(4) تقديس الكهنة:
قام موسى –بأمر من الله- بتركيس هرون وبنيه وناداب وأبيهو وألعازار وإيثامار (خر 28: 1و 41، 29: 9 و29 و30). أما ناداب وأبيهو فقد ماتا عندما "قربا أمام الرب نارًا غريبة لم يأمرهما بها، فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب" (لا 10: 1و2)، وهكذا انحصر الكهنوت في زمن موسى وهرون في نسل ألعازار وإيثامار (عد 3: 4، 1أخ 24: 2).
ولم يكن كل الأشخاص المولودين في عائلة هرون، يصلحون للكهنوت، بل كانت بعض "العيوب الجسمانية –متى وجدت في أي رجل من نسل هرون- تمنعه من القيام بالخدمة الكهنوتية (لا 21: 16- 23). كما أن النجاسة الطقسية كانت تمنع الكاهن –من بني هرون- من القيام بخدمته (لا 21: 1-5).
وكانت إجراءات تقديس هرون وبنيه على مدى سبعة أيام، بالغة الأهمية وعميقة المعنى (خر 29: 1- 37، لا 8)، فعلاوة على اختيار الله لهم، وتميزهم بالقداسة، فإن إجراءات التكريس توضح خصائص الخدمة الكهنوتية. ومما يستلفت النظر في هذه الإجراءات إلباس الكهنة ثيابهم، وذبائح التكريس وطقوسه. فكانت ثياب هرون المقدسة أكثر تعقيدًا من ثياب الكهنة (خر 28: 2-39). فكان لكل الكهنة أقمصة ومناطق وقلانس خاصة، أما هرون فكان يلبس رداء تتصل به صدرة القضاء، وبها اثنا عشر حجرًا كريمًا، وقد نقش على كل حجر اسم أحد الأسباط الاثنى عشر، وحجرا جزع على الكتفين منقوش عليهما أسماء أسباط بني إسرائيل، على كل حجر منهما ستة أسماء، وعمامة عليها صفيحة من ذهب نقي تربط إلى العمامة بخيط اسمانجوني، ومكتوب عليها: "قدس للرب". وكانت هذه الأحجار والأسماء المنقوشة عليها تبرز صفة رئيس الكهنة كممثل للشعب أمام الرب، فقد كان رئيس الكهنة يحمل هذه الأسماء "للتذكار أمام الرب دائمًا" (خر 28: 12 و29 و30).
وفي إجراءات التقديس، كان موسى يغسل هرون وبنيه بماء، ويُلبس هرون ثيابه الكهنوتية، ويسكب دهن المسحة على رأسه، ثم يُلبس بنيه الأقمصة، ويمنطقهم بمناطق، ويشد لهم قلانس. ثم يقدم "الثور إلى قدام خيمة الاجتماع، فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الثور"، ذبيحة الخطية، كما يضعون أيديهم على رأس الكبش –ذبيحةالمحرقة- وهكذا تنتقل قيمة الذبيحة إلى هرون وبنيه، وتُعدُّهم لخدمتهم الكهنوتية.
وكان يجب تقديم ثور –ذبيحة خطية، وكبش- محرقة، رائحة سرور للرب، وكبش آخر، ذبيحة ملء أو تقديس. وكان يؤخذ من دم الكبش الثاني، ويجعل على شحمة أذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليمنى، وعلى أباهم أيديهم اليمنى، وعلى أباهم أرجلهم اليمنى، وكان يرش دم هذا الكبش الثاني –كبش ذبيحة الملء- على المذبح من كل ناحية، وهكذا يجمع بين الكهنة والمذبح في قطوس التقديس. وكان يؤخذ من الدم الذي على المذبح ويخلط بدهن المسحة، وينضح على هرون وثيابه، وعلى بنيه وثيابهم، فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثيابهم (خر 29: 19-21). وكان لك ذلك يتكرر لمدة سبعة أيام لكمال تقديسهم (خر 29: 35-37).
ولا شك في أن هذا الطقس لتكريس الكاهن العبراني، كان يجعله مفرزًا من الشعب كشخص مقدس اختاره الله، وتكرس لله، ويمثل الشعب أمام الله كما يمثل الله أمام الشعب. وكان الدم على الأذن اليمنى يعني إصغاء الكاهن لصوت الله ليسمعه ويطيعه. والدم الذي على إبهام اليد اليمنى كان يعني تكريس خدمته ككاهن في المقدس، كشخص مقدس يمثل الشعب أمام الله. والدم على إبهام رجله اليمنى كان يعني تكريسه لخدمة الله في المقادس في خيمة الشهادة (وبعد ذلك في الهيكل، حيث لم يكن مسموحًا بالدخول إلا للمكرسين للخدمة)، كما كان يعني أيضًا أن يكون كل سلوك الكاهن مطابقًا لكلمة الله (ارجع إلى أم 28: 6 و18، غل 5: 16). ولا شك في أن كل هذه الطقوس كانت تعني أن تكريس الكاهن كان معناه تكريس كل الإنسان وكل سلوكه، وكل ما يعمل، إذ كان يجب أن يكون رجل الله، الذي يمثل الله أمام الشعب، منفصلًا انفصالًا تامًا عن كل نجاسة وكل خطية (لا 10: 8-11)، كما أنه كان يمثل الشعب أمام الله لتقديم ذبائح مقبولة من أجلهم، وأن يؤدي كل واجباته الكهنوتية حسب وصايا الله عن يد موسى. وهكذا كان الكاهن يعمل كوسيط بين الله والإنسان.
وكان على رئيس الكهنة والكهنة ألاَّ ينوحوا على ميت بكشف رؤوسهم أو شق ثيابهم (لا 10: 6). وكان على رئيس الكهنة ألاَّ يأتي إلى نفس ميت، ولا يتنجس لأبيه أو أمه، أو يخرج من المقدس لتشييع جنازة (لا 21: 10-12). ولا يأخذ الأرملة أو المطلقة أو المدنسة أو الزانية، بل يتخذ عذراء من قومه امرأة (لا 21: 13-15).