ففي تواضعها العظيم مع احتياجها الكبير، عادت تطالبه بإلحاح. ألم يقل لها: "دعي البنين أولاً يشبعون؟" إذاً الكلاب تأخذ دورها بعد البنين! فجعلت المسيح بوضعه إياها بين الكلاب، يعترف أن لها حقوقاً، لأن أب البنين حول المائدة، هو أيضاً رب الكلاب تحت المائدة. فإنْ كانت هي من الكلاب، فللكلاب أرباب، وهو إذاً ربها. ولها الفتات الفاضلة عن البنين.
في إيمانها هذا أعطت مثالاً يوضح شيئاً عن الإيمان. لو كان إيمانها الإيمان العقلي فقط - نظير إيمان كثيرين، لأقنعتها معاملة المسيح أن تتركه وأن لا نصيب لها عنده. لكن لأن إيمانها قلبي، نظر إلى وراء الظواهر، وتأكد أن المسيح لا يردّ طلب مستغيث ولو أجَّل الإغاثة، فإذا به يلبّي طلبها اللجوج بقوله: "يا امرأة، عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين. ولأجل هذه الكلمة اذهبي. قد خرج الشيطان من ابنتك". هذا المسيح العظيم الذي لم يرضخ البتة في كل مناقشاته مع فلاسفة اليهود بل كان يلجمهم بأجوبته السديدة، ويريهم بُعدهم عن ملكوت الله، يتنازل الآن ويرضخ بحِلْم عجيب لهذه المسكينة في احتياجها إليه، ويبيّن قُربها لهذا الملكوت.