عرض مشاركة واحدة
قديم 26 - 11 - 2021, 07:33 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مفهوم الصوم (الراهب القمص بطرس البراموسي)


الصوم ليس فرضًا موضوعًا علينا..
لكننا نمارسه لشعورنا باحتياج إليه،
من أجل شقاوتنا وجسدنا المشاغب.
تعلمنا كنيستنا الأرثوذكسية أن لا يوجد أي فرض في ممارسة روحية..

* فالصلاة نمارسها عن محبة لإلهنا الخالق الذي يسمع لنا ويرعانا، ويهيئ كل شيء لخلاصنا.. فـ"نَحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هو أحَبَّنا أوَّلًا" (1يو4: 19).

* الميطانيات metanoia نعملها لكي تهيئ ذهننا للتوبة (ميطانيا = تغيير الحالة metanoia)، ونمارسها عن حب ورغبة في تقديم الجسد لله ساجدًا خاشعًا طالبًا رحمة الله لنا.

* كذلك الصوم نمارسه في حب الله.. رغبة منا أن نرجع إلى طبيعتنا الأولى التي خلقنا عليها في الفردوس، وأيضًا لكي يخضع الجسد للروح، وتنشط وتقوى الروح على الجسد، وذلك حسب قانوننا الروحي.

* فنحن نشعر باحتياجنا لهذا الصوم، لذلك نصوم حبًا في الصوم وليس لأنه فرض.. فنحن في المسيحية لا يوجد عندنا فروضًا موضوعة علينا يجب أن نمارسها حتى عن عدم اقتناع لكي نعبِّر عن عبادتنا.

* نحن نصوم لأننا نحتاج إلى الصوم، لكي نلجم الجسد الجامح، لكي ينقذنا الله من جسد الخطية.. "لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ. فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ. إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي. فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي. ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19-24).



الصوم لم يرتب للتكفير عن الذنوب والخطايا،
لكن لإعداد النفس لاقتبال الله..
إذ لا يوجد عمل ما يكفر عن الخطايا..
سوى دم السيد المسيح المسفوك على عود الصليب.
* فإيماننا المسيحي يعلمنا أنه لا توجد ممارسات تستطيع أن تكفر عن الخطية.. فالشيء الوحيد الذي يكفر عن خطايانا هو دم السيد المسيح.. ففكرة الكفارة تتم بالدم وليست بالممارسات.

* لذلك فالصوم دوره الأساسي هو ضبط شهوات الجسد، وفيه أيضًا يتم ضبط الفكر والحواس.. وحينما يضعف الجسد من الصوم، ويتذلل أمام الله تقوى الروح وتنشط.. وهذا هو الهدف المرجو من الصوم.

* والقديس باسيليوس الكبير يقول: "لقد نُفينا من الفردوس الأرضي لأننا لم نصم. فيجب أن نصوم لنرجع إلى الفردوس السمائي، لأن الصوم يرد إلينا الخسائر المسببة عن عدم صوم آدم، ويصالحنا مع الله".

* ونحن نصوم لأن كثرة المأكولات تحرك الشهوات.. وهذا ما نلاحظه على مَنْ يأكلون كثيرًا وتقوى أجسادهم بطريقة غير مألوفة، نجد عندهم استعدادًا كبيرًا جدًا للغضب، فهو لا يمتلك نفسه ولا أعصابه، كذلك أيضًا للقتل معتمدًا على قواه الجسدية.. بل الأكثر من ذلك عندما يقوى الجسد أكثر من اللازم يصبح الإنسان له ميول جسدية ورغبة في ممارسة خطية الزنا.

* هذه الخطايا يقع فيها البعض الشرهين في تناول الأطعمة بحاجة وبدون حاجة.. لذلك نقول إن القصد من الصوم هو إذلال الجسد وإخضاعه فضلًا عن الحد من تغذيته.

* فالقديس يوحنا كسيان يقول: "حينما تمتلئ المعدة بكل أنواع الطعام فذلك يولد بذور الفسق، والعقل حينما يُخنق بثقل الطعام لا يقدر على توجيه الأفكار والسيطرة عليها. فليس السكر من الخمر هو الذي يذهب العقل، لكن الإسراف في كل أنواع المآكل يضعفه، ويجعله مترددًا، ويسلبه كل قوته في التأمل النقي. فإن كانت زيادة الخبز وحده أدت إلى مثل هذا السقوط السريع في الخطية عن طريق رذيلة الشبع.. فماذا نقول عن أولئك الذين لهم أجسام قوية ويأكلون اللحم ويشربون الخمر بإفراط، غير مكتفين بما تتطلبه أجسادهم.. بل ما تمليه عليهم رغبة العقل الملحة".

لذلك نجد جميع الآباء القديسين حذروا من كثرة المأكولات والنهم فيها.. ومن امتلاء المعدة.. هذه العادة الغير مرغوبة قد تسيطر على البعض فيتعود الإنسان أن يأكل فوق ما يحتاج.. فيصبح الأكل عنده غاية.

يذكر عن بعض الشعوب اليونانية في إحدى العصور أنه سيطر عليهم حب الأكل والتلذذ به طوال الوقت.. فيذكر عنهم أنهم يأكلون كثيرًا طالما جالسين أمام الطعام، ثم يقومون ويذهبوا إلى W.C لكي يتقيئوا لكي يعودوا للأكل مرة أخرى.. فأصبح الأكل عندهم ليس لسد حاجات الجسد، ولكنه شهوة سيطرت على الإنسان.. فيظل الإنسان يأكل بدون ضابط مثل الحيوانات.

* توجد علاقة طردية بين كثرة الأكل وأفكار الدنس والإدانة ... كلما أكثر الإنسان من تناول الطعام والشراب كثرت هذه الأفكار، وتوالت عليه حروب الشيطان.. وخاصة حروب الفكر.. ويقع الإنسان فريسة سهلة للشيطان، وذلك بسبب امتلاء البطن من الأطعمة.

لذلك مع كثرة الأطعمة وامتلاء البطن يظلم العقل ويصبح كالسماء المليئة بالسحب والغيوم.. فالإسراف في الأكل والشرب يأتي بالضرر الروحي والجسدي على الإنسان.. ويصبح الإنسان في حالة استرخاء وخمول مما يجعله ضحية للشيطان وأيضًا للأمراض الجسدية.


إلهنا الصالح الذي قدّس الصوم بصومه أربعين يومًا..

قادرًا أن يقدس صومنا، ويجعله صومًا روحانيًا..

نسعى فيه لبناء الروح، ولضبط شهوات الجسد والفكر والحواس..

لكي تتقدس حواسنا وأرواحنا وتتنقى أفكارنا.

ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة..

من الآن وإلى الأبد آمين.
  رد مع اقتباس