(9) أهمية الكهنوت:
يبدو أن العلاقة النسبية بين الكاهن العظيم (رئيس الكهنة) والكهنة واللاويين لم تكن ثابتة على مدى تاريخ بني إسرائيل،
.والواضح في أسفار الخروج واللاويين والعدد أن العلاقة بين هرون وبنيه كانت محددة، فكان هرون هو الكاهن الأعظم، وقد أُعطي اللاويون لهرون وبنيه الكهنة ليكونوا مساعدين لهم في أعمال محددة (عد 1: 50، 3: 28 و32، 8: 15، 31: 30 و47 مع 1أخ 23: 25-32)، ونقرأ في سفر التثنية عن "الكهنة اللاويين" أو "الكهنة بنييلاوي" (تث 17: 9 و18، 18: 1، 21: 5، 24: 8، 27: 9، 31: 9)، وهي ليست خلطًا بين الكهنة واللاويين بعامة، بل إعلانًا لحقيقة أن الكهنة كانوا من سبط لاوي، وليس أن اللاويين كلهم كانوا كهنة.
وفي بركة موسى الأخيرة للأسباط قال للاوي: "تميمك وأوريمك لرجلك الصديق الذي جربته في مسة وخاصمته عند ماء مريبة.. حفظوا كلامك وصانوا عهدك. يعلمون يعقوب أحكامك، وإسرائيل ناموسك. يضعون بخورًا في أنفك، ومحرقات على مذابحك" (تث 33: 8-10). وهو لا يعني أن "التميم والأوريم" كانا مسئولية كل سبط لاوي، لأننا نعلم أنهما كانا مسئولية رئيس الكهنة فقط (خر 28: 30)، فيستخدم موسى اسم لاوي، لأن رئيس الكهنة ومن بعده جاء أبناؤه، من سبط لاوي.
وكان للكهنوت المكانة العظمى في النظام الثيوقراطي، مع أن موسى –وليس هرون- ظل هو القائد الأعلى طيلة أيام حياته، وخلفه في ذلك يشوع وسائر القضاة. وفي فترة الانتقال في عهد عالي وصموئيل، حدث نوع من الاندماج بين السلطتين، ولكن بدون أمر إلهي. ثم جاءت الملكية، فأصبح رئيس الكهنة يشغل المرتبة الثانية بعد الملك. وفي عهد بعض الملوك، فاقت مكانة النبي مكانة الكاهن. وقد تعاظمت مكانة الكهنوت في زمن حزقيال النبي، وذلك لأن الكهنة "أبناء صادوق" ظلوا أمناء للرب" حين ضل عنه بنو إسرائيل" (خر 44: 10-16).
وبعد العودة من السبي البابلي في أيام النبيين حجي وزكريا، يبدو أن مركز الحاكم ومركز رئيس الكهنة أصبحا على قدم المساواة في الأهمية، إذ "كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي إلى زربابل بن شألتيئيل وإلى يهوذا، وإلى يهوشع بن يهوصاداق الكاهن العظيم" (حج 1: 1 و12 و14، 2: 4، انظر أيضًا زك 3، 4).
وفي عصر ما بين العهدين أصبح الحاكم ورئيس الكهنة شخصًا واحدًا، وذلك بسيادة رئيس الكهنة في عهد الأشمونيين وما بعدهم. وبعد عصر المكابيين، انتقلت السلطة العليا إلى الولاة الرومانيين، ولكن ظلت لرئيس الكهنة السلطة العليا في الشئون الدينية، ولم تعد وظيفة رئيس الكهنة وظيفة لمدى الحياة كما كانت من قبل، إذ كان للولاة الرومانيين حق خلع رئيس الكهنة، وتعيين غيره، ولذلك كان في زمن العهد الجديد أكثر من واحد يحملون لقب رئيس كهنة (انظر مت 26: 3 و57 و65 مع يو 18: 13 و24). وبتدمير أورشليم والهيكل في 70 م. على يد تيطس الروماني انتهى الكهنوت العبري واختفى من التاريخ.