغل اليهودي شمالا رغم أن السامرة كانت تقع ما بين اليهودية والجليل، إلا أن يهوذا ورجاله كانوا يتنقلون بحرية تامة طوال الوقت كم خلال السامرة (1مكا5:21-23و-52-53و2مكا15: 1-5) ومن هنا ربما كان تعيين القائد (الهيغومينوس) بهدف وقف تطلعات اليهود شمالا، وطمأنة الوثنيين الذين سكنوا بمحاذاة الحدود البطلمية، ولكن ذلك على صعيد آخر يعنى تراجع في النفوذ السلوقى مقابل تزايد في القوة اليهودية الأمر الذي حرك المخاوف لدى السكان هناك، بسبب معاهدة السلام ومن اليهود المستردين قوتهم، انظر(6: 8).
 هذا وقد سجل اليهود تاريخ رحيل أنطيوخس الخامس عن أورشليم في 5 يناير من عام 162ق.م. (أو5 مارس حسب التقوىم الكبيس) (6) ولا شك أنه هزم فيلبس المتآمر عليه هناك في إنطاكية (1مكا6: 63) وهو ما يؤيده أيضًا يوسيفوس المؤرخ اليهودي. (7)
 ___________________________________
 (1) الآثار اليهودية كتاب 12، فصل9: 7.
 (2) Jonathan A. Goldsten, II Macc.
 (3) جاء في الترجمة اليونانية للآية 9 τοιζ δε φρονημασιν Βεβαρβαρω μενος= قسى قلبه) وهو التعبير الوراد عن فرعون (خروج7: 14).
 (4) هناك العديد من الوقائع المثيرة والمتعلقة بالجاسوسية أثناء الحرب العالمية الثانية، وتجمع ما بين البطولة والخسة والخيانة، جمع بعضها الكاتب: أحمد الصاوى في كتابه "الطابور الخامس".
 (5)   جاءت جرار في المخطوطة اليونانية التي تحمل رقم 55 هكذا:  εως των Τεραρηρων
 (6)   وذلك حسبما ورد في قسم (تاعنيت Ta'anit في التلمود).
 (7)   عصور اليهود القديمة (12-9-7-386)