وبعض هؤلاء من الهجوم، ويتحولون إلي الانعزال...!
بسبب نظرتهم السوداء ينفرون من المجتمع، وينظرون علي ذواتهم، إذ لا يجدون شيئًا يجبهم، ولا شيئًا يرضيهم. بل هم ساخطون علي كل شيء...
وأحيانًا يصاب هؤلاء بأمراض نفسية...
قد يصاب بعضهم بمرض الكآبة Depression وباستمرار تجده حزينًا كئيبًا، وينتظر الشر أن لم ير الشر أمامه، ويحزنه كل شيء...
وأحيانًا يخاف المجتمع، ويري أن الغالبية ضده تدبر له ما يتعبه، فيصاب بعقدة الاضطهاد Persecution Complex
ويخيل إليه أن كثيرون يريدون الإضرار به وإيقاعه في مشاكل.
أو قد يصاب بالعصبية، فتجده غضوبًا باستمرار، حاد الطبع، عالي الصوت، يحتد وربما بلا سبب يدعو إلي ذلك، وفي غضبه يثور، ويتكلم بما لا يليق، إنه لا يري سوي سواد يثيره.
وربما يحارب بالشكوك في كل شيء.
في كل ما يحيط به، يفترض أسبابًا سوداء تدعوه إلي الشك. وإن بدأ الشك يحاربه، يلتقطه الشيطان لكي يضيف إليه مخترعات تزيد من شكه، حتى يصبح من شكه في جحيم. وكل هذا سبب نظرته السوداء التي تفترض الشر، بعكس الذي يؤول نفس الأمور تأويلًا ولا يحزن نفسه..
إن كثيرًا من الشكوك، ليس سببها الأسباب الخارجية، إنما حالة القلب والفكر من الداخل.
قد تكون النظرة السوداء، إذن مرضًا نفسيًا تنتج عنه هذه النظرة. وربما تؤدي هذه النظرة إلي مرض نفسي. أي قد تكون سببًا أو نتيجة.
أي أنه إذا بدأ بالنظرة السوداء يصل إلي المرض النفسي. أو بدأ بالمرض النفسي يصل إلي النظرة السوداء.
وبالنظرة السوداء يفقد الإنسان سلامه القلبي، بعكس الإنسان الذي باستمرار يحيا في بشاشة وفي فرح.
والعجيب أن النظرة السوداء تأتي حتى في العلاقة مع الله.
في العلاقة مع الله
الشيطان قد يحارب الإنسان صاحب النظرة السوداء حتى في علاقته مع الله، فيصور له أن الله لا يهتم به، وإن الله قد أهمله، ولا يستجيب لصلواته، بل يصل به الأمر إلي أن الله يضطهده!
وهكذا بالنظرة السوداء يوصله إلي التجديف.
ونفس هذا الوضع قاله الشيطان لله عن أيوب الصديق. قال للرب "ولكن أبسط يدك الآن. وأمسس كل ما له، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي11:1)" وكلن ابسط الآن يدك وأمسس عظمه ولحمه، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي5:2).
لقد كرر عبارة "في وجهك يجدف عليك" مرتين.
وذلك لن حرب التجديف هي من الشيطان نفسه..
يهمس في أذن الإنسان المتضايق، أو صاحب النظرة السوداء، ويقول له "لماذا يعاملك الله هكذا؟! لماذا تثقل يده عليك"؟!
فصاحب النظرة السوداء، قد لا يشعر فقط أن الناس ضده، وإنما الله نفسه ضده!!
السماء مغلقة أمامه! "لماذا يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه" (مز3).
صاحب النظرة السوداء: يري أن كل نهار، بعده ليل مظلم. أما صاحب النظرة البيضاء: فيري أن كل ليل مظلم، بعده نهار مضيء..
النظرة السوداء تتعب من كل خطأ موجود...
والنظرة البيضاء تقول إن كل خطأ يمكن تصحيحه...