ومعلوم عن غالبيّة الشائعات افتقار كل منها إلى مصدر موثوق لتصديقها، من جهة ذوي الألباب وذواتها، ولهذا سُمِّيت "شائعة" وما سُمِّيت وثيقة أو شهادة حيّة أو حقيقة، لكنّ سذاجة تفكير غيرهم-هنّ بدليل غضّ النظر عن تحليلها (أي إهمال التأمّل في مصدرها وفي سببها وفي هدفها) من عوامل انتشار بعض الشائعات بسرعة نسبيّة عبر الزمن، فانتشرت من جيل إلى آخر كأنّها قصّة حقيقيّة ومن مكان إلى آخر باختلاط الثقافات.
وقد رأينا في الإنجيل دليلًا قاطعًا على ضلوع رُؤَسَاءَ الكَهَنة وشيوخ اليهود في تسريب الشائعة التالية ضدّ المسيح؛ إذ ورد بتدوين متّى عن أحداث قيامة المسيح ابتداء بالآية الأولى: {وبعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر} حتّى نصل إلى الآية الحادية عشرة فما بعد: {وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحرّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكلّ ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ، وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا إنّ تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سُمِعَ ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنّين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم}+ متّى 28: 11-15
فكيف يبدو تأثير الشائعة بعد مرور سنة عليها وكيف تبدو الشائعة بعد مرور قرن من الزّمان وتاليًا كيف تبدو بعد ستّة قرون؟ إنّما رواية الصلب الإنجيلية موثّقة برصانة ودقّة وورادة في مراجع عدّة، مسيحية ويهودية ووثنية، وفي كتب مؤرّخي ذلك الزَّمن، كما تقدّم في القسم الأوّل، فلا جدل في صحّة هذه الرواية ليقوى على دحضها! ولا مجال لأيّة هرطقة لتخترقها! ولا لشائعة لتدلِّس عليها مهما قويت وانتشرت وطال أمدها.