ماذا فعل عندما توفى أبنه ؟
حدث أن الدكتور إبراهيم ميخائيل الابن البكر لابونا ميخائيل كان في الثلاثين من عمره وهو عريسا لم يكتمل على زواجه عام واحد و ولدت ابنته أن أسره العدو كضابط طبيب في حرب عام 1956، و لما عاد إلى ارض الوطن جريحاً في المستشفى لم يكن يهم الأب عندما عرف أن ابنه يعانى من مرض خطير إلا أن كان همه أن يطمئن على مصيره الأبدي فأسرع في لهفة إلى أحد الآباء يستدعيه إلى المستشفى ليستمع إلى اعتراف ابنه حتى يأخذ الأسرار المقدسة اليه فلما أتم هذا كله استراح ضميره و حينئذ لم يكن عجبا أن نراه و قد سار خلف نعش ابنه متعزيا. اشترك أبونا ميخائيل مع الآباء الكهنة في الصلاة على جثمانه و بعد القيام بدفنه أمر المشيعين أن ينتظروا قليلا حتى يرفع شكره للـه و صلى قائلا "أشكرك يارب لأنك أخذت وديعتك، الرب اعطى و الرب أخذ فليكن اسم الرب مباركا". كانت يوم الوفاة الجمعة و لم يتأخر أبونا عن القيام بالقداس في يوم الأحد "يوم الثالث". و قد جاء القس يوحنا شنودة من بلدة قلوصنا بمحافظة المنيا للعزاء و عند مقابلته لأبونا ميخائيل غلبته العاطفة فبكى و لم يتفوه بكلمة واحدة فما كان من أبونا ميخائيل إلا أن اسكته قائلا "مش إحنا اللى نعمل كده ، لو ابنى انتدب في بعثة علمية لأمريكا مش كنت أفرح؟ إذن أفرح اكثر لما راح السما.. إحنا إلى نعزى الناس علشان كده لازم قلوبنا تكون مليانة من العزاء ..و لو أن منك نستمد البركة إلا انى اتجرأ و أقول لك عليك البركة تسكت و تبطل بكا
+ علاقته بالقديسين: كان مرتبط بهم فى محبة وصداقة، يتوجه إلى الصور والأيقونات يلقى السلام على كل منهم ويطلب معونتهم ومشاركتهم الفعلية فى حل المشاكل لشعبه وأولاده.
+ متواضع القلب والفكر يسلك حياته غير متكلفا يطلب الصلاة من الآخرين. وفى صلاته كان يطلب فى إتضاع وإنسحاق قلب من أجل نفسه ومن أجل الآخرين فيقول "سامحنى يارب وسامح أخويا".. وكم من مرات إعتذر لكثير من الخدام لأنه وبخهم من أجل خطأ إرتكبوه وكان يعود يقول للواحد منهم "سامحنى يا أبنى هات رأسك أبوسها" وكم من مرات يعمل مطانيات لمن يعنفه على حق. فى يوم عيد ذهب أحد أبنائه الشمامسة إلى الكنيسة متأخراً وكان يود أن يخدم شماساً ولم يجد تونية ليلبسها فبكى وخرج وعند الباب قابله أبونا ميخائيل وسأله عن سبب بكائه فلما عرفه أخذه بيده الحانية ثم دخل وأخرج تونيته الخاصة وقال له: عليك البركة ألبسها وأخدم وماتزعلش.. فلما امتنع الشماس قال له "عليك البركة ألبسها وأخدم وأفرح لأنه لا يصح أن نحزن فى هذا اليوم".
حبيب الفقراء والمحتاجين: كثيراً ما شارك أخوة الرب فى موائد المحبة التى كانت تقيمها الكنيسة حيث كان يجلس فى وسطهم ووجهه ممتلئ بالفرح والبشاشة. وما أكثر القصص والذكريات التى يرويها خدام الخدمة الإجتماعية من الحب العميق الذى كان فى قلبه نحو أخوة المسيح. وكان دائماً يحتفظ بسرية الحالات وسرية أسماء الذين يقدمون العطايا، وكان دائم الإفتقاد لهم وزيارتهم فى منازلهم دون أن يجرح مشاعرهم بل يعاملهم فى حب وإحترام. وأهم شئ كان يوزع بأمانة النذور والبكور على الأسر المحتاجة.
المرشد الروحى وأب الإعتراف : فقد كان أباً بكل ما تحويه الكلمة من معان. يسعى نحو الخراف إذا وجد فيها كبرياء ينحنى كى يحملها ويرفعها، وكم من خطاه تابوا على يديه، وكم من قادة نالوا منه الإرشاد الحكيم، وكانت أبوته لا تعرف المحاباة أو التمييز لأنها كانت تستوعب الجميع بمحبته وبذله وتضحيته التى بلا حدود. كان يصلى دائماً من أجل أولاده ويكتب أسماءهم ليضعها على المذبح حتى يذكرهم كلا باسمه وكان يؤمن أن ذبيحة القداس الإلهى لابد أن تحل أى مشكلة توضع عليها لذا كان يضع كل المشاكل أمام الله وقت السجود فى القداس قبل حلول الروح القدس هكذا كان أبونا ميخائيل
وكان من عادته أن لا يبدأ أى إعتراف ولا يقبل أى كلام إلا إذا صلى أولاً مع المعترف ليرشد الروح القدس ويعمل ويتكلم فى بدء الإعتراف. وكان كلما إعترف المعترف بخطيته كان يرد ببساطة وإتضاع "الله يسامحنى ويسامحك". وكان يستمع للمعترف وهو مغمض العينين ويخرج من فمه كلام يتحقق بمرور الوقت. وكان إرشاده يتلخص فى كلمة واحدة هى "الصلاة" وكانت صلاته تقتدر كثيراً فى فعلها، وكانت مقابلة واحدة معه تكفى لأن تعيد للإنسان رجاءه مهما كانت سقطاته وكان إرشاده نابعاً من وصايا الكتاب المقدس، كان مرشداً لكثيرين من قادة الكنيسة وأب إعتراف لأساقفة وكهنة كثيرين.
إنتقاله ودفنه فى الكاتدرائية الكبرى
فى 26/3/ 1975 م إنتقل القمص ميخائيل إبراهيم إلى السماء لينعم فى أحضان الآب السماوى مع القديسين والملائكة بعد رحلة فى هذه الحياة دامت ستة وسبعين عاماً، كل يوم فيها له قدسيته وله تأملاته وصلواته وله شركته مع الله.
قال قداسة البابا شنودة الثالث فى يوم نياحته خسارة كبيرة أن نُحرم من هذا القديس، نحن نؤمن أنه لم يمت بل هو إنتقل ولكن لاشك أن هذا المرشد العميق وهذا القلب المحب وهذه الطاقة الجبارة قد بعد عنا، نطلب أن يكون قريباً منا بصلواته وطلباته.
قال البابا شنودة في مراسم الصلاة عليه " عندما طلبت منهم في كنيسة مارمرقس بشبرا أن يدفن هنا في الكاتدرائية اسفل الهيكل الكبير خلف ضريح مارمرقس فان السبب الظاهرى الذي قلته لهم هو الآتى : "إن القمص ميخائيل رجل عام ليس ملكا لكنيسة واحدة و ابناؤه في كل موضع ، كل حى في كل بلد و لا يصح أن يقتصر على مكان معين فالأفضل أن يدفن هنا في مكان عام". أما السبب الحقيقي الذي في أعماقي فهو أنني كنت أريد أن يصير جسد هذا الرجل سندا لنا في هذا الموضع، نستمد منه البركة .. (و هنا بكى البابا، و قام نيافة الأنبا يؤانس أسقف الغربية يكمل الكلمة).