عرض مشاركة واحدة
قديم 02 - 11 - 2021, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,621

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: القديس أنطونيوس أعطى أم أخذ؟



* كذلك في تَرْكهُ العمران وسكناه القفر، هل أعطى أم أخذ؟

يبدو ظاهريًا أنه ترك بهجة العمران، ودخل في وحشة القفر. من أجل الرب. ولكن الرب جعل القفر عامرا بهذا الملاك الأرضي. وحول البرية إلى سماء، كواكبها هم هؤلاء الملائكة الأرضيون. وصار هذا القفر مكانا مقدسا يأتيه الناس من أقاصي الأرضي ليتبركوا حتى بترابه، وصار جبل انطونيوس جبلا مقدسا وبرية انطونيوس صارت برية مقدسة. وكل شبرا داسته قدماه، باركه الرب ببركه خاصة. وفجر له في القفر عين ماء. هل حقًا أعطى أم أخذ؟! إن الناس يشتهون بركة بريته أكثر من كل مباهج العمران..

الله يعطينا طبعًا أكثر مما يأخذ منا. ولكن..

ولكن المهم أن نبدأ نحن بالعطاء. ولا نفكر حينما نعطى أننا نعطي. وأيضًا لا نفكر أننا سنأخذ عوضًا..

إن مَنْ يجعل علاقته بالله علاقة طلب مستمر وأخذ، هو إنسان متمركز حول ذاته. أما الإنسان الروحي، فأنه يعبر عن حبه لله، بالبذل المستمر، ويقول للرب: "من يدك أعطيناك" (1 أي 29: 14). بل في تقديمه شيئاٌ لله، يشعر بتفاهة ما يقدمه، إذا ما قورن بما أخذه منه.

هوذا مثل من خارج الرهبنة، هو موسى النبي:

لا شك أنه ترك قصر فرعون، و"أبى أن يدعى أبن ابنة فرعون"، و"ترك كل خزائن مصر"، وصار راعي غنم في البرية.. تراه خسر أم كسب؟!

لقد ترك الإمارة، فإذا بالرب يقول له: "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1). وإذا بفرعون يتوسل أكثر من مرة إلى موسى، طالبا منه أن يصلى عنه، الضربات. وكان واضحا أن موسى، في موقف أقوى من فرعون.. ثم صار موسى قائدًا لشعب بأسره، وأصبح رجل معجزات، يشق البحر، ويفجر من الصخرة ماء. لا شك أن موسى قد أخذ أكثر مما أعطى، بما لا يقاس.

إن علاقتنا بالله هي علاقة أخذ مستمر، بلا عطاء:

هل تقول أنك تعطى الله وقتا للصلاة؟ كلا، إنك لا تعطى وقت الصلاة بل تأخذ بركة ونعمة، وتنال عملا من الروح القدس داخلك، وبركات لا تحصى.

الله أعطاك أسبوع عمر، وأنت تقدم له يوما من هذا الأسبوع الذي وهبك إياه، فهل أنت تعطى؟! كلا بل أنت تأخذ بركة هذا اليوم. وكما يقول الكتاب أن: "السبت قد أعطى للإنسان" (مر 2: 27).

القديس أنطونيوس، حينما أعطى حياته لله، لم يكن يفكر إطلاقًا أنه سيأخذ كل ما أخذه، وما جال ذلك بفكره.

وفي نفس عملية العطاء بالنسبة إليه، كانت عملية أخذ:

أخذ فيها بركة الجلوس مع الله، وبركة حياة السكون والتأمل. وأخذ فيها بركة هذا الطقس الملائكي. وأخذ النعمة الكبرى التي عملت فيها حتى استطاع أن يصمد في الوحدة.

إنه لم يقل إطلاقًا: "سأعطي الله صلواتي". بل كان شعوره: أريد أن أتمتع بالله والوجود معه، وأن يعطيني الله هذا الشرف وهذه المتعة، متعة الوجود في حضرته.

شعور الإنسان بأنه يعطي الرب، شعور خاطئ روحيًا:

فنحن باستمرار نقترب إلى الله، لكي نأخذ..

ثم، من نحن حتى نعطى الرب؟! ومن هو الرب الذي نعطيه؟

الله مالك السموات والأرض، وخالق السموات والأرض، وصاحب كنوز النعم التي لا تحد ولا تفرغ.. هل من المعقول أننا نعطيه؟!

الأرملة التي أعطت رجل الله إيليا حفنة دقيق وقليل زيت، هل أعطت أم أخذت؟ انظروا، هوذا: "كوز الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص "طول مدة المجاعة (1مل 17: 14).

وهكذا الأنبا أنطونيوس، علمنا أن الحياة الروحية هي أخذ دائم من الله، أخذ بركة، ومتعة، في كل عمل روحي.

ولو لم يكن القديس أنطونيوس، يأخذ متعة روحية، في كل أيام حياته في البرية، أتراه كان يستطيع الحياة في القفر؟!

لو لم يكن يأخذ نعمة وقوة، أتراه كان يستطيع مقاومة كل حروب الشياطين، في كل عنفهم وكل حيلهم..؟!

إنه كان يعيش جوار النعم كلها، يغترف منه بالليل والنهار، نعمة، وقوة، وبركة، ومتعة روحية..

كان ممكنًا للشاب أنطونيوس، بالغِنَى الكثير الذي ورثه، أن يتعلم، ويأخذ من العالم معرفة وعلما وشهادات دراسية.

ولكنه من الله أخذ معرفة عميقة، ما كان ممكنا للعالم أن يعطيها.. معرفة كانت تذهل كل فلاسفة وعلماء عصره..

وكان الناس يأتون من أقاصي الأرض، لكي يسمعوا من فمه كلمة منفعة، أو كلمة حياة، يخلصون بها..

إنها كلمات أخذها من الله، لها عمقها، ولها قوتها وفاعليتها وتأثيرها، وليست معرفتها من النوع الذي يعطيه العالم.

لقد فَضَّل أن يعيش في جهالة مع الله، تاركا علم العالم." فأعطاه الله فما وحكمة" (لو 21: 15). وأعطاه علما يفوق الكل فانذهل علماء الأرض من هذا (الأمي). فهل الأنبا أنطونيوس أعطى أم أخذ، وهوذا العالم كله يستفيد من تعاليمه..

ولأنه رفض من أجل الله معرفة العالم، أعطاه الله علما روحانيًا، علمًا إلهيًا.. أعطاه علم معرفته..

ليس في الأمور النسكية فقط، وإنما حتى في اللاهوتيات أيضا وقد أفحم الأريوسيين لما نزل إلى الإسكندرية، وكان لكلماته تأثير عميق. ويعتبره العلماء أستاذا للقديس أثناسيوس..

أن الله حينما يضع كلمة في فم إنسان، يزود هذه الكلمة بقوة وتأثير وفاعلية، لا يستطيع أحد أن يقاومها..

كان الأنبا أنطونيوس جهازًا جيد التوصيل لكلمة الله، ولنعمة الله، ولبركة الله، وللسلام الممنوح من الله..

كان إنسانًا يأخذ من الله، ويعطى للناس، نفس القوة..

لقد فرحت السموات، لما وجدت على الأرض هذه الآنية المختارة، التي تستطيع أن تحمل نعمة الله للناس، وفي نفس الوقت تحتفظ ببساطتها وهدوئها، دون أن ترتفع، ودون أن تنتفخ..

ولم تكن كلمات هذا القديس فقط هي التي تفيض نعمة، وإنما كانت حياته أيضا كذلك، وكانت هكذا ملامحه.

كان كل إنسان يرى الأنبا أنطونيوس، يحب أن لا يفارقه. كان وجهه يفيض بركة، وحديثة يفيض نعمة، وحياته تفيض روحا.. لذلك لا نعجب لتلمذه الذي قال له: [يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي..].

بالنسبة إلى الله، كان القديس أنطونيوس يأخذ باستمرار..

وبالنسبة للناس، كان هذا القديس يعطي باستمرار، كسيده..

ولقد أعطاه الله الكثير، لما زهد كل شيء، لأجله..

أعطاه موهبة المعجزات والآيات والعجائب، فكان يشفى المرضى، وكان يخرج الشياطين.. وكان الناس يقصدونه لا من أجل المعرفة الروحية فقط، والبركة، وإنما أيضًا لأجل معجزاته.

هل هذا يقارن بما تركه من مال أو جاه أو أهل؟!

إنه لما أغمض عينيه عن المال، فتحهما الله للرؤَى السمائية:

فكم من مرة رأى ملائكة، وكم من مرة تحدث معهم؟!

لقد ظهر له ملاك يشرح له كيف يصلى ويعمل ويقاوم الملل. والملاك هو الذي سلمه قلنسوة الرهبنة..

وفي إحدى المرات رآه تلاميذه ناظرًا إلى السماء وساهما، فعرفوا أنه رأى شيئًا، فسألوه. فأخبرهم عن نياحة الأنبا آمون أب جبل نتريا، إذ رأى روحه يزفها الملائكة بالتهليل إلى السماء.

طوباك أيها القديس الأنبا أنطونيوس، إن عينيك اللتين رفضتا أن تنظرا إلى المال، وهو ملقى على الرمال، صارتا تنظران الملائكة وأرواح القديسين، أيها البار المفتوح العينين.. وماذا أيضا؟

قال القديس الأنبا أنطونيوس: [أبصرت مرة فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض، فألقيت نفسي أمام الله وقلت: يا رب، من يفلت منها؟. فأتاني الصوت من السماء "المتواضعون يفلتون منها"]..

طوبى لهاتين الأذنين اللتين أغلقتهما أمام أغاني العالم وطربه وأحاديثه، فاستحقتا أن تسمعا صوت الله في هذه المناسبة وغيرها، وأن تسمعا تهليل الملائكة وهم يحملون روح الأنبا آمون..

حقًا، كلما نترك شيئًا لأجل الله، نأخذ أضعافًا، وبنوعية أفضل، "ليس بكيل يعطي الروح" (يو3: 24) إنه يعطي بلا حدود..

إن الذي ترفض من أجله خزائن العالم، يفتح أمامك خزائن السماء والمواهب الروحية، كما حدث للقديس الأنبا أنطونيوس، الذي ترينا حياته، مقدار عمل الله في النفس البشرية..

لقد ترك الزواج والنسل الجسدي، انظروا عدد وحلاوة أولاده:

من أولاده القديس مقاريوس أبو الإسقيط، والقديس الأنبا آمون أب جبل نتريا، والقديس ببنوده رئيس أديرة الفيوم، والقديس إيلاريون مؤسس الرهبنة في سوريا وفلسطين. ومن أولاده الأنبا بولس البسيط، والأنبا بيساريون، والأنبا سرابيون، والأنبا شيشوي.. وكثيرون..

حقًا "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد" وسعى خيامك لأن أولادك يصيرون أكثر من ذات البعل.. (أش 54: 1).

إنني لا أستطيع أن أدخل في جزيئات، وأقول أن الأنبا أنطونيوس ترك من أجل الله مالًا، أو أرضًا، أو وقتًا، أو زواجًا أو أولادًا..

أنما هو أعطى الله الحياة كلها، كذبيحة طاهرة قدامه. فأخذ الله هذه الحياة، وقدسها وباركها وزودها بالمواهب، وأعطاها للعالم.

عندما يقول الله: "يا ابني، أعطني قلبك" (أم 23:26)، هل تظنون أنه يريد أن يأخذ هذا القلب؟ كلا، بل هو يريد أن يملأ هذا القلب حبًا وبركة وبرًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويريد أن يأخذ هذا القلب فيطهره من كل خطية، ويجعل روحه القدوس يسكن فيه.. كمن يقول لك: "أعطني جيبك الفارغ لأملأه خيرات". أهو يأخذ أم يعطى؟

عندما تعطي الله قلبك، إنما تعطي فراغك، والله يملأ..

تعطي ضعفك وتأخذ قوة الله. كمن يعطى العشور، لتفتح له كوى السماء، ويفيض اله عليه حتى يقول كفانا كفانا (ملا 3: 10).

تقدم لله، أعطه إرادتك، ليعطيها قوة، ويرجعها إليك منتصرة..

أتكون إذن تعطى أم تأخذ؟!
  رد مع اقتباس