من شرف إلى شرف
كان مرقيانوس من عائلة شريفة مرموقة، وقد تسنى له أن يتبوأ مركزاً مهماً في البلاط الملكي. وكان، إلى ذلك، طويل القامة، جميل الطلعة، قوي البنية، حاد الذكاء. وعوض أن يصرفه ميراثه البشري عن الله اغتراراً تحوّل إليه بكليتّه. وإذ تخلى طوعاً عن اللآلئ الكثيرة التي كانت في حوزته، خرج إلى الصحراء في طلب اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن (مت45:13_46).
في الصحراء، ابتنى مرقيانوس لنفسه كوخاً صغيراً ضيقاً يكاد لا يتّسع لجسمه وأحاطه بسياج وأقام فيه منقطعاً عن كل خلطةٍ بشرية، منصرفاً إلى اللهج بالله ليل نهار وقولة داود النبي في المزمور الأول تتردّد في نفسه دونما انقطاع: "طوبى للرجل الذي... في ناموس الرب هواه وبشريعته يلهج نهاراً وليلاً ويكون كالعود المغروس على مجاري المياه الذي يعطي ثمره في حينه وورقه لا ينتثر" (مز1:1_3).
ثلاثة كانت تشغله: مطالعة الكتاب المقدّس التي كان يتمتع فيها بسماع صوت الله، والصلاة والضراعة ابتغاء للحديث إلى ربّه، والترنم بالمزامير تسبيحاً لاسمه وتمجيداً.