[walaa farouk]

مع دخول العذراء الطفلة، ذات الثلاثة أعوام، إلى هيكل الرب، مُقدَّمَةً إليه من أبويها يواكيم وحنة، وفاءً لنذرهما السابق، قبل الحَبَل بها، لتعيش فيه مُكرِّسةً حياتها للرب، في الصلاة والصوم والصمت والتأمُّل في الكلمة الإلهية، تبتدئ محطةٌ هامة في حياتها الشخصية، ومرحلةٌ مباركة في سِرِّ التدبير الخلاصي...

إذ في هيكل أورشليم ذاته تبدأ إستعدادها وتهيئتها لتكون "الهيكل الحيّ الناطق" الذي سوف يَحلّ عليه الروح القدس، ويسكن فيه الله الكلمة، الآتي متجسّداً من أحشائها الطاهرة...

وما دخولها إلى "قُدس الأقداس" حيث كان يدخل رئيس الكهنة وحده فقط، مرة واحدة في السنة، بدم الذبيحة ليُكفّر عن خطايا الشعب، إلاّ إشارةٌ عميقة إلى كون مريم قد بلغت بجهادها الروحي إلى "قُدس أقداس" الحياة الروحية مع الله، فقد إستنار وتألَّه ذهنها بالصلاة الدائمة، وتنقّت نفسها لامعةً بكثرة الفضيلة، فغدَت مُشرقةً بفيض النعمة الإلهية، التي أهّلتها لتكون "والدة الإله" والهيكل المجيد الكُليّ الطُهر والقداسة، الذي حملَ "رئيس الكهنة العظيم" ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح، الذي لبسَ منها طبيعتنا، ودخل إلى عالمنا مُقرِّباً ذاته عنا، بدمه الخاصّ على الصليب، ذبيحة حُبٍ وفداءٍ وخلاص لكل البشرية.

إن عيد دخول العذراء إلى الهيكل (21 تشرين الثاني) هو مُقدِّمةٌ للمَسرَّة العظمى بميلاد المسيح منها في مغارة بيت لحم، وهذا العيد هو كِرازةٌ مُسبَقة بالخلاص الآتي إلينا، بتجسُّد الله الكلمة من حشاها الطاهر. لذلك، مع هذا العيد، تبتدئ الكنيسة الأرثوذكسية في صلاة السَحر بترتيل "كاطافاسيّات" الميلاد "المسيح ولد فمجّدوه..." إستبشاراً وتهلُّلاً بقرب عيد الميلاد المجيد..

فأنتِ يا عذراء "الهيكل الحيّ الناطق" التي سَبقتِ وتربَّيتِ في هيكل الرب، تتغذّين من يدي الملاك بخُبزٍ سماوي، قد ولدتِ للعالم الذي هو وحده "خبز الحياة الأبدية" المُغذّي حياتنا بجسده الطاهر ودمه الكريم، حياةً وشفاءً وخلاصاً وتقديساً لنفوسنا وأجسادنا.

فلكِ تُطوِّبُ جميع الأجيال، وله تُمجّد وتسجد مع الآب والروح القدس إلى دهر الداهرين. آمين.