عرض مشاركة واحدة
قديم 27 - 08 - 2012, 01:45 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
بنت معلم الاجيال Female
..::| مشرفة |::..


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 45
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 36
الـــــدولـــــــــــة : القاهرة
المشاركـــــــات : 58,440

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بنت معلم الاجيال غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كوكب البريـــة الأنبــا انطونيــوس

الشياطين يفزعون جدا من الصلوات والصوم والسهر والتقشفات ، لا سيما احتقار العالم والفقر الأختيارى وكسر حدة الغضب لأن هذه الفضائل تسحق رأس ابليس ، كما أن أسلحة محاربتنا لأعدائنا هى الأيمان الحى والسيرة النقية .
وقال لاظهار وسائل الأنتصار

" إن السلوك فى سبيل الفضيلة هو أفضل من فعل المعجزات ، والأنسان يستطيع أن ينتصر بسهولة على الشيطان إذا أخلص العبادة لله من كل قلبه بسرور باطنى روحى مستحضرا الله فى ذهنه كل حين لأن هذا النور يمزق ذلك الظلام ويزيل تجارب العدو سريعا ، ومما يفيدنا فى ذلك النظر إلى سير القديسين واقتفاء آثارهم فإن فيها تحريضا على الأقتداء بهم " .
تعاليم روحية ووصايا مقدسة

يا إبنى قبل كل شىء لا تعد نفسك شيئا ، فهذا هو والد الأتضاع ، والأتضاع يلد التعليم ، والتعليم يلد الأمانة ، والأمانة الرجاء ، والرجاء المحبة ، والمحبة الطاعة ، والطاعة تلد الثبات بغير تزعزع ، يا أبنى تعر عن الشر وألبس الوداعة ، واترك عنك العين الخبيثة واتخذ لك عينا بسيطة ، لا تتشبه فى الروحيات بمن هو أضعف منك بل بمن هو مختار أكثر منك ، لا تخف من شتائم الناس ، ابغض كل شىء يكون فيه خسران نفسك ، ولا تعدل عن مشيئة الله إلى مشيئة الناس ، لا تنم ولا تشتم أحدا ، لا تحسد من يتقدم بالظلم ، أجعل جميع الناس أعلى منك لكى يكون الله معك ، لا ترجع إلى ورائك فيما ابتدأت به من الأعمال الصالحة ، لا تمل من محبة الله واصبر فى كل ما تريد أن تصنعه ، فإن صبرت فإن الله يعضدك فى كل أعمالك ، لا ترجع إلى ورائك فى طريق وحدتك ، ابغض الحديث الباطل ، ضع جل اهتمامك بالفضيلة فلا تغفل ، ياابنى إن عملت بكل هذه فإنك ترى ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولم يخطر على قلب بشر . ( 1 كو 2 : 9 ) .
احتسب الذى هو دونك فى الفضيلة أنه مختار وأفضل منك فى النمو ، يا ابنى لا تضجر من الأفكار التى تأتى عليك ، واعلم أن الرب لا ينسى شيئا من أتعابك ، ومنها يكون لك النمو ونعمة الله تعضدك ، يا ابنى ليكن القوم الذين أحبوا الرب من كل قلوبهم وداموا فى العمل صورة ومثالا لك ، لا تستح لأن تطلب منهم ما يؤول إلى خلاص نفسك لأنهم قد تكلموا فى الفضيلة ، لا تتشبه بالذين يطلبون لذة الدنيا لأنهم لا يتقدمون أبدا ، بل تشبه بالذين كانوا تائهين فى الجبال والبرارى من أجل الله ( عب 11 : 38 ) فتأتيك القوة من العلاء ويطيب قلبك فى كل شىء تصنعه ولا ترجع إلى ورائك فى شىء من هذه الوصايا الإلهية فيعطيك الرب راحة القلب وتكمل كل ما أبتدأت به من الأعمال بسلامة .
ياأبنى لا تكن مهذارا فتبعد روح الله منك ، ولا تمل إلى الشر ولا تدن أحدا ، يا أبنى لا تكن مرائيا ولا كذابا ولا تتكلم بغضب بل ليكن كلامك بحكمة ومعرفة وحافظ على السكوت فهذه كانت صفات آبائنا الذين كانت شفاههم تقطر الحكمة .
يا أبنى كن متواضعا كل أيام حياتك ( 1 بط 5 : 6 ) وتمسك بكل شىء حسن ولا تسأل عن الأشياء الرديئة بل أجعل طريقك بعيدة عنها ، كن لين الكلام لأن المجد والهوان يتأتيان عن حب الرحمة ، تدرع بالأمانة ، يا ابنى لا تجعل قلبك رديئا بالتفكير فى الشر بل صيره صالحا واطلب الصلاح وتسامى فى جميع الأعمال الحسنة ، لا ترفع صوتك وإذا مضيت إلى أحد فليكن خوف الله فى قلبك واحفظ فمك لترجع إلى موضعك بالسلامة ، لا تكثر الكلام عند من هو اكبر منك ، يا ابنى حب آبائك الروحانيين الذين يهتمون بك لوجه الله اكثر من محبتك لآبائك الجسدانيين ، يا ابنى إذا جلست فى وسط الأخوة لا تكثر الكلام ، وإذا سئلت منهم عن أمر فقله باتضاع ، يا ابنى إذا شتمت فلا تبغض شاتمك ( مت 5 : 44 ) بل قل إنى مستحق إنى مستحق أن اشتم من جميع الأخوة ، وإذا أتى إليك أحد الأخوة فى أمر فواضع ذاتك فى كل شىء ، اسمع له لأجل الله ولا تتكبر ، إذا رتبك أبوك ( أى رئيس الدير ) لخدمة المرضى فاخدم بكل قلبك لتقبل الأجر مضاعفا من الله لسماعك وخدمتك ، إن وبخك أحد بسبب خطيئة وأنت برىء فتواضع لتنال الأكليل لا تنصت لتسمع الشر ولا تجازى الشر بمثله لأنه مكتوب إذا أنت لم تنتصر لنفسك فأنا انتصر لك قال الرب .
يا ابنى لا تكن متكبرا ولا تفتخر ، لا تصرخ بصوتك ولا تتكلم بسرعة لأنه مكتوب : أن كثرة الكلام لا تخلو من معصية ( أم 10 : 19 ) ، يا ابنى لا تبغض أحدا من الناس بل حب قريبك كنفسك ، يا ابنى اذكر من يكلمك بالتعليم الصالح واحفظ منه الوصايا لتحيا ويطول عمرك فى إرادة الرب ... يا ابنى اجعل لك تعبا قليلا بجسدك فى قلايتك وليكن قلبك متضعا وفمك ينطق بالحق ..


أنطونيوس والمعجزات
" إن الله قد جعل القديس انطونيوس فى مصر طبيبا قادرا على شفاء كافة الأمراض الروحية " ( أثناسيوس الرسولى )

+ + +

فى الفصل السابق دونا بعض الأقوال المأثورة والتعاليم النافعة التى سجلها التاريخ لكوكب البرية ، ولعل القارىء قد أدرك أن الكثيرين قد شغفوا بتعاليمه فكانوا يذهبون إليه دواما ليرتووا من جميل عظاته ، وإذا طبقت شهرته الآفاق وانتشر بين الناس ما حباه الله به من قوة صنع الآيات والمعجزات كان الكثيرون يسرعون إليه حاملين مرضاهم موقنين أن الرب سوف يهبهم الشفاء والبرء التام ببركته ...
كم من معجزات صنعها القديس لا يسع تدوينها أكبر الموسوعات ! لقد حفظ لنا التاريخ طرفا منها ، يعتبر كدليل على مقدار نعمته تعالى التى وهبها لعبده الأمين ، ولا غرو ، فقد قال السيد : " من يؤمن بى فالأعمال التى أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأنى ماض إلى أبى ، ومهما سألتم بإسمى فذلك أفعله ليتمجد الآب بالأبن " ( يو 14 : 13 ، 14 ) .
وهناك العديد من المعجزات دونت فى ميامر القديس ، دونها : الأنبا أثناسيوس الرسولى والبطريرك ، والأنبا سيرابيون أسقف دندرة .
نبوءة الأنبا أنطونيوس عن الحياة الرهبانية :
ولقد تنبأ الأنبا أنطونيوس عما سيصادف الحياة الرهبانية من تغيير ، وذلك عندما أظهر له بعض تلاميذه دهشتهم من كثرة من عشقوا الحياة الرهبانية والعزلة والعبادة وممارسة الفضائل ، أجابهم والدموع تتناثر من عينيه :
" سيأتى يوم يشيد فيه الرهبان بنايات عظيمة فخمة وسط المدن وينعمون بلذة العيش ، ولا يعودون يمتازون عن أهل العالم بشىء سوى بثوبهم ! ومع ذلك فسوف يحافظ نفر منهم على روح الرهبانية ، ولهذا سيكون أكليلهم بهيا بقدر ما تسلم فضيلتهم من العثرات والشوك المحدقة بها ! " .
كما تنبأ عما حل بالكنيسة من جراء بدعة الآريوسيين فقال : " إن غضب الرب سوف يحل على الكنيسة وستكون عرضة لفساد قوم يشبهون الوحوش ! " – غير أنه عاد فقال : " ولكن لا يكتنفكم الأكتئاب من كل جانب لأن الرب وإن غضب علينا فسوف يرأف بنا ، وسيعود إلى الكنيسة سابق بهائها وسترون الذين احتملوا الأضطهاد يعودون مكرمين إلى مراكزهم ، وتعود الأفاعى إلى أجحارها ويسطع الأيمان الحقيقى بيسوع المسيح فى كل أقطار المسكونة ! " .

+ + +


الـــــراهب الأول :
ذكر فى ميامر القديس أنطونيوس أنه قد اعتراه الملل يوما اذ كان يصرف معظم وقته فى العبادة ، عندئذ سمع صوتا يناديه قائلا : " اخرج خارجا وانظر " فخرج انطونيوس واذ به يرى ملاكا متوشحا بزنار مثال الأسكيم ومتمنطق بمنطقة وعلى رأسه قلنسوة ، وكان جالسا يضفر خوصا ، وبعد فترة قام ليصلى ، وما أن انتهى من صلاته حتى عاد لعمله ثانية ، وهكذا صرف وقته بين الصلاة والعمل اليدوى ! ثم سمع القديس صوتا يقول له : " افعل هكذا يا أنطونيوس فتستريح ! " وللحال غابت عنه هذه الرؤيا السمائية ...
وفى هذه الحادثة ، ما يكشف الستار عن بعض حقائق هامة نعرضها فيما يلى :
زى الرهبانية
اتخذ الأنبا أنطونيوس من شكل الملاك الذى ظهر لـه زيا لنفسه ، فلبس القلنسوة والمنطقة والأسكيم ،والبسها أيضا لكل من تتلمذوا له وترهبنوا على يديه .
وعندما قصده الأنبا مكاريوس الكبير ، البسه القديس زى الرهبنة وأنبأه بما سيكون عليه فى مستقبل حياته ، وهذا إذ عاد إلى الأسقيط ، بدأ ينسج على المنوال عينه ، فكان كل من يذهب إليه بغية الرهبنة يرتدى هذا الشكل نفسه .
وحاليا يلبس الراهب عقب حفلة رسامته ، التى تتم قبيل القداس فى صبيحة يوم الأحد ، المنطقة والقلنسوة ، أما الأسكيم فلا يرتديه إلا الذين يتقدمون فى الحياة الروحية كثيرا ، كما يلبسه الآباء الأساقفة والمطارنة قبيل رسامتهم .
الراهب والعمل
اتضح للقديس انطونيوس من رؤياه وجوب صرف أوقات الفراغ فى عمل منتج مفيد ، فكان يقوم بعمل السلال من الخوص ويقتات من تعب يديه ، وهكذا فعل تلاميذه العديدين حتى لا يكونوا عرضة للأفكار الشريرة التى تعبث بعقولهم وقت الفراغ .
ووقت الراهب بالدير موزع بين العبادة والعمل والتعليم ، بالأضافة للخدمات الكنسية والعناية بالمرضى من الرهبان وخدمتهم .
وقد يتغير طبيعة الأعمال بالدير حسب تطور الحياة والوسائل المتاحة ، فأصبحنا نرى الآن بالأديرة زراعات واسعة ومساحات أشجار للزيتون وخلافه ، ويستعمل فى أعمال الزراعة الماكينات الحديثة والجرارات ، والأستفادة من المحاصيل إلى أبعد حد كتصنيع زيت الزيتون ، وتلبية احتياجات الكنائس من عصير الكرمة ، ...
ومن الأعمال الهامة للرهبان أعمال البحث فى العلوم اللاهوتية والدينية والتاريخية ، بالرجوع للمخطوطات ومراجعتها وإعادة طبعها ، ونشرها تحت إشراف رئيس الدير .
كما أن لبعض الرهبان خدمات تقدم للشعب خارج الدير ، وخارج الوطن لنشر حقائق الأيمان الأرثوذكسى القويم للعالم كله .
وكان للرهبنة القبطية الفضل فى نشر الرهبنة فى معظم دول العالم الغربى والشرقى .
أنطونى وبابوات الأسكندرية :
عاش الأنبا أنطونى سنين طويلة عاكفا على الصوم والصلاة وجدل السلال ، مجاهدا ضد المبتدعين ، مثبتا المؤمنين ، هاديا جميع الآتين إليه إلى سبيل السلام ، وقد منحه الله عمرا مديدا فرأى النور فى باباوية الأنبا ديونيسيوس ثم جاهد الجهاد الروحى خلال باباوية ستة من الأحبار الأسكندريين هم الأنبا مكسيموس ( البابا الأسكندرى الـ 15 ) ، فالأنبا ثيئوناس ، فالأنبا بطرس خاتمة الشهداء ، فالأنبا أرشيلاوس ، فالأنبا ألكسندروس ، فالأنبا أثناسيوس الرسولى .
القديس أثناسيوس
غاسل أقدام العظيم أنطونيوس

تحول قسطنطين الكبير إلى الأيمان المسيحى ليكون أول إمبراطور مسيحى فى العالم ، يبذل كل جهده من أجل تحويل هياكل الأوثان إلى كنائس ، ومساندة الكنيسة . لكنه إذ فتح أبواب قصره للأساقفة وبعض الكهنة انسحبت قلوب الكثيرين إلى القصر الأمبراطورى ، لم يترك الرب كنيسته تنسحب إلى قصور العالم وأمجاده فأعد العظيم أنبا أنطونيوس الذى سحب قلب الكنيسة إلى البرية ، لكى يدخل كل مؤمن إلى أعماقه ، ويتلامس مع ملكوت السموات القائم فيه ، من بين هؤلاء المؤمنين كان أثناسيوس الذى وإن كان لم يلتحق بالحياة الرهبانية لكنه تتلمذ على يدى العظيم أنبا أنطونيوس .
إن لمسات القديس أنبا أنطونيوس لم تظهر فى سلوك البابا أثناسيوس ولاهوتياته فحسب ، بل يمكننا القول بأنها بالروح القدس شكلت أعماقه أيضا .
إن كان البابا أثناسيوس قد سجل لنا كتابه المشهور Vita Antonii ( حياة أنطونيوس ) ، فإنه فى الحقيقة نقش سيرة معلمه وحياته فى قلبه وخلال حياته وسلوكياته وأفكاره .
هذه أمثلة قليلة لعمل الله الفائق فى حياة البابا أثناسيوس خلال تأثره بأبيه الروحى الأنبا أنطونيوس .
التأله والحياة الرهبانية

ظن البعض أن القديس أنبا أنطونيوس أب الأسرة الرهبانية قد استخف بالجسد وتجاهله ، وأن الرهبنة المصرية كان لها أثرها على الفكر اللاهوتى السكندرى ، الذى ركز على التأله .
سحب " التأله " قلب مدرسة الأسكندرية ، حيث يرى المؤمن حب الله العجيب الذى يشكل أعماق الأنسان ليحمل صورة خالقه ، ويقيم منه شريكا فى الطبيعة الإلهية .. لا يقف عند الأعماق بل ويرى فى الجسد ذاته كأنه يتحول تدريجيا إلى الطبيعة المجيدة التى يتمتع بها فى يوم الرب العظيم ، تصير حياة المؤمن أشبه برحلة يومية فيها ينطلق بكل كيانه نحو السماء ، جاذبا اخوته معه ليختبروا معه عربون السماء .
إن كانت الرهبنة المصرية قد حولت البرارى والقفار إلى فراديس ، والبشر إلى ملائكة ، فإن القديس أثناسيوس حتى فى حواراته اللاهوتية ، كانت غايته أن يحول كيان الأنسان إلى سماء جديدة متهلله بالله مصدر فرحها ومجدها .
من كلماته :
[ نتأله ، لا بشركتنا لجسد إنسان ما ، بل بقبولنا جسد الكلمة نفسه " ] .
، [ صار إنسانا لكى نصير نحن آلهة ] .
الأنبا أنطونيوس وروح الغلبة

الخط الواضح فى كتاب " حياة أنطونيوس " الذى سجله تلميذه البابا أثناسيوس هو صراع القديس مع الشياطين ، موضحا ما يحمله المؤمن الحقيقى من روح الغلبة والنصرة حتى على الشياطين والأرواح النجسة .
كان هذا المعلم العجيب قائدا خفيا لتلميذه الذى عاش أغلب حياته فى سلسلة لا تنقطع من الصراع ، لم يعرف فترات السلام الخارجى فى خدمته إلا القليل النادر ، وجاءت رسائله الفصحية السنوية تكشف لا عن نفس مرة من أجل مقاومة الكثيرين والمستمرة له ، بل عن اعتزاز حى بالجهاد المستمر مع رجاء صادق فى التمتع بنصرات لا تنقطع .
قيل لـه : " العالم كله ضدك يا أثناسيوس ! " وكانت إجابته التلقائية النابعة من خبراته اليومية ، " وأنا ضد العالم " . لم يكن هذا عن كبرياء أو تشامخ ، وإنما عن يقين فى إمكانيات الله العاملة فيه .
آمن القديس أثناسيوس أنه مختفى فى المسيح ، وما يمارسه إنما باسم المسيح ولحسابه ، يعمل عمل المسيح ، لهذا لم يدخل اليأس قط إلى قلبه ، ولم يحمل روح الفشل بل روح الغلبة والنصرة .
دبرت مؤمرات كثيرة ضده ، لكنه آمن بذاك الذى ينقذ العصفور من فخ الصيادين ، فى يقين بروح الغلبة بلا خوف ، إذ خطط الأريوسيون لتحطيمه .. انطلق إلى القسطنطينية ، وفى شجاعة انطلق إلى حيث مركبة الأمبراطور وأمسك بلجام الفرس ، ارتبك الكل قائلين : " من هو هذا المتجاسر ليوقف المركبة الأمبراطورية ؟ " وإذ عرف قسطنطين شخصه أعجب بشجاعته ودعاه ليجلس معه فى المركبة ويتحقق مما جاء من أجله .
لقد قضى أغلب حياته فى ضيق خارجى دون أن يفقد سلامه وإيمانه بنواله روح النصرة .
لقد دامت رئاسته 46 عاما ، قضى منها 17 عاما فى النفى :
( أ ) فى عهد قسطنطين ( 335 – 337 م ) فى تريف .
( ب ) فى عهد قسطنطيوس ( 339 – 346 م ) حيث زار روما .
( جـ) فى عهد قسطنطيوس ( 356 – 362 م ) حيث عاش فى برارى مصر .
( د ) فى عهد يوليانوس ( 362 – 363 م ) حيث عاش فى برارى مصر .
( هـ ) فى عهد فالنس ( 365 – 366 م ) حيث عاش فى برارى مصر .
اتهم فى مجمع صور عام 335 م بقتل الأسقف الميلاتى أرسانيوس ، وهتكه بتولية عذراء ، وتحطيم كأس الأفخارستيا الذى كان يستخدمه أسخيراس وظهر بطلان كل هذه الأتهامات .
الأنبا أنطونيوس وروح الفرح
يقول القديس أنبا انطونيوس أنه كما يحتاج الجسد إلى طعام يتقوى به ، هكذا تحتاج النفس إلى الفرح غذاء لها ، لقد اتسمت شخصية الأنبا انطونيوس بروح الفرح الدائم ، الأمر الذى أدهش كثير من المؤمنين والفلاسفة .
جاء إليه جماعة من المؤمنين وكانوا يسألونه وهو يجيب ، وظل أحدهم صامتا ، تعجب منه القديس أنبا أنطونيوس فسأله عن صمته مع أنه تكبد متاعب كثيرة لكى يأتى إليه ، أجابه الرجل : " رأيت يا أبى وجهك فعرفت الأجابة على كل أسئلتى " . هكذا رأى فى بشاشة وجهه المستمرة أيقونة السماء المتهللة ، فوجد أجابة على كل أسئلته خلال الفرح الذى يمارسه الأب أنبا انطونيوس فى المسيح يسوع .
كان لبشاشة وجه القديس أنبا أنطونيوس وهو فى ساحة الصراع مع عدو الخير أثرها العجيب على تلميذه القديس أثناسيوس ، إذ كتب عن معلمه :
[ كانت نفسه متحررة من كل اضطراب ، وكان مظهره الخارجى هادئا ، من فرح نفسه كان يحمل ملامح متهللة ، ومن حركات جسمه يمكن إدراك حال نفسه ، كما هو مكتوب : " القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا ، وبحزن القلب تنسحق الملامح " ( أم 15 : 13 ) ...
كان أنطونيوس هذا معروفا ، فإنه لم يضطرب قط ، إذ كانت نفسه فى سلام ولم يتحطم قط ، لأن عقله كان فرحا ] .
الأنبا أنطونيوس وقلب الأمبراطور

تهلل الرهبان إذ سمعوا أن أول إمبراطور مسيحى – قسطنطين – قد بعث برسالة إلى أبيهم أنبا أنطونيوس ، وجاءوا يسألونه متى يجيب على رسالته . أما هو فلم يكن منشغلا بالرسالة ، بل قال لهم إنه سيجيب عليها عندما يجد وقتا مناسبا لذلك . عبرت الأيام ولم يجب أنبا أنطونيوس .... وأخيرا إذ ألح عليه الرهبان ليجيب على الأمبراطور من أجل أعماله العظيمة التى صنعها مع الكنيسة وقادتها ، أجابهم أنه مشغول بقراءة رسالة الله – الكتاب المقدس – وعندما ينتهى من الأجابة عليها سيكتب للأمبراطور .
هكذا تسلم البابا أثناسيوس من معلمه هذه الروح ، انه لا يهتم بأن يكون له موضع فى قلب الأمبراطور بل فى حضن الله ، لم يشته البابا أثناسيوس مجدا زمنيا ، ولا طلب أن تنفتح أبواب القصر الأمبراطورى أمامه ، لكنه كان مهتما بخلاص نفسه وخلاص أولاده الروحيين .
الأنبا أنطونيوس والبصيرة الداخلية

لم يلتحق القديس انبا انطونيوس بمدرسة الأسكندرية اللاهوتية ، لكنه كان متفاعلا معها ، وكانت هى متفاعلة معه .
زار القديس أنبا أنطونيوس عميد المدرسة فى أيامه القديس ديديموس الضرير أكثر من مرة ، وكانا يلتقيان معا حول مائدة الفكر اللاهوتى الروحى ، أو حول مائدة الحياة السماوية الحية .
سأل القديس أنطونيوس القديس ديديموس إن كان يتألم بسبب فقدانه بصره وإذ لم يجبه الأخير كرر السؤال للمرة الثانية ثم الثالثة ، فأظهر القديس حزنه على فقدانه البصر ، أما القديس أنبا انطونيوس فقال له : " إنى أندهش أن رجلا حكيما يحزن على فقدان ما يشترك فيه النمل والذباب والحشرات ولا يبتهج بالأحرى ( بالبصيرة الداخلية ) التى لا يتأهل لها إلا القديسون والرسل .
بهذه البصيرة التى يعتز بها الأنبا انطونيوس تطلع تلميذه إلى اللاهوتيات ليس كأفكار فلسفية للحوار ، بل كأدراك حى للمعرفة ، وتلامس مع الحق . لهذا لم ينشغل البابا أثناسيوس بالتعبيرات اللاهوتيات ، إنما اهتم بالمعنى .
الأنبا انطونيوس وانفتاح قلبه

لم يمارس أنبا انطونيوس الرهبنة كهروب من الناس ، بل كانفتاح القلب على الله محب البشر ، فبعد حوالى عشرين عاما من العزلة التامة ، انفتحت مغارته وشهد الكل انفتاح قلبه بالحب نحو كل البشر فلم يلتق فقط بالمشتاقين للحياة الرهبانية ، بل وبالفلاسفة والحكام ، لهذا قال له القديس هيلاريون من فلسطين : " سلام لك يا عمود النور ، المضىء للعالم " .
هذا هو قلب راهب متوحد يشتهى خلاص الجميع ، حتى الفلاسفة الوثنيين ، كم بالأكثر حمل تلميذه البابا البطريرك روح الحب والشهادة لأنجيل المسيح أمام الجميع ، لقد تعلم من معلمه أن يسلم قلبه بين يدى روح الله القدوس النارى ، الذى يلهب النفس بالحب الحقيقى .
كان قلبه ملتهبا بالحب ، يحمل الكنيسة على ذراعيه ليقدمها لمسيحه فى صلواته المستمرة ، وعندما التهبت نيران الأضطهاد زار الأسكندرية ليخدم المعترفين ويشجعهم أثناء محاكمتهم . نزل أيضا ليقف بجانب تلميذه أثناسيوس ، بل بجانب الحق الأيمانى فى الصراع ضد الأريوسية .
الأنبا أنطونيوس وحياة الخلوة

تلمذة القديس أثناسيوس على يدى الأنبا أنطونيوس قرابة ثلاثة سنوات بلا شك سحبت قلبه إلى حياة الخلوة والتأمل ، فإن كان الله لم يسمح له بالحياة الرهبانية الديرية أو التوحد ، لكنه مارس نسكه فى حياته الرعوية – وإذ سمح الله له بالضيقات كان يهرب إلى قبر والده أو يختفى فى منزل أو يصعد إلى بعض أديرة الصعيد . لم تكن هذه الفترات تمثل ضيقا ، بل تعكس عليه بهجة إذ يحقق أمنيته فى الخلوة والتأمل دون تجاهل لدوره الأبوى الرعوى .
الأنبا أنطونيوس وحياة السهر

تدرب البابا أثناسيوس على حياة السهر ، ورأى فى معلمه رجل صلاة يكرس كل حياته للعبادة ، لهذا وجد البابا سروره فى الصلاة والسهر ، فعندما حاول القائد سيرينوس القبض عليه كان البابا يقود شعبه فى خدمة ليلية للسهر ، كما أشار كثيرا فى كتاباته إلى حياة السهر والصلاة .
الأنبا أنطونيوس والحياة التقوية
إذ ذاق عذوبة الحياة التقوية فى عشرته للقديس أنبا انطونيوس لم يستطع أن يفصل بين اللاهوت والسلوك العملى ، وبين الأيمان والتقوى ، فالعقيدة المسيحية فى ذهنه تدفع الأنسان ليتمتع بالحياة التقوية فى الرب ، ومن كلماته :
[ الأيمان والتقوى حليفان وأختان ، من يؤمن بالله فهو نقى ، ومن يسلك بتقوى يؤمن بالأكثر ] .

مع الشهـــــــداء

لم تر أمة من الأمم من أنواع الأضطهاد ما رأته الأمة القبطية ، ولم تتحمل كنيسة من كنائس العالم أجمع ما تحملته كنيستنا الأرثوذكسية ! ... لقد قام الأباطرة الرومان ، الواحد تلو الآخر ولا هم لهم سوى التفنن فى طرق تعذيب المسيحيين والتنكيل بهم ، ومع هذا ، فقد خرج المؤمنون منتصرين فائزين ! " وبقدر ما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا !! " ( خر 1 : 12 ) .
دون بعض المؤرخين عدد مرات الأضطهاد التى مرت على المسيحيين منذ بدء المسيحية فى عشرة أدوار كالآتى :
الأول : سنة 64 م فى زمن نــيـرون .......... الثانى : سنة 95 م فى أيام دومتيان
الثالث : سنة 107 م فى زمن تراجان ...... الرابع : سنة 118 م فى أيام إدريان
الخامس : سنة 212 م فى زمن كاراكلا ..... السادس : سنة 235 م فى أيام مكسيميانوس
السابع : سنة 250 م فى زمن داسيوس ....... الثامن : سنة 257 م فى أيام فاليريان
التاسع : سنة 274 م فى زمن اوريليان ........العاشر : سنة 303 م فى أيام ديوكليتيان
كتب العلامة " زنوليانوس " : " إننا نتكاثر إذ تحصدوننا ، وإن دم المسيحيين لبذرة ‍ وإن لكم فيما تأخذونه علينا من عناد لعبرة ‍‍ . فمن ذا الذى يشهده ولا يتزعزع ثم لا يبحث عن السر فيه ؟ ومن ذا الذى يبحث فلا ينضم إلينا ، ومن ذا الذى ينضم إلينا ولا يتوق إلى العذاب والموت فى سبيل الحصول على النعم الإلهية كاملة ، والعفو شاملا ؟ ‍‍ .... ( ولد هذا العلامة بقرطجنة حوالى سنة 150 م وتعلم الحقوق وصار محاميا ثم اعتنق المسيحية عام 190 م ورسم قسا على قرطجنة ثم انتقل سنة 240 م ) .


الأنبا أنطونيوس وجهاده فى زمن الأضطهاد
عرف عن القديس أنطونيوس أنه لم ينزل فى مدة الخمسة والثمانين عاما التى قضاها فى البرية إلى الوادى على الأرجح سوى مرتين ؛ ولسباب ضرورية عندما شعر بأن اخوانه فى العقيدة الأرثوذكسية هنالك فى حاجة إلى هدايته ومساهمته فى تشجيعه عندما حاقت بهم المحن الكبرى التى حلت بالمسيحية فى أوائل عهدها بمصر .
أما المحنة الأولى فهى الأضطهاد المرير الذى أنزله الأمبراطور الرومانى مكسيمينوس بمسيحى مصر عام 311 م فلم ير القديس بدا من الخروج عن عزلته ليشد أزر المؤمنين ويقويهم فى أمانتهم لما بلغ الأضطهاد أشده ......
حدث فى فترة باباوية الأنبا أرشيلاوس أن سمع الأنبا أنطونيوس بإثارة الأضطهاد بعد أن نقض الأمبراطور مكسيميانوس عهده مع المسيحيين ، وتخييرهم بين التبخير للأوثان أو القتل ، فترك عزلته واخذ معه عددا من رهبانه وسافر إلى مدينة الأسكندرية عاصمة القطر المصرى يومئذ ، وهو يقول :
" فلأذهبن إلى الأسكندرية حيث نيران العذاب ، فإن سمحت النعمة الإلهية باستشهادى تجدنى مستعدا ، وإن لم تسمح بذلك أكون على أقل تقدير واقفا إلى جانب المضطهدين من أبناء القديس مرقس الأنجيلى الشهيد " .
وهناك أخذ على عاتقه مهمة زيارة المسيحيين وتثبيتهم على الأيمان القويم المستقيم . وتلك مهمة جد خطيرة ، إذ كان على القديس أن يتحدى الوالى ويعمل ضد رغبته ، ومع هذا تجده هادئا مطمئنا ‍‍ ، وإذ تسأله عن السبب يقول :" إن كان الرب معنا فمن علينا ؟ " ( رو 8 : 31 )
ابتدأ يذهب إلى السجون ويجتمع بمن فيها ويشوق إليهم الأستشهاد ليلحقوا بجيش المسيحيين الظافر ، واضعا نصب أعينهم فناء الحياة وزوالها ومذكرا أياهم بقول الكتاب : " وضع لكم لا أن تؤمنوا فقط بل أن تتألموا أيضا من أجل اسمه تعالى " ( فى 1 : 29 ) " وينبغى أن يطاع اللــــه أكثر من الناس ‍" ( أع 5 )
الأضطهاد أشده .
والمحنة الثانية وقعت عند استفحال هرطقة " آريوس " الأسكندرى فى أثناء حكم الأمبراطور قسطنطين الكبير ، فهبط أنطونيوس من الصحراء الشرقية إلى المدن المصرية عام 338 م لكى يساعد القديس أثناسيوس فى كفاحه الدامى ضد الهراطقة من أتباع آريوس المذكور ولا شك فإن شخصيته كانت من أكبر الدعائم فى رد المصريين إلى حظيرة الأيمان المسيحى الحق وكبت هذه الضلالة أو البدعة الجديدة

+ + +
  رد مع اقتباس