الحرية في اختيار المنهج واتّباعه
مع تشديد القديسة تريزا في تعليمها على اختيار الطريقة بحرّية تتلاءم والطبعَ الفرديّ، تدعو إلى تعلّم الطريقة بدقّة، كي لا يبدأ السائر طريقه بالتردّد والضياع، فالمنهج يحمي من العفوية المتقلّبة والإستسلام للأنانية الذاتية، والإلحاح على التعزيات الخارجية ومظاهر الورع. لكنه قد يصبح عائقاً أمام الغاية.
فاتِّباع المنهج بصرامة قد يخفي قلَّة اكتراثٍ لعمل الله ولتحوّلات النعمة في النفس. لذلك يدعو الكتّاب الروحيّون، وأصحابُ المناهج إلى التخفيف من هذه الصرامة حسب الأوقات والأطباع والأحوال الروحيّة والصحيّة. أما مقياس تريزا لهذه الحرية أمام تقنية المنهج فترتبط:
بالطباع المتقلّبة
بالتحوّلات الروحية
وخاصة بحريّة عمل الله التي تفوق أيَّ تصوُّر وقد تعاكس أيَّ انتظار. وهنا تبدو تريزا حازمةً في تأكيدها على عبثيّة التقنية أمام حرية الله المطلقة. فالطريقة هي استعداد شخصيّ، أمّا علم الله فمِنَّةٌ مجانية غير مشروطة.
الخبرة مقياس الحقيقة
كان الإختلائيون، أمثال أوسونا ولاريدو، يدعون إلى التخلّي عن الجسديّات ومنها ناسوت المسيح، من أجل الإرتقاء إلى المشاهدة الروحية الخالصة. ولما حاولت تريزا تطبيق هذا التعليم مُنِيَت بخيبة أمل، وتضايقت من الملل والفراغ. فكتبت تدافع بقوة خبرتها عن خطورة التخلّي عن ناسوت المسيح وضرورة التأمل بالآلام.
ورغم أنها لم تكن تستطيع الإعتماد على قوة الإدراك للتفكير في حقائق الإيمان أو "لاستنباط أفكارٍ من أخرى"، إلا أنها نقضت فكرة إسكات العقل، وعدم التفكير في شيء، كما فَهِمَتها، كي يرفعَ الإنسانُ نفسَه إلى التطلّع السامي برغبةٍ شخصية، فقد خبرت في نفسها أنَّ هذه الرغبة والمحاولة عديمةُ الجدوى، وتنطوي على كبرياء وطموحٍ لا يوافق التواضع ومعرفةَ الذات والإنقياد لعمل الله السرِّيّ في النفس.
الليونة لا الصرامة
قد تبدو الليونة التي تدعو إليها تريزا نتيجةً عادية لافتقارها إلى الثقافة اللاهوتية، والدقَّة في استعمال التعابير الروحية والصوفية في وصف حالات النفس أو قواها أو عناصرها، فنخالها أحياناً غموضاً فكرياً أكثر منه موقفاً تربوياً رصيناً.
لكنَّ ما عانته من صرامة المعلّمين، كتّاباً أو مُرشدين، كفيلٌ بردعِ تريزا، وقد صارت هي معلِّمة، عن أن تدعوَ إلى الأسلوب نفسه. فقد دعت بصراحةٍ إلى اعتماد ما يلائم النفس، وحالاتها، وإعطائها عطلةً من وقتٍ لآخر أو "يومَ أحد"؛ وكما ألحَّت في اعتماد التفكير في البداية والنهاية، كذلك دعت إلى الإنقياد لعمل الله الحرّ في كلّ نفسٍ بتواضعٍ وجرأة؛ لأنّ الليونةَ تلائم ملاءمةً أوفر عملَ الله، كما أنه لا فائدة من مقاومة عمله متى أراد أن يرفع النفس إليه.