9. لذلك حمله الرجل. وعندما أغلق الباب صار وحده كعادته. ولم يستطيع الوقوف بسبب الضربات. بل صلى وهو راقد. وبعد أن صلى قال بصوت عال: ها أنا أنطونيوس لا أهرب من جلداتك، فإنك إن ضربتني ضربات أوفر فلن يستطيع شئ أن يفصلني عن محبة المسيح[23] وبعد ذلك رنم: "إن نزل علىَّ جيش لا يخاف قلبي."[24] كانت هذه هي أفكار وكلمات هذا الناسك.
أما العدو مبغض الصلاح إذ تعجب من تجاسره على العودة بعد الضربات فقد دعا كلابه معاً وانفجر قائلاً: "أنتم ترون أننا لم نقو على الرجل، لا بروح الشهوة ولا بالضربات، فانه لم يبال بنا. فلنهجم عليه بطريقة أخرى". على أن تغيير الشكل من أجل الشر هين على إبليس لذلك اصطنعوا فى الليل رنينا حتى بدأ كأن كل المكان قد هزه زلزال وبدأ كأن الشياطين قد حطمت جدران المسكن الأربعة ودخلت منها آتيه فى شكل الدواب والزحافات. وامتلأ المكان بغتة من أشكال الأسود والفهود والثيران والحيتان والأفاعي والعقارب والذئاب، وكان كل منهم يتحرك كطبيعته.
كان الأسد يزأر يريد الهجوم وبدأ الثور كأنه يدفع بقرنيه والحية تتلوى ولكنها لا تستطيع الاقتراب والذئب إذ هجم صد. وهكذا كانت أصوات الأشباح فى ثورتها مخيفة.
أما أنطونيوس إذ ضربته ونطحته هذه الوحوش، أحس بآلام جسدية أشد وعلى أية حال فإنه كان يرقب، وهو مضطجع، ولم تتزعزع نفسه وسط آلامه الجسدية. على أن عقله كان صاحياً. وقال هازئا: "لو كانت فيكم أية قوة لكان يكفى أن يأتي واحد منكم، ولكن لأن الرب قد جعلكم ضعفاء فإنكم تحاولون أن تفزعوني بكثرة عددكم، والدليل على ضعفكم اتخاذكم شكل البهائم غير الناطقة". ثم قال أيضا بجرأة: "إن كنتم قادرين، ولكم سلطة علىَّ، فلا تتأخرون عن الهجوم، أما أن كنتم غير قادرين فلماذا تتعبوني باطلا، لأن الأيمان بربنا حصن وسور أمان لنا". وهكذا بعد محولات كثيرة أصروا بأسنانهم عليه، لأنهم كانوا يهزءون بأنفسهم لا به.