5 - ما الإنسان حتى تذكره وابن البشر حتى تفتقده
vما الإنسان
من أجمل آيات الترنم والمزامير على الإطلاق وتستحق أن نتوقف أمامها طويلا لواقعيتها الشديدة وعمق معانيها وحلاوة استنتاجاتها الرهيبة...فكلما تعمق المرنم في التأمل في سفر التكوين وفي السماء المنبسطة أمامه، وتعرف على الرب خالقها ومسيرها بما سبق وصفه به من الاقتدار والعظمة، تذكر ضعفه كإنسان وخطاياه الشخصية وآثام الإنسانية وحقارتها، وتساءل متحيراً في أمره لماذا؟
- لماذا يرفع الله الإنسان ويكرمه؟
- لماذا فضله فسلطه على باقي الخلائق العظيمة؟
- لماذا يهتمّ بمخلوق ضعيف فيجعله شبيهًا به، يحمل صورته ومثاله ،
- لماذا يفكر في خليقة ضعيفة واهية تافهة لا تذكر؟
- لماذا أحبه فصاحبه وصادقه وكلمه؟
ويمضي في داود التساؤل فيصل إلى المقارنة ليكتشف محدوديته الشخصية ومحدودية الإنسان مقارنة بباقي الخلائق فهو محدود في كل شيءً:
- الجمال: ما جمال الإنسان إذا ما قيس بزرقة السماء أو بهاء الملائكة أو حتى جمال زهرة،
- في العلو: ما علو الإنسان إذا ما قيس بسمو النجوم أو حتى بعلو الجبال والأشجار
- القوة: ما قوة الإنسان إذا ما قيست بقوة العاصفة أو الزلزال أو حتى الثور،
- العمر: ما عمر الإنسان إذا ما قيس بعمر الأرض أو حتى السلحفاة
- السرعة: ما سرعة الإنسان إذا ما قيست بسرعة الزمن والصوت والضوء أو حتى الفهد،
- القدرة: ما قدرة الإنسان إذا ما قيست بقدرة الشمس أو البحر أو حتى الذرة.
إلى جانب كل هذا كله فالإنسان خاطيء، كافر بنعمة خالقه، مستعبد لشهواته، متكبر، ناكر للجميل، قاتل سارق سفاح مسارع إلى الحرب وسفك الدماء مخادع سافل زان طماع...
ولكن داود لا يتوقّف عند هذه النظرة الدونية البائسة، بل يتعدّاها ليبيّن إعجابه بما صنعه الله للإنسان فالمرتّل يحسّ بصورة خاصّة بوجود الله في حياته وحياة شعبه لذلك يتغنى بمراحمه فهو يشعر بذاته كإنسان أنه : -
- ذلك الكائن المحدود، ولكن مكانته لا محدودة في عيني الله.
- ذلك الملتصق بالأرض (موطئ قدَمَيْ الرب) وهو محور اهتمام عرش السماء.
- هذا الإنسان الضائع والمنسيّ في الكون، الثمين في عيني الرب يهتمّ به ويحبه ويرعاه.
- كل إنسان شخصياً كأنه كائن وحيد وفريد ومحدّد، وليس فقط الإنسان بالعموم.
vابن البشر:
أو " ابن الإنسان" وهو هنا علامة وتعبير عن الوضاعة والحقارة والضعف... فابن البشر ليس من مصاف الآلهة ولا يرتقى إلى مستوى الملائكة ولا حتى إلى الدرجة التي تدعو الله أن يذكره... لكن نتوقف أمام هذا اللقب نحن أبناء العهد الجديد حيث اتخذه وتبناه الرب يسوع في التحدث عن نفسه وكان يفضله عن غيره من الألقاب مما يجعلنا نغير فكرنا، فالرب يستخدمه علامة على افتقاده لشعبه.
vتفتقده:
وكلمة افتقاد في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مقتصرة على الله وحده ولا تستخدم لغير اسمه القدوس وهي هنا تعبر عن:
- تواضعه: الذي جعله يترك بهاء السماوات ويتجسد على الأرض.
- تجرده: الذي جعله يخلع مجد لاهوته ليلبس رداء بشريتنا الحقير.
- محبته: التي جعلته يتنازل عن جبروت قوته فيصلب ويموت لخلاص خليقته الضعيفة.