القسم الثاني: سمات ضيف الله [2-5]:
2- هو الذي يسلك بنزاهة وصدق في جميع أعماله، يتكلم بالحق في قلبه:
يقول القديس جيروم "مادمنا نرحل من الخيام إلى الجبل، يليق بنا أن نتعرف على أولئك الذين يهاجرون إليه"، تحوى هذه الآية وما يليها الشروط الأساسية الواجب توافرها لمن يبغي نوال هذا الشرف الرفيع:
Ø الشرط الأول: نزاهة الضمير: النزاهة هي البراءة والطهارة، وهو نفس المعنى الذي يدور حوله المزمور الأول، فالسلوك هو مجموع التصرفات التي توحي وتشير إلى ما يعيشه الإنسان داخلياً، والسلوك غير المشوب بالعيب يشير إلى إنسان صالح صدّيق يتقي الله في أعماله. تزاهة الضمير إذن كبداية عامة، ثم تصير أكثر تخصيصاً باستخدام كلمة "بلا لوم" والكلمة المقابلة في العبرانية "تاميم"، وتُستخدم في العهد القديم لوصف الحملان التي تقدم كذبائح، والتي كانت رمزاً لحمل الله الذي بلا عيب. وهي هنا تنطبق على طهارة القلب وسلامته، فعل من يخدم الله أو يقترب منه أن يسلك بإخلاص، حافظاً نفسه بلا دنس في العالم، هكذا إن أردنا أن نكون عابدين مقبولين لدى الله يلزمنا أن نتحد معه، ونتشبه به، أن نكون أناساً كاملين، مستقيمين، وان نُقدم حياتنا ذبيحة يومية.
Ø الشرط الثاني: الصدق في جميع لأعمال: وما أدراك ما الصدق؟ إنه حقاً ثمين في عيني الله، وليس غريب أن يصف الله نفسه بالصدق، فهو من أسمى الصفات وأقربها إلى قلبه، ونستطيع أن نقدّر القيمة العظيمة للصدق، حين نعلم أنه وحده كفيل بالقضاء على سبع خطايا عظيمة هى: الكذب، الغش، الخداع، المكر، الخديعة الرياء والتظاهر؛ وإذا كانت فضيلة واحدة كفيلة بالقضاء على هذه البلايا السبع، أفلا ينبغي أن نتمسك بها.
و"السالك بلا عيب" هو شخص مازال على الطريق ولم يبلغ النهاية بعد. ولم يقل المرنم من بلغ النهاية بلا عيب أو خطيئة، وإنما الذي لا يزال يجاهد سائراً في الطريق بلا دنس؛ بمعنى إنه وإن كانت الحياة بلا لوم لازمة وضرورية، لكن الأهم لا أن نكون قد بلغنا نهاية طريق الكمال، إنما أن نسلك مجاهدين فيه، بمعنى آخر قد نضعف ونسقط لكننا في برّ الله نقوم ونثبت، وهكذا ننطلق في الطريق يوماً فيوماً بلا يأس.
Ø الشرط الثالث: يتكلم بالحق في قلبه: تركيز الرب هنا على القلب أي داخل الإنسان وباطنه فكثيراً ما يتكلم اللسان بالصدق بينما الباطن ينطق بالكذب "يأتون في ثياب الحملان وهم في الداخل ذئاب خاطفة" (متى 7:15). فما يهم الله في المقام الأول نزاهة الضمير والصدق كي يصل القلب إلى أن يحكم وينطق بما هو حق وعدل وصدق وإيمان. كلمة "الحق" هنا تعني ما هو أكيد وموثوق به وليس مجرد الشيء الصحيح، يقول أغسطينوس: "لا يكفي أن تنطق بالحق ما لم يكن الحق ساكناً أيضاً في قلبك". لأن السلوك الشرير غالباً ما يُسقطنا في الكذب لتغطية الشر الذي نريد إخفاءه.