3 - مجد البتوليين والشهداء:
ويعلن لنا الإنجيل مجد الشهداء والبتوليين فيما يقوله سفر الرؤيا عن البتوليين "عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم، فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون" (رؤ3: 4).
ويقول أيضًا "المئة والأربعة والأربعون ألفًا الذين اشتروا من الأرض. هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار. هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب" (رؤ14: 3، 4).
ويقول عن الشهداء "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. فأعطوا كل واحد ثيابًا بيضًا. وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا يسيرًا أيضًا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم أيضًا العتيدون أن يقتلوا مثلهم" (رؤ6: 9، 11).
هذه الإعلانات فيها تعزية كثيرة وتقوية رجاء للمتزوجين الذين يتعرضون لظروف يحسبونها تجارب شديدة وهى تحمل في داخلها دعوة مقدسة وتخفى وراءها أكاليل نورانية وأمجادًا فائقة. ومن يخضع لإرادة الله فيما يمر به من تجارب ويحولها لفائدته الروحية يكمل جهاده بسلام. وإن كانت الشهادة لها إكليل والبتولية لها إكليل إلا أن هناك من يجمع بين الإكليلين وذلك لمن جمع بين البتولية والشهادة معًا.
أ - أصحاب الإكليلين:
فالذين تتوفر لهم أسباب بطلان زواجهم ولكنهم يفضلون عدم الانفصال، معتبرين أن هذا نصيبهم وأن هذه هي إرادة الله، خاضعين لإرادته ومحتملين في صبر عجيب كل ما يلاقونه من ضيق وألم، لأن أسباب البطلان إن كانت علة نفسية أو علة عضوية أو مرضًا نفسيًا أو غشًا، فإن أصحاب هذه الأسباب منهم مَنْ هو يُحتمل ومنهم مَنْ هو شديد الإيذاء للطرف الآخر.
فهؤلاء الطرف الآخر الذين يحتملون الإيذاء ومتاعب أصحاب أسباب البطلان يُضاف إلى إكليل بتوليتهم إكليل الشهادة. لأنه ليست شهادة للمسيح أكثر من حمل الصليب أي احتمال الألم بشكر وصبر. فكم هي سعادة هؤلاء أصحاب الإكليلين؛ إكليل البتولية وإكليل الشهادة وكم هو مجدهم في الأبدية! إنه حقًا يحق لهم أن يقولوا "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي
لا ترى فأبدية" (2كو4: 17، 18).
ويشترك مع هؤلاء في نوال إكليل الشهادة أولئك الذين يحتملون قساوة وجفاء وغباء الطرف الآخر. فإن الذين يحتملون هذه يشهدون أيضًا لبر وصايا المسيح ويدينون بقدوتهم الصالحة أعمال أولئك الذين يرسبون في تنفيذ وصايا الإنجيل ويلجأون للمحاكم لأخذ حكم بالطلاق تأسيسًا على استحكام النفور واستحالة العشرة.
ومن أصحاب الأكاليل أيضًا أولئك الأزواج الذين يعانون ألمًا نفسيًا وفكريًا لا يفارقهم بسبب ضبطهم لزوجاتهم متلبسات بفعل الزنا، ويعيشون في صراع مرير بين شعورهم بقانونية انفصالهم حسب الشريعة وبين رغبتهم الشديدة في الستر عليهن وعلى صورة الأسرة كلها، خصوصًا إذا كان لديهم بنينٌ وبناتٌ يحرصون على مستقبلهم وعدم تعييرهم بأم زانية. وكذلك الزوجات اللاتي يعانين من أزواج على صلة بسيدات يزنون معهن وبعضهم يسهر خارج البيت بعض الليالي وبعضهم يعيش كلية خارج البيت ولا يتردد عليه إلا بين حين وآخر. وهذا البعض وذاك البعض بطبيعة حالهم يهجرون زوجاتهم جسديًا من جهة ومن جهة أخرى لا ينفقون على بيوتهم سوى الفتات اليسير لأن أموالهم ينفقونها على الزواني.
فكم تكون أكاليل هؤلاء الأزواج أو الزوجات الذين أغلبهم يعيش في البتولية بجانب احتمالهم مرارة زنى الطرف الآخر الذي كثيرًا ما يكون قاسيًا ومتبجحًا لكي يغطي على زناه ولأنه فقد انتماءه ومحبته لزوجه وأولاده وشهوات الجسد قَسَّت قلبه على من هم أكثر قربًا له وهو أكثر مسئولية عنهم.
ب - أصحاب الأكاليل واقع حقيقي:
وأنا أكتب هنا عن الأكاليل أمامي قائمة بأسماء بعض ممن يسيرون في طريق نوال هذه الأكاليل. وإن كان ليس لنا أن نتكهن عمن سيكللهم الله. ولكن حسب وعد الكتاب "تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ3: 11) نذكر بعض أمثلة واقعية تعيش تحت بصرنا وحياتها التي تعانيها تؤهلها في النهاية لنوال الأكاليل، ومن هذه الأمثلة:
- زوجة تعيش مع زوجها منذ أكثر من 15 سنة والكل يعلم أنهما لا ينجبان والحقيقة أن الزوجة لا زالت بكرًا بسبب علة الزوج العضوية ولم تخبر أحدًا بهذا ولم تطلب يومًا الانفصال عنه بالرغم أنها ليست محتاجة له ماديًا.
- زوجة كان يعاني زوجها من علة عضوية في بداية زواجهما واستمرت أكثر من عام وكان يسئ معاملتها ومع ذلك سترت عليه واحتملته إلى أن شُفى جزئيًا إلا أنه لعدم اتزانه استمر في معاملتها بقسوة ثم هجرها وامتنع عن الإنفاق عليها وعلى أبنائه ولا زال هاجرًا لها وبالرغم من ذلك تعيش في تقوى الله راعية لأبنائها ولم تفكر في الانفصال منه.
- زوجة لم تنجب من زوجها إلا مرة واحدة بسبب ضعفه الجنسي الناشئ عن كثرة أدوية العلاج النفسي وتعيش معه منذ أكثر من 20 عامًا دون علاقة زوجية بالإضافة إلى احتمالها لتصرفاته المرضية من شك متواصل وشتائم وهياج وامتناع عن إعطاء مصروف للبيت. ولكن حكمتها واحتمالها له تدفعانه بين الحين والآخر إلى البكاء والاعتذار لها عن قسوته معها. وقد لا تمضي لحظات حتى ينقلب عليها من جديد ومع ذلك لا تئن ولا تشكو لأحد ولا حتى لإخوتها وأخواتها ومحتملة له بصبر عجيب.
- زوجة أيضًا أنجبت من زوجها مرة واحدة وكان مريضًا نفسيًا واختار أن يعيش مع أهله الذين يعانون من نفس مرضه في سبيل أن يستغني عن زوجته ودفعها لترك مسكن الزوجية دون أن ينفق عليها مع اقتداره ويسره. ولم تفكر في الطلاق ولا في طلب نفقة منه، ولازالت تعيش محتملة وضعها هذا منذ أكثر من 20 عامًا. بل وتقوم بخدمات جليلة لإخوة الرب كما تواظب على عبادتها بتقوى في بيت الرب.
- زوجة أصيب زوجها بفيروس سي (حـ) في الكبد منذ أكثر من 10 سنوات، وحيث تنتقل عدواه عن طريق الدم فابتعدت عنه جسديًا ولا زالت تعيش في طهارة كاملة وفي خوف الله.
- زوج بدت أعراض المرض النفسي على زوجته من بعد زواجه وإنجابه منها، فأراحها من الخروج إلى العمل وبدأ يتابع تناولها للأدوية محتملًا شكوكها وشتائمها وهياجها بين الحين والآخر وامتناعها عنه. وقلما تقوم بأعمال البيت بسبب كثرة نومها بسبب الأدوية النفسية المهدئة. لذلك يقوم هو في أغلب الأحيان منذ 20 عامًا بأعمال البيت من تنظيف وغسيل وطبيخ.. ولم يفكر يومًا في طردها لبيت أهلها أو إيداعها مستشفى للأمراض النفسية، بل إنه يحتملها ويخدمها ويقدم لها الطعام بنفسه.
- زوجة يعيش زوجها منذ سنوات طويلة في حياة الخطية بعيدًا عن البيت وهى تقوم بالإنفاق على البيت ورعاية أبنائها وبناتها، وتواظب معهم على حضور الكنيسة والتقدم للأسرار المقدسة وترفع قلبها باستمرار تصلي من أجل توبة زوجها.
- وأمامي عدة أسماء من الرجال ماتت زوجاتهم في سن مبكر ومنذ أكثر من عشرين عامًا ولم يفكروا في الزواج ولا زالوا يعيشون في طهارة ولم يسقط أحدهم في الزنا. والرب قادر أن يحفظهم في طهارتهم ويجنبهم العثرات حتى يكملوا أيام غربتهم بسلام. أما السيدات المترملات القديسات فهن كثيرات ولربما هؤلاء وأولئك هم وهن بركة كبيرة للكنيسة وسبب رحمة الله على شعبه كما قال الرب لأبيمالك عن إبراهيم "إنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا" (تك20: 7).
هذه مجرد نماذج من حالات متكررة لأن كل نموذج توجد منه أمامي أكثر من حالة، ولا ننكر أنه ليس الجميع يستطيعون احتمال هذه الحالات لقسوتها وشدتها. لذلك هذه النماذج هي أمثلة بطولية لأبنائنا وبناتنا؛ بطولةٌ بتوليةٌ وبطولةٌ استشهاديةٌ. ولولا سِرِّية حياة أبنائنا لذكرت بسبب فرحي بهم أسماءهم هنا واحدًا واحدًا وواحدة واحدة ولكن يكفي رفع القلب من أجلهم أمام مذبح الله لكي يثبتهم الله في جهادهم ويسندهم بنعمة روحه القدوس حتى ينالوا أكاليلهم المعدَّة لهم. وإذا رجعنا إلى التمايز بين البتوليين من المتزوجين نجدهم يتدرجون في مستوى تبتلهم من جهة المدد الزمنية التي عاشوها بعيدًا عن المعاشرة الزوجية.