عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 12 - 05 - 2012, 09:36 AM
الصورة الرمزية tito227
 
tito227 Male
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  tito227 غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 17
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 2,845

إله الكل بقلم : البابا شنودة الثالث 27 - 9 - 2009

إله الكل بقلم : البابا شنودة الثالث 27 - 9 - 2009
‏استمعت إليه وهو يناجي الله ويقول‏:‏ من أنا يارب‏,‏ حتي أتحدث إليك؟‏!‏ أنا التراب‏,‏ وأنت كل العظمة وكل المجد‏..‏ أنا الخاطئ الذي يضعف أمام حروب الشياطين ويسقط في كل يوم‏!‏ كيف أقف يارب أمامك‏,‏ وأنت القدوس الكلي القداسة‏,‏ المحاط بملائكتك القديسين‏,‏ يسبحونك كل حين‏,‏ ومعهم أرواح الأبرار من البشر‏,‏ الذين يفعلون باستمرار مايرضيك‏..‏؟‏!‏

كان يجب علي يارب أن أدرك من أنا ومن أنت؟‏!‏ ولكنني تجرأت‏,‏ وفتحت فمي لأتحدث إليك‏,‏ وأنا غريب عن ملكوتك‏.‏ لست من هذا الجمع المقدس الذي لك والذي هو حولك‏,‏ وليست لي دالة أن أتكلم‏,‏ فاغفر لي يارب هذه الجرأة‏..‏

وهنا تدخلت وقلت لذلك الصديق‏:‏ لا يا أخي‏,‏ لا تظن أن الله هو إله الأبرار فقط‏,‏ الأقوياء في روحياتهم‏,‏ بل هو إله الكل‏.‏ هو إله الخطاة أيضا‏,‏ يشفق عليهم علي سقوطهم‏,‏ ويجذبهم إليه بأنواع وطرق شتي‏,‏ حتي يقودهم الي التوبة‏,‏ وهو ليس فقط إله الأقوياء‏.‏ بل هو أيضا إله الضعفاء المحتاجين الي قوة منه‏,‏ تسند ضعفهم وتمنحهم القوة‏.‏

إن الضعفاء والساقطين والخطاة هم أحوج الناس الي الله‏,‏ وهو لا يتخلي عنهم‏,‏ لأنه لا يحتاج الأصحاء الي طبيب‏,‏ بل المرضي‏,‏ وقد سألوا مرة رجلا أعرابيا‏:‏ من هو أحب أبنائك إليك؟ فقال‏:‏ الصغير حتي يكبر‏,‏ والمريض حتي يشفي‏,‏ والغائب حتي يعود‏,‏ يقصد الأكثر احتياجا‏,‏ فإن كان القلب البشري هكذا‏,‏ فكم بالأكثر قلب الله؟‏!‏ لا شك إن كل المحتاجين يجدون فيه كل العطف وكل الحنو‏,‏ إنه معين من ليس له معين‏,‏ ورجاء من ليس له رجاء‏.‏

إن الله هو إله الكل‏.‏ هو إله العصفور المسكين‏,‏ ينقذه من فخ الصيادين‏,‏ وهو أيضا إله الصيادين الذين نصبوا الفخ لهذا العصفور‏,‏ وهو الحافظ للتوازن بين كل هؤلاء‏.‏

إن الله ليس لشعب واحد من شعوب الأرض‏,‏ بل هو لشعوب الأرض كلها‏,‏ السود والبيض والصفر والسمر‏,‏ كلهم خليقته‏,‏ وكلهم تحت رعايته وموضع اهتمامه‏,‏ بما فيهم من صالحين وخطاة‏,‏ وبما فيهم من رعية ورعاة‏,‏ الله يريد أن الجميع يخلصون والي معرفة الحق يقبلون‏.‏

فلا يظن الخاطئ أنه ليس من رعية الله‏,‏ أو أن الله لا يهتم به‏!‏ لو كان الأمر هكذا‏,‏ ما كان ممكنا لأي خاطئ أن يتوب‏!‏ ولكن مشيئة الله غير ذلك‏,‏ فالله يشفق علي الخطاة جميعهم‏,‏ ويرسل إليهم نعمه لتعمل في ضمائرهم وقلوبهم وأفكارهم‏,‏ وتقودهم الي التوبة‏,‏ ولعل من الأمثلة الواضحة القديس أوغسطينوس الذي كان بعيدا جدا عن الإيمان‏,‏ وعن حياة الفضيلة‏,‏ وكانت أمه تصلي من أجله بدموع كثيرة‏,‏ كيف ان الله اقتاده إليه؟ فصار مؤمنا‏,‏ وتائبا وقديسا‏.‏

إن الله الذي لا يتخلي عن أحد من خليفته‏,‏ اهتم بالعالم الوثني‏,‏ وساعده علي أن يترك عبادة الأصنام ويصير مؤمنا‏,‏ وكذلك العالم الذي من قبل يؤمن بتعدد الآلهة‏,‏ كيف قاده الي تركها ليؤمن بالإله الواحد خالق السماء والأرض‏.‏

حقا إن الله هو إله الكل‏.‏ كان إلها لهؤلاء الوثنيين‏,‏ وصبر عليهم حتي آمنوا به‏..‏ وكان إلها لليونان الذي آمنوا بجمهرة من الآلهة تحت قيادة زيوس‏,‏ وصبر عليهم حتي آمنوا به‏,‏ وكان إلها للمصريين القدماء الذين آمنوا بآلهة كثيرة منها‏:‏ رع وآمون وأوزوريس وإيزيس وحورس وغيرها‏,‏ ولكنه صبر عليهم حتي آمنوا به‏.‏

إنه إله كل هؤلاء‏,‏ وفترة بعدهم عنه‏,‏ لم تجعله يعتبرهم غرباء عن رعيته‏,‏ هكذا فترة الشيوعية الملحدة في روسيا‏,‏ كان الله و هو‏,‏ يرعاهم ويهتم بهم‏,‏ إذا عادوا إليه‏.‏

إن الله هو إله الكل‏,‏ سواء ضلوا عن الإيمان أو عن حياة البر‏,‏ ما أجمل عبارة القديس أوغسطينوس عن حياته السابقة في الخطية‏:‏ كنت يارب معي‏,‏ ولكنني من فرط شقوتي لم أكن معك‏.‏ عجيب أن يقول إن الرب كان معه‏,‏ وهو خاطئ‏!‏ نعم كان معه‏,‏ وبذلك استطاع أن يغير حياته الي البر‏,‏ والي التوبة‏,‏ وإلي النمو في ذلك حتي أوصله الي القداسة‏.‏

إن الله هو إله الكل‏,‏ مهما كانت حياتهم متغيرة‏,‏ هو إله المجاهدين الذين يبذلون حياتهم وجهدهم في خدمة الآخرين‏,‏ وفي نفس الوقت هو إله العباد والنساك الذين يقضون حياتهم في الصلاة والتأمل والنسك‏.‏

إنه إله البسطاء‏,‏ والحكماء‏,‏ إله الجهلاء والعلماء‏,‏ ليس الكل طبيعة واحدة‏,‏ ولا عقلية واحدة‏,‏ ولكنهم كلهم خليقة واحدة‏,‏ لإله واحد‏,‏ يضمهم جميعا تحت رعايته‏,‏ ويهتم بالكل ليكونوا جميعا أبناء للملكوت‏.‏

حقا إن ملكوت الله سيضم أناسا من أنواع شتي‏,‏ والله سيقبلهم‏,‏ بشرط نقاوة قلوبهم‏,‏ مهما كانت درجتهم أو نوعية عملهم‏.‏ يكفي أن يكونوا أنقياء القلب‏,‏ حتي لو كانوا ضعفاء في مستواهم‏,‏ أو صغارا في سنهم‏.‏

مادام الله للكل‏,‏ فهو لا يرفض أحدا‏,‏ وحتي الذين يرفضونه‏,‏ لا يأخذهم بجهالتهم‏,‏ وإنما يحاول أن ينقذهم من هذا الرفض‏,‏ تارة بترغيبهم في الحياة الروحية‏,‏ وتارة بتجارب ترجعهم إليه‏.‏

ومادام الله للكل‏,‏ فليس هناك مهمون ومهمشون‏,‏ بل كل إنسان يشعر باهتمام الله به أيا كانت ظروفه‏,‏ فطبيعة الله الحانية المملوءة من الشفقة علي الكل‏,‏ ترتبط أيضا بعمل الله الرعوي‏,‏ لأنه يرعي الكل‏,‏ وهكذا يشعر كل إنسان بأن الله يرعاه وأنه يقود خطواته‏,‏ حتي ان أخطأ الطريق‏,‏ يصلح له طريقه ولكن لا يتخلي عنه‏.‏

إلهنا هو الله الذي بعد أن خلق العالم كله‏,‏ ظل يعتني بكل من فيه‏,‏ مهتما بكل فرد من خليقته‏,‏ يريد الخير للجميع‏,‏ سواء هنا علي الأرض‏,‏ أو في المصير الأبدي‏,‏ ولا يوجد أحد لم ينل من فيض نعمته‏..‏ أما الهالكون فهم الذين اختاروا لأنفسهم الضياع‏,‏ وأصروا علي ذلك‏,‏ ورافضين للنعمة‏.‏

رد مع اقتباس