سيرة وأقوال القديس أنبا شنودة رئيس المتوحدين وأنبا ويصا تلميذه


اختفى كل ذكر للقديس أنبا شنودة في كل من التاريخ اللوزياكي لبالليديوس وكتابات ق. يوحنا كاسيان وتاريخ الرهبنة في مصر The Historia Monachorum in Aegypto المنسوب لروفينوس. كما أنه لا توجد له أيّة أقوال في مجموعة أقوال الآباء اليونانية المسماة The Apophthegmata Patrum. وربما كان سبب ذلك هو أن قديسنا لم يسمح لأي أجنبي أن يلتحق بأديرته التي كان لها الطابع القبطي الصميم، وكان الرهبان متمسكين بلغتهم القبطية تمسُّكًا شديدًا، وكانت كتابات القديس كلها باللغة القبطية الصعيدية. كما أنه كان يوجد نفور بين القبط واليونانيين لأسباب لغوية وثقافية ودينية وسياسية. هذا بالإضافة إلى صرامة الأنبا شنودة ونظامه الرهباني الفريد الذي كان طابعه الحزم. ورغم أن بالليديوس زار "بانوبوليس"، أي إخميم التي تبعد عشرة أميال فقط عن الدير الأبيض؛ إلاّ أنه لم يذكر شيئًا عن أديرة أنبا شنودة للرجال أو للنساء، فالمرجّح أنه لم تستهوه مبادؤه وقوانينه، وربما أنه عندما ذهب إلى هناك لم تكن شهرة أنبا شنودة وأديرته قد انتشرت بعد. ويقول بعض المؤرخين إن بالليديوس كان يونانيًا ويميل إلى الرهبان الذين يُجيدون اليونانية. ويعني لقب "أرشيمندريت" (أي رئيس متوحدين) أنه كان مشرفًا على فروع أخرى لديره وبعضها كان للنساء. ورغم أن المؤرخين الأجانب تجاهلوا هذا القديس ونظامه الرهباني؛ إلاّ أن البعض اعتبره تاليًا في الأهمية لأنبا باخوميوس بسبب مساهمته في تطوير الرهبنة المصرية، ولا زالت شخصيته لها توقير عظيم في الكنيسة القبطية.
وكانت أديرة أنبا شنودة تحرِّم نقل قوانينها إلى خارجها، ويتبين ذلك من القصة الآتية:
وُجدت وثيقة في كنيسة بنقادة (محافظة قنا) تحتوي على سيرة قديس اسمه "أفرآم"، كما جاء في سنكسار 24 طوبة، وتبيّن منها أن هذا القديس زار أحد أديرة أنبا شنودة ونسخ قوانين الدير في أوراق ووضعها في طرود وختمها وأرسلها إلى دير ق. مويسيس (موسى)، وبعث برسالة إلى الدير ليخبرهم أنها طرود تحتوي على حبوب. ولما نفدت البقول في هذا الدير فتحوا تلك الطرود فوجدوا قوانين أنبا شنودة التي كان رهبانه لا يسمحون لأحد بنقلها. وكان ذلك في أيام الإمبراطور "يوستنيانوس" في القرن السادس
والمعتَقَد أن الرجوع إلى مجموعة مخطوطات "مورجان" التي يحتفظ المتحف القبطي بصورة منها، وهي باللغة القبطية الصعيدية، قد يكشف اللثام عن الغموض الذي يحيط بأديرة أنبا شنودة ومؤسِّسها ورهبانها. وهذه
المجموعة يبلغ عددها 56 مجلّدًا كبيرًا اكتُشفت سنة 1910م في خرائب دير الحامول بالفيوم واشتراها مستر Pierpont Morgan أحد الأثرياء الأمريكان، وأعطى صورةً منها للمتحف القبطي، ويُقال إنها تحوي الكثير عن قديسنا أنبا شنودة وعظاته وأقواله. وهي تحتاج إلى مَنْ يترجمها من هذه اللهجة الصعيدية ...! وجميع المعلومات التي وصلت إلينا عنه جاءت من عظاته وكتاباته بالقبطية الصعيدية وسيرة حياته التي كتبها تلميذه أنبا ويصا.
ونحاول هنا أن نقترب من فكر ق. أنبا شنودة الذي كان له تأثيرٌ عظيمٌ على الرهبنة في مصر وبالأخص في الدير الأبيض في الصعيد وما حوله. وق. شنودة بين قديسي الرهبنة الكبار الأوائل يقدِّم مثالاً ليس له نظير وتقليدًا روحانيًا يُعتبر في عصرنا الحالي منقرضًا نسبيًا. كما أنّ كتابات هذا الأب المبارك فريدة في اللغة القبطية. وقيل إنه عاش نحو 118 سنة (333 – 451م)، وإن رئاسته على الرهبان دامت نحو 66 عامًا
يتبع