خامسا: تعليم الرب يسوع:
إن عرض المناهج والمثل العليا لمدرسة الحكمة إنما هو أيضًا عرض من الناحية العملية لموقف ربنا يسوع المسيح من الحكمة فقد اتخذ في الكثير من تعليمه هذا الأسلوب، ولعل اتساع مجال أتفاق الرب يسوع مع كتبة أسفار الحكمة، أحد العوامل الرئيسية التي تجعل العالم كله ينجذب إلى تعاليمه ويعجب بها، فقد استخدم في تشبيهاته وأمثاله كا ما كان في حياة عصره بدءًا بزنابق الحقل إلى الملك الجالس على العرش، كما كانت أقواله موجزة واستخدم أسلوب المقابلة والطباق حتى تعلق التعاليم بالذهن، ولعل ما ورد في إنجيل لوقا (8:14- 10) والمقتبس من سفر الأمثال (6:25 و7) هو أقرب ما يكون لأسلوب كتابات الحكمة.
ومما يتفق فيه الرب مع أسفار الحكمة هو النظرة المشرقة رغم معرفته الأكيدة للآلام التي كانت تنتظره. وينبغي ألا ننسى أن التقشف المبالغ فيه كان غريبًا عنه تمامًا (لو 34:7، مت 11:19). لكن الرب لم يكن ليرضى على أسلوب الحكمة الذاتية، فكان محور تعليمه هو: أعط بسخاء، أعط كما يعطي الآب السماوي وبلا اعتبار للذات، دون أن تنتظر الجزاء. ويبدو أن القول الوارد في لوقا 6: 27- 38) كان موجهًا رأسًا إلى كتابات مثل حكمة يشوع بن سيراخ، كما أن مهاجمته للأرستقراطية الدينية لا تحتاج إلى إيضاح، فقد أغلق البعض قلوبهم أمام تعليم الرب؛ سواء لاعتمادهم المستمر على الحكمة العالمية، أو لتمسكهم العنيد بتقاليد الكتبة، بينما كانت رسالته موجهة إلى جميع الناس على أساس واحد هو أن يكونوا راغبين في البر، وكانت هذه هي الحكمة الحقيقية التي "تبررت من بنيها" (مت 11 :19، لو 35:7). ويشير الرب يسوع إلى حكمة العالم بالقول: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت 11: 25، لو 10: 21).