الموضوع
:
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عرض مشاركة واحدة
اليوم, 12:28 PM
رقم المشاركة : (
223003
)
Mary Naeem
† Admin Woman †
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة :
9
تـاريخ التسجيـل :
May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة :
Egypt
المشاركـــــــات :
1,392,849
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصَّيد العَجائبي ودَعوة بُطرُس والتَّلاميذ الأوَّلين
النص الإنجيلي (لوقا 5: 1-11)
1 وازْدَحَمَ الـجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت. 2 فَرَأَى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادون يَغسِلونَ الشِّباك. 3 فرَكِبَ إِحْدى السَّفينَتَين وكانَت لِسِمعان، فسأَلَه أَن يُبعِدَ قَليلاً عنِ البَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَّفينَة. 4 ولـمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان: ((سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد)). 5 فأَجابَ سِمعان: ((يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئاً، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ)). 6 وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَك شَيئاً كثيراً جداً، وكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق. 7 فأَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم. فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان. 8 فلَمَّا رأَى سِمعان بُطرُس ذَلِكَ، اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع وقال: ((يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ)). 9 وكانَ الرُّعْبُ قدِ استَولى علَيهِ وعلى أَصحابهِ كُلِّهم، لِكَثَرةِ السَّمَك الَّذي صادوه. 10 ومِثلُهُم يَعْقوب ويوحَنَّا ابنا زَبَدى، وكانا شَريكَي سِمعان. فقالَ يَسوع لِسِمعان: ((لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً)). 11 فرَجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إِلى البَرّ، وتَركوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه.
المُقَدِّمَةُ
يَصِفُ لُوقَا ظ±لْإِنْجِيلِيُّ، فِي مُسْتَهَلِّ خِدْمَةِ يَسُوعَ ظ±لرَّسُولِيَّةِ فِي ظ±لْجَلِيلِ، دَعْوَتَهُ ظ±لثَّانِيَةَ لِبُطْرُسَ وَأَخِيهِ أَنْدَرَاوُسَ، وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، بَعْدَ حَادِثَةِ ظ±لصَّيْدِ ظ±لْعَجَائِبِيِّ. وَيَنْفَرِدُ لُوقا في رِوايَةِ هذَا الصَّيْدِ الثَّاني، الَّذي تَمَّ في وَضَحِ النَّهارِ (لُوقا 5: 5–7). وَهَؤُلَاءِ ظ±لتَّلَامِيذُ ظ±لْأَوَائِلُ يُمَثِّلُونَ ظ±لْعَالَمَ بِأَقْطَارِهِ ظ±لْأَرْبَعَةِ، حَيْثُ سَيَحْمِلُونَ إِلَيْهِ لِوَاءَ ظ±لدَّعْوَةِ وَظ±لتَّبْشِيرِ بِظ±لْإِنْجِيلِ، بَعْدَ صُعُودِ يَسُوعَ إِلَى ظ±لسَّمَاءِ. يُعَلِّقُ ظ±لطُّوبَاوِيُّ يُوحَنَّا بُولُسُ ظ±لثَّانِي قَائِلًا: "وَثِقَ بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ ظ±لْأَوَّلُونَ بِكَلِمَةِ ظ±لْمَسِيحِ، وَأَلْقَوْا شِبَاكَهُمْ لِلصَّيْدِ. مَنْ يَفْتَحْ قَلْبَهُ لِلْمَسِيحِ لَا يَفْهَمْ سِرَّ وُجُودِهِ فَحَسْبُ، بَلْ دَعْوَتَهُ ظ±لْخَاصَّةَ أَيْضًا" (ظ±لرِّسَالَةُ فِي ظ±لْيَوْمِ ظ±لثَّانِي وَظ±لْأَرْبَعِينَ ظ±لْعَالَمِيِّ لِلصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ ظ±لدَّعَوَاتِ، بِتَارِيخِ 17 نَيْسَانَ 2005). وَمِنْ هُنَا، تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ ظ±لْبَحْثِ فِي وَقَائِعِ ظ±لنَّصِّ ظ±لْإِنْجِيلِيِّ وَتَطْبِيقَاتِهِ.
أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل لوقا (لوقا 5: 1-11)
1 وازْدَحَمَ الـجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله،
وهُوَ قائمٌ على شاطِئِ بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِت
تَشِيرُ عِبَارَةُ "ظ±زْدَحَمَ ظ±لْجَمْعُ عَلَيْهِ لِسَمَاعِ كَلِمَةِ ظ±للَّهِ" إِلَى رَبْطِ إِطَارِ ظ±لتَّبْشِيرِ مَعَ مُعْجِزَةِ ظ±لصَّيْدِ ظ±لْعَجَائِبِيِّ. إِذْ تَمَّتِ ظ±لْمُعْجِزَةُ فِي إِطَارِ تَعْلِيمِ يَسُوعَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظ±لْمُعْجِزَةَ تَبْدُو بِمَظْهَرِ تَعْلِيمٍ يُلْقَى عَلَى ظ±لتَّلَامِيذِ، وَيُعَزِّزُ أَقْوَالَهُ: "سَتَكُونُ بَعْدَ ظ±لْيَوْمِ لِلْبَشَرِ صَيَّادًا" (لُوقَا 5: 10). ظ±لْيَوْمَ، هَلْ يَزْدَحِمُ ظ±لنَّاسُ عَلَى ظ±لْمَسِيحِ؟ هَلْ نَحْنُ مُتَلَهِّفُونَ لِسَمَاعِ كَلِمَةِ ظ±للَّهِ عَلَى مِثَالِ ظ±لْجَمْعِ آنَذَاكَ؟ أَمَّا عِبَارَةُ "كَلِمَةِ ظ±للَّهِ" فَتُشِيرُ إِلَى وَحْيِ ظ±للَّهِ ظ±لْمُتَعَلِّقِ بِخَلْقِ ظ±لْعَالَمِ وَفِدَائِهِ وَتَقْدِيسِهِ، وَتَارِيخِ مُعَامَلَةِ ظ±للَّهِ لِشَعْبِهِ. كَمَا تُشِيرُ أَيْضًا إِلَى مَجْمُوعِ ظ±لنُّبُوءَاتِ عَمَّا سَيَكُونُ حَتَّى ظ±لْمُنْتَهَى، وَظ±لنَّصَائِحِ ظ±لدِّينِيَّةِ وَظ±لْأَدَبِيَّةِ ظ±لَّتِي تُنَاسِبُ جَمِيعَ بَنِي ظ±لْبَشَرِ فِي كُلِّ ظ±لْأَزْمِنَةِ. مَحْوَرُ لِقائِنا بِالرَّبِّ هُوَ لِقاؤُنا بِكَلِمَةِ اللهِ، إِذْ تَرْتَبِطُ حَياتُنا ارْتِباطًا وَثيقًا بِكَلِمَةِ اللهِ، سَواءٌ الـمَنْطُوقَةِ أَمِ الـمَنْقُولَةِ مِنْ خِلالِ يَسوعَ. أَمَّا عِبَارَةُ "وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ" فَتُشِيرُ إِلَى مَكَانِ لِقَاءِ يَسُوعَ مَعَ ظ±لْجَمْعِ لِتَعْلِيمِهِمْ (مَرْقُسَ 2: 13، 3: 7، 4: 1). فَقَدْ طَلَبَ ظ±لْمَسِيحُ ظ±لِظ±نْفِرَادَ عَنِ ظ±لْجُمُوعِ ظ±لَّذِينَ زَحَمُوهُ فِي ظ±لْمُدُنِ بِسَيْرِهِ عَلَى شَاطِئِ ظ±لْبُحَيْرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ تَبِعُوهُ بِكَثْرَةٍ. أَمَّا عِبَارَةُ "بُحَيْرَةِ جِنَّاسَرِتَ" فَتُشِيرُ إِلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ (يُوحَنَّا 6: 21) أَوْ بَحْرِ ظ±لْجَلِيلِ (يُوحَنَّا 6: 1). وَتُسَمَّى فِي ظ±لْعَهْدِ ظ±لْقَدِيمِ "بُحَيْرَةَ" أَوْ "بَحْرَ كِنَّارَةَ" (كِنَّرَتْ) (ظ±لْعَدَدُ 34: 11) بِظ±سْمِ مَدِينَةِ كِنَّارَةَ فِي نَفْتَالِي (تَثْنِيَةُ ظ±لِظ±شْتِرَاعِ 3: 17). وَتُعْرَفُ فِي ظ±لتَّوْرَاةِ ظ±لْيُونَانِيَّةِ بِظ±سْمِ جِنَّاسَرَ (1 مُلُوكَ 11: 67) أَوْ جِنِيسَارَتْ (خ“خµخ½خ½خ·دƒخ±دپل½³د„) ظ±لَّذِي يُشْتَقُّ مِنَ ظ±لْكَلِمَةِ ظ±لْعِبْرِيَّةِ ×’ض¼ض´×*ض¼ضµ×™×،ض¸×¨ "×’ض¼ض·×ں" وَظ±لَّتِي تَعْنِي "ظ±لْجَنَّةَ". وَبَعْدَ ذَلِكَ، صَارَتْ جِنَّاسَرَ هِيَ كِنَّارَةَ. تَدُلُّ جِنِيسَارَتْ عَلَى سَهْلِ ظ±لْغُوَيْرِ ظ±لْخَصِبِ ظ±لْوَاقِعِ غَرْبِيَّ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ (مَتَّى 14: 34). كَمَا تَدُلُّ عَلَى خَرَائِبِ ظ±لْمِنْيَةِ ظ±لْحَالِيَّةِ، وَظ±لَّتِي بُنِيَتْ فِي ظ±لْعَهْدِ ظ±لرُّومَانِيِّ فِي ظ±لْمَكَانِ ظ±لَّذِي كَانَتْ فِيهِ كِنَّارَةُ ظ±لْقَدِيمَةُ. يُطْلَقُ حَالِيًّا عَلَى ظ±لْبُحَيْرَةِ ظ±سْمُ "بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ"، وَيَبْلُغُ طُولُهَا ظ±لْأَقْصَى مِنَ ظ±لشِّمَالِ إِلَى ظ±لْجَنُوبِ 21 كِيلُومِتْرًا، وَعَرْضُهَا ظ±لْأَقْصَى مِنَ ظ±لشَّرْقِ إِلَى ظ±لْغَرْبِ 12 كِيلُومِتْرًا. وَيَتَرَاوَحُ عُمْقُهَا بَيْنَ 42 وَ48 مِتْرًا، وَمِسَاحَتُهَا نَحْوَ 144 كِيلُومِتْرًا مُرَبَّعًا. وَيَتَرَاوَحُ مُسْتَوَاهَا مَا بَيْنَ 208 وَ210 مِتْرَاتٍ تَحْتَ سَطْحِ ظ±لْبَحْرِ ظ±لْمُتَوَسِّطِ، وَمِيَاهُهَا حُلْوَةٌ وَصَافِيَةٌ وَكَثِيرَةُ ظ±لسَّمَكِ.وَتَهُبُّ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ ظ±لْعَوَاصِفُ ظ±لْهَوْجَاءُ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ. وَكَانَتْ تُحِيطُ بِظ±لْبُحَيْرَةِ أَيَّامَ ظ±لْمَسِيحِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ مَدِينَةً لِلصَّيَّادِينَ، وَأَكْبَرُهَا مَدِينَةُ كَفْرَنَاحُومَ. وَلَمْ يَزَلِ ظ±لصَّيْدُ جَارِيًا عَلَيْهَا حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.
2 فَرَأَى سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ،
وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادون يَغسِلونَ الشِّباك
تَشِيرُ عِبَارَةُ "سَفِينَتَيْنِ" إِلَى سَفِينَةِ بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخِيهِ، وَسَفِينَةِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا ابْنَيْ زَبْدِي. وَظ±لسَّفِينَةُ عِبَارَةٌ عَنْ قَارِبٍ لِصَيْدِ ظ±لسَّمَكِ، وَقَدْ عُثِرَ عَلَى قَارِبٍ شَبِيهٍ بِهِ مِنْ قِبَلِ ظ±لْإِخْوَانِ مُوشِيَّةَ وَيُوبَالَ لُوفِن، وَهُمَا مِنْ هُوَاةِ ظ±لْآثَارِ فِي كِيبُوتْسِ، وَذَلِكَ فِي عَامِ 1986، عَلَى ضِفَافِ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، بَيْنَ كِيبُوتْسِ جِنُّوسَارَ وَظ±لْمَجْدَلِ. يَعُودُ تَارِيخُ ظ±لْقَارِبِ إِلَى ظ±لْقَرْنِ ظ±لْأَوَّلِ قَبْلَ ظ±لْمِيلَادِ وَحَتَّى سَنَةَ 70 م. وَيَبْلُغُ طُولُهُ 8.20 م وَعَرْضُهُ 2.35 م. أَمَّا سَوَارِي ظ±لْقَارِبِ فَهِيَ مَصْنُوعَةٌ مِنْ خَشَبِ ظ±لْأَرْزِ، فِيمَا يُصْنَعُ ظ±لْجَنَاحُ مِنْ خَشَبِ شَجَرِ ظ±لْبَلُّوطِ. وَهَذَا ظ±لْأُسْلُوبُ فِي صُنْعِ ظ±لسُّفُنِ كَانَ مُنْتَشِرًا فِي ظ±لْعَالَمِ ظ±لرُّومَانِيِّ فِي ظ±لْقَرْنِ ظ±لْأَوَّلِ قَبْلَ ظ±لْمَسِيحِ وَحَتَّى آخِرِ ظ±لْقَرْنِ ظ±لْأَوَّلِ ظ±لْمِيلَادِيِّ. وَيُقَالُ إِنَّهُ أَحَدُ ظ±لْقَوَارِبِ ظ±لسَّبْعَةِ ظ±لْمُكْتَشَفَةِ فِي ظ±لْعَالَمِ وَظ±لَّتِي تَعُودُ إِلَى ذَلِكَ ظ±لْعَصْرِ. وَقَدْ كَانَ يُسْتَخْدَمُ، كَمَا يَبْدُو، لِلصَّيْدِ وَنَقْلِ ظ±لْبَضَائِعِ وَظ±لرُّكَّابِ بَيْنَ ظ±لْمُدُنِ ظ±لْمُطِلَّةِ عَلَى ضِفَافِ ظ±لْبُحَيْرَةِ. وَتَتَوَفَّرُ مَعْلُومَاتٌ عَنْ نَشَاطِ ظ±لسَّيِّدِ ظ±لْمَسِيحِ فِي أَوْسَاطِ ظ±لصَّيَّادِينَ فِي هَذِهِ ظ±لْمِنْطَقَةِ، إِذْ أَنَّ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسَ وَيَعْقُوبَ كَانُوا يَمْلِكُونَ مِثْلَ هَذَا ظ±لْقَارِبِ. أَمَّا عِبَارَةُ "ظ±لصَّيَّادُونَ" فَتُشِيرُ إِلَى ظ±لتَّلَامِيذِ ظ±لْأَوَّلِينَ، وَهُمْ بُطْرُسُ وَأَخُوهُ أَنْدَرَاوُسُ، وَيَعْقُوبُ وَأَخُوهُ يُوحَنَّا (مَتَّى 4: 1-2). أَمَّا عِبَارَةُ "يَغْسِلُونَ ظ±لشِّبَاكَ" فَتُشِيرُ إِلَى تَنْقِيَةِ ظ±لصَّيَّادِينَ ظ±لشِّبَاكَ مِمَّا عَلِقَ بِهَا مِنْ أَعْشَابٍ وَطِينٍ وَحَصًى، وَمَا صَاحَبَ ذَلِكَ مِنْ سَحْبِهَا عَلَى قَعْرِ ظ±لْبُحَيْرَةِ فِي لَيْلَةِ ظ±لصَّيْدِ ظ±لْمَاضِيَةِ. وَكَانَ ظ±لصَّيَّادُونَ يَسْتَخْدِمُونَ شِبَاكًا عَلَى شَكْلِ جَرَسٍ، لَهَا أَثْقَالٌ مِنَ ظ±لرَّصَاصِ مُرْبُوطَةٌ بِأَطْرَافِهَا، وَكَانَتْ تُلْقَى مُسَطَّحَةً مَفْرُودَةً عَلَى ظ±لْمِيَاهِ، وَتَقُومُ أَثْقَالُ ظ±لرَّصَاصِ بِسَحْبِهَا لِلْأَسْفَلِ بِحَيْثُ تُغَطِّي ظ±لسَّمَكَ تَحْتَهَا، ثُمَّ يَجْلِبُ ظ±لصَّيَّادُونَ حَبْلًا يَسْحَبُونَ بِهِ ظ±لشَّبَكَةَ حَوْلَ ظ±لصَّيْدِ. وَلَابُدَّ أَنْ تُحْفَظَ ظ±لشِّبَاكُ فِي حَالَةٍ جَيِّدَةٍ، لِذَا كَانَتْ تُنَظَّفُ بِظ±سْتِمْرَارٍ لِإِزَالَةِ ظ±لْأَعْشَابِ ظ±لْعَالِقَةِ بِهَا. أَمَّا عِبَارَةُ "ظ±لشِّبَاكُ" فَتُشِيرُ إِلَى ظ±لْأَدَوَاتِ ظ±لْمُسْتَخْدَمَةِ فِي صَيْدِ ظ±لسَّمَكِ (مَتَّى 13: 47). وَهَذِهِ ظ±لشِّبَاكُ عَلَى أَنْوَاعٍ؛ فَمِنْهَا مَا يُطْرَحُ فِي ظ±لْبَحْرِ لِصَيْدِ ظ±لسَّمَكِ، وَمِنْهَا ظ±لنَّوْعُ ظ±لْكَبِيرُ ظ±لَّذِي يُلْقَى بِظ±لْقَوَارِبِ عَلَى مِسَاحَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ ظ±لْمَاءِ لِحَجْزِ مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاكٍ. وَهُنَاكَ شِبَاكٌ لِصَيْدِ ظ±لطُّيُورِ وَظ±لْحَيَوَانَاتِ (إِشَعْيَا 51: 20). وَقَدِ ظ±سْتُخْدِمَتِ ظ±لشِّبَاكُ رَمْزًا لِظ±جْتِذَابِ ظ±لْكَثِيرِينَ إِلَى ظ±لْمَلَكُوتِ (مَتَّى 13: 47-48). كَذَلِكَ ظ±سْتُخْدِمَتْ أَيْضًا لِلتَّدْلِيلِ عَلَى ظ±لْحِيلَةِ وَظ±لْغَدْرِ (ظ±لْجَامِعَةُ 7: 26)، وَظ±لْإِيقَاعِ فِي ظ±لشِّرَاكِ (حِزْقِيَالُ 12: 13).
3فرَكِبَ إِحْدى السَّفينَتَين وكانَت لِسِمعان، فسأَلَه
أَن يُبعِدَ قَليلاً عنِ البَرّ. ثُمَّ جَلَسَ يُعَلِّمُ الـجُموعَ مِنَ السَّفينَة
تَشِيرُ عِبَارَةُ "إِحْدَى ظ±لسَّفِينَتَيْنِ" إِلَى سَفِينَةِ سِمْعَانَ بُطْرُسَ، لِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ تَعَرَّفَ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَى شَاطِئِ ظ±لْأُرْدُنِّ (يُوحَنَّا 1: 42)، وَكَانَ ضَيْفَهُ فِي كَفْرَنَاحُومَ (لُوقَا 4: 38). وَقَدْ رَأَى ظ±لْقِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوسُ فِي هَذِهِ ظ±لسَّفِينَةِ رَمْزًا لِكَنِيسَةٍ وَاحِدَةٍ تَتَكَوَّنُ مِنْ شَعْبَيْنِ: ظ±لْيَهُودِ وَظ±لْأُمَمِ، ظ±لَّذَيْنِ ظ±تَّحَدَا مَعًا فِي ظ±لْمَسِيحِ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا يَنْحَدِرَانِ مِنْ مَصْدَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. أَمَّا عِبَارَةُ "فَسَأَلَهُ" فَتُشِيرُ إِلَى طَلَبٍ وَدِيٍّ مِنْ يَسُوعَ، وَلَيْسَ أَمْرًا، إِذْ لَمْ يَتَخَطَّ يَسُوعُ حَقَّ بُطْرُسَ فِي سَفِينَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ بِهَا مَا يُرِيدُ دُونَ إِذْنِهِ. كَمَا أَنَّ بُطْرُسَ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَقْدِيمِ سَفِينَتِهِ، وَلَمْ يَتَذَرَّعْ بِظ±لِظ±نْشِغَالِ، بَلْ قَدَّمَهَا بِكُلِّ سُرُورٍ لِتَسْهِيلِ عَمَلِ ظ±لْمَسِيحِ. وَنَحْنُ، هَلْ نَضَعُ تَحْتَ تَصَرُّفِ ظ±لْمَسِيحِ إِمْكَانِيَّاتِنَا لِتَسْهِيلِ عَمَلِ ظ±لْخَيْرِ وَنَشْرِ إِنْجِيلِهِ ظ±لطَّاهِرِ؟أَمَّا عِبَارَةُ "سِمْعَانُ" فَهُوَ ظ±سْمٌ عِبْرَانِيٌّ ש×پض´×ض°×¢×•ض¹×ں وَمَعْنَاهُ "مُسْتَمِعٌ"، وَتُشِيرُ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. وَقَدْ أُعْطِيَ سِمْعَانُ ظ±سْمًا جَدِيدًا، وَهُوَ ظ±لِظ±سْمُ ظ±لْآرَامِيُّ ×›ضµ×™×¤ض¸×گ (كِيفَا) (يُوحَنَّا ظ،: ظ¤ظ¢)، وَيُقَابِلُهُ فِي ظ±لْيُونَانِيَّةِ خ*خ*د„دپخ؟د‚ (بُطْرُسُ)، وَمَعْنَاهُ "ظ±لصَّخْرُ"، وَهُوَ ظ±لِظ±سْمُ ظ±لَّذِي يُوحِي بِشَخْصِيَّتِهِ ظ±لْحَقِيقِيَّةِ، أَيْ كَوْنِهِ صَخْرَ ظ±لْكَنِيسَةِ، إذ عَيَّنَهُ يَسُوعُ رَئِيسًا لَهَا.أَمَّا عِبَارَةُ "جَلَسَ" فَتُشِيرُ إِلَى وَضْعِيَّةِ ظ±لْوَاعِظِ وَظ±لرَّابِّي فِي ذَلِكَ ظ±لزَّمَانِ، حَيْثُ كَانَ ظ±لْمُعَلِّمُ يَجْلِسُ لِإِلْقَاءِ ظ±لتَّعْلِيمِ عَلَى تَلَامِيذِهِ (لُوقَا 4: 20). أَمَّا عِبَارَةُ "يُعَلِّمُ ظ±لْجُمُوعَ مِنَ ظ±لسَّفِينَةِ" فَتُشِيرُ إِلَى ظ±لسَّفِينَةِ ظ±لَّتِي حَوَّلَهَا يَسُوعُ إِلَى مِنْبَرٍ لِإِعْلَانِ كَلِمَةِ ظ±للَّهِ، وَلا نَعْلَمُ بِالتَّحْديدِ عِظَةَ يَسوعَ لِلْجَمْعِ الَّتي تَحْوِي تَعْلِيمَهُ. وَيَظْهَرُ هَذَا ظ±لْمَشْهَدُ أَيْضًا فِي إِنْجِيلِ مَتَّى (مَتَّى 13: 2-3) وَإِنْجِيلِ مَرْقُسَ (مَرْقُسَ 4: 1-2). ظ±لْمَسِيحُ يُسْمِعُ صَوْتَهُ وَتَعْلِيمَهُ حَتَّى فِي غَمْرَةِ ظ±لْأَعْمَالِ ظ±لْيَوْمِيَّةِ، فَهَلْ نَفْتَحُ قُلُوبَنَا لِكَلِمَتِهِ وَنَدَعُهُ يُحَوِّلُ مَوَاهِبَنَا وَظ±مْتِيَازَاتِنَا إِلَى أَدَوَاتٍ لِنَشْرِ ظ±لْحَقِّ وَظ±لنُّورِ؟
4ولـمَّا فَرَغَ مِن كَلامِه، قالَ لِسِمعان:
سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد.
تَشِيرُ عِبَارَةُ "ظ±لْعُرْضُ" فِي ظ±لْأَصْلِ ظ±لْيُونَانِيِّ خ²ل½±خ¸خ؟د‚ (مَعْنَاهَا ظ±لْعُمْقُ) إِلَى ظ±لِظ±بْتِعَادِ عَنِ ظ±لشَّاطِئِ، حَيْثُ يَكُونُ ظ±لْمَاءُ ضَحْلًا، فَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ ظ±لسَّمَكُ بِكَثْرَةٍ. وَظ±لْعُرْضُ يُرْمَزُ إِلَى ظ±لْمُغَامَرَةِ مَعَ ظ±لِظ±تِّكَالِ عَلَى قُدْرَةِ ظ±للَّهِ، ظ±لَّتِي تُسْنِدُ ضَعْفَنَا، بِظ±لرَّغْمِ مِنْ أَنَّ ظ±لصَّيْدَ لَمْ يَكُنْ بِظ±لشِّبَاكِ فِي ظ±لْعُمْقِ، بَلْ عَلَى ظ±لشَّاطِئِ! وَهُنَا، يَنْتَقِلُ يَسُوعُ مِنَ ظ±لْخِبْرَةِ ظ±لْبَشَرِيَّةِ ظ±لْبَحْتَةِ إِلَى خِبْرَةِ ظ±لْإِيمَانِ بِكَلِمَتِهِ ظ±لْفَعَّالَةِ. يُعَلِّقُ ظ±لْقِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوسُ قَائِلًا: "إِنَّ ظ±لسَّيِّدَ ظ±لْمَسِيحَ لَمْ يَقُلْ لِلصَّيَّادِينَ أَنْ يُلْقُوا شِبَاكَهُمْ عَلَى ظ±لْجَانِبِ ظ±لْأَيْمَنِ لِيَدْخُلَ فِيهَا ظ±لصَّالِحُونَ وَحْدَهُمْ، وَلَا ظ±لْأَيْسَرِ لِيَدْخُلَهَا ظ±لْأَشْرَارُ، إِنَّمَا يُلْقُونَهَا فِي ظ±لْعُمْقِ لِتَحْمِلَ ظ±لِظ±ثْنَيْنِ مَعًا، فَظ±لدَّعْوَةُ مُوَجَّهَةٌ لِلْجَمِيعِ لِدُخُولِ شِبَاكِ ظ±لْكَنِيسَةِ، لَعَلَّهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِظ±لْحَيَاةِ ظ±لْإِنْجِيلِيَّةِ." ظ±لْسَّيْرُ إِلَى عُمْقِ ظ±لْبَحْرِ يُرْمَزُ إِلَى:
- عُمْقِ مَعْرِفَةِ ظ±لْمَسِيحِ.
- عُمْقِ ظ±لْحُبِّ.
- عُمْقِ ظ±لْإِيمَانِ.
- عُمْقِ كَلِمَةِ ظ±لْكِرَازَةِ.
وَفِي هَذَا ظ±لصَّدَدِ، يَقُولُ ظ±لْقِدِّيسُ مَكْسِيمُوسُ ظ±لطُّورِينِيُّ: "فَإِنَّ نَصِيحَةَ يَسُوعَ لِبُطْرُسَ لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى رَمْيِ أَدَوَاتِ ظ±لصَّيْدِ فِي عُمْقِ ظ±لْمَاءِ، وَإِنَّمَا فِي إِرْسَاءِ كَلِمَاتِ ظ±لْبِشَارَةِ فِي ظ±لْقُلُوبِ. وَقَدْ دَخَلَ ظ±لْقِدِّيسُ بُولُسُ عُمْقَ ظ±لْقُلُوبِ عِنْدَمَا قَالَ: "مَا أَبْعَدَ غَوْرَ غِنَى ظ±للَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ" (رُومَةَ 11: 33)" (ظ±لْعِظَةُ 39). كَثِيرًا مَا يَطْلُبُ إِلَيْنَا يَسُوعُ أَنْ نَسِيرَ فِي ظ±لْعُمْقِ. فَمَا هُوَ رَدُّ فِعْلِنَا؟أَمَّا عِبَارَةُ "أَرْسِلُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ" فَتُشِيرُ إِلَى وُقُوفِ يَسُوعَ مَعَ ظ±لصَّيَّادِينَ فِي سَاعَةِ ظ±لْأَزْمَةِ. فَقَدْ أَتَى فِي لَحْظَةٍ كَانَ فِيهَا ظ±لصَّيَّادُونَ -سِمْعَانُ، وَأَنْدَرَاوُسُ، وَيَعْقُوبُ، وَيُوحَنَّا -فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ… قَدْ أَمْضَوْا ظ±للَّيْلَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَصْطَادُوا شَيْئًا يَحْمِلُونَهُ لِأُسَرِهِمْ أَوْ لِلسُّوقِ، لِكَيْ يَكْسِبُوا مِنْهُ شَيْئًا يُؤَمِّنُونَ بِهِ لُقْمَةَ عَائِلَتِهِمْ. وَأَمَّا ظ±لصَّيْدُ بِظ±لشِّبَاكِ فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَهُوَ أَكْثَرُ طُرُقِ ظ±لصَّيْدِ شُيُوعًا فِيهَا، إِذْ كَانَ ظ±لصَّيْدُ حِرْفَةً هَامَّةً فِي ظ±لْمَنَاطِقِ ظ±لْمُحِيطَةِ بِظ±لْبُحَيْرَةِ. فَقَدْ كَانَتْ تُحِيطُ بِهَا أَيَّامَ ظ±لْمَسِيحِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ مَدِينَةً لِلصَّيَّادِينَ، وَأَكْبَرُهَا مَدِينَةُ كَفْرَنَاحُومَ. وَلَمْ يَزَلِ ظ±لصَّيْدُ جَارِيًا عَلَيْهَا حَتَّى أَيَّامِنَا ظ±لْحَالِيَةِ.
5 فأَجابَ سِمعان: يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئاً،
ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ
تُشِيرُ عِبَارَةُ "مُعَلِّمٌ" فِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ ل¼کد€خ¹دƒد„ل½±د„خ± إِلَى أَحَدِ أَلْقَابِ يَسُوعَ، الَّذِي لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي إِنْجِيلِ لُوقَا وَعَلَى لِسَانِ التَّلَامِيذِ دَائِمًا، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ وَيَثِقُونَ بِسُلْطَانِهِ (لُوقَا 8: 24، 9: 33). وَهَذَا اللَّقَبُ يُشِيرُ إِلَى إِيمَانٍ أَعْمَقَ بِسُلْطَةِ يَسُوعَ مِنَ اللَّفْظَةِ اليُونَانِيَّةِ خ´خ¹خ´ل½±دƒخ؛خ±خ»خ؟د‚، الَّتِي تُتَرْجَمُ أَيْضًا بِـ "مُعَلِّمٍ" (لُوقَا 7: 40). أَمَّا عِبَارَةُ "تَعِبْنَا" فَتُشِيرُ إِلَى الإِرْهَاقِ النَّفْسِيِّ وَالجَسَدِيِّ وَالإِجْهَادِ الشَّدِيدِ، وَرُبَّمَا إِلَى اليَأْسِ الَّذِي كَانَ يَخْتَبِرُهُ بُطْرُسُ بَعْدَ لَيْلَةٍ مُرْهِقَةٍ وَشَاقَّةٍ بِلَا نَتِيجَةٍ. وَيُعَلِّقُ القَدِّيسُ مَكْسِيمُسُ الطُّورِينِيُّ: "لَقَدْ تَعِبَ بُطْرُسُ اللَّيْلَ كُلَّهُ؛ وَعِنْدَمَا سَطَعَ نُورُ المُخَلِّصِ، تَبَدَّدَتِ الظُّلُمَاتُ، وَسَمَحَ لَهُ إِيمَانُهُ أَنْ يُمَيِّزَ فِي عُمْقِ أَعْمَاقِ المِيَاهِ مَا عَجَزَتْ عَيْنَاهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ" (العِظَةُ ظ£ظ©). وَصَدَقَ الفَيْلَسُوفُ الصِّينِيُّ كُونْفُوشِيُوس بِقَوْلِهِ: "إِنَّ الغُرُوبَ لَا يَحُولُ دُونَ شُرُوقٍ جَدِيدٍ". أَمَّا عِبَارَةُ "طَوَالَ اللَّيْلِ" فَتُشِيرُ إِلَى أَنْسَبِ أَوْقَاتِ الصَّيْدِ، وَهُوَ اللَّيْلُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلُوا عَلَى شَيْءٍ، رَغْمَ تَعَبِهِمْ وَتَوَقُّعَاتِهِمْ بِنَجَاحِ الصَّيْدِ آنَذَاكَ. إِنَّ بُطْرُسَ فِي لَيْلِهِ يُمَثِّلُ كُلَّ إِنْسَانٍ قَامَ بِمُحَاوَلَاتٍ عَدِيدَةٍ دُونَ جَدْوَى، وَجَرَّبَ مِرَارًا وَتِكْرَارًا بِلَا نَتِيجَةٍ. إِنَّهُ يُمَثِّلُ كُلَّ إِنْسَانٍ حَزِينٍ، فَاقِدٍ لِلْأَمَلِ، وَصَلَ إِلَى طَرِيقٍ مَسْدُودٍ، وَبَلَغَ حُدُودَ اليَأْسِ مِنَ الحَيَاةِ. لَكِنَّ اللَّيْلُ يُعَبِّرُ عَنْ مَرْحَلَةِ التَّطْهِيرِ، مَرْحَلَةِ أَزْمَتِنا وَاخْتِبارِ فَشَلِنا الـمادِّيِّ وَالرُّوحِيِّ، الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَمُرَّ بِهَا المُؤْمِنُ لِلِاتِّحَادِ الحَقِيقِيِّ بِاللَّهِ. وَيُعَلِّقُ القَدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوسُ عَلَى لِسَانِ سِمْعَانَ بُطْرُسَ: "أَنَا أَيْضًا يَا رَبُّ، أَعْلَمُ تَمَامًا أَنَّ ظَلَامَ (اللَّيْلِ) يَكْتَنِفُنِي عِنْدَمَا لَا تَكُونُ أَنْتَ قَائِدِي، تَأْمُرُنِي" (مَقَالَةٌ عَنْ إِنْجِيلِ القَدِّيسِ لُوقَا). أَمَّا عِبَارَةُ "لَمْ نُصِبْ شَيْئًا" فَتُشِيرُ إِلَى مَجْهُودٍ كَبِيرٍ، لَكِنْ بِلا نَتِيجَةٍ، مِمَّا يؤدِّي صُعُوبَةَ العَوْدَةِ إِلَى الصَّيْدِ بَعْدَ فَشَلِ الصَّيَّادِينَ طِيلَةَ اللَّيْلِ. إِذْ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ بُطْرُسَ أَنْ يَصْطَادَ فِي العُمْقِ بَعِيدًا عَنِ الشَّاطِئِ وَفِي النَّهَارِ، وَلَيْسَ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ. فَبَيْنَمَا لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فِي المَكَانِ المُنَاسِبِ وَالزَّمَانِ المُنَاسِبِ، كَيْفَ يُمْكِنُهُ الآنَ أَنْ يَصْطَادَ فِي ظُرُوفٍ مُعَاكِسَةٍ؟ نَرَى في إِنْجِيلَي مَرْقُسَ (ظ¤: ظ،–ظ¢ظ*) وَمَتَّى (ظ،ظ£: ظ،–ظ¢ظ¢) أَنَّ بُطْرُسَ وَرُفَقَاءَهُ كانُوا يُصْلِحُونَ الشِّبَاكَ وَالْقَوارِبَ بَعْدَ لَيْلَةِ صَيْدٍ عِنْدَما دَعاهُمْ يَسوعُ، وَلَكِنْ وَحْدَهُ لُوقا يَذْكُرُ أَنَّ هذَا الصَّيْدَ لَمْ يُحَقِّقْ أَيَّ نَتِيجَةٍ. وَأَمَّا عِبَارَةُ "وَلَكِنِّي بِناءً عَلَى قَوْلِكَ أُرْسِلُ الشِّبَاكَ" فَتُشِيرُ إِلَى ثِقَةِ بُطْرُسَ وَأَصْحَابِهِ بِكَلِمَةِ مُعَلِّمِهِمْ يَسُوعَ، رَغْمَ الصُّعُوبَاتِ، حَيْثُ وَافَقُوا عَلَى إِلْقَاءِ الشَّبَكَةِ وَالمُحَاوَلَةِ مُجَدَّدًا. وَهُنَا يَنْتَقِلُ بُطْرُسُ مِنَ الخِبْرَةِ البَشَرِيَّةِ البَحْتَةِ إِلَى خِبْرَةِ الإِيمَانِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ الفَعَّالَةِ: "بِمَعْزِلٍ عَنِّي لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَعْمَلُوا شَيْئًا" (يُوحَنَّا 15: 5). هذِهِ هِيَ أُولَى صِفاتِ التِّلْميذِ: طاعَةُ الكَلِمَةِ الَّتي قَدْ نَظُنُّ أَنَّها تُخالِفُ المَنْطِقَ الدُّنْيَوِيَّ لِلنَّجاحِ وَالرِّبْحِ. وَيُعَلِّقُ القَدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوسُ: "مَا هِيَ شِبَاكُ الرَّسُولِ الَّتِي أُمِرَ بِإِلْقَائِهَا فِي العُمْقِ إِلَّا العِظَةُ وَقُوَّةُ الحُجَّةِ". فَهَلْ نُؤْمِنُ بِكَلَامِ الرَّبِّ، وَنَثِقُ بِهِ، وَنُلْقِي شِبَاكَنَا تَلْبِيَةً لِطَلَبِهِ؟ يُعَلِّمُنَا بُطْرُسُ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ، وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَنَا فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ. هَذِهِ الحَقِيقَةُ هِيَ الهَيْكَلُ العَظْمِيُّ لِحَيَاتِنَا وَعَمَلِنَا. لَيْتَنَا نُلْقِي شِبَاكَ الخَيْرِ بِكَلِمَتِهِ تَعَالَى.
6 وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَك شَيئاً كثيراً جداً، وكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق
عِبَارَةُ "فَعَلُوا" فِي الأَصْلِ اليُونَانِيِّ خ؛خ±ل½¶ د„خ؟ل؟¦د„خ؟ د€خ؟خ¹ل½µدƒخ±خ½د„خµد‚ (مَعْنَاهَا: وَلَمَّا فَعَلُوا هَذَا) تُشِيرُ إِلَى طَاعَةِ الصَّيَّادِينَ لِكَلِمَةِ المَسِيحِ، الَّتِي كَانَتْ نَتِيجَتُهَا الرَّائِعَةُ. أَمَّا عِبَارَةُ "فَأَصَابُوا السَّمَكَ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا" فَتُشِيرُ إِلَى صَيْدٍ وَفِيرٍ يَفُوقُ كُلَّ تَوَقُّعَاتِ بُطْرُسَ وَرِفَاقِهِ. وَهَذَا بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ سَمَكَ البُحَيْرَةِ كَانَ خَاضِعًا لِيَسُوعَ المَسِيحِ، فَتَحَقَّقَ فِيهِ مَا تَرَنَّمَ بِهِ صَاحِبُ المَزَامِيرِ: "عَلَى صُنْعِ يَدَيْكَ وَلَّيْتَهُ كُلَّ شَيْءٍ، تَحْتَ قَدَمَيْهِ جَعَلْتَهُ، وَطَيْرَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ البَحْرِ، مَا يَجُوبُ سُبُلَ البِحَارِ" (مَزْمُور 8: 7، 9). هَذِهِ المُعْجِزَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا إِنْجِيلُ مَتَّى وَإِنْجِيلُ مَرْقُسَ، إِنَّمَا اكْتَفَيَا بِذِكْرِ دُخُولِ يَسُوعَ إِلَى سَفِينَةٍ خَاطَبَ الشَّعْبَ مِنْهَا. وَيَذْكُرُ يُوحَنَّا الإِنْجِيلِيُّ أَنَّ مُعْجِزَةَ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ تَمَّتْ بَعْدَ القِيَامَةِ، وَأَنَّ الشَّبَكَةَ امْتَلَأَتْ نَحْوَ 153 سَمَكَةً (يُوحَنَّا 21: 11). وَقَدْ جَاءَ عَلَى لِسَانِ القَدِّيسِ إِيرُونِيمُوسَ: "إِنَّ عُلَمَاءَ الطَّبِيعَةِ الأَقْدَمِينَ كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّمَكَ 153 صِنْفًا". فَمُهِمَّةُ شَبَكَةِ الرُّسُلِ أَنْ تَجْمَعَ جَمِيعَ الأُسَرِ البَشَرِيَّةِ فِي الكَنِيسَةِ الوَاحِدَةِ (مَتَّى 13: 47-50)، عَلْمًا أَنَّ "السَّمَكَةَ" تَرْمُزُ لِلسَّيِّدِ المَسِيحِ نَفْسِهِ كَمَا تَرْمُزُ لِمُؤْمِنِيهِ. 153 سَمَكَةً هُوَ رَقْمٌ رَمْزِيٌّ يُشِيرُ إِلَى الكَنِيسَةِ، أَبْنَاءِ اللَّهِ المُؤْمِنِينَ. فِي 153 تَتَعَادَلُ 3 + 50 + 100 بِحَيْثُ:
- الرَّقْمُ 3 يُشِيرُ إِلَى اللَّهِ مُثَلَّثِ الأَقَانِيمِ، وَلِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (الثَّالُوثِ) وَقَامَ مَعَ المَسِيحِ (3 رَقْمُ القِيَامَةِ) مِنْ مَوْتِ الخَطِيئَةِ، وَيُشِيرُ أَيْضًا إِلَى الرُّوحِ القُدُسِ الأَقْنُومِ الثَّالِثِ.
- الرَّقْمُ 50 يُشِيرُ إِلَى يَوْمِ العَنْصَرَةِ، لِأَنَّ مَنْ قَامَ مَعَ المَسِيحِ يُعْطِيهِ اللَّهُ أَنْ يَتَحَرَّرَ وَيَحِلَّ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ. وَ50 فِي العَهْدِ القَدِيمِ هِيَ سَنَةُ اليُوبِيلِ، أَيِ الحُرِّيَّةُ.
- الرَّقْمُ 100 يُشِيرُ إِلَى قَطِيعِ المَسِيحِ الَّذِي لَا يَهْلِكُ مِنْهُ أَحَدٌ (100 خَرُوفٍ)، فَالمَسِيحُ يَبْحَثُ حَتَّى عَنِ الخَرُوفِ الضَّالِّ لِكَيْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ فَلَا يَهْلِكَ.
أَمَّا عِبَارَةُ "شِبَاكُهُم" فَيَقُولُ إِنْجِيلُ لُوقَا إِنَّهَا تَمَزَّقَتْ؛ فِي حِينِ يَذْكُرُ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا أَنَّ الشَّبَكَةَ لَمْ تَتَمَزَّقْ (يُوحَنَّا 21: 11). كَمَا يَجْمَعُ الصَّيَّادُ السَّمَكَ فِي شِبَاكِهِ، كَذَلِكَ حِينَ يُكْرِزُ الرُّسُلُ بِالإِنْجِيلِ يَجْمَعُونَ النَّاسَ فِي الكَنِيسَةِ. تَبَدَّلَتْ حَيَاةُ الرُّسُلِ كُلِّيًّا، مِنْ شَبَكَةٍ إِلَى شَبَكَةٍ، وَمِنْ صَيْدٍ إِلَى صَيْدٍ. فَالشَّبَكَةُ رَمْزٌ لِلكَنِيسَةِ، وَمَنْ يَتْرُكُ الكَنِيسَةَ يَغْرَقُ فِي بَحْرِ هَذَا العَالَمِ. أَمَّا عِبَارَةُ "تَتَمَزَّقُ" فَتُشِيرُ إِلَى تَقَطُّعِ بَعْضِ خُيُوطِ الشِّبَاكِ الدَّقِيقَةِ، مِمَّا يُمَكِّنُ السَّمَكَ مِنَ الهُرُوبِ مِنْهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وَفْرَةِ السَّمَكِ الَّذِي تَمَّ صَيْدُهُ. وَيَرَى البَعْضُ أَنَّ تَمَزُّقَ الشِّبَاكِ سَبَبُهُ هُرُوبُ السَّمَكِ الصَّغِيرِ مِنْهَا، وَهَذَا السَّمَكُ رَمْزٌ لِمَنْ إِيمَانُهُمْ ضَعِيفٌ. هَلْ نَحْنُ أَيْضًا اخْتَبَرْنَا الخَيْرَاتِ الَّتِي أَغْدَقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَغَمَرَنَا بِهَا؟
7 فأَشاروا إلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم.
فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان.
تُشِيرُ عِبَارَةُ "شُرَكَائِهِمْ" إِلَى ابْنَيْ زَبَدَى وَمَنْ مَعَهُمَا (لُوقَا 5: 10)، الَّذِينَ أَصْبَحَا بَعْدَ ذَلِكَ شَرِيكَيْ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ فِي عَمَلٍ أَعْظَمَ، وَهُوَ صَيْدُ النُّفُوسِ. أَمَّا عِبَارَةُ "فِي السَّفِينَةِ الأُخْرَى" فَتُشِيرُ إِلَى سَفِينَةِ ابْنَيْ زَبَدَى، الَّذَيْنِ كَانَا قَدْ فَرَغَا مِنْ غَسْلِ الشِّبَاكِ وَإِصْلَاحِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ المَسَافَةَ بَيْنَ السَّفِينَتَيْنِ كَانَتْ قَصِيرَةً، حَيْثُ تَمَكَّنَ مَنْ فِي السَّفِينَةِ الوَاحِدَةِ مِنْ أَنْ يَرَى إِشَارَاتٍ مِنَ السَّفِينَةِ الأُخْرَى. أَمَّا عِبَارَةُ "مَلَأُوا كِلْتَا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى كَادَتَا تَغْرَقَانِ" فَتُشِيرُ إِلَى نَتِيجَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ مِنْ وَفْرَةِ السَّمَكِ، الَّتِي أَعْطَتْ بُطْرُسَ إِعْلَانًا جَدِيدًا عَنْ شَخْصِيَّةِ يَسُوعَ، الَّذِي كَافَأَهُ عَلَى اسْتِخْدَامِ سَفِينَتِهِ. وَهَذَا الأَمْرُ يَدُلُّ عَلَى اهْتِمَامِ يَسُوعَ بِعَمَلِ بُطْرُسَ الرُّوتِينِيِّ اليَوْمِيِّ وَمُسَاعَدَتِهِ فِي احْتِيَاجَاتِهِ. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْتَمُّ بِخَلَاصِنَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِمُسَاعَدَتِنَا فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ. أَمَّا عِبَارَةُ "حَتَّى كَادَتَا تَغْرَقَانِ" فَتُشِيرُ إِلَى وُشُوكِ السَّفِينَةِ مِنَ الغَرَقِ، لَوْ زَادَ الصَّيَّادُونَ قَلِيلًا مِنَ السَّمَكِ.
8 فلَمَّا رأَى سِمعان بُطرُس ذَلِكَ، اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع وقال:
يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ
تشيرُ عبارةُ "رأَى" إلى مشاهدةِ بُطرُسَ للصَّيدِ الوفيرِ، لكنَّ اهتمامَه لم يكن بالصَّيدِ بحدِّ ذاتِهِ، إنَّما كان انجذابُهُ لشخصِ المسيحِ، صاحبِ السُّلطانِ على السَّماءِ والأرضِ والبِحارِ (مزمور 8: 8)، إذ أدركَ أنَّه أمامَ شخصٍ مُميَّزٍ، نبيٍّ ومُرسَلٍ من قِبَلِ الرَّبِّ. أمَّا عبارةُ "سِمعانُ بُطرُس" فتشيرُ إلى الاسمِ المُزدوَجِ الذي يُطلِقُهُ يَسوعُ على بُطرُسَ للمرَّةِ الوحيدةِ في إنجيلِ لوقا. وفي ضوءِ الكتابِ المقدَّسِ، مَن أطلَقَ على أحدٍ اسمًا جديدًا، كان له سُلطانٌ عليه (2 ملوك 23: 34)، كسلطانِ الأبِ على ابنِهِ عندَ مولدِهِ، وهو الذي يُحدِّدُ له أيضًا المصيرَ الجديدَ بفضلِ الاسمِ الجديدِ (تكوين 17: 5). تروي الأناجيلُ إطلاقَ اسمِ "بُطرُس" على "سِمعان" في ظُروفٍ مختلفةٍ؛ ففي إنجيلِ لوقا ومرقسَ غيَّرَ يَسوعُ اسمَ سِمعانَ إلى بُطرُسَ لدى اختيارِهِ الاثني عشرَ (لوقا 4: 38؛ مرقس 3: 16). أمَّا في إنجيلِ متَّى فإنَّ تغييرَ اسمِ سِمعانَ كان جوابًا على شهادةِ سِمعانَ بأنَّ يَسوعَ هو المسيحُ المُنتظَرُ (متَّى 16: 18)؛ وأمَّا في إنجيلِ يوحنَّا، فغيَّرَ يَسوعُ اسمَ سِمعانَ في أوَّلِ لقاءٍ بينَ يَسوعَ كَمُعلِّمٍ وبُطرُسَ كَتِلميذٍ (يوحنَّا 1: 42)، وعادةً نجدُ هذا الاسمَ المُزدَوَجَ في إنجيلِهِ (يوحنَّا 21: 2، 3، 7، 11). أمَّا عبارةُ "اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوع" فتشيرُ إلى رَهبةِ بُطرُسَ أمامَ الصَّيدِ العَجائبيِّ، فعرفَ بُطرُسُ نفسَهُ على حقيقتِها. وكانت استجابتُهُ الأولى هي الإحساسُ بضعفِهِ مُقارنةً مع هذا الشخصِ العظيمِ، يَسوعَ القدُّوسِ، وشُعورُهُ بعدمِ استحقاقِهِ أن يقتربَ ممَّن أظهرَ بفعلهِ أنَّه ذو قوَّةٍ إلهيَّةٍ. أمَّا عبارةُ "يا ربّ" فتشيرُ إلى السيِّدِ أو المَولى، دلالةً على الاعتبارِ والإكرامِ، بمعنى المالكِ والآمِرِ، والسيِّدِ المُطاعِ والمُعلِّمِ. وهنا تدلُّ على بُطرُسَ الذي عَرَفَ نفسَهُ أمامَ يَسوعَ، فخاطَبَهُ باللَّقبِ "يا ربّ" بُطرُسُ لا يُصغي ليسوعَ ولا يُفكِّرُ به كمُعلِّمٍ، بل يسجدُ له ويُناديه "يا ربّ". فحينَ ردَّدَها بُطرُسُ، شَعَرَ فيها بمعانٍ كثيرةٍ، ومنها الانكسارُ للمسيحِ الرَّبِّ، مُعترفًا بأنَّه صاحبُ القُدرةِ والفَضلِ. وأيضًا تَحمِلُ كلمةُ "يا ربّ" معنَى الحُبِّ العَميقِ لواهِبِ النِّعَمِ. وفيها أيضًا سُؤالُ طَلَبِ العَونِ وتفريجِ الهَمِّ والغَمِّ، كما تَحمِلُ معنَى الغِنى بالمسيحِ ولو فَقَدَ الإنسانُ الكثيرَ من أمورِ الدُّنيا، وتعني أخيرًا الفَقرَ بدونِ المسيحِ وإنْ مَلَكَ الدُّنيا وما فيها. ما أروعَها هذه الكلمةُ لكلِّ مَن ثَقُلَ عليهِ الهَمُّ وضاقت عليه الأرضُ برحابِها، إلى أنْ ضاقت عليه نفسُهُ. والجديرُ بالذِّكرِ أنَّ بُطرُسَ نادَى يَسوعَ "يا مُعلِّم" (لوقا 5: 5)، أمَّا بعدَ الصَّيدِ العجيبِ فقد ناداه "يا ربّ" (لوقا 5: 8). أمَّا عبارةُ "تَباعَدْ عَنِّي" فتشيرُ إلى بُطرُسَ الذي اكتشفَ في مُعجِزةِ الصَّيدِ العَجائبيِّ قوَّةَ يَسوعَ الإلهيَّةَ، فاعترفَ أنَّه غيرُ مُستحِقٍّ أنْ يَمثُلَ أمامَ الرَّبِّ، وشَعَرَ أنَّه ليس أهلًا أنْ يَبقى معه. كما أكَّدَ ذلكَ شفاعةُ إبراهيمَ لأهلِ سَدومَ وعمورةَ (تكوين 18: 23)، وموقِفُ أيُّوبَ أمامَ اللهِ (أيُّوب 42: 6)، ورَدُّ فِعلِ إشَعيا النبيِّ أمامَ دَعوةِ اللهِ له (إشَعيا 6: 5). لم يكنْ تواضُعُ بُطرُسَ الرَّسولِ كلامًا، بل كانَ تفاعُلًا مع العَمَلِ الحَيِّ الإيجابيِّ. إنَّها عاطفةُ النَّجاسةِ أمامَ القَداسَةِ، عاطفةُ الضَّعفِ أمامَ القُدرَةِ، عاطفةُ الحَيرَةِ والدَّهشةِ أمامَ مُعجِزةِ الإيمانِ واليقينِ. لا يُمْكِنُ أَنْ تَجْتَمِعَ قَداسَةُ اللهِ مَعَ خَطِيئَةِ الإِنْسانِ. وتُذكِّرُ عبارةُ بُطرُسَ بما قالَهُ قائدُ المِئَةِ: "يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، فَإِنِّي لَستُ أَهْلًا لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي" (لوقا 7: 6). ويُعلِّقُ القدِّيسُ يوحنَّا الذَّهبيُّ الفَمِ قائلًا: "اعتبرَ بُطرُسُ أنَّه لا يستحقُّ حُضورَ الرَّبِّ لأجلِ خطيئَتِهِ، لكنَّ السَّيِّدَ أكبرُ مِنْ خطايانا، وهو يشتاقُ إلى غُفرانِ خطايانا أكثرَ ممَّا نشتاقُ نحنُ إلى التَّوبةِ". أمَّا عبارةُ "رَجُلٌ خاطِئ" فتشيرُ إلى اختِبارِ بُطرُسَ بخطيئَتِهِ، والإقرارِ ببُعدِهِ عن الرَّبِّ، وبعَدَمِ استحقاقِهِ، حَيْثُ حُضُورُ اللهِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُناكَ إِنْسانٌ خَاطِئٌ. فهُناكَ هُوَّةٌ قائمةٌ بينَ قَداسَةِ يَسوعَ وضُعفِ الإنسانِ، إذْ تجلَّى مَجدُ اللهِ في يَسوعَ (يوحنَّا 1: 14). ومِنْ هذه المشاعِرِ تَنبُعُ الرَّهبةُ، كما شَعَرَ النبيُّ إشَعيا لدى رؤيتِهِ عرشَ اللهِ "وَيلٌ لي، قدْ هَلَكتُ، لِأَنِّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين، وأَنا مُقيمٌ بَينَ شَعبٍ نَجِسِ الشِّفاهِ" (إشَعيا 6: 5). ويُعلِّقُ القدِّيسُ يوحنَّا الذَّهبيُّ الفَمِ قائلًا: "ليسَ شيءٌ مَقبولًا لدى اللهِ مثلَ أنْ يَحسبَ الإنسانُ نفسَهُ آخِرَ الكُلِّ". وفي هذا الصَّددِ يقولُ البابا فرنسيس: "إنْ لمْ نتعلَّمْ أنْ نُدينَ أنفسَنا، فلنْ نتمكَّنَ مِنَ السَّيرِ في الحياةِ المسيحيَّةِ". هظ°ذِهِ هِيَ ظ±لْخُطْوَةُ ظ±لْأُولَى لِكُلِّ فَرْدٍ مِنَّا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ قُدُمًا فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لرُّوحِيَّةِ، فِي حَيَاةِ يَسُوعَ وَخِدْمَتِهِ.
9 وكانَ الرُّعْبُ قدِ استَولى علَيهِ وعلى أَصحابهِ كُلِّهم، لِكَثَرةِ السَّمَك الَّذي صادوه.
تشيرُ عبارةُ "كانَ الرُّعْبُ قدِ ظ±ستَولى عَلَيهِ" إِلى ظ±لخَوفِ أَمامَ قَداسَةِ اللهِ وَقُدرَتِهِ، حَيثُ ظ±كتَشَفَ بُطرُسُ أَنَّهُ غَيرُ مُستَحِقٍّ أَن يَمثُلَ أَمامَ ظ±لرَّبِّ، كَما كانَ ظ±لحالُ مَعَ قائِدِ ظ±لمِئَةِ ظ±لَّذي قالَ لِيَسوعَ: "يا رَبّ، لَستُ أَهْلًا لِأَنْ تَدخُلَ تَحتَ سَقفِي" (مَتَّى 8: 8). تُعْتَبَرُ ظ±لرَّهْبَةُ عَلامَةً عَلَى تَسَامِي اللهِ وَعَظَمَتِهِ، كَما يَقُولُ ظ±لعَالِمُ ظ±لاجْتِمَاعِيُّ رُودُلف أُوتُّو. نَجِدُ أَنَّ ظ±لمَسِيحَ قَدْ أَظْهَرَ سُلطانَهُ أَمامَ تَلامِيذِهِ فِي هَذِهِ ظ±لمُعْجِزَةِ، ظ±لَّتِي جَعَلَتْهُم يَطمَئِنُّونَ لِتَدْبِيرِ اللهِ نَظَرًا لِظ±حْتِيَاجَاتِهِمُ ظ±لمَادِّيَّةِ. وَيُعَلِّقُ ظ±لبَطْرِيَرْكُ بِييَر بَاتِيسْتَا قَائِلًا: "إِنَّ أَفْضَلَ لَحْظَةٍ لِمَعْرِفَةِ ظ±لرَّبِّ هِيَ لَحْظَةُ ظ±لفَشَلِ وَظ±لإِرْهَاقِ وَظ±لهُزَالِ؛ فَهُنَاكَ، حَيْثُ تَنهَارُ مُقَاوَمَتُنَا وَغَطْرَسَتُنَا، يَسْتَطِيعُ ظ±لرَّبُّ عِندَهَا ظ±لظ±قْتِرَابَ مِنَّا، لِيَقُولَ لَنَا بِأَنَّ ظ±قْتِرَابَهُ هُوَ هِبَةٌ مَجَّانِيَّةٌ، مَضْمُونُهَا ظ±لرَّحْمَةُ وَظ±لغُفْرَانُ". أَمَّا عِبَارَةُ "عَلَى أَصْحَابِهِ كُلِّهِم" فَتُشِيرُ إِلَى جَمِيعِ ظ±لَّذِينَ كَانُوا مَعَ بُطرُسَ، وَظ±لأَرْجَحِ أَنَّهُم كَانُوا: أَخُوهُ أَندَرَاوُسُ وَظ±لْخَدَمُ فِي سَفِينَتِهِ (مَتَّى 4: 8). لَمْ يَمْلَأِ الشِّبَاكَ بِالأَسْماكِ فَحَسْبُ، بَلْ مَلَأَ قَلْبَ بُطْرُسَ بِالرَّهْبَةِ، وَأَدْهَشَ جَمِيعَ الحَاضِرِينَ (لُوقا 5: 9–10).
10 ومِثلُهُم يَعْقوب ويوحَنَّا ابنا زَبَدى، وكانا شَريكَي سِمعان.
فقالَ يَسوع لِسِمعان: لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً
تشيرُ عبارةُ "لا تَخَفْ" إلى دَعْوَةِ يَسُوعَ لِبُطرُسَ إِلى ظ±لظ±طْمِئْنَانِ وَظ±لثِّقَةِ، لِأَنَّ ظ±لْيَهُودَ ظ±عْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَرَى اللهَ وَيَعِيشُ (لُوقَا 1: 12)، فَإِنَّ ظ±لْخَوفَ لَا يُغَيِّرُ أَيَّ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ ظ±لثِّقَةَ بِظ±لرَّبِّ يَسُوعَ تُغَيِّرُ كُلَّ شَيْءٍ. وَمِنَ ظ±لْبَدِيهِيِّ أَنْ يَخَافَ ظ±لْمَرْءُ أَمَامَ قُدْرَةِ ظ±لْمَسِيحِ وَعَظَمَتِهِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَضُعْفِهِ ظ±لْبَشَرِيِّ وَعَدَمِ ظ±سْتِحْقَاقِهِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. فَظ±لْخَوفُ، وَبِظ±لتَّحْدِيدِ ظ±لرَّهْبَةُ، دَلِيلٌ عَلَى ظ±لْإِكْرَامِ لِظ±سْمِهِ ظ±لْقُدُّوسِ. وَهَذِهِ ظ±لْعَاطِفَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِوُجُودِ ظ±لْإِنْسَانِ أَمَامَ اللهِ، ظ±لَّذِي هُوَ سِرٌّ يُحِيطُنَا بِخَشْيَتِهِ وَيَسْحَرُنَا بِحُضُورِهِ ظ±لْمُتَسَامِي. لِأَنَّ ظ±لْحُضُورَ أَمَامَ اللهِ ظ±لْحَيِّ أَمْرٌ رَهِيبٌ، كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ ظ±لرِّسَالَةِ إِلَى ظ±لْعِبْرَانِيِّينَ: "مَا أَرْهَبَ ظ±لْوُقُوعَ فِي يَدِ ظ±للهِ ظ±لْحَيِّ!" (عِبْرَانِيِّينَ 10: 31). هَذَا ظ±لْإِلَهُ ظ±لَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ وَأَنْ يُهْلِكَ (يَعْقُوبُ 4: 1). في هذهِ اللَّحظةِ بِالتَّحديدِ، تَأتي مُبادَرةٌ إلهيَّةٌ لِتُحرِّرَ مِن هذا الخَوفِ وهذا الاعْتِقادِ الخاطِئِ عنِ الرَّبِّ، فيُعلِنَ يَسوعُ تَبريرَ بُطرُسَ وإزالةَ نَجاسَتِهِ بِقَولِهِ لَهُ: "لا تَخَفْ!". وهذا يُذَكِّرُنا بِرُؤْيَةِ أشَعْيا للهِ العَلِيِّ في الهَيْكَلِ وَشُعورِهِ بِنَجاسَتِهِ. وَلَكِنْ، سُرْعانَ ما سَمِعَ صَوْتَ السَّيِّدِ قائِلًا: "مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَنْطَلِقُ لَنا؟" فَقُلتُ: "هاءَنَذا، فَأرْسِلْني" (أشَعْيا 6: 8). أَمَّا عِبَارَةُ "سَتَكُونُ بَعْدَ ظ±لْيَوْمِ لِلبَشَرِ صَيَّادًا" فَتُشِيرُ إِلَى أَقْدَمِ وَعْدٍ عَنْ ظ±لدَّعْوَةِ لِلْإِنْجِيلِ، ظ±لَّذِي يُوحِي بِأَنَّ ظ±لْعَمَلَ ظ±لرَّئِيسِيَّ لِلدَّعْوَةِ فِي ظ±لْعَالَمِ هُوَ أَنْ يَرْبَحَ ظ±لْمَرْءُ ظ±لنُّفُوسَ لِلْمَسِيحِ، فَيَجْمَعَهُمْ مِنْ أَجْلِ ظ±لدَّيْنُونَةِ لِلدُّخُولِ إِلَى ظ±لْمَلَكُوتِ (مَتَّى 13: 47-50). يَدْعُو ظ±لْمَسِيحُ بُطرُسَ لِظ±تِّبَاعِهِ، لَا كَسَامِعٍ فَقَطْ، بَلْ كَمُعَاوِنٍ وَشَاهِدٍ لِمَلَكُوتِ ظ±للهِ وَعَامِلٍ فِي حَصَادِهِ (مَتَّى 10: 1-27). فَهُوَ يَدْعُوهُ لَيْسَ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ، بَلْ لِمَا سَيَجْعَلُهُ أَنْ يَكُونَ، إِذَا كَانَ مُسْتَعِدًّا لِطَاعَتِهِ. وَفِي مَفْهُومِ يُوحَنَّا ظ±لْإِنْجِيلِيِّ، يَسُوعُ يُعْهَدُ إِلَى بُطرُسَ بِظ±لْمُهِمَّةِ ظ±لرَّعَوِيَّةِ لِقَطِيعِهِ، إِذْ جَعَلَهُ رَاعِيَ ظ±لْخِرَافِ (يُوحَنَّا 21: 15-19). أَمَّا عِبَارَةُ "لِلبَشَرِ صَيَّادًا" فَتُشِيرُ إِلَى مُنَادَاةِ بُطرُسَ بِظ±لْإِنْجِيلِ، لِكَيْ يَجْذِبَ ظ±لنَّاسَ إِلَى مَعْرِفَةِ ظ±لْحَقِّ وَقَبُولِهِمْ إِيَّاهُ لِخَلَاصِ نُفُوسِهِمْ. وَهَذِهِ ظ±لدَّعْوَةُ لِبُطرُسَ أَنْ يَتْبَعَ ظ±لْمَسِيحَ وَيَكُونَ مَعَهُ رَسُولًا لَهُ. لِذَلِكَ تَرَكَ بُطرُسُ مِهْنَةً يَعِيشُ مِنْهَا، وَأَخَذَ مِهْنَةً أُخْرَى؛ فَحِينَ يُكَرِزُ بِظ±لْإِنْجِيلِ، يَجْمَعُ ظ±لنَّاسَ كَمَا يَجْمَعُ ظ±لصَّيَّادُ ظ±لسَّمَكَ فِي ظ±لشِّبَاكِ. فَتَبَدَّلَتْ حَيَاتُهُ كُلِّيًّا مِنْ شَبَكَةٍ إِلَى شَبَكَةٍ، وَمِنْ صَيْدٍ إِلَى صَيْدٍ؛ وَتَحَوَّلَ مِنْ صَيَّادِ سَمَكٍ إِلَى صَيَّادِ بَشَرٍ. فَظ±لْأَوَّلُ يَصْطَادُ لِيَأْكُلَ، وَأَمَّا ظ±لثَّانِي فَيَصْطَادُ لِيُطْعِمَ ظ±لنَّاسَ كَلَامَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لْأَبَدِيَّةِ. فَإِنَّ ظ±لدَّعْوَةَ ظ±لْإِلَهِيَّةَ تُغَيِّرُ مَصِيرَ ظ±لْإِنْسَانِ فِي لَحْظَةٍ. وَيُعَلِّقُ ظ±لْقِدِّيسُ كِيرِلُّسُ ظ±لْكَبِيرُ قَائِلًا: "فَلْنَمْدَحِ ظ±لطَّرِيقَةَ ظ±لَّتِي أَصْبَحَ بِهَا ظ±لتَّلَامِيذُ صَيَّادِي ظ±لْعَالَمِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهُ طُلِبَ مِنْهُمْ أَنْ يَصْطَادُوا ظ±لشُّعُوبَ ظ±لْأُخْرَى إِلَى حَظِيرَةِ ظ±لْمَسِيحِ ظ±لْحَقِيقِيَّةِ".
11 فرَجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إلى البَرّ، وتَركوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه
تشيرُ عبارةُ "تَرَكُوا كُلَّ شَيءٍ" إِلَى ظ±لتَّخَلِّي بِحُرِّيَّةٍ عَنْ سَفِينَتِهِمْ وَشِبَاكِهِمْ وَصِنَّارَتِهِمْ وَظ±لْأَسْمَاكِ ظ±لَّتِي صَادُوهَا وَمِهْنَةِ ظ±لصَّيْدِ، وَظ±تِّبَاعِهِمْ يَسُوعَ. فَكَانَ ظ±لتَّشْدِيدُ هُنَا عَلَى ظ±لتَّجَرُّدِ ظ±لتَّامِّ ظ±لْمَطْلُوبِ مِنْ تَلَامِيذِ يَسُوعَ؛ وَمِنْ هَذَا ظ±لْمُنْطَلَقِ يَسْتَلْزِمُ ظ±تِّبَاعُ يَسُوعَ هَجْرَ ظ±لْحِرْفَةِ عَلَى مِثَالِ مَتَّى ظ±لْعَشَّارِ (لُوقَا 5: 28)، وَقَصْمَ عُرَى ظ±لرَّوَابِطِ ظ±لْعَائِلِيَّةِ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ إِلَى وَلَاءٍ وَإِخْلَاصٍ مِنَ ظ±لْقَلْبِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ مُعَايَنَةُ ظ±لْحَقِيقَةِ وَظ±لْبَقَاءُ عِنْدَ شَاطِئِ ظ±لْعَالَمِ. وَيُعَلِّقُ ظ±لْقِدِّيسُ يُوحَنَّا ظ±لذَّهَبِيُّ ظ±لْفَمِ عَلَى هَذَا ظ±لتَّرْكِ بِظ±لْقَوْلِ: "أَخْبِرْنِي، أَيُّ شَيْءٍ عَظِيمٍ تَرَكَهُ بُطْرُسُ؟ أَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ شَبَكَةٍ مُمَزَّقَةٍ (لُوقَا 5: 11) وَعَصًا وَصِنَّارَةً؟! وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَتَحَ لَهُ ظ±لرَّبُّ بُيُوتَ ظ±لْعَالَمِ، وَبَسَطَ أَمَامَهُ ظ±لْأَرْضَ وَظ±لْبَحْرَ."
أَمَّا عِبَارَةُ "تَبِعُوهُ" فَفِي ظ±لْأَصْلِ ظ±لْيُونَانِيِّ ل¼*خ؛خ؟خ»خ؟ل½»خ¸خ·دƒخ±خ½ (مَعْنَاهَا: يَسِيرُ وَرَاءَ شَخْصٍ) تُشِيرُ لَفْظِيًّا إِلَى ظ±لتَّلَامِيذِ ظ±لَّذِينَ "جَاءُوا وَرَاءَ يَسُوعَ" (مَتَّى 4: 20)، وَهُوَ أَمْرٌ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ ظ±لِاعْتِرَافِ بِهِ مُخَلِّصًا، إِنَّمَا تَرَكَ ظ±لرُّسُلُ ظ±لْمَاضِيَ خَلْفَهُمْ، وَكَرَّسُوا مُسْتَقْبَلَهُمْ لِلْمَسِيحِ لِيُصْبِحُوا مُبَشِّرِينَ بِإِنْجِيلِهِ ظ±لطَّاهِرِ. تَرَكَ ظ±لرُّسُلُ ظ±لْأَرْبَعَةُ شِبَاكَ ظ±لصَّيْدِ لِيَكُونُوا صَيَّادِي بَشَرٍ، سَالِكِينَ دَرْبَ ظ±لتَّبْشِيرِ وَمُتَأَبِّطِينَ صِنَّارَةَ ظ±لْإِيمَانِ. وَهَكَذَا أَصْبَحُوا تَلَامِيذَ حَقِيقِيِّينَ لِلْمَسِيحِ مِنْ خِلَالِ إِصْغَائِهِمْ لِتَعْلِيمِهِ، وَطَاعَتِهِمْ لِأَوَامِرِهِ، وَتَصْدِيقِهِمْ لِأَقْوَالِهِ، وَظ±تِّبَاعِهِمْ لَهُ. وَفِي هَذَا ظ±لصَّدَدِ، يَقُولُ ظ±لْفَيْلَسُوفُ وَظ±للَّاهُوتِيُّ سُورِين كِيرْكِغُور: "لَا يُرِيدُ ظ±لْمَسِيحُ أُنَاسًا مُعْجَبِينَ بِهِ، بَلْ أُنَاسًا يَتْبَعُونَهُ"، مُبَيِّنًا أَهَمِّيَّةَ ظ±خْتِيَارِ ظ±لْإِنْسَانِ وَظ±لْتِزَامِهِ. وَهَذَا ظ±لِاتِّبَاعُ يَتَطَلَّبُ ظ±لزُّهْدَ بِظ±لنَّفْسِ وَحَمْلَ ظ±لصَّلِيبِ وَظ±لسَّيْرَ وَرَاءَ يَسُوعَ، كَمَا صَرَّحَ يَسُوعُ: "مَن أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي، فَلْيَزْهَدْ فِي نَفْسِهِ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (مَرْقُسَ 8: 34). فَإِنَّ ظ±تِّبَاعَ يَسُوعَ يَتَطَلَّبُ ظ±لزُّهْدَ فِي ظ±لنَّفْسِ، ظ±لْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِقَبُولِ ظ±لصَّلِيبِ، أَيْ بِتَعْرِيضِ حَيَاتِهِ لِلْخَطَرِ فِي سَبِيلِ يَسُوعَ وَظ±لْبِشَارَةِ (مَرْقُسَ 8: 35-37) وَمُلَازَمَتِهِ لِيَسُوعَ. وَأَخِيرًا، عِنْدَمَا نَتْبَعُ يَسُوعَ، لَا بُدَّ لَنَا مِنَ ظ±لِاعْتِرَافِ بِطَبِيعَتِنَا ظ±لْبَشَرِيَّةِ ظ±لْخَاطِئَةِ، فَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نُخَلِّصَ أَنْفُسَنَا، إِنَّمَا ظ±للهُ وَحْدَهُ ظ±لَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَنَا. هَذَا مَا فَعَلَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسُ، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا. فَسَمِعَ ظ±لْأَرْبَعَةُ ظ±لنِّدَاءَ، فَتَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ، وَتَبِعُوا يَسُوعَ (مَتَّى 4: 18-22). عِلْمًا أَنَّ هَؤُلَاءِ ظ±لتَّلَامِيذَ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا يَسُوعَ ظ±لْمَسِيحَ مِنْ قَبْلُ وَقَدْ دَعَاهُمْ لِظ±تِّبَاعِهِ (مَتَّى 4: 18-22).
- سِمْعَانُ بُطْرُس: مُمَثِّلٌ صَخْرَةَ ظ±لْإِيمَانِ.
- أَنْدَرَاوُس: مُمَثِّلٌ ظ±لْجِدِّيَّةَ وَظ±لرُّجُولَةَ.
- يَعْقُوب: مُمَثِّلٌ ظ±لْجِهَادَ وَظ±لتَّعَقُّبَ ظ±لْمُسْتَمِرَّ.
- يُوحَنَّا: مُمَثِّلٌ حَنَانَ ظ±للهِ وَنِعْمَتَهُ.
ظ±قْتَرَبَ يَسُوعُ مِنَ ظ±لتَّلَامِيذِ ظ±لْأَوَّلِينَ، وَحَوَّلَهُمْ مِنْ مَجْمُوعَةٍ ظ±خْتَبَرُوا ضُعْفَهُمْ ظ±لْبَشَرِيَّ إِلَى أَشْخَاصٍ ظ±لْتَقَوْا بِظ±لْحَيَاةِ ظ±لْحَقِيقِيَّةِ، ظ±لَّتِي مَكَّنَتْهُمْ مِنْ تَرْكِ كُلِّ شَيْءٍ لِلْبَقَاءِ مَعَ ظ±لرَّبِّ كَيْ يَحْمِلُوا رِسَالَتَهُ إِلَى ظ±لْعَالَمِ. إِنَّ ظ±لدَّعْوَةَ ظ±لْإِلَهِيَّةَ تُغَيِّرُ مَصِيرَ ظ±لْإِنْسَانِ فِي لَحْظَةٍ، وَظ±لرَّبُّ لَا يَزَالُ يَدْعُو كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا لِنَتْبَعَهُ، بِظ±لرَّغْمِ مِنْ ضُعْفِنَا وَعَدَمِ ظ±سْتِحْقَاقِنَا.
ثانياً: تطبيقات نص الإنجيلي (لوقا 5: 1-11)
بَعْدَ دِرَاسَةِ وَقَائِعِ النَّصِّ الإِنْجِيلِيِّ وَتَحْلِيلِهِ، نَسْتَنْتِجُ أَنَّهُ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ وَدَعْوَةِ بُطْرُسَ وَرُفَقَائِهِ الثَّلَاثَةِ. فَبَعْدَ الدَّعْوَةِ الأُولَى لِلتَّلَامِيذِ (مَتَّى 4: 18-22، وَمَرْقُس 1: 16-20)، عَادَ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا إِلَى صَيْدِ السَّمَكِ. فَقَابَلَهُمْ يَسُوعُ فِي عَمَلِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ فِي مِهْنَتِهِمْ، وَدَعَاهُمْ مِنْ جَدِيدٍ. وَمِنْ خِلَالِ دَعْوَةِ يَسُوعَ أَثْنَاءَ صَيْدِ السَّمَكِ العَجَائِبِيِّ، تَمَّتْ مُوَاجَهَةٌ بَيْنَ سَيِّدِنَا يَسُوعَ فِي عَظَمَتِهِ وَسِرِّهِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبَيْنَ بُطْرُسَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفٍ وَثِقَةٍ وَإِيمَانٍ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَمِنْ هُنَا نَتَسَاءَلُ عَنْ نُقْطَتَيْنِ: دَعْوَةِ سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَشُرَكَائِهِ، وَمَا عَلاَقَةِ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ؟
1) دعوة سِمعان بُطرُس والتلاميذ الأوَّلين؟
بُطْرُس هو سِمْعان، واسمُ أبيه يُونَا (متى 16: 17)، واسمُ أَخِيه أَنْدَرَاوُس، واسمُ مَدينَتِه بَيْتُ صَيْدَا. فلمَّا تَبِعَ سِمْعَانُ يَسُوعَ، سمَّاهُ يَسُوعُ "كِيفَا" (خڑخ·د†ل¾¶د‚) (يُوحَنَّا 1: 42)، وهي كَلِمَةٌ آراميَّةٌ (×›ضµ×™×¤ض¸×گ) مَعْنَاهَا صَخْرَةٌ، والصَّخْرَةُ بِاليُونَانِيَّةِ (خ*ل½³د„دپخ؟د‚) أي بُطْرُس (متى 16: 18).
بَعْدَ قِيَامَةِ يَسُوعَ، حَقَّقَ بُطْرُس مَا أَنْبَأَ المَسِيحُ عَنْهُ: "أَنْتَ صَخْرٌ، وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ سَأَبْنِي كَنِيسَتِي" (متى 16: 18). ودَعَا يَسُوعُ بُطْرُس ثَلاثَ مَرَّاتٍ: فَأَوَّلًا دَعَاهُ لِيَكُونَ تِلْمِيذًا (يُوحَنَّا 1: 35-42)، ودَعَاهُ ثَانِيَةً لِكَي يَكُونَ رَفِيقًا مُلَازِمًا لَهُ بِاسْتِمْرَارٍ (لُوقَا 5: 10)، ثُمَّ دَعَاهُ ثَالِثَةً لِكَي يَكُونَ رَسُولًا لَهُ (لُوقَا 6: 13-14).
تُعْتَبَرُ الدَّعْوَةُ نِدَاءً يُوَجِّهُهُ اللهُ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِذَاتِهِ، وَالَّذِي يَخُصُّهُ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي تَدْبِيرِهِ الخَلاصِيِّ وَفِي مَصِيرِ شَعْبِهِ. لِذَلِكَ فَإِنَّ لِدَعْوَةِ بُطْرُس عُنْصُرَانِ: نِدَاءٌ وَجَوَابٌ. نِدَاءٌ مِنْ يَسُوعَ يُوَجَّهُ إِلَى قَلْبِ بُطْرُس، إِذْ قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: "لَا تَخَفْ! سَتَكُونُ بَعْدَ اليَوْمِ لِلنَّاسِ صَيَّادًا" (لُوقَا 5: 10).
هَذَا النِّدَاءُ هُوَ نِدَاءٌ شَخْصِيٌّ مُوَجَّهٌ إِلَى أَعْمَاقِ ضَمِيرِ بُطْرُس، إِذْ قَلَبَ يَسُوعُ أَوْضَاعَ كِيَانِهِ، لَا فِي ظُرُوفِهِ الخَارِجِيَّةِ فَحَسْبُ، إِنَّمَا أَيْضًا فِي عُمْقِ قَلْبِهِ. فَجَعَلَ مِنْهُ شَخْصًا آخَرَ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمًا جَدِيدًا، وَهُوَ بُطْرُس (يُوحَنَّا 1: 42).
إِنَّ الدَّعْوَةَ تَفْتَرِضُ تَغْيِيرًا فِي الحَيَاةِ. المَسِيحُ يَدْعُو النَّاسَ، لَيْسَ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ، بَلْ لِمَا يَجْعَلُهُمْ هُوَ أَنْ يَكُونُوا، إِذَا مَا كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِطَاعَتِهِ. فَنِدَاءُ يَسُوعَ لِبُطْرُس جَعَلَهُ يَنْتَقِلُ مِنْ صَيَّادِ سَمَكٍ إِلَى صَيَّادِ بَشَرٍ (لُوقَا 5: 10)، وَدَفَعَ بِهِ نَحْوَ مَكَانٍ لَا يَعْرِفُ سِرَّهُ إِلَّا الرَّبُّ: "تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعَ يَسُوعَ" (لُوقَا 5: 11). كَلِمَةُ اللهِ لا تَدْعُو الإِنْسانَ إِلى أَنْ يُصْبِحَ شَخْصًا آخَرَ، وَلا تَدْعُو الـمَرْءَ مِنَّا إِلى تَرْكِ تَارِيخِهِ، إِنَّما تَدْعُونا إِلى النُّمُوِّ مِنْ خِلالِ التَّغْيِيرِ.
لِكُلِّ نِدَاءٍ جَوَابٌ. عَلَى النِّدَاءِ، انْتَظَرَ يَسُوعُ جَوَابًا، أَي مُوَافَقَةً وَاعِيَةً تُعَبِّرُ عَنِ الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ. فَجَوَابُ بُطْرُس كَانَ تَكْرِيسَ قَلْبِهِ وَحَيَاتِهِ بِأَكْمَلِهَا لِلْمَسِيحِ: "تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعَ يَسُوعَ" (لُوقَا 5: 11). جَوَابُ بُطْرُس بِالمُوَافَقَةِ لَمْ يَتِمَّ فَوْرِيًّا، فَقَدْ خَالَجَهُ شُعُورٌ بِالخَوْفِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ يَسُوعَ لِبُطْرُس: "لَا تَخَفْ!" (لُوقَا 5: 10)، كَمَا خَالَجَهُ شُعُورٌ بِعَدَمِ الاسْتِحْقَاقِ كَمَا نَسْتَنْتِجُ مِنْ كَلَامِ بُطْرُس: "يَا رَبُّ، تَبَاعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ" (لُوقَا 5: 8).
وَيُلَمِّحُ هَذَا الكَلَامُ إِلَى تَأَثُّرِ بُطْرُس السَّرِيعِ فِي مُعْجِزَةِ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ الَّتِي صَنَعَهَا المَسِيحُ، فَآمَنَ بِيَسُوعَ، ابْنِ اللهِ، وَوَضَعَ ثِقَتَهُ فِيهِ. فَأَجَابَهُ يَسُوعُ بِكَلِمَةٍ تَشْجِيعِيَّةٍ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيُصْبِحُ صَيَّادَ بَشَرٍ.
مُخْتَصَر القول أنَّ الدَّعْوَةُ هِيَ عَمَلُ اللهِ، وَجَوَابُ الإِنْسَانِ لِلْمُبَادَرَةِ الإِلَهِيَّةِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يَخَافَ المَرْءُ مِنْ ضَعْفِهِ عِنْدَمَا يَدْعُوهُ اللهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَثِقَ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى الَّتِي تَعْمَلُ فِي ضَعْفِهِ البَشَرِيِّ، وَبِقُوَّةِ رَحْمَتِهِ الَّتِي تُحَوِّلُهُ وَتُجَدِّدُهُ.
غَايَةُ الدَّعْوَةِ هِيَ الإِرْسَالُ. يُوَجِّهُ اللهُ هَذَا النِّدَاءَ إِلَى جَمِيعِ مَنْ يَخْتَارُهُمْ كَأَدَاةٍ لِعَمَلِهِ، أَيْ تَنْفِيذِ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ. دَعَا يَسُوعُ بُطْرُس لِيُرْسِلَهُ، كَمَا فَعَلَ اللهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ (تَكْوِين 12: 1)، وَمُوسَى (خُرُوج 3: 10)، وَعَامُوس (عَامُوس 7: 15)، وَإِشَعْيَاء (إِشَعْيَاء 6: 9)، وَإِرْمِيَا (إِرْمِيَا 1: 7)، وَحِزْقِيَال (حِزْقِيَال 3: 1).
فَبُطْرُس دُعِيَ كَرَسُولٍ لِتَبْشِيرِ المَخْتُونِينَ (غَلَاطِيَّة 2: 8)، وَوَاصَلَ تَبْشِيرَهُ حَيْثُ يُوجَدُ اليَهُودُ، تَارِكًا أُورُشَلِيمَ لِقِيَادَةِ يَعْقُوبَ أَخِي الرَّبِّ (أَعْمَال الرُّسُل 12: 17)، وَاسْتُشْهِدَ كَمَا سَبَقَ الرَّبُّ وَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ: "مُشِيرًا إِلَى المِيتَةِ الَّتِي سَيُمَجِّدُ بِهَا اللهَ" (يُوحَنَّا 21: 19). وَبِحَسَبِ تَقَالِيدِ الآبَاءِ إِيرُونِيمُوس، وَأَكْلِيمَنْدُس الإِسْكَنْدَرِيّ، وَتِرْتُلْيَانُس، وَأُورِيجَانُوس، وَيُوسَابِيُوس، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتُشْهِدَ فِي رُومَا. وَهَكَذَا يَبْرُزُ سِمْعَانُ بُطْرُس أَمَامَنَا مِثَالًا فِي تَلَبِّيَةِ الدَّعْوَةِ وَالثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ، وَنَمُوذَجًا لِلرَّجَاءِ.
2) مُعجِزَةُ الصَّيْدِ العَجائِبِيِّ وَدَعْوَةُ بُطْرُسَ وَالتَّلامِيذِ الأَوَّلِينَ
يَرْبِطُ لُوقا الإِنْجِيلِيُّ رِوَايَةَ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ بِدَعْوَةِ سِمْعَانَ بُطْرُسَ، حَيْثُ حَدَثَتْ هَذِهِ المُعْجِزَةُ فِي إِطَارِ تَبْشِيرِ الجُمُوعِ. وَلَمَّا انْتَهَى يَسُوعُ مِنَ التَّبْشِيرِ تَمَّتِ المُعْجِزَةُ. وَتَبْدُو هَذِهِ المُعْجِزَةُ خَاصَّةً بِمَظْهَرِ تَعْلِيمٍ يُلْقَى عَلَى التَّلامِيذِ، وَتُعَزِّزُ كَلِمَةُ يَسُوعَ سِمْعَانَ بُطْرُسَ: "لا تَخَفْ! سَتَكُونُ بَعْدَ اليَوْمِ لِلبَشَرِ صَيَّاداً" (لُوقا 5: 9).
فِي نَظَرِ لُوقا الإِنْجِيلِيِّ، إِنَّ المُعْجِزَةَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ اللهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا تَدْعُو الإِنْسَانَ إِلَى الإِيمَانِ؛ وَإِنَّ بُطْرُسَ حُرٌّ فِي قَبُولِهِ أَوْ رَفْضِهِ. إنَّها دَعْوَةٌ مُوَجَّهَةٌ إِلَى بُطْرُسَ لِيَتَقَبَّلَهَا بِحُرِّيَّةٍ لِيَكُونَ صَيَّادَ بَشَرٍ. يَبْدَأُ يَسُوعُ بِتَحْضِيرِ بُطْرُسَ وَاخْتِبَارِهِ بِطَلَبٍ عَادِيٍّ وَمِنْ خِلَالِ حَيَاتِهِ وَعَمَلِهِ اليَوْمِيِّ الرُّوتِينِيِّ المُتْعِبِ وَهُوَ الصَّيْدُ. وَهُنَا يَتْرُكُ لِبُطْرُسَ الحُرِّيَّةَ التَّامَّةَ فِي تَلْبِيَةِ الدَّعْوَةِ:
أَوَّلًا "أَنْ يُبْعِدَ بِسَفِينَتِهِ قَلِيلًا عَنِ البَرِّ" (لُوقا 5: 3)؛
ثَانِيًا يَطْلُبُ يَسُوعُ مِنْ بُطْرُسَ أَمْرًا أَكْثَرَ صُعُوبَةً: "سِرْ فِي العُرْضِ" (لُوقا 5: 4). فَأَطَاعَ بُطْرُسُ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ وَعَلَى هَذِهِ الكَلِمَةِ اكْتَشَفَ عُمْقَ الذَّاتِ وَعُمْقَ الكَلِمَةِ الفَاعِلَةِ المُثْمِرَةِ رُوحِيًّا، وَعُمْقَ المَسِيحِ وَقَدَاسَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَغْيِيرِ مَجْرَى حَيَاتِهِ.
ثَالِثًا: بِنَاءً عَلَى هَذَا الاكْتِشَافِ أَخَذَ بُطْرُسُ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ "رَجُلٌ خَاطِئٌ" (لُوقا 5: 8).
رَابِعًا: بَدَأَ تَغْيِيرُ مَسَارِ حَيَاتِهِ حَيْثُ أصْبِحَ صَيَّادًا لِلبَشَرِ
(لُوقا 5: 10) بَدلًا مِنْ صَيَّادِ السَّمَكِ بِتَشْجِيعِ المَسِيحِ وَقُوَّتِهِ.
أَخِيرًا تَرَكَ بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ الثَّلَاثَةُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوا يَسُوعَ بِلَا جِدَالٍ أَوْ شُرُوطٍ (لُوقا 5: 10).
المُعْجِزَةُ كَانَتْ عَلامَةً لِبُطْرُسَ. فَالعَلامَةُ الأُولَى لِلمُعْجِزَةِ هِيَ رَهْبَةُ أَوْ خَوْفُ بُطْرُسَ أَمَامَ المُعْجِزَةِ، وَكَانَتِ اسْتِجَابَتُهُ الأُولَى نَحْوَهَا هِيَ الإِحْسَاسُ بِضَعْفِهِ البَشَرِيِّ مُقَارَنَةً مَعَ يَسُوعَ هَذَا الشَّخْصِ العَظِيمِ. عَرَفَ بُطْرُسُ نَفْسَهُ أَمَامَ المَسِيحِ، وَلَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ أَمَامَ المُعْجِزَةِ: "وَارْتَمَى عِندَ رُكْبَتَي يَسُوعَ وَقَالَ: يَا رَبُّ، تَبَاعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ" (لُوقا 5: 8)، وَهِيَ عَاطِفَةٌ جَلِيلَةٌ مِنَ التَّوَاضُعِ العَظِيمِ، عَاطِفَةٌ مِنَ الذُّهُولِ وَالضَّعْفِ أَمَامَ القُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ، عَاطِفَةٌ مِنَ الحِيرَةِ وَالارْتِبَاكِ أَمَامَ مُعْجِزَةِ الإِيمَانِ وَاليَقِينِ.
العَلامَةُ الأُخْرَى الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَنْتَظِرَهَا مِنْ يَسُوعَ هِيَ دَعْوَةُ بُطْرُسَ إِلَى الإِيمَانِ بِهِ، الإِيمَانِ بِشَخْصِهِ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى حَمْلِ رِسَالَتِهِ. فَقَبِلَ بُطْرُسُ دَعْوَةَ المَسِيحِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ مَكَّنَهُ مِنَ الاعْتِرَافِ بِهِ مِنْ خِلَالِ المُعْجِزَةِ. فَالمُعْجِزَةُ مَهَّدَتْ لِدَعْوَةِ بُطْرُسَ؛ وَالدَّعْوَةُ تُضْفِي مَعْنًى عَلَى المُعْجِزَةِ، وَالمُعْجِزَةُ بِدَوْرِهَا مَكَّنَتِ الدَّعْوَةَ مِنْ أَنْ تَتَحَقَّقَ عَمَلِيًّا.
فَالمُعْجِزَةُ هِيَ عَلامَةٌ أَنَارَتْهَا كَلِمَةُ الإِيمَانِ، وَبِالإِيمَانِ قَبِلَ بُطْرُسُ دَعْوَتَهُ فِي حَمْلِ رِسَالَةِ يَسُوعَ لِلْخَلَاصِ وَالحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ بَأَنْ يَكُونَ صَيَّادَ بَشَرٍ. فَتَخَلَّى بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ عَنْ حِرْفَةِ الصَّيْدِ وَصَارُوا أَتْبَاعًا لِيَسُوعَ. وَكَانَتْ مِهْنَةُ صَيْدِ السَّمَكِ تَدْرِيبًا حَسَنًا عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالِانْتِظَارِ وَطُولِ البَالِ وَالصَّبْرِ اللَّازِمِ لِلْعَمَلِ فِي صَيْدِ البَشَرِ وَرِبْحِ النُّفُوسِ لِلْمَسِيحِ.
نَسْتَنْتِجُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ هُنَاكَ شَرْطَيْنِ يَسْبِقَانِ اتِّبَاعَ المَسِيحِ: مَطْلُوبٌ أَوَّلًا أَنْ يَعْتَرِفَ الإِنْسَانُ بِطَبِيعَتِهِ البَشَرِيَّةِ الخَاطِئَةِ الآثِمَةِ، فَالإِنْسَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ سِوَى اللهِ قَادِرٌ أَنْ يُخَلِّصَهُ. وَثَانِيًا: مَطْلُوبٌ مِنَ الإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِعَدَمِ جَدْوَى جُهُودِهِ، فَقَدْ جَاهَدَ بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ الصَّيَّادُونَ طَوَالَ اللَّيْلِ عَبَثًا بِلَا جَدْوَى.
مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ، نَجِدُ صِلَةً قَائِمَةً بَيْنَ الكَلِمَةِ (التَّبْشِيرِ) وَالعَمَلِ (المُعْجِزَةِ). لَمْ يَكْتَفِ يَسُوعُ بِالتَّبْشِيرِ بِالمَلَكُوتِ، بَلْ أَظْهَرَ هَذَا المَلَكُوتَ فِي الأَعْمَالِ. فَقَدْ أَدْخَلَتْ مُعْجِزَةُ الصَّيْدِ العَجَائِبِيِّ التَّأَهُّبَ وَالانْفِتَاحَ عَلَى قَلْبِ بُطْرُسَ، بَلْ هِيَ دَعْوَةٌ لِبُطْرُسَ لِاتِّخَاذِ مَوْقِفٍ تُجَاهَ يَسُوعَ. فَمِنْ خِلَالِ صَيْدِ السَّمَكِ العَجَائِبِيِّ اكْتَشَفَ بُطْرُسُ نَفْسَهُ وَيَسُوعَ المَسِيحَ، وَعَرَفَ أَنَّ اللهَ تَدَخَّلَ فِي حِينِهِ عَنْ طَرِيقِ المُعْجِزَةِ.
الخُلاصَة
مُعْجِزَةُ صَيْدِ السَّمَكِ أَمْرٌ واقِعٌ، وَالْمَسِيحُ حَقَّقَهَا وَعَبَّرَ مِنْ خِلالِهَا عَنْ قُدْرَتِهِ الإِلَهِيَّةِ. لا يَرْكِّزُ لُوقَا الإِنْجِيلِيُّ عَلَى مُعْجِزَةِ الصَّيْدِ بِقَدْرِ مَا كَانَ تَرْكِيزُهُ مُنْصَبًّا عَلَى دَعْوَةِ الإِنْسَانِ لاِخْتِبَارِ كَلِمَةِ اللهِ وَعَيْشِهَا فِي حَيَاتِهِ. فَرَسَمَ لَنَا كَيْفَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمْقِ حَيَاةِ النَّاسِ، وَدَعَاهُمْ لِيَتْبَعُوهُ، تَمَامًا فِي تَفَاصِيلِ حَيَاتِهِمِ الْيَوْمِيَّةِ، مِنْ عَلَى قَوَارِبِ الصَّيْدِ. فَلَمْ يَسْأَلْهُمْ أَوَّلًا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْمَجْمَعِ، وَلَا طَلَبَ مِنْهُمْ تَأْجِيلَ اسْتِجَابَتِهِمْ لِلهِ حَتَّى يَتَخَلَّصُوا مِنْ ضَعْفِهِمُ الْبَشَرِيِّ وَشَوَائِبِهِمْ، وَخَطَايَاهُمْ. إِنَّ اسْتِجَابَتَهُمْ لِلهِ تَنْمُو وَتَتَعَمَّقُ مَعَ الزَّمَنِ. فَهِيَ مَسِيرَةٌ، وَلَيْسَتْ حَدَثًا.
وَلَكِنْ دَعْوَةُ يَسُوعَ اسْتَلْزَمَتْ مُعْجِزَةً لِإِقْنَاعِ سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَيْ يَتْبَعَ الْمَسِيحَ. إِذْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ صَيْدَ السَّمَكِ "لِيُصْبِحَ صَيَّادَ الْبَشَرِ" وَيَأْتِيَ بِالْآخَرِينَ إِلَى اللهِ وَيَرْبَحَ النَّاسَ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ. مَا عَمِلَهُ يَسُوعُ فِي الْمَاضِي عَلَى الْأَرْضِ، لَا يَزَالُ يَعْمَلُهُ الْيَوْمَ مِنْ خِلَالِ الرُّوحِ الْقُدُسِ فِي الْكَنِيسَةِ. فَالْحَيَاةُ الْمَسِيحِيَّةُ هِيَ دَعْوَةٌ، لِأَنَّهَا حَيَاةٌ فِي الرُّوحِ، وَلِأَنَّ الرُّوحَ يَقُودُنَا إِلَى عَالَمٍ جَدِيدٍ (رُومَةَ 8: 16). وَلِأَنَّ الرُّوحَ هُوَ مُنْشِئُ الدَّعْوَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَيُوجَدُ دَاخِلَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ، مَوَاهِبُ عَلَى أَنْوَاعٍ... وَخِدْمَاتٌ عَلَى أَنْوَاعٍ... وَأَعْمَالٌ عَلَى أَنْوَاعٍ... "وَلَكِنْ، رَغْمَ هَذِهِ الْمَوَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ، لَا يُوجَدُ إِلَّا جَسَدٌ وَاحِدٌ وَرُوحٌ وَاحِدٌ" (1 قُورِنْتُسَ 12: 4-13).
لَا يَزَالُ الرَّبُّ يَسُوعُ يَدْعُو كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا لِنَتْبَعَهُ. إِتِّبَاعُ يَسُوعَ يَعْنِي أَنَّنَا نَتْرُكُ نَظْرَتَنَا وَنَأْخُذُ بِمَشْرُوعِهِ. تَرْكُ الصَّيْدِ وَالشَّبَكَةِ وَالسَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ لِكَيْ نَتْبَعَهُ لِصَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ صَيْدُ النُّفُوسِ، وَتَرْكُ شَبَكَةٍ لِنَأْخُذَ شَبَكَةَ الدَّعْوَةِ الإِنْجِيلِيَّةِ الَّتِي تَنْشُلُ النَّاسَ مِنْ قَعْرِ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ إِلَى الْأُفُقِ الْمُنِيرِ، وَتَرْكُ سَفِينَةِ الْعَالَمِ لِنَأْخُذَ سَفِينَةَ الْكَنِيسَةِ.
يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي أُولِيَ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْبَاقِي مَعَ كَنِيسَتِهِ حَتَّى نِهَايَةِ الْعَالَمِ كَمَا وَعَدَ تَلَامِيذَهُ قَبْلَ صُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ: "إِنِّي أُولِيتُ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الْأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَهَاءَنَذَا مَعَكُمْ طَوَالَ الْأَيَّامِ إِلَى نِهَايَةِ الْعَالَمِ" (مَتَّى 28: 18-20). هَذِهِ هِيَ دَعْوَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ وَلِلرُّسُلِ وَالتَّلَامِيذِ وَلِجَمِيعِ الْمَسِيحِيِّينَ فِي الْعَالَمِ.
دُعَاء
"نَعتَرِفُ بِكَ يا يَسوعَ المَسيحُ رَبًّا، كَما اعْتَرَفَ بِكَ بُطرُسُ فَقالَ: «يا رَبّ، تَباعَدْ عَنِّي، إنِّي رَجُلٌ خاطِئٌ»، لِأنَّنا لَسْنا سِوَى إنْسانٍ، وأَنْتَ الإِلهُ الإِنْسانُ. إِنَّنا خاطِئُونَ، وأَنْتَ القُدُّوسُ، نَحْنُ الخَدَمُ، وأَنْتَ الرَّبُّ. فَها نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَأرْسِلْنا صَيّادِي بَشَرٍ، لِكَيْ نُلْقِيَ شِباكَ كَلِمَتِكَ المُقَدَّسَةِ، وَنَجْذِبَ الجَميعَ إِلى شاطِئِ الأَمانِ في مَلَكُوتِكَ. آمين."
قِصَّةُ صَيَّادَةِ النُّفُوسِ وَيَوْمِيَّاتُ الْقِدِّيسَةِ تِيرِيزَا الطِّفْلِ يَسُوعَ
"جَعَلَنِي الرَّبُّ صَيَّادَةَ نُفُوسٍ؛ فَشَعَرْتُ بِرَغْبَةٍ كَبِيرَةٍ فِي الْعَمَلِ عَلَى اهْتِدَاءِ الْخُطَاةِ... سَمِعْتُ عَنْ مُجْرِمٍ كَبِيرٍ اسْمُهُ بْرَانْزِينِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْإِعْدَامِ لِارْتِكَابِهِ جَرَائِمَ مُرَوِّعَةٍ، وَكَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ فِي الْخَطِيئَةِ. كُنْتُ أُرِيدُ مَنْعَهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْجَحِيمِ مَهْمَا كَلَّفَ الْأَمْرُ...
كُنْتُ أَشْعُرُ فِي أَعْمَاقِ قَلْبِي بِأَنَّهُ سَيَتِمُّ تَلْبِيَةُ هَذِهِ الرَّغَبَاتِ، لَكِنْ بُغْيَةَ اكْتِسَابِ الشَّجَاعَةِ الْكَافِيَةِ لِلِاسْتِمْرَارِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ الْخُطَاةِ، قُلْتُ لِلَّهِ: إِنَّنِي مُتَأَكِّدَةٌ مِنْ أَنَّهُ سَيَغْفِرُ لِلْمِسْكِينِ بْرَانْزِينِي، وَمِنْ أَنَّنِي سَأُصَدِّقُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِأَيِّ كَلِمَةِ نَدَمٍ، وَذَلِكَ نَتِيجَةَ ثِقَتِي الْكَبِيرَةِ بِرَحْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ اللَّامُتَنَاهِيَةِ. لَكِنَّنِي كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْهُ إِشَارَةَ تَوْبَةٍ لِمُوَاسَاتِي فَحَسْبُ.تَمَّتِ الِاسْتِجَابَةُ حَرْفِيًّا لِصَلَاتِي!
مُنْذُ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْفَرِيدَةِ مِنْ نَوْعِهَا، بَدَأَتْ رَغْبَتِي فِي إِنْقَاذِ النُّفُوسِ تَزْدَادُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ؛ بَدَا لِي أَنَّنِي أَسْمَعُ الرَّبَّ يَسُوعَ يَقُولُ لِي كَمَا قَالَ لِلْمَرْأَةِ السَّامِرِيَّةِ: "اِسْقِينِي" (يُوحنا 4: 7).
كَانَتْ عَمَلِيَّةُ تَبَادُلٍ لِلْحُبِّ حَقِيقِيَّةً؛ لِلنُّفُوسِ، كُنْتُ أُقَدِّمُ دَمَ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَلِلرَّبِّ يَسُوعَ كُنْتُ أُقَدِّمُ هَذِهِ النُّفُوسَ نَفْسَهَا الَّتِي أَنْعَشَتْهَا قَطَرَاتُ النَّدَى الْإِلَهِيَّةِ. هَكَذَا، بَدَا لِي أَنَّنِي كُنْتُ أَرْوِيهِ، وَكُلَّمَا كُنْتُ أَسْقِيهِ، كُلَّمَا كَانَ عَطَشُ نَفْسِي الْمِسْكِينَةِ يَزْدَادُ، وَكَانَ هَذَا الْعَطَشُ الْمُتَّقِدُ بِمَثَابَةِ شَرَابِ مَحَبَّتِهِ اللَّذِيذِ، الَّذِي يُشْعِرُنِي بِسَعَادَةٍ لَا تُوصَفُ."
الأوسمة والجوائز لـ »
Mary Naeem
الأوسمة والجوائز
لا توجد أوسمة
بينات الاتصال لـ »
Mary Naeem
بينات الاتصال
لا توجد بينات للاتصال
اخر مواضيع »
Mary Naeem
المواضيع
لا توجد مواضيع
Mary Naeem
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Mary Naeem
زيارة موقع Mary Naeem المفضل
البحث عن كل مشاركات Mary Naeem