الرجل والعاطفة
الرجل عاطفى، ينفعل و يشفق، ويظهرالحنان نحو الآخرين، ويتأثر بآلامهم، ويتقدم ليخفف عنهم ويتابعهم، ويبادل الآخرين حبا بحب،غير أن عاطفة الرجل تختلف عن عاطفة المرأة مثلما تختلف عاطفة الأبوة عن عاطفة الأمومة ..
أن اختلاف نمط العاطفة وأسلوب التعبير عنها عند كلٍ من الرجل والمرأة، لا يجعلنا بأى حال من الأحوال أن نتهم الرجل بجفاف العاطفة بالمقارنة بالمرأة.
هناك عوامل تربوية تساهم فى جعل الرجل أقل من المرأة قدرة على التعبير عن مشاعره وانفعالاته، حتي يبدو الرجل أحياناً أقل حرارة عاطفية من المرأة، فمثلا يمكن أن يسمح للبنت بالتعبير التلقائى عن انفعالاتها بالبكاء والكلمات، بينما قد لا يسمح للولد بذلك بنفس القدر، فالولد إذا بكى، قيل له: "لاتبك، فالبكاء سمة البنات وحدهن" مثل تلك الأساليب التربوية تشكل صعوبة أمام الرجل بوجه عام فى تعبيره عما يجيش بصدره من عاطفة، لذلك تشكو كثير من الزوجات من أن الرجل قليل التعبير عن العاطفة، يحب ولكنه لا ينطق بكلمة تصف هذا الحب .. لذلك نجد فى أحوال كثيرة أن الكلمات عند المرأة وسيلة للتعبير عن العاطفة أكثر منها وسيلة لنقل الأفكار، بينما نجدها عند الرجل وسيلة لنقل الأفكار، أكثر منها وسيلة لتعبير عاطفى.
غير أن هذا الكلام يختلف من فرد إلى آخر وفقاً لمدى رهافة حس الفرد، التى تتأثر بدورها بإستعداداته الشخصية من ناحية، وبمدى الإشباع الذى يحصل عليه فى طفولته من الناحية الأخرى .. فلو كان الرجل جافاً عاطفياً لأسباب جينية أو هورمونية، لما وجدنا رجالاً أشد عاطفية من نساء كثيرات، ولما وجدنا نساء أكثر عقلانية من رجال كثيرين. ولكن الواقع العملى يضعنا أمام اختلافات فردية كثيرة، حتى نجد زوجة تشكو من عاطفية و رومانسية شديدة لدى زوجها، وزوجاً يشكو من جفاف زوجته عاطفياً.
توازن بين العقل والعاطفة:
لكن.. دعنا نعود مرة أخرى إلى أرض الواقع، إلى الرجل الشرقي والمرأة الشرقية، سعياً نحو رؤية إنسانية حضارية راقية تلمع فى عيوننا رجالاً ونساءً.
أن كان الرجل يتحكم فى انفعالاته فيما هو يفكر، والمرأة تتأثر بانفعالاتها فيما هى تفكر، فلا يعنى ذلك أن تفكير الرجل أقرب إلى الصواب. إنما ينبغى أن يتدرب الرجل والمرأة على أن يصنع توازناً بين العقل والمنطق من ناحية، وبين المشاعر الإنسانية من ناحية أخرى. لأن عدم مراعاة المشاعر الإنسانية يجعل القرار جافاً جامداً، كما أن عدم مراعاة العقل والمنطق يجعل القرار هوائياً صبيانياً .. وكثيراً ما يحدث هذا التوازن من خلال الحياة الزوجية، إذ يمتص كل من الزوجين شيئا من طباع الآخر، فلا يعود الرجل مبلغاً فى عقلانيته، ولا المرأة فى عاطفيتها ..
من خلال التفاعل الزوجى والتفاهم والمحبة المشتركة، يحدث نوع من التكامل النفسى لكلٍ من الزوجين، كما يحدث نوع من توازن الشخصية، وبذلك نجد القرار الزوجى المشترك المتكامل المتوازن الذى يستقى أصوله من حكمة العقل ودفء العاطفة. ولا أقصد هنا حكمة عقل الرجل و دفء عاطفة المرأة، بل حكمة عقل و دفء عاطفة كل منهما، بعد أن تحقق نوع من التوازن بين العقل والعاطفة فى شخصية كل منهما.
كلٍ من الرجل والمرأة إذن يمكن أن يكون عقلانياً وعاطفياً بصورة متوازنة إذا تربى على أو إذا درب نفسه على ذلك.