بعض الأفكار العملية في الكرازة:
على أي الأحوال، دعنا من المقدمات الطويلة، ولنعرض بعض الأفكار التي تساعدك على أن تكون كارزًا بحسب الأمر الإلهي:
الكرازة بالمَثَل:
أي أن تصبح أنت نفسك إنجيلًا متنقلًا، وشاهدًا للمسيح بحياتك، بدون حتى أن تنطق بكلمة.. كما يقول الكتاب "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 5: 16)،
ويقول أيضًا: "وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً.. أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا" (رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 12).
فعندما يرى الناس فيك إنسانًا فاضلًا، يعرفون أن الفضل هو لله عز وجل الذي بتعاليمه الإلهية في كتابه المقدس، يجعل أولاده جميعًا مباركين وبشوشين وممتلئين سلامًا في كل الظروف..
الكرازة في العمل:
فبدون أن نضع علامات دينية على رؤوسنا أو صدورنا أو مكاتبنا.. فبأمانتنا في العمل، والابتعاد عن عما هو غير أخلاقي من رشوة أو محسوبية أو إهمال.. فهذا أيضًا كرازة بالمَثَل..
في مصر حاليًا غير مسموح بالتبشير بالمسيحية، ولكنك تستطيع كما قلنا أن تكون أنت نفسك عظة صامتة، يراك الناس فيروا صورة الله فيك، وهذا يجعلهم يفكرون في هذا الإله الذي يُغَيِّر البشر، ويعطيهم هذه النعمة والسلام..
الكرازة في المهجر:
وإن كنت تعمل خارج مصر، تستطيع بمثلك الصالح أن تُحرِّك في الناس أن يسألوك عن سرّ ارتباطك بالمسيح.. فتجيبهم..
الاستعداد للرد:
فيقول كتاب الله: "مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 15)..
فينبغي عليك أن تعرف أمرًا عن كل شيء.. كما يقول الكتاب: "لاَ تَكُنْ جَاهِلًا فِي كَبِيرَةٍ وَلاَ فِي صَغِيرَةٍ" (سفر يشوع بن سيراخ 5: 18).
لا داعي لأن تكون لاهوتي مخضرم، ولكن على الأقل يجب أن تعرف أساسيات الإيمان المسيحي،
وكيف تعطي ردًا سريعًا ومقنعًا على الأسئلة التي قد تُوجَّه لك.. وتعرف مَنْ تفوِّضه في الإجابة التفصيلية لاحقًا..
فإذا عجزت عن الإجابة التفصيلية فلا تتردد من أن تُحيل السؤال لأحد الدارسين من معارفك، أو إرشاد السائل إلى المواقع الدينية التي تهتم بالرد على الأسئلة الإيمانية.
فقد يسألك أحدهم سؤالًا عن الثالوث، فتجيبه ببساطة أنه كما أن الإنسان جسد ونفس وروح، فالله به ثالوث كذا..
الرد كذلك لا يكون بالمعلومات فقط، ولكن ينبغي مراعاة الأسلوب.. فأسلوب التهكم سيجعل الفرد الآخر غير مستريحًا في الحوار.. فنحن كمسيحيين نحب الجميع.. ونحترم عقائد الجميع، حتى مَنْ البوذيين أو اللادينيين وعبدة الشيطان وغيرهم.. كلٍ له عقائده، ولكن المسيحية هي روح، ومحبة، ورسالة سلام للجميع..
على الجانب الآخر ينبغي عليك أن تعرف مَنْ تتحدث معه، أو مَنْ تجيبه، ومَنْ تتجاهله..! فهناك بعض السفسطائيين أو الذين يكون هدفهم التجريح والشتم والهجوم وخلافه، بدون محاولة صادقة لمعرفة الإجابة، بل بهدف التهكم فقط.. فهؤلاء تجاهلهم، ولا تتناقش معهم بحجة هدف إقناعهم..
لأنك لا تستطيع أن تجاريهم في أسلوبهم المتدني في الحوار والشتائم والتهكم، فهذا قد يسمح به دينهم، ولكنك إنسان مقدس لله، لا تستطيع أن تستخدم نفس الأسلوب الخاطئ في الحوار معهم..
فيقول الرب: "كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (سفر اللاويين 20: 26؛ رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 15، 16). وهؤلاء ينطبق عليهم الآية القائلة: "لاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ" (إنجيل متى 7: 6).
الكرازة الإليكترونية:
فهي لا علاقة لها ببعض المنتديات المسيحية الرخيصة التي لا تستطيع أن تحصل منها على معلومات موثوق فيها، أو تستخدم أساليب غير مسيحية في الحوار مع الآخر.. ولا علاقة لها بشتائم البالتوك وغيره.. ولكن إن سألك أحد، ينبغي أن تعرف كيف ترد بأسلوب مسيحي راقي.. وفي هذا السياق تستطيع أن تقوم مثلًا بإنشاء موقع إليكتروني تساعد فيه مَنْ يريدون معرفة المزيد عن المسيحية في معرفتها بصورة سليمة..
أو من خلال مطبوعات ورقية ترد على تساؤلات المجتمع غير المسيحي الذي يحيط بك.. سواء أكان مجتمعًا إسلاميًا، أم مسيحيًا غير أرثوذكسيًا، أو مجتمعًا إلحاديًا..
وفيه ترد على التساؤلات الإيمانية المختلفة، من موضوعات مثل استحالة تحريف الكتاب المقدس، وإثبات وجود الله، وتصحيح الخلط بين الأخطاء العقائدية لبعض الطوائف المسيحية وخلافه.. وبالطبع هذا لِمَنْ تلمس فيه الرغبة الصادقة في المعرفة..
تعلم لغة الآخر:
اللغة مفيدة جدًا، فمن خلالها تستطيع أن تكرز للأجانب المسيحيين أيضًا الذين لا علاقة لهم بالدين من طوائف منشقة غير سليمة، وتعطيهم فكرة سليمة عن الكنيسة الأرثوذكسية القويمة..
إن كنت تعرف لغة تستطيع أيضًا المساهمة في ترجمة القداس الإلهي وكتب الصلوات والكتب الطقسية بتلك اللغة، والعمل مع الكنيسة التي تخدم المتحدثين بتلك اللغة..
مع الكرازة، لا تهمل عمل التعليم والرعاية أيضًا.. ليس لغير المسيحيين فقط، بل للمسيحيين الذين لا يعرفون الدين.. أو للبعيدين عن الله، والذين لم يتلامسوا معه بعد..
فهناك أناس في القرى والنجوع والأماكن النائية قد يكونوا مسيحيين بالاسم، ولكنهم غير مُخَلَّصين بسبب عدم وجود علاقة مع الله، وعدم معرفة المسيحية بصورة سليمة.. فخدمتك في القرية تفيد..
التعلم:
إن كنت تريد أن تكون كارزًا، فينبغي عليك أن تدرس كلمة الله، وتقرأ في الكتب الروحية والعقائدية واللاهوتية لتعرف المفاتيح الأساسية في الإيمان..
أسئلة وجودية:
لا ينبغي عليك ككارز أن تكون على دراية فقط باللاهوت والعقائد المسيحية المتعلقة بالخلاص والثالوث وحدانية الله وغيره.. ولكن هناك أسئلة وجودية ينبغي أن تعرف إجابتها..
عندما تتحدث مع شخص، ويريد الاقتراب أكثر من المسيحية وترك ما كان عليه، لا تقبل الأمر على الفور بدون أن تطلب منه دراسة أكثر لما كان عليه من دين أو عقيدة سابقة.. حتى لا يتعلَّل البعض لاحقًا بالجهل أو أنه ترك شيء لا يعرفه وذلك لشيء آخر لا يعرفه.. بل بجانب دراسة المسيحية والصلاة والعلاقة مع الله الواحد، ينبغي أن يبحث في عقيدته القديمة ليرى بنفسه الفرق..
اعلم يا أخي أن الهدف ليس فقط أن تحوِّل الناس إلى مسيحيين.. ولكن أن تجعلهم يعرفوا الله عز وجل، وعمله الخلاصي للبشرية بالتجسد الإلهي..
وعندما يرونه سيعرفون أن هذا هو الطريق الصحيح بأنفسهم.. "وَيعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُهمْ" (إنجيل يوحنا 8: 32)..
فأنت تُريه فقط الطريق، ولكن لا تسيره نيابةً عنه، بل يجب أن يسيره ويختبره بنفسه..