أسباب لوم الرب لذلك الرجل
لا يلوم الرب في هذا المثل من يُوَسِّع مخازنه، لكن اللوم يقع على ذلك الرجل لأمرين أولهما هو طمعه بحسب قوله في بداية المثل: "انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ". والأمر الثاني هو: اعتقاد هذا الرجل أن غناه المادي هو الذي يُؤِّمِن له الحياة السعيدة، وقد فندّ الرب هذا الاعتقاد الخاطئ بإعلانه حرمان ذلك الرجل من التمتع بخيراته الكثيرة بسبب موته في ذات الليلة، التي تخيل أن خيراته الكثيرة هي الضمان والأمان لحياته.
* الشبهة الرابعة
يتخذ البعض من توبيخ الرسول يعقوب في رسالته من يثقون في نجاح خططهم للمستقبل حجة على رفض الإيمان المسيحي للتخطيط والدراسة.
النص الإنجيلي: "هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ. أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ. وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ" (يع4: 13- 16).
* تفنيد الشبهة
لا يلوم معلمنا يعقوب الرسول الإنسان الذي يخطط للغد، ولكنه يلوم من يثق في قدراته بصورة مبالغ فيها، إلى حد الافتخار بما سوف ينجزه في الغد ناسيًا أو متجاهلًا سلطان الله ومشيئته، وتدخله في ممالك البشر كقول الكتاب: "فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ".
الاستنتاج
إن العيب ليس في العمل لحساب المستقبل، ولكن العيب هو في هدف ونوعية العمل. أما من لديه المقدرة أن يتعب في العمل والتدبير الحسن والتخطيط لأمور حسنة، فهو إن لم يفعل ذلك يحسب له ذلك خطية، كقول الكتاب: "فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ" (يع4: 17).
أخيرًا:
لعلنا نتسائل إن كان التخطيط للمستقبل أمر نافع لأمور هذه الحياة أليس من الأولى التخطيط للحياة الأبدية.