والإيمان بالتقليد الشريف ليس معناه مجرد الإخلاص لعصور قديمة ولسلطة خارجية، وإنما هو ارتباط حي بملء اختبار الماضي الكنسي (2).
إن التقليد الشريف هو في كنيستنا كالكتاب المقدس “كلام الله” وماء ينبع إلى حياة أبدية (يوحنا 14:4). هكذا كان في الكنيسة القديمة، وهكذا أظهرته كنيستنا الأرثوذكسية وأفصحت عنه بحيويتها الخصبة، التي لا تنفذ، طوال أربعة قرون وهي ترزح في البلقان تحت نيران الاستعباد العثماني، وفي السنوات الأخيرة في ظل النظام البلشفي في روسيا.
وإذا كان في الأرثوذكسية بعض الجمود، فذلك يعود إلى عوامل تاريخية لا تمتّ إلى طبيعتها بسبب، ولا ترجع إلى تمسكها الحي بالتقليد الشريف. نعم إن كنيستنا ظلت جامدة نوعاً ما، ولكنها لم تمت ولم تتحجّر. وهي إلى الآن ما زالت حية ومحيية. وكيف لا تكون وهي التي أنتجت في عهود الأمن والسلم عدداً وافراً من اللاهوتيين الحكماء والمسيحيين الأتقياء، هذا إلى جانب تنشئتها لفريق كبير من الشهداء والمعترفين وغيرهم من القديسين؟
ويحمل عادة بعض اللاهوتيين الأجانب على الأرثوذكسية لتمسكها بالتقليد ويغضّون أبصارهم عن هذه الحقيقة وهي أن التمسك بالتقليد مبدأ أساسي وخاصة جوهرية لكنيسة المسيح منذ تأسيسها. وعدا هذا فإن المعلوم أن المسيحية أخذت فكرة التقليد عن اليهودية، وأن الكنيسة ترتكز على التقليد. فالإنجيل سلمَّه الرب يسوع لرسله الأتقياء شفوياً، والرسل أكثر ما اعتمدوا عليه في تسليمهم الإنجيل لخلفائهم إنما كان بهذه الطريقة عينها “أنظر الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس لاقليمس أسقف روميه”. ومن البشيرين الأربعة استند اثنان منهم إلى التقليد المباشر “النقل المباشر”، أما الآخران فاستندا إلى التقليد بواسطة.