*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة 32 ***
مازلنا فى القرن الثالث لتاريخ كنيستنا القبطية ...
تحدثنا سابقا عن البدع والانشقاقات التى حدثت فى القرن الثالث للبطاركة - وتكلمنا عن بدعة سابليوس - بدعة نيبوس - بدعة بيرلس - بدعة بولس السيمساطى - بدعة مانى ثم بدعة هيراكس ...
واليوم نتحدث عن الخلاف على عماد الهراطقة والجاحدين ...
...
7- الخلاف على عماد الهراطقة والجاحدين :
--------------------------------------------------
كان من اهم المباحث فى الكنيسة فى هذا القرن المبحث فى مااذا كان تعميد الهراطقة صحيحا ام باطلا .. واذا رجع احدهم الى الكنيسة ايعاد تعميده ام يحسب معمدا ...
ففى هذا الموضوع اختلفت اراء الكنائس قديما ...
فكنائس اسيا الصغرى والكبادوك وكيليكية وغلاطية وسورية ومصر وافريقية كانت تعتقد ان المعمودية لا تعتبر صحيحة ذات قوة فعالة مالم تكن بيد رؤساء الكنيسة الارثوذكسية التى تجرى كل الاسرار على وجه صحيح ...
لذلك كانوا يعيدون معمودية من يرجع الى حضن الكنيسة من الهراطقة , غير ان رومية والكنائس الغربية كانت تقول بأن كل معمودية تتم بأسم الثالوث الاقدس هى مقبولة .. ولهذا لم يكونوا يعمدون التائبين من الهراطقة وكانوا يكتفون بوضع الايدى والصلاة على من اهتدى منهم ...
ولاجل ذلك اجتمع مجمع فى ايقونية ومجمع فى سنادا سنة 230م برئاسة فرميليانوس اسقف قيصرية تقرر فيهما عدم صحة معمودية الهراطقة .. وفعل مثل ذلك اغربينوس اسقف قرطجنة بعقده مجمعا فيها 217 - 223م وقرر القرار عينه ...
والذى ساعد على اشعال نار هذا النزاع ظهور بدعتين فى هذا الشأن ...
البدعة الاولى :
بدعة نوفاسيانوس اسقف رومية الدخيل ....
وتقضى برفض توبة الذين يجحدون الايمان او يقعون فى اثم كبير ...
وبوجوب اعادة العماد الذى يتم على ايدى الهراطقة وكذلك عماد الارثوذكسين الذين يتساهلون فى قبول الهراطقة التائبين ...
واعتنق مذهب نوفاسيانوس عدد كبير من الكنيسة الرومانية , غير انهم ما لبثوا ان ادركوا خطأهم وعزموا على العودة الى حضن الكنيسة ...
ولما كان عادة كنيسة رومية لا تعمد الهراطقة توقف الكهنة عن قبولهم ريثما يتفقون على رأى بشأن الراجعين من هراطقة نوفاسيانوس ...
فكتبوا الى القديس كبريانوس اسقف قرطجنة يسألونه فأجابهم برسالة جاء فيها ان يجب على الكنيسة الرومانية تعميد المرتدين عن الايمان وان الكنيسة الارثوذكسية فعمادها صحيح ... وان يجب ان يحكم فى هذا ليس فقط الكنيسة الرمانية ولكن ايضا باقى الكنائس مجتمعة ...
البدعة الثانية :
بدعة فيلكسيموس ...
الذى كان يعلم هو واتباعه بوجوب الصفح عن الذين جحدوا الايمان بمجرد الشفاعة التى يتحصلون عليها من المؤمنين الموجودين فى السجون...
والذى دعا الى نشر هذه البدعة هو بسبب اضطهاد ديسيوس قيصر للمسيحيين .. وزل كثير منهم وقدموا الذبائح للآوثان وطلبوا بعد ذلك شفاعة الشهداء المحكوم عليهم بالموت واخذوا منهم مكاتب توصية وارادوا بها الرجوع الى الكنيسة بدون تأديب .. ولكن بعض الاساقفة والكهنة قبلوا حالا الجاحدين الذين قدموا مكاتيب كهذه لكن كبريانوس وغيره ذوى الحزم والغيرة قاوم هذا الارتخاء الزائد ...
وفى سنة 253م قام على كرسى رومية الاسقف استفانوس واتباعه ...
وقد شدد بمنع معمودية الهراطقة ولم يكتف بذلك بل خاطب فرميليانوس اسقف قيصرية , غير ان هذا اهمل كتابه ...
فعقد استفانوس مجمعا سنة 254م حكم فيه بقطع فرميليانوس ومن وافقه من اساقفة كيليكية وغرطية ...
ولما كان القديس كبريانوس مشتركا مع هؤلاء فى المعتقد تهدده استفانوس بحرمه ان لم يقلع عن هذا الاعتقاد , فلم يعبأ كبريانوس بهذا التهديد وقابله بمجمع عقده فى قرطجنة سنة 255م ...
وبعد مباحثات طويلة حكم بضرورة اعادة عماد الهراطقة ومن تعمد على يدهم ممن يرجعون الى الكنيسة , واما الذين كانوا معتمدين فى الكنيسة وسقطوا فى كفر او هرطقة فحكموا بعدم اعادة معموديتهم نفيا لبدعة نوفاسيانوس اسقف رومية الدخيل ...
وارسل المجمع قراره لاستفانوس اسقف رومية يقول :
" ان كل رئيس روحى حر فى سياسة كنيسته , لانه سيقدم حسابا عن اعماله للرب "
غير ان استفانوس رفض هذا القرار وكتب الى اساقفة افريقية يحثهم على الاقتداء به فى رفض قرار كبريانوس ...
اما كبريانوس فأستغرب منه هذا العناد وانكر عليه خضوع كنيسة افريقية لاستبداده ثم كتب رسالة الى احد اساقفة افريقية ضد استفانوس ثم ارسل اساقفة افريقية الى استفانوس يدعونه الى الاتحاد معهم فلم يشأ ان يقابل حملة الرسالة ولم يسمح وجاوبهم بخشونة ولقب كبريانوس بالرسول الغاش والنبى الكذاب , وما ان علم كبريانوس بذلك حتى ارسل الى اساقفة افريقية يحذرهم من الوقوع فى ضلال استفانوس وانه صديق للهراطقة وعدوا المسيحيين ...
وقد ارسل فرميليانوس اسقف قيصرية وفدا الى رومية الى استفانوس اسقفها فقوبل هناك بأسوأ مقابلة كوفد كبريانوس ولم يسمح له بسقف يبيت تحته ... ومن ثم تراسل كبريانوس مع فرميليانوس ضد استفانوس ...
ومع كل هذه المساعى استمر الشقاق وكاد يستفحل امره لولا تدخل البابا القديس " ديونيسيوس " البطريرك الاسكندرى الذى جعل النزاع يقف عند حده ..ز
فكتب البابا ديونيسيوس الاسكندرية الى استفانوس اسقف رومية يقول له :
" اعلم الان ايها الاخ ان جميع الكنائس المنشقة قبلا فى الشرق وما بعده قد اتحدت .. وجميع الرؤساء فى كل مكان متفقون وهم فرحون بالسلام الذى صار على غير انتظار منهم ديمتريانوس فى انطاكية وثاوكتيستوس فى قيصرية ومازبان فى اليه " اورشليم , ومارينوس فى صور بعد رقاد اسكندر وايليوذوروس فى اللاذقية بعد وفاة ثيليميدرس وايليبنوس فى طرسوس وسائر كنائس كيكليكة وفرميليانوس وسائر الكبادوكية ...
وقد ذكرت اشهر الاساقفة فقط لكى لا اطيل الرسالة ولا اثقل الكلام .. اما سورية كلها والعربية الذين تكفونهم دائما والذين ارسلتهم اليهم الان وبين النهرين والبنطس وبيثينية وبالاجمال الجميع فى كل مكان يبتهجون بالاتحاد والمحبة الاخوية ممجدين الله " ...
ولكن استفانوس لم يذعن لنصيحة قداسة البابا وظل على عنادة حتى مات سنة 275م وخلفه سكستوس فكتب له البابا الاسكندرى رسالة ولكن فى هذا الوقت حدث ان ثار اضطهاد فالريان قيصر على المسيحية , فشغل الاساقفة عن عماد الهراطقة بالنظر فى شئون الرعية وفى هذا الاضطهاد استشهد القديس كبريانوس والقديس سكستوس وشمامسة لافيرنديوس ...
وبهذا نكون قد انتهينا من القرن الثالث للبطاركة ولتاريخ كنيستنا القبطية ...
والمحاضرة القادمة سنبدأ الحديث عن القرن الرابع ونتكلم عن بطاركة هذا القرن وهم بطرس 1 , وارشلاوس , والكسندروس 1 واثناسيوس 1 وبطرس 2 وتيموثاوس1 وثاوفيلس ...