إلى الإسقيط
فيما كان مكاريوس جاداً في سعيه الرهباني، في موطنه الجديد، إذا بتجربة تحلّ به. فتاة سقطت في زنى. فلما بان حبلّها سألوها عن الذي عرفها فقالت: المتوحّد! فخرجوا إليه واستهزأوا به ولفّوا به القرية بعدما علّقوا في عنقه قدوراً قذرة وآذان أجرار مسودّة وهم يضربونه ويقولون: هذا الراهب أفسد عفّة ابنتنا! وبعدما بالغوا في شتمه وضربه جعلوه يتعهّد بالإنفاق عليها وعلى مولودها. كل هذا وهو لا ينطق بكلمة واحدة يدافع بها عن نفسه. فلما عاد، بالجهد، إلى قلاّيته قال في سرّه: "كدّ يا مكاريوس لأنه قد صارت لك امرأة وبنون. فينبغي لك أن تعمل ليلاً نهاراً لتطعمهم وتطعم نفسك".
فلما أقام ردحاً من الزمان يكد ويتعب، حان وقت وضع الفتاة فتعسّر. وبعدما مكثت معذّبة أياماً لا تلد شعرت بأن ما حدث لها كان لافترائها على المتوحّد، فاعترفت أنه بريء وأن فلاناً الرجل هو الذي خدعها. فخرج سكان القرية ليستسمحوا القدّيس. وقبل أن يصلوا إليه أطلعه خادمه على ما جرى وأن أهل القرية في طريقهم إليه. فقام لتوّه وهرب إلى برية الإسقيط، فكان أول ساكن لها. عمره، يومذاك، كان ثلاثين سنة.