وهكذا يتعامل الكثيرين جداً مع الحضرة الإلهية وعلاقته مع القديسين، لأنه يأتي – من بعيد ومن الخارج – يطلب منهم أن يصلوا من أجله أمام الله ويستجدى عطية ما، ثم بعد أن ينال طلبه، فأنه يذهب بعيداً جداً، وذلك لأن شركته هي شركة غرباء ونُزلاً، غريب عن الموعد وليس من أهل بيت الله الحي، لذلك لا تستقر قدماه وسط القديسين فيُحرم من شركتهم في النور مع الله راحة النفس ونورها الحقيقي وسلامها...
لذلك الصلاة عند الكثيرين صارت كالواجب مُسجلة في أجندة روحية، مع أنها ليس لها طعم وتذوق مُفرح ومُعزي للقلب ولا فيها راحة ولا سلام ولا قوة للنفس دائمة، ولا شبع رضا وامتلاء بركة من الرب، لأن في الواقع أن المُصلي هنا، لم يحيا بعد كابن يعيش في شركة القداسة في إشراق وجه الله المُنير، لذلك لا يستنير في الصلاة ولا يأخذ منها قوة وشفاء لنفسه إطلاقاً، ولا يشعر فيها بشبع حقيقي، وبالتالي لا يستطيع ان يُقيم شركة مستديمة مع الله الحي، حتى ولو غصب نفسه وبذل كل الجهد، بل وحتى لو تحوَّلت الصلاة لعادة استمر فيها لأوقات طويلة، فأنها ستظل بلا طعم أو فاعلية ولا موضع مسرة روحية، بل ربما تصير مصدر راحة نفسية فقط إلى حين، لأنها لن تستديم طويلاً وبخاصة وقت الشدة ومواجهة الواقع الأليم بكل مصاعبه وضيقاته ومشقاته، لذلك نجد أن صلوات الكثيرين عمرها قصير، تموت سريعاً، وحتى لو استدامت لا تُشبع قلبه شبع حقيقي، لأن لو اردنا أن نبحث عن تعبير دقيق للصلاة مع معرفة فاعليتها لن نجد تعبير سليم غير هذا المكتوب:+ نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل؛ أما أنا فبالبر انظر وجهك أشبع إذا استيقظت بشبهك؛ من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي. (مزمور 34: 5؛ 17: 15؛ 91: 16)