وكمثال حادي عشر: المسيحي الأرثوذكسي يؤمن بسر الزواج وقدسيته وبعمل الروح القدس (المستتر) فيه من خلال صلوات الكنيسة وطقسها لتقديس الشركة بين العروسين وحلول النعمة والبركة عليهما، ويؤمن بالمواعيد والدعوات الصالحة له في صلاة الإكليل حيث تُشيع في نفسه البهجة ويمتلئ قلبه بالفرح بسر الإكليل، وينصت باهتمام لما يتلى عليه من نصائح ووصايا إنجيلية، ويحس وكأنها موجهة له من المسيح مباشرة وإن كان يسمعها من فم الكاهن الإنسان المنظور، وهذا له تأثيره على تقوية وشائج الإخلاص وروابط المحبة بين الزوجين وتوثيق الحياة العائلية بينهما، وما يخلقه هذا بطبيعة الحال من سلام واستقرار في داخل الأسرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
وقانونية هذا السر وتقديس رابطة الزواج بواسطته تتأكد عنده من مباركة المسيح لعرس قانا الجليل ومن كلامه له المجد عن الزواج بأن الله هو العامل فيه بقوله "الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت19: 6) ومن كلام بولس الرسول عن الزواج كسر عظيم (أف5: 23-32).
وكمثال ثاني عشر: المسيحي الأرثوذكسي يؤمن بسر المعمودية وسر مسحة الميرون المقدس، فعندما يرزقه الله طفلًا فإنه في الوقت المحدد يحضر إلى الكنيسة مع زوجته وهما مستعدين روحيًا وجسديًا لكي يقدما طفلهما إلى المعمودية المقدسة لينال عطية الخليقة الجديدة بالولادة من فوق من الماء والروح وينال عهد البنوة أي يصير ابنًا لله وينال التجديد الداخلي ويصير عضوًا في جسد الرب أي الكنيسة، ويتمتع بفداء المسيح ومغفرة خطاياه، ويختم على إيمانه بقبوله شركة الموت مع المسيح وقيامته بدفنه في المعمودية وخروجه منها، وذلك على إيمان والديه اللذين بالنيابة عنه يجحدان الشيطان وكل جنوده وكل أفكاره الشريرة وأعماله الرديئة، ويقران بالإيمان بالثالوث الأقدس وبأن يسوع هو ابن الله الظاهر في الجسد لخلاص العالم وأن من يؤمن به ينال مغفرة الخطايا، ويعترفان بكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة، رسولية. ثم يتممان له سر الميرون، وذلك بمسح أعضائه الظاهرة بالميرون المقدس الذي يشير إلى ختم ومسح قوى نفسه الداخلية وحواسها الروحية بمسحة الروح القدس. هذه التي تقويه في النعمة وتقوى إرادته في عمل الصلاح وتنير عقله وتثبته في الإيمان وتعلمه كل شيء. ثم يستمعان لجميع الوصايا والتعاليم ثم يتعهدان بتربية طفلهما على الإيمان المستقيم.
ويعتبر يوم العماد والميرون يومًا عظيمًا تحفه مظاهر السرور حيث يحضر أقارب المعمدين ويقدمون نذورهم لله، ويتبادلون التهنئة الروحية وتوقد الأنوار والشموع ويزفون الأطفال في الكنيسة بملابسهم البيضاء رمز النقاء، وبزناراتهم الحمراء رمز عمل الروح القدس لارتباطهم بعهد دم المسيح وأنهم صاروا أعضاء في الكنيسة التي هي جسده، في موكب حافل بالألحان والدفوف وتعابير الفرح والتهليل ويعلو وجوه الجميع أسارير البهجة والسعادة بهذه المناسبة الروحية.
ولا يعوز المسيحي شيء من قانونية المعمودية إذ يكفيه قول المسيح لنيقوديموس "من لا يولد من الماء والروح لا يدخل ملكوت السموات" (يو3: 5) وقوله لتلاميذه "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت28: 19) واعتماد بولس الرسول نفسه على يد حنانيا (أع9: 17-18) أما قانونية الميرون فمن حلول الروح القدس على المعتمدين من أهل السامرة بوضع يدي بطرس وبولس عليهم (أع8: 14-17) ومن حلوله على المعتمدين من أهل أفسس بوضع يد بولس الرسول (أع19: 1-6).