بدا كأنّه لا في موقع المجرم بلّ من له سلطان فأفحمهم بكلّامه. وإذ رأى القضاة أن ثيوذوروس لم يفقد شيئاً من صلابته ولا بانت عليه علامات الخوف من التعذيب، بل استمرّ في الكلّام بالثقة عينها التي أبداها أوّل أمره، عدلوا من لهجتهم وحاولوا استمالته بالوعود والإطراء، عارضين عليه رتبة رئيس كهنة لديهم. فسخر منهم وقبّح عرضهم معتبراً كهنة الآلهة أشقى من في الأرض، ورؤساءهم مدعاة لا للشفقة بل للتقزز.
ونصحهم بألا يتعبوا عبثاً بتقديم عروض تمجّها نفسه. وأردف أنه خير لمن يريد أن يحيا في التقوى والبراءة أن يقضي زمانه مجهولاً وأن يكون صعلوكاً في بيت إلهه من أن يقيم في قصور الخطأة.
كذلك أبدى االقدّيس شفقةً على الأباطرة لأنهم عميان إذ يظنّون أنّهم يزيدون تيجانهم بهاءً ولباسهم الأرجواني رونقاً إن تزيّوا بالزي الكئيب الذي يتزيّي به مقرّبوا الذبائح. إنّهم لا يعرفون أن مثل هذه الوظيفة تحط من قدرهم وأنّهم متى قاموا بها كانوا في موقع الطهاة، وهم الأباطرة، يقتلون الطيور ويطهونها، ويجوفون الحيوانات الميتة مستدعين من الناس الإحتقار والإزدراء، وهم كالجزارين ملطّخة بالدم أيديهم وأثوابهم.