وعلاقته بالكتاب دائمة ومستمرة، يلهج فيه النهار والليل.
ولا تظن أن هذه قيلت للرهبان وللعباد فقط، بل للجميع. قالها الرب لقائد جيش مثقل بالمسئوليات، يقود مئات الآلاف من الشعب.. ففي وصية الرب ليشوع بن نون خليفة موسى، يقول له الرب: "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا. لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، حينئذ تصلح طريقك، وحينئذ تفلح" (يش 1: 8). تصوروا قائدًا مشغولًا جدًا كيشوع، وعليه كل مسئوليات الحكم الضخمة: ومع ذلك يقول له الرب "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك"..؟!
ليس هذا الكلام موجهًا إلى يشوع وحده، بل إلى كل واحد منا. ولذلك يقول المزمور الأول عن الرجل البار إنه " في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا" (مز 1: 2).
داود النبي كان ملكًا وقائدًا ورب أسرة كبيرة وصاحب مسئوليات خطيرة. ومع ذلك يقول "ناموسك هو تلاوتي"، "شريعتك هو لهجي". ويتحدث عن علاقته بناموس الله وشريعته فيقول "سراجٌ لرجلي كلامك، نور لسبيلي"، "فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"، "كلامك ألذ من العسل والشهد في فمي"..
من أين كان لداود وقت يتلو فيه في كلام الله النهار والليل، وتصبح كلمات الله هي درسه وتلاوته ولهجه؟!
إن آبائنا القديسين كانوا يحفظون كثيرًا من أسفار الكتاب عن ظهر قلب، وكان الكتاب يظهر في حياتهم. يا ليتنا نقيم مسابقات لحفظ آيات الكتاب. أتذكر أنني قلت مرة للناس:
"احفظوا الإنجيل، يحفظكم الإنجيل، احفظوا المزامير، تحفظكم المزامير"
وفي حفظ الآيات يمكن أن نرددها في داخلنا، ونتأمل معانيها وأعماقها في كل مكان، في البيت، وفي العمل، وفي الطريق، ووسط الناس. وهكذا نصادق الكتاب وكلماته، وتكون لنا نعم الرفيق..
حفظ الآيات وترديدها وتأملها فضيلة، والعمل بها فضيلة أعظم.
ولذلك قال السيد المسيح " من يسمع كلامي ويعمل به يشبه إنسانًا بنى بيته على الصخر". ويقول الكاهن في أوشية الإنجيل "فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة"..
عبارة " فلنستحق " هنا لها معنى عميق، لأنه من نحن حقًا، حتى نستحق أن نسمع كلام الله ونؤتمن على وصاياه؟!
أحب أن أرى أناجيلكم الخاصة وقد ظهر عليها الاستعمال.
تظهر قديمة ومخططة، وواضحة قراءتكم فيها واستعمالكم لها.. كلها ذكريات وتأملات، دخلت العقل والقلب وأصبحت جزءًا من الحياة.
اقرأوا وتأملوا. اخلطوا الكتاب بأرواحكم، وادخلوا إلى أعماقه.
لا تكتفوا بالمعنى القاموسي.. وبالتأمل ستجدون الآية الواحدة، وكأنها بحر واسع لا حدود له، كما قال داود: "لكل كمال رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا".
قال هذا داود، في وقت لم تكن أمامه سوى تسعة أسفار تقريبًا، ونحن معنا الكتاب كله، بما في ذلك العهد الجديد وجميع الأنبياء. وكل كلمة فيه مملوءة من العمق وكنز للتأمل.