ج ـ كان السيد المسيح يعلَم أن يهوذا سيُسلمه قبل الصليب بوقت طويل ولذلك قال لتلاميذه: "أليس إني أنا اختَرتُكُم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي لأن هذا كان مزمعًا أن يُسلمه وهو واحِدٌ من الاثني عشر" (يو 6: 70، 71) فلو كان السيد المسيح حريصًا أن لا يموت ألا كان يستبعد هذا اليهوذا من زمرة تلاميذه الأخصاء؟!
د ـ قال ديدات إن السيد المسيح ذهب مع تلاميذه إلى بستان جثسيماني لكيما يكون في وضع دفاعي أفضل، وتغافل أن يهوذا كان يعرف المكان جيدًا، لأن السيد المسيح كان قد أعتاد على الذهاب إلى هذا البستان مع تلاميذه: "وكان يهوذا مُسَلّمه يعرفُ الموضِعَ، لأن يسوع اجَتَمع هناك كثيرًا مع تلاميذه" (يو 18: 2). إن السيد المسيح لم يذهب ليصلّي في زحام هيكل سليمان لأن الموقف كان يحتاج للاختلاء، وهذا ليس بالأمر الجديد لدى مُخلّصنا الصالح: "وفي الصُّبح باكرًا جدًا قام وخَرجَ ومَضى إلى موضِع خلاءٍ، وكان يُصلّي هناك" (مر 1: 35، لو 4: 42) ولو أن السيد المسيح كان يُفكّر بفكر ديدات لكان يلجأ إلى الهيكل وسط أتباعه المخلصين الذين قدّرهم البعض بنحو ثمانية آلاف شخص.
هـ ـ لو كان السيد المسيح يبحث عن مكان دفاعي أفضل هل يذهب إلى بستان مفتوح؟!.. أليست العلية المغلقة أفضل من البستان المفتوح؟!.. لنضع الموقف الذي صوَّره ديدات أمام أي إنسان عاقل، ونقول له أن ديدات قال إن هناك اثنى عشر رجلًا معهم سيفان، وأرادوا عمل انقلاب ضد القيادات اليهودية، وأيضًا ضد القوات الرومانية التي تقدّر بالآلاف من الجنود المسلحين، ومن الطبيعي أن هذا الانقلاب باء بالفشل، والسلطات تبحث عن قائد الانقلاب.. فقل لي: هل يتجه إلى بستان مفتوح مع رجاله لكيما يكون في موقف دفاعي أفضل، أم أنه يترك مكان الأحداث بأقصى سرعة ويخرج من كل المدينة متجهًا إلى إحدى الأماكن البعيدة حيث يجد الحماية من آلاف اليهود الذين يبغضون الحكم الروماني؟ أو يترك كل اليهودية ويذهب إلى نواحي صور وصيدا ويختفي هناك؟!! ولا سيما أن قوات الأمن كانت متمركزة في أورشليم في هذه الأيام على أعلى مستوى، فبالإضافة إلى الحامية الرومانية بقلعة أنطونيا والتي يبلغ عددها ستة آلاف مُقاتل، كان هناك الفِرَق المساعدة الخامسة والعاشرة والخامسة عشر والتي يبلغ تعدادهم نحو 35 ألف مقاتل تحت أمر بيلاطس البنطي، وهوذا بيلاطس مقيم في أورشليم لحفظ الأمن في هذه الأيام (راجع محاكمة المسيح ف. باول ترجمة إبراهيم سلامة ص 22، 23).
بل ويزيد ديدات الطينة بلّة في تصويره لموقف القبض على يسوع، فإذ برجاله نائمين "تم الإمساك بالحواريين في وضع غير ملائم، كما يقول الإنجيل أو بالأصح كانوا نائمين. وداس عليهم عدوهم بأحذية ثقيلة" (ص 44) فهل رجال أتخذوا موقعًا دفاعيًا ويتوقعون هجوم العدو بين لحظة وأخرى وينامون؟! مَن يتوقع الموت الوشيك وينام؟!
و ـ كان السيد المسيح عالِمًا بكل شيء، وعند اقتراب الجنود للقبض عليه هو الذي خرج إليهم وسألهم: مَن تطلبون؟ فقالوا يسوع الناصري، "فلمّا قال لهم: إني أنا هو رَجَعوا إلى الوراء وسَقَطوا على الأرض" (يو 18: 6) وكانت الفرصة مهيأة تمامًا للسيد المسيح للهرب، ولكنه لم يفعل بل ظل منتظرًا، حتى نهضوا وأعاد عليهم السؤال، وكان هو القوي في تسليم نفسه حيث اشترط عليهم لكي يذهب معهم أن يدعوا التلاميذ يمضون. ثم أن السيد المسيح الذي أبرأ أُذن ملخس التي ضربها بطرس بالسيف، ألم يكن من السهل عليه أن يبدد هؤلاء الجنود من أمامه؟!
ز ـ ناقض ديدات نفسه، ففي صفحة 32 يعترف بأن كل ما مع التلاميذ من سلاح هو مجرّد سيفين لا غير، وفي ص 34 يقول أن هذين السيفين كانا مع بطرس ويعقوب ويوحنا "والآن على أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربّصوا ويراقبوا ليقوموا بالحراسة"، وفي الوقت نفسه يقول أن الثمانية تلاميذ: "أنه يضعهم بطريقة إستراتيجية في مدخل البستان، مدججين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح" (ص 34) فمن أين أتى هؤلاء الثمانية رجال بالسلاح حتى يُدَجّجوا به؟!
ح ـ بينما يعترف الجميع بأن السيد المسيح هو ملك السلام الذي أنشدت الملائكة يوم مولده أنشودة السلام: "المجد للَّه في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة" (لو 2: 14) فإن ديدات يخالف الجميع ويصوّر السيد المسيح على أنه ذو طبع ناري يهوى سَفك الدماء، وفي ص 28 يقول: "الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم ـ أنا سوف أحكم فيهم ـ أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي "وعلاوة على تحريف النص السابق، فإن ديدات تجاهل أن ما ورد في الإنجيل (لو 19: 11 ـ 27) كان مجرّد مثل يحكيه السيد المسيح عن الملك الذي أحسن إلى شعبه ومنحهم هبات عديدة، وأما هذا الشعب العنيد فقد رفض أن يملك عليهم: "وإذ كانوا يَسْمَعون هذا عاد فقال مثلًا، لأنه كان قريبًا من أورشليم.." (لو 19: 11) ولكن ديدات لم يذكر إلاَّ العدد الأخير من المَثل مع التحريف في النص. عجبًا لإنسان يدعو ملك السلام بأنه أستاذ في فن التكتيك!.. عجبًا لإنسان يتّهم الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف بأنه قائد أناني يبذل رجاله ليحمي نفسه.. عجبًا لإنسان يُصوّر السيد المسيح الذي شهد الكل بكماله وقداسته على أنه إنسان مراوغ وكاذب يُظهر بغير ما يضمر، فيُظهر لتلاميذه أنه ذاهب إلى البستان ليُصلّي وهو يضمر الهروب من الموت.
وأنكر ديدات بشدّة أن يكـون السيد المسيح أميـر السلام فقال: "كانوا (المسيحيون) مبرمجين لمدة تزيد عن ألفي عام، باعتبار أن يسوع في تصوُّرهم إنما هو الحَمل الوديع "أمير السلام" لا يمكن أن يؤذي ذبابة. وهم يتغاضون عن ذلك الجانب الآخَر من طبيعته التي كانت تطلب الدم والنار! ينسبون أوامره إلى أتباعه أن يحضروا أعداءه الذين لا يقرون حكمه، لكي يتم ذبحهم قُدّامه. كما جاء بإنجيل لوقا (19: 27)" ص 46، وتجاهل ديدات أن السيد المسيح لم يحمل سيفًا قط، ولم يؤذي أحدًا قط، وعندما تجرّأ بطرس وضرب عبد رئيس الكهنة نهاه السيد المسيح عن هذا، وطالبه بأن يرد سيفه إلى غمده، وقال لتلاميذه أنني سأرسلكم كحملان وسط ذئاب، ولكن منعهم أن يتذئبوا، وأوصى أتباعه بالتسامح إلى درجة الكمال، والجميع يعترفون به رئيسًا للسلام سواء المؤمنين به أو الذين ينكرون لاهوته. ثم يأتي ديدات بعد كل هذا ويتهمه بأن طبيعته تميل إلى الدم والنار؟!.. لقد قال السيد المسيح: "أحبوا أعداءَكُم. باركوا لأعنيكم. أحسنوا إلى مبغضِيكم، وصلّوا لأجل الذين يسِيئون إليكم ويطرُدُونَكم" (مت 5: 44) وهذا ما فعله وهو على الصليب في عز آلامه إذ قال: "يا أبتاه، اغفِر لهُم لأنهُم لا يعلَمون ماذا يفعَلون" (لو 23: 34) ولم نسمعه قط يقـول: "قاتلوا أعداءكم واقتلوهم".. فماذا تريد يا ديدات؟! أتريد أن تُلبس مسيحنا طاقية غيره، ولا إيه حكايتك بالضبط؟!!