9ـ ادَّعى كل من غلام أحمد وأحمد ديدات بأنه وقت الصلب حدثت رعود وظلمة وزلزلة فتفرّق المجتمعون، وأتى أتباع يسوع وأخذوه حيًّا، فيقول غلام أحمد: "إن صلب اليهود في ذلك العصر، لم يكن كمثل مشنقة اليوم، التي يستحيل منها النجاة غالبًا، لأن صلب اليهود لم يكن يحتوي على حبل للشنق.. وكان من الممكن عندئذ أن يُنزَل المجرم من الصليب قبل أن تُحطّم العظام إذا أُريد العفو عنه بعد تسميره بيوم أو يومين، اكتفاء بما ذاق من العذاب.. لكن اللَّه عز وجل أنقذ المسيح بفضله ورحمته من جميع ألوان التعذيب التي تقضي على الحياة قضاءً نهائيًا.. أنه بقى على الصليب مجرد ساعتين.. ولمَّا كانت الساعة السادسة هبّت عاصفة حالكة، غطّى الأرض سوادها، وظلت الأرض مظلمة لثلاث ساعات متوالية (مر 15: 33) وكانت تلك الساعة بعد نصف النهار وقبيل المغرب، فعند هذا الظلام الدامس، خاف اليهود أن تحين ليلة السبت، فيستحقوا الغرامة لنقض حرمة السبت، فلذلك سرعان ما أنزلوا المسيح واللص من على الصليب. على إن ظاهرة سماوية أخرى ظهرت أيضًا وهي أن بيلاطس لما كان متمكنًا من كرسي الحكم، أرسلت إليه زوجته قائلة: لا تتصدى لهذا الرجل البريء الصادق (أي تجنّب قتله) لأني تأذيت من أجله في المنام (مت 27: 19) فالملك الذي رأته زوجة بيلاطس في المنام، نتبين منه نحن وكل منصف أن اللَّه عز وجل لم يرد أن يقتل المسيح على الصليب، ولم يحدث منذ بدء الخليقة أن تُخطئ بشارة تبشر بنجاة أحد. كانت رؤيا زوجة بيلاطس مكيدة سماوية لنجاة المسيح، وكان من المستحيل أن تخطئ هذه المكيدة.. لأن كل رجل صحيح الفطرة إذا اطلع على رؤيا زوجة بيلاطس، يتيقن بقلبه الصافي المطهَّر بأن تلك الرؤيا لم تكن تهدف في الواقع إلاَّ إلى وضع خطة لتخليص المسيح" (المسيح الناصري في الهند ص 25، 26)(258).
وقال أحمد ديدات "بونتيباس بيطلاس يتعجّب: تحكي لنا كتب الإنجيل في مختلف الصيغ، أنه بين الساعة السادسة والساعة التاسعة (12 ظهرًا حتى 3 بعد الظهر) كان هنالك رعد وكسوف شمس وزلزال! هكذا دون قصد؟ كلاّ. كان ذلك لتفريق الغوغاء بعد استمتاعهم بيوم عطلة رومانية. وكان ذلك لإطلاق يدي الرحمة المتمثلة في أتباعه المخلصين المسرين لاتجاهاتهم كي يهبوا لنجدته.
وذهب يوسف الذي كان من أريماتا في معية أحد جنود الرومان (قائد مئة) كان متعاطفًا مع يسوع، وكان قد قال: "حقًّا كان هذا الإنسان ابن اللَّه" كما ورد بإنجيل مرقس (15: 39) ذهبا إلى بيلاطس وطلب يوسف جسد يسوع "فتعجّب بيلاطس أنه مات كذا سريعًا، فدعا قائد المائة وسأله هل له زمان قد مات" (مرقس 15: 44) ماذا كان سبب تعجب بيلاطس؟ كان يعرف بحكم تجربته وخبرته إن أي رجل لا يمكن أن يموت على الصليب في غضون ثلاث ساعات ما لم تكن "الكوريفراجيوم" مُعدّة لذلك وهو ما لم يحدث في حالة يسوع..
نجد بيلاطس يتوقّع أن يكون عيسى حيًّا على الصليب (لم يمت بعد) كما ينبئونه فإن تعجُّبه أيضًا طبيعي. ولم يكن لديه سبب يجعله يتحقق من أن يسوع ميت أم حي. ولماذا يهتم لو كان يسوع حيًّا؟ ألم يجده بريئًا من التهم الموجّهة إليه من اليهود؟ ألم تحذّره زوجته من إلحاق أي أذى بهذا الرجل العادل؟ ألم يضطر إلى الاستسلام لضغط اليهود عليه؟ فلو كان يسوع حيًّا فما أجدره بحظ حسن! ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجثمان"(259).
تعليق: أـ يظهر التناقض الذي سَقَط فيه غلام من جهة المدة التي أمضاها السيد المسيح على الصليب، فتارة يقول: "إنه بقي على الصليب مجرد ساعتين"، وتارة يقول: "وظلت الظلمة لثلاث ساعات متواليات"، والحقيقة أن السيد المسيح أمضى على الصليب من الساعة الثانية عشر ظهرًا إلى ساعة الغروب نحو خمس ساعات.
ب ـ ما رأته زوجة بيلاطس كان حلمًا وليس رؤية، فأرسلت إلى زوجها تقول: "إيَّاك وذلك البَارَّ. لأني تألَّمت اليوم كثيرًا في حُلْم من أجله" (مت 27: 19)، وبالرغم من هذا التحذير فإن بيلاطس حَكَم بصلب المسيح خشية أن يفقد منصبه.
ج ـ الذي حدث من أمر الظلمة لم يكن كسوفًا للشمس، لأن القمر كان عندئذٍ بدرًا مما يستحيل معه حدوث الكسوف، ولكـن الذي حـدث هـو معجزة إظلام الشمس من الساعة السادسة وحتـى التاسعـة (مت 27: 45، مر 15: 33، لو 23: 44).
د ـ لم تحدث أية رعود وقت موت السيد المسيح، والزلزلة حدثت عقب موته: "فصَرَخ يسوع أيضًا بصوتٍ عظيم، وأسْلَمَ الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشَقَّ إلى اثنين، مـن فوق إلى أسفَل. والأرض تزلزَلَت، والصُّخور تشقَّقت" (مت 27: 50، مر 15: 38، لو 23: 45) ولكن "ديدات" أراد أن يصوّر هذا الاضطراب حتى يؤكد هروب الجميع وإسراع التلاميذ بإنزال المسيح وهو ما زال حيًّا، وتجاهل "ديدات" وجود قائد المئة وجنوده عقب الزلزلة: "وأمَّا قائد المِئَةِ والذين مَعَه يحرُسُون يسوع فلمَّا رأوا الزلزلة وما كان، خافُوا جدًا وقالوا: حقًا كان هذا ابن اللَّه" (مت 7: 54).
هـ ـ يوسف الرامي ذهب بمفرده إلى بيلاطس، ولم يذهب معه قائد المئة وطلب جسد يسوع، وحدث هذا في المساء: "ولمَّا كان المَسَاء" (مت 27: 57، مر 15: 42) وتعجّب بيلاطس من موت يسوع بهذه السرعة واستدعى قائد المئة وتحقَّق منه خبر الموت " فتعجَّب بيلاطس أنه مات هكذا سريعا،ً فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. ولمَّا عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف" (مر 15: 44، 45) لقد اختار السيد المسيح ساعة موته وسلَّم روحه في يد الآب في الساعة التي أرادها، فقد كملت قضية الخلاص.
و ـ لم يكن قائد المئة متعاطفًا قط مع يسوع، لأنه لو كان متعاطفًا معه لدافع عنه أثناء نظر القضية، ولو كان متعاطفًا معه ما كان يوافق قط على القيام بمهمة صلبه، ولكن الذي حدث أن الزلزلة هي التي قادت قائد المئة إلى الإيمان بالمصلوب ابن اللَّه الحي.
ز ـ يبدو أن "ديدات" مقتنعًا بموت السيد المسيح على الصليب ولكنه يراوغ، والدليل على هذا قوله: "ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجثمان" وهو يعلم تمامًا أن "الجثمان" لا تُطلق إلاَّ على الإنسان الميت وليس الحي.