وقال أيضاً: إن الإنسانَ لا يستطيعُ أن يتحفَّظ من الخطيةِ إن لم يحفظ نفسَه مما يلدها. وهذه هي الأشياء التي تلد الخطيةَ: صغرُ النفس، الملل، إتمام الهوى، حبُّ الاتساع، طلب الرئاسة، حديث العالم، التماس ما لا ينبغي، عدم الحذر من الناس، سماع الوقيعة، نقل الكلام من أناس إلى أناس، الذي يحبُّ أن يُعلِّم دون أن يسأل، الذي يدين القريب، فهذه الأمور وغيرها لَمِّما تلدُ الخطيةَ. فمن أراد أن ينجحَ ويتقدم في الأعمالِ الصالحة، فليحفظ نفسَه من كلِّ شيء يلد الخطيةَ، فإن الخطيةَ منها وبها. فمن حرص فهو يجد خيراً في الأعمال الصالحة، ومن تهاون وتغافل فهو يعدُّ نفسَه للعذاب، لأنه واجبٌ على كلِّ معتمدٍ أن ينقي نفسه من كلِّ الشرور، فإن أنت قطعتَ هواك بمعرفةٍ اقتنيتَ لنفسِك التواضع، أما الذي يريد أن يتمِّم هواه فذاك يُعدم الصلاحَ كلَّه. فلنهرُب من اللجاجةِ (أي من العنادِ والمجادلة) فإنها تهدمُ كلَّ بنيان الفضيلة وتصيِّر النفسَ مظلمةً لا تبصر شيئاً من الصلاحِ. فتحفَّظ من هذا الوجع الرديء الذي إذا اكتنف أيَّ صلاحٍ أعدمه، لأن ربنا ما أن طلع على الصليب حتى طوَّح يوداس من وسطِ تلاميذه. فإن لم يقطع الإنسانُ هذا الوجع الرديء (أي اللجاجة) فلن يستطيعَ أن يدركَ شيئاً من أمورِ الله، لأن كلَّ شرٍ في الدنيا يلحقُ صاحبَ هذا الوجع. وهذا الوجع هو نتيجة الكبرياء، لأن المتكبر لا يقدر أن يتحمَّل شيئاً من الموعظةِ وهو محبٌّ لمجدِ الناس والغلبة، ويسكن في نفسِه كلُّ أمرٍ يبغضه الله، لأن المستكبرَ لا يقدر أن يكونَ بغير عثرةٍ، وهو يسلِّمُ نفسَه بنفسِه إلى أيدي أعدائه. وحينئذ يصنعون بها شروراً كثيرة، فلنهرب من المجدِ الباطل ولنذكر في كل حين مجدَ العالم العتيد ولنقطع أهويةَ قلوبنا ولنلتمسَ مشيئة الله ونتممها.