يقول تعالـى ذكره: فتبسّم سلـيـمان ضاحكاً من قول النـملة التـي قالت ما قالت، وقال: { رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيَّ } يعنـي بقوله { أوْزِعْنِـي }: ألهمنـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
قصة سليمان والهدهد
سورة النمل 20
{وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ}
سورة النمل 21
{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}
سورة النمل 22
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
الطبري
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ } فمكث سلـيـمان غير طويـل من حين سأل عن الهدهد، حتـى جاء الهدهد.
واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: { فَمَكَثَ } فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: «فَمَكُثَ» بضمّ الكاف، وقرأه عاصم بفتـحها، وكلتا القراءتـين عندنا صواب، لأنهما لغتان مشهورتان، وإن كان الضمّ فـيها أعجب إلـيّ، لأنها أشهر اللغتـين وأفصحهما.]
وقوله: { فَقالَ أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ } يقول: فقال الهدهد حين سأله سلـيـمان عن تـخـلفه وغيبته: أحطت بعلـم ما لـم تـحط به أنت يا سلـيـمان. كما:
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تـحِطْ بِه } قال: ما لـم تعلـم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه { فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ } ثم جاء الهدهد، فقال له سلـيـمان: ما خـلَّفك عن نوبتك؟ قال: أحطت بـما لـم تـحط به.
وطبعا السؤال هو كم كانت سرعة هذا الهدهد المكوكي
قصة ملكة سبأ
النمل 23
{إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
النمل 24
{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ}
النمل 25
{أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}
النمل 26
* {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ}
النمل 27
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ}
النمل 28
{ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}
النمل 29
{قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}
النمل 30
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ}
النمل 31
{أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
النمل 32
{قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ}
النمل 33
{قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}
النمل 34
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ}
النمل 35
{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
النمل 36
{ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}
النمل 38
{قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
النمل 39
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}
النمل 40
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}
النمل 41
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ}
الطبري
يقول تعالـى ذكره: قال سلـيـمان لـما أتـى عرش بلقـيس صاحبة سبأ، وقدمت هي علـيه، لـجنده: غيِّروا لهذه الـمرأة سريرها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قَتادة، قوله { نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَها } قال: غيروا.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: فلـما أتته { قالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَها } قال: وتنكير العرش، أنه زيد فـيه ونقص.
النمل 42
{فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}
النمل 43
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ}
النمل 44
{قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ}
الطبري
ذُكر أن سلـيـمان لـما أقبلت صاحبة سبأ تريده، أمر الشياطين فبنوا له صرحاً، وهو كهيئة السطح من قوارير، وأجرى من تـحته الـماء لـيختبر عقلها بذلك، وفهمها علـى نـحو الذي كانت تفعل هي من توجيهها إلـيه الوصائف والوصفـاء لـيـميز بـين الذكور منهم والإناث معاتبة بذلك كذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: أمر سلـيـمان بـالصرح، وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الـماء بـياضاً، ثم أرسل الـماء تـحته، ثم وضع له فـيه سريره، فجلس علـيه، وعكفت علـيه الطير والـجنّ والإنس، ثم قال: { ادْخُـلِـي الصَّرْحَ } لـيريها مُلكاً هو أعزّ من مُلكها، وسلطاناً هو أعظم من سلطانها { فَلَـما رأَتْهُ حَسِبَتْهُ لّـجةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها } لا تشكّ أنه ماء تـخوضه، قـيـل لها: ادخـلـي إنه صرح مـمرّد من قوارير فلـما وقـفت علـى سلـيـمان دعاها إلـى عبـادة الله وعاتبها فـي عبـادتها الشمس دون الله، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سلـيـمان ساجداً إعظاماً لـما قالت، وسجد معه الناس وسقط فـي يديها حين رأت سلـيـمان صنع ما صنع فلـما رفع سلـيـمان رأسه قال: ويحكِ ماذا قلت؟ قال: وأُنْسِيت ما قالت:، فقالت: { رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانِ لله رَبّ العالَـمِينَ } وأسلـمت، فحسُن إسلامها.
وقـيـل: إن سلـيـمان إنـما أمر ببناء الصرح علـى ما وصفه الله، لأن الـجنّ خافت من سلـيـمان أن يتزوّجها، فأرادوا أن يزهدوه فـيها، فقالوا: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الـجنّ، فأراد سلـيـمان أن يعلـم حقـيقة ما أخبرته الـجنّ من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القرظيّ، قال: قالت الـجنّ لسلـيـمان تزهِّدهِ فـي بِلقـيس: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الـجنّ فأمر سلـيـمان بـالصرح، فعُمل، فسجن فـيه دواب البحر: الـحِيتان، والضفـادع فلـما بصرت بـالصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابـاً يقتلنـي به إلا الغرق { فَحَسِبَتْهُ لُـجَّةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها } قال: فإذا (هي) أحسن الناس ساقاً وقدماً. قال: فضنّ سلـيـمان بساقها عن الـموسى، قال: فـاتُّـخذت النُّورة بذلك السبب.
وجائز عندي أن يكون سلـيـمان أمر بـاتـخاذ الصرح للأمرين الذي قاله وهب، والذي قاله مـحمد بن كعب القرضيّ، لـيختبر عقلها، وينظر إلـى ساقها وقدمها، لـيعرف صحة ما قـيـل له فـيها.
وكان مـجاهد يقول فـيـما ذكر عنه فـي معنى الصرح ما:
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { الصرْحَ } قال: بركة من ماء ضرب علـيها سلـيـمان قوارير ألبسها.
قال: وكانت بلقـيس هلبـاء شعراء، قدمها كحافر الـحمار، وكانت أمها جنـية.
حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، عن سعيد بن بشير، عن قَتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كانَ أحَدُ أبَوَيْ صَاحِبَةِ سَبإٍ جِنِّبًّـاً "
قال: ثنا صفوان بن صالـح، قال: ثنـي الولـيد، عن سعيد بن بشير، عن قَتادة، عن بشير بن نهيك، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، ولـم يذكر النضر بن أنس.
وقوله: { فَلَـما رأتْهُ حَسِبَتْهُ لُـجةً } يقول: فلـما رأت الـمرأة الصرح حسبته لبـياضه واضطراب دواب الـماء تـحته لـجة بحر كشفت عن ساقـيها لتـخوضه إلـى سلـيـمان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قَتادة { قِـيـل لَهَا ادْخُـلِـي الصرْحَ فَلَـمَّا رأتْهُ حَسِبَتْهُ لُـجَّةً } قال: وكان من قوارير، وكان الـماء من خـلفه فحسبته لـجة.
قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله { حَسِبَتْهُ لُـجَّةً } قال: بحراً.
حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا ابن سوار، قال: ثنا روح بن القاسم، عن عطاء بن السائب، عن مـجاهد، فـي قوله: { وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها } فإذا هما شعراوان، فقال: ألا شيء يذهب هذا؟ قالوا: الـموسى، قال: لا، الـموسى له أثر، فأمر بـالنُّورة فصنعت.
حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن عمران بن سلـيـمان، عن عكرمة وأبـي صالـح قالا: لـما تزوّج سلـيـمان بلقـيس قالت له: لـم تـمسنـي حديدة قطّ قال سلـيـمان للشياطين: انظروا ما يُذهب الشعر؟ قالوا: النُّورة، فكان أوّل من صنع النورة.
وقوله: { إنَّهُ صَرْحٌ مُـمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } يقول جلّ ثناؤه: قال سلـيـمان لها: إن هذا لـيس ببحر، إنه صرح مـمّرد من قوارير، يقول: إنـما هو بناء مبنـيّ مشيد من قوارير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، { مُـمَرَّدً } قال: مشيد.
وقوله: { قالَتْ رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ... } الآية، يقول تعالـى ذكره: قالت الـمرأة صاحبة سبأ: ربّ إنـي ظلـمت نفسي فـي عبـادتـي الشمس، وسجودي لـما دونك { وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ لِلَّهِ } تقول: وانقدت مع سلـيـمان مذعنة الله بـالتوحيد، مفردة له بـالألوهة والربوبـية دون كلّ من سواه. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما:
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي { حَسِبَتْهُ لُـجَّةً } قال: { إنَّهُ صَرْحٌ مُـمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } فعرفت أنها قد غلبت { قالَتْ رَبِّ إنـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي، وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ }.
حكمة سليمان
الانبياء 78
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}
الطبري
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر داود وسلـيـمان يا مـحمد إذ يحكمان فـي الـحرث.
واختلف أهل التأويـل فـي ذلك الـحرث ما كان؟ فقال بعضهم: كان نبتاً. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن إسحاق، عن مرّة فـي قوله: { إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } قال: كان الـحرث نبتاً.
حدثنا بِشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قَتادة، قال: ذكر لنا أن غنـم القوم وقعت فـي زرع لـيلاً.
وقال آخرون: بل كان ذلك الـحرث كَرْما. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الـمـحاربـيّ، عن أشعث، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعود، فـي قوله: { وَدَاوُدَ وَسُلَـيْـمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } قال: كَرْم قد أنبت عناقـيده.
حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبـي إسحاق، عن مسروق، عن شريح، قال: كان الـحرث كَرْماً.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما قال الله تبـارك وتعالـى: { إذْ يَحْكُمانِ فِـي الـحَرْثِ } والـحرث: إنـما هو حرث الأرض. وجائز أن يكون ذلك كان زرعاً، وجائز أن يكون غَرْساً، وغير ضائر الـجهل بأيّ ذلك كان.
وقوله: { إذْ نَفَشَتْ فِـيهِ غَنـمُ القَوْمِ } يقول: حين دخـلت فـي هذا الـحرث غنـم القوم الآخرين من غير أهل الـحرث لـيلاً، فرعته أو أفسدته. { وكُنَّا لحِكْمِهِمْ شاهِدِينَ } يقول: وكنا لـحكم داود وسلـيـمان والقوم الذين حَكَما بـينهم فـيـما أفسدت غنـم أهل الغنـم من حرث أهل الـحرث، شاهدين لا يخفـى علـينا منه شيء، ولا يغيب عنا علـمه. وقوله: { فَفَهَّمْناها } يقول: ففهَّمنا القضية فـي ذلك سُلَـيْـمانَ دون داود. { وكُلاًّ آتَـيْنا حُكْماً وَعِلْـماً } يقول: وكلهم من داود وسلـيـمان والرسل الذين ذكرهم فـي أوّل هذه السورة آتـينا حكماً وهو النبوة، وعلـما: يعنـي وعلـماً بأحكام الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
الانبياء 79
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}
وقوله: { وَسَخَّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجِبـالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ } يقول تعالـى ذكره: وسخرنا مع داود الـجبـال والطير يسبحن معه إذا سبح.
وكان قَتادة يقول فـي معنى قوله: { يُسَبِّحْنَ } فـي هذا الـموضع ما:
حدثنا به بِشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: { وَسَخَّرْنا مَعَ دَاوُدَ الـجبـالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ }: أي يصلـين مع داود إذا صلـى.
وقوله: { وكُنَّا فـاعِلِـينَ } يقول: وكنا قد قضينا أنا فـاعلو ذلك، ومسخروا الـجبـال والطير فـي أمّ الكتاب مع داود علـيه الصلاة والسلام.
الانبياء 80
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}
سليمان والريح والشياطين
الانبياء 81
{وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}
الطبري