[Mary Naeem]

من أين تأتي الطهارة؟

وما معناها الحقيقي حسب كلمة الله

الطهارة تُقرِّب إلى الله (الحكمة 6: 20)

من أين تأتي الطهارة؟

سؤال يطرحه الكثيرين من الذين حاولوا يدخلوا في حياة الطهارة ولم يشعروا أنهم اقتربوا من الله ويشعروه حي فيهم، لأن البعض يضع كلمة طهارة مقابل فكرة الوقوع في خطية جنسية، وهذا الفهوم مشوه للغية، لأن الموضوع مش مسألة نوع الخطية التي وقع فيها الإنسان، الموضوع كله في حالة القلب نفسه، هل القلب نفسه طاهر أم مُدنس.

ولكن يلزمنا أن نفهم معنى الكلمة - باختصار شديد - فهماً صحيحاً

لكي نعي ما هي الطهارة، لأنها تختص بالقلب في الدرجة الأولى ثم في النهاية تنعكس على الجسد طبيعياً، وبذلك فقط لا يُخطئ الإنسان ويُهين جسده ويدنسه، لأن أن لم يصير القلب طاهر أولاً فلا منفعة من محاولة حفظ الجسد من اي دنس أو خطية، لأن من المستحيل أن يتنقي ويتطهر الجسد بماء الصنبور ولا بمجرد الكف عن الخطية أو تفكير شرير، لأن المشكلة الحقيقية ليست في الجسد بل في القلب نفسه.

المعنى الصحيح للطهارة:

الكلمة في اساس معناها في الكتاب المقدس تعني ل¼پخ³خ½دŒد„خ·د„خ¹ وتُترجم عادةً بـ purity ولها معاني متسعة أخرى كثيرة ولكن المعنى العام: الصفاء - النقاوة - البراءة - الصحة - النصاعة - السطوع - صفاء اللون - البساطة.

ومن هذه المعاني نستطيع أن نقول

أن قضية الطهارة تتعلق بالقلب بالدرجة الأولى، لأن من القلب تخرج الأفكار الشريرة وتحرك الجسد كله، لأن الجسد في حد ذاته ليس فيه عيب، العيب في شخصية الإنسان نفسه، لأن لكل واحد سلطان على جسده يتحرك به كما شاء، فالجسد لا يُخطئ وحده كمستقل عن الشخصية، لأن ما في قلبي هو الذي يُحركني، فكما أن للجسد عين فأن للقلب عين أُخرى داخليه، هي التي تتأثر بكل ما هو مُحيط بالجسد من جهة الخارج، وحيث يكون قلبي يكون هناك كنزي، فلو كنزي في شهوة ما تتحرك حواسي كلها من ناحيتها ولا أهدأ حتى أُتممها، لذلك الرب قال: سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً (طاهرة نقية بريئه) فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِماً (لوقا 11: 34)

ولنلاحظ صلاة داود النبي

حينما قدِّم توبة فأنه لم يقدم ذبيحة ولا قام اغتسل بالماء، بل صلى بتوسل طالباً: "قلباً نقياً إخلق فيَّ يا الله"
ولننتبه للمكتوب حسب النبوة: وَأُعْطِيهِمْ قَلْباً وَاحِداً, وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحاً جَدِيداً، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ (حزقيال 11: 19)

فالموضوع يتوقف على عملية اسمها التجديد،

لذلك مكتوب: إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً (2كورنثوس 5: 17)، إذاً لن ندخل في حياة الطهارة إلا بالتجديد المستمر، فنحن في البداية نتوب ونؤمن بمسيح القيامة والحياة، وهذا الإيمان يدخلنا في سر التبرير، لكنه يستمر يُكتمل فينا بالتطهير المستمر وهذا يفعله الروح القدس، لذلك الكنيسة تُصلي وتقول دائماً:

وفي آخر الأيام،

ظهرت لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت، بابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. هذا الذي من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم، تجسد، وتأنس، وعلمنا طريق الخلاص، وأنعم علينا بالميلاد الذي من فوق، من الماء والروح، وجعلنا له شعبًا مجتمعًا، وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس.

فنحن نصير أطهار بالروح القدس،

لذلك نحن في صلواتنا نطلب قوة طهارة ونقاوة لقلوبنا لأن عمل الله هو أن يطهرنا، لذلك في صلاة الصلح في الكنيسة القبطية يقول في القداس الباسيلي: وطهرنا من كل دنس، ومن كل غش، ومن كل رياء، ومن كل فعل خبيث، ومن تذكـار الشرّ الملبس الموت.
وأيضاً في صلاة الساعة الثالثة يُخاطب الروح القدس قائلاً: أيها الملك السمائي المعزى، روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات، ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح، وخلص نفوسنا.

فيا إخوتي أتريدون قوة الطهارة الفائقة فيدخل الفرح قلبكم وتتقوى نفوسكم،

ارفعوا قلوبكم وتوسلوا لله أن يهبكم هذه الطهارة بالروح القدس، لأنها طهارة ثابتة تزداد ولا تقل أو تنقص كلما طلبناها وعشنا بها حسب ما ننال لأنها عطية الله المجانية وليست صناعة الناس، فاطلبوها ليلاً ونهاراً مؤمنين واثقين في محبة الله لكم وهو سيعطيكم بلا كيل بل بفيض - النعمة مع جميعكم آمين