..::| VIP |::..
|
رد: تجسد الكلمة - البابا أثناسيوس الرسولى
الفصل السابع
على أننا من الجهة الأخرى نعلم أن طبيعة الله ثابتة, ولا يمكن أن نضحي من أجلنا, أيدعي البشر إذن التوبة؟ لكن التوبة لا تستطيع أن تحول دون تنفيذ الحكم, كما أنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تداوي الطبيعة البشرية الساقطة. فنحن قد جلبنا الفساد على أنفسنا ونحتاج لاعادتنا الى نعمة صورة الله , ولا يستطيع أحد أن يجدد الخلق الا الخالق فهو وحده الذي يستطيع (1) أن يخلق الجميع من جديد (2) أن يتألم من أجل الجميع (3) أن يقدم الجميع الى الآب.
1- وان كنا قد وصلنا الى هذه النتيجة فاننا من الناحية الأخرى نجد مطالب الله العادلة. تصطدم بها، إذ يجب أن يكون الله أمينا وصادقا من جهة حكم الموت الذي وضعه. لأنه كم يكون شنيعا جدا لو كان الله أبو الحق يظهر كاذبا من أجلنا نجاتنا؟
2- ومرة أخرى نقول : أي طريق كان ممكنا أن يسلكه الله ؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم ؟ وهذا قد يرى لائقا بالله- لعله كما ورثوا الفساد بسبب التعدي ينالون عدم الفساد بسبب التوبة.
3- ولكن التوبة (أولا) لا تستطيع أن توفى مطلب الله العادل لأنه ان لم يظل الإنسان في قبضة الموت يكون الله غير صادق (ثانيا) تعجز عن أن تغير طبيعة الإنسان ، لأن كل ماتفعله هو أنها تقف حائلا بينه وبين ارتكاب الخطية.
4- ولو كان الأمر مجرد خطأ بسيط ارتكبه الإنسان، ولم يتبعه الفساد، فقد تكون التوبة كافية. أما وقد علمنا أن الإنسان بمجرد التعدي انحرف في تيار الفساد, الذي كان طبيعة له. وحرم من تلك النعمة التي سبق أن أعطيت له, وهي مماثلة لصورة الله, فما هي الخطوة التالية التي يستلزمها الأمر؟ أو من الذي كان يستطيع أن يعيد اليه تلك النعمة. ويرده الى حالته الأولى. الا كلمة الله الذي خلق كل شئ من العدم في البدء؟
5- لهذا كان أمام كلمة الله مرة أخرى أن يأتي بالفاسد الى عدم فساد، وفي نفس الوقت أن يوفي مطلب الآب العادل. المطالب به الجميع, وحيث أنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذي يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شئ, وأن يتحمل الآلام عوضا عن الجميع, وأن يكون نائبا (1) عن الجميع لدى الآب.
الحواشي
(1) أو شفيعا ، أو سفيرا كبعض الترجمات.
************
الفصل الثامن
لهذا افتقد كلمة الله الأرض التي كان حاضرا فيها دوما، ورأى كل هذه الشرور؛ ثم أخذ جسدا من طبيعتنا من عذراء طاهرة عفيفة حل في أحشاءها, وذلك لكي يعلن نفسه فيه، ويقهر الموت, ويعيد الحياة.
1- لأجل ذلك جاء الى عالمنا كلمة الله, الخالي من الجسد، والعديم الفساد، وغير المادي مع أنه لم يكن عنا ببعيد (1) . لأنه لم يترك شيئا من البرايا خلوا منه، إذ هو يملأ كل شئ في كل مكان, وفي نفس الوقت هو كائن مع أبيه, ولكنه تنازل وأتي الينا لكي يعلن شفقته علينا ويفتقدنا.
2- وإذ رأى جنس الخليقة العاقلة في طريق الهلاك, وأن الموت يسودهم بالفساد، وإذ رأى أيضا أن التهديد بالموت في حالة التعدي, قد مكن الفساد من طبيعتنا، وأنه لأمر شنيع أن ينحل الناموس قبل أن يتم , وإذ رأى أيضا عدم لياقة الأمر الراهن, وهو أن خليقته التي خلقتها يداه في طريق الفناء, وإذ رأى فوق هذا شر البشر المستطير , وأنهم يتزايدون فيه شيئا فشيئا, حتى أشرفوا على هوة سحيقة, وإذ رأى أخيرا أن كل البشر تحت قصاص الموت – لهذا أشفق على جنسنا, وترفق بضعفنا, ورثى لفسادنا. وإذ عن جسدنا لم يحتمل أن يرى الموت تصير له السيادة, لئلا تفنى به الخليقة, وتذهب صنعة أبيه في البشر هباء, وقد أخذ لنفسه جسدا لا يختلف.
3- لأنه لم يفكر في مجرد التجسد, أو مجرد الظهور(2) وإلا فلو أنه أراد مجرد الظهور لاستطاع أن يتمم ظهوره الالهي بطريقة أسمى وأفضل. ولكنه أخذ جسدا من جنسنا وليس ذلك فحسب, بل من عذراء طاهرة بلا لوم لم تعرف رجلا ، جسدا طاهرا وخاليا بالحق من زرع بشري, لأنه وهو القادر على كل شئ, وبارئ كل شئ, أعد الجسد في العذراء كهيكل لها, وجعله جسده بالذات واتخذه أداه له وفيه أعلن ذاته, وفيه حل .
4- وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسدا مماثلا لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضا عن الجميع, وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا, وذلك (أولا) لكي يبطل الناموس الذي كان يقضي بهلاك البشر, إذ مات الكل فيه، لأن سلطانه قد أكمل في جسد الرب ولا يعود ينشب أظفاره في البشرالذين ناب عنهم. (ثانيا) لكي يعيد البشر الى عدم الفساد بعد أن عادوا الى الفساد، ويحييهم من الموت بجسده وبنعمة القيامة, وينقذهم من الموت(3) كانقاذ القش (4) من النار.
الحواشي
1- أعمال 17: 27
2- انظر فصل 7:43
3- الترجمة الأصح : ويبيد الموت عنهم
4- أو ( القصب) كبعض الترجمات، والمعنى أن الناس هم القش، والموت هو النار
========================================
الفصل التاسع
وإذ لم يكن ممكنا أن يوقف الوباء الا بالموت أخذ الكلمة جسدا قابلا للموت, واذ اتحد الجسد به أصبح نائبا عن الكل. وباشتراكه في عدم موته أوقف فساد الجنس البشري. وبكونه أسمى من الكل. جعل جسده ذبيحة لأجلنا. وبكونه واحدا معنا كلنا ألبسنا عدم الموت .
1- وإذ رأى الكلمة أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل الا بالموت كشرط لازم, وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب. لهذا أخذ لنفسه جسدا قابلا للموت. حتى باتحاده بالكلمة, الذي هو فوق الكل، يكون جديرا أن يموت نيابة عن الكل, وحتى يبقى في عدم فساد بسبب الكلمة الذي أتى ليحل فيه وحتى يتحرر الجميع من الفساد، فيما بعد، بنعمة القيامة من الأموات. وإذ قدم للموت ذلك الجسد الذي أخذه لنفسه كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فورا عن جميع من ناب عنهم, إذ قدم عوضا عنهم جسدا مماثلا لأجسادهم.
2- ولأن كلمة الله متعال فوق الكل، فقد لاق به بطبيعة الحال أن يوفي الدين بموته وذلك بتقديم هيكله وآنيته البشرية لأجل حياة الجميع (أو فداء عن الجميع) وإذ اتحد ابن الله عديم الفساد بالجميع بطبيعة مماثلة، فقد ألبس الجميع عدم الفساد بطبيعة الحال، بوعد القيامة من الأموات. لأنه لم يعد ممكنا أن ينشب فساد الموت الفعلي أظافره في البشر، وذلك بسبب " الكلمة الذي جاء وحل بينهم بجسده الواحد.
3- وكما أنه لو دخل ملك عظيم مدينة عظيمة (1) واتخذ اقامته في أحد بيوتها، فان هذه المدينة تتشح بالشرف الرفيع، ولا يعود عدو أو لص ينزل اليها لإخضاعها, بل على العكس تعتبر مستحقة لكل عناية. لأن الملك اتخذ مقره في بيت واحد من بيوتها، كذلك كانت الحال مع ملك الكل.
4- فإنه إذ أتى الى عالمنا، واتخذ اقامته في جسد واحد بين أترابه فقد بطلت كل مؤامرة العدو ضد الجنس البشري منذ ذلك الحين، وزال عنهم فساد الموت الذي كان سائدا عليهم من قبل لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع ، ابن الله، قد جاء الينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت (2) لكان الجنس البشري قد هلك.
الحواشي
(1) لعله يشير الى ما كان يحدث عند زيارة الأباطرة للبلاد. وقد تشرفت القسطنطينية بعد ذلك سنة 326 بزيارة الملك العظيم قسطنطين لها واقامته فيها
(2) او ليضع حدا للموت.
=================================
الفصل العاشر
إيضاح معقولة الفداء بتشبيه آخر. كيف أزال المسيح عنا هلاكنا, وقدم لنا في تعاليمه الدواء الشافي من سمومه. البراهين الكتابية لتجسد الكلمة، وللذبيحة التي قدمها.
1- حقا لقد كان هذ1 العمل العظيم متفقا مع وجود الله بشكل عجيب لأنه اذا أسس ملك منزلا أو مدينة وأحدق بها اللصوص بسبب اهمال سكانها ، فانه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال, بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال باهمال سكانها، بل بما يليق بذاته، وهكذا الله، كلمة الآب الكلي الصلاح, ولم يهمل الجنس البشري صنعة يديه, ولم يتركه للفساد، بل أبطل الموت بتقديم جسده، وعالج اهمالهم بتعاليمه، ورد بسلطانه كل ما كان للانسان.
2- وهذه كلها يمكن للمرء أن يتحققها من كتبة الانجيل. الذين كتبوا بالهام الروح القدس، إذ اطلع على كتاباتهم التي فيها يقولون " لأن محبة المسيح تحصرنا اذ نحن نحسب هذا أنه ان كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذا ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي لا نعيش فيما بعد لأنفسنا بل للذي مات لأجلنا وقام 2كو 5: 14و 15 ربنا يسوع المسيح. أيضا " ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد عبرانيين 2: 9
3- بعد ذلك يبين في الآية التالية لماذا لم يكن ممكنا لأحد آخر سوى الله " الكلمة" نفسه أن يتجسد : لآته لاق بذاك الذي من أجله الكل , وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلي المجد. أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام عبرانيين 2: 10 وهو بهذه الكلمات يقصد أن يبين أنه لم يكن مستطاعا لأحد آخر أن يرد البشر من الفساد الذي بدا غير كلمة الله الذي خلقهم أيضا من البدء
4- ولا مكان تقديم ذبيحة عن الأجساد أخذ الكلمة جسدا مشابها. والى هذا يشيرون أيضا في الكلمات التالية " " فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا فيهما لكي يبيد بالموت ذات الذي له سلطان الموت أي ابليس ويعتق الذي خوفا من الموت كانواجميعا كل حياتهم تحت العبودية "عبرانيين 2: 14و 15
5- لأنه بذبيحة جسده وضع حدا لحكم الموت الذي كان قائما ضدنا , ووضع لنا بداية جديدة للحياة برجاء القيامة من الأموات الذي أعطاه لنا لأنه إن كان بإنسان قد ساد الموت على البشر لهذا السبب أيضا بطل الموت, وتمت قيامة الحياة بتأنس كلمة الله, كما كخاضعين للدينونة بل يقول ذلك الإنسان الذي حمل سمات المسيح (غلاطية 17:6 ) " فإنه إذ الموت بإنسان ، بإنسان أيضا قيامة الأموات لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع(1كو 15: 21و22) وهكذا نحن الآن لا نموت بعد كاناس يقومون من الموت ننتظر القيامة العامة للجميع, التي سيبينها في أوقاتها الله. الذي أتممها, والذي وهبنا إياها (1تيموثاوس 15:6)
6- إذن فهذا هو السبب الأول الذي من أجله تأنس المخلص . على أننا سنرى أيضا من الأسباب الأخرى التالية أن مجيئه المبارك بيننا كان لابد أن يتم.
|