وقف عاقل ومجنون يرقبان جيشًا عظيمًا يسير في طريقه إلى القتال، وقال المجنون للعاقل : من أين جاء هؤلاء!!؟... فأجاب : من أرض السلام!!؟.. وإلى أين يذهبون!!؟ إلى الحرب! وماذا يفعلون هناك!؟ يقتلون بعضهم بعضاً!؟ ولماذا يفعلون هذا!؟ ليحافظوا على السلام! وقال المجنون : قد أكون مجنونًا حقًا، ولكني لا أستطيع أن أفهم هذا الذي يفعله العقلاء!! كتب واعظ إنجليزي اسمه مارك جي بيرس قصة أسماها «لغز يوبيك» أو «لغز كل مكان» وفيه يتصور سائحًا يدخل مدينة غريبة اسمها «يوبيك» وقد تعجب لأن جميع سكانها حفاة الأقدام، ولم يكن هذا بسبب فقرهم، إذ أنهم يلبسون أفخر الثياب، وتبدو عليهم مظاهر الرفاهية والثروة، ومع ذلك يسيرون حفاة في الصقيع القاسي، وفي الطرق الصعبة! وقد ازداد عجبه لأنه رأى بنايات كبيرة، كتب عليها «مصانع الأحذية» وإذ ولج واحدًا من هذه المصانع رأى جمعًا من العرج والجرحى، وواحدًا يلقي محاضرة : «هل يوجد شيء اسمه قدم» وقد أدرك أن ما تصوره أولاً مصانع للأحذية لم تكن إلا أماكن لإلقاء المحاضرات عن الأقدام والأحذية، ورأى عناوين عجيبة : «ظاهرة القدم قصيدة شعر» «المخالب قديمًا وحديثًا» «فلسفة الكعوب» .. «المظهر الفائق لأصابع القدم» وكانت هذه المواضيع التي تناقش في المكان بجدية وحماس!! وخرج من المكان ليرى على بعد رجلاً يصنع أحذية، فأسرع إلى أهل المدينة يخبرهم، ولم يهتم الناس بما يقوله، بل عدوه تدخلاً فيما لا يعنيه، وخروجًا على القواعد اللائقة، ولغوا لا يجوز الإنصات إليه، ربما يبدو هذا الكلام عجيبًا وغريبًا لكنه هو حقيقة الإنسان في كل مكان وزمان، الإنسان الذي رفض الله، وغبي عن صخرة خلاصه، وانطلق وراء كل إفك وبطل وفساد، وعاش فلسفة كاذبة في الحياة، وهو يرفض الحكمة الإلهية، وانطلق وراء شهواته ونزواته، وهو يعلم أنها تقوده إلى الضياع!! إنه مجنون وشاذ يرفض الحياة في البيت، ويعيش مع الموتى في القبور!!