هنا تظهر لنا مشكلة مُهمة وهي إلى أي مدى نقدر أن نضع التاريخ في قالب منهجي؟ وكيف نستخدم الكتاب المقدس إستخداماً لاهوتياً؟ وكيف نستخدم الشواهد المتعدِّدة التي تغطي مئات السنين لرسم شكل واحد؟ يجب أن نتذكر دائماً أن الكتاب المقدس واحد، رغم كونه مجموعة من الأسفار. فحلّ هذه المشكلة يعتمد على فهمنا للتاريخ ورؤيتنا للزمن. والحلّ الأسهل هو محاولة إغفال تعددية الأزمنة وتجاوز الحقبة الزمنية التي وقعت فيها العملية كلّها. هذه التجربة واجهت المسيحية منذ زمن مبكر. فإننا نجدها متأصلة في جذور التفاسير الاستعارية منذ أيام فيلون الإسكندري وبرنابا المنحول (Pseudo-Barnabas) إلى أيام ما بعد الإصلاح البروتستانتي، عند إحياء النزعات الاستعارية. كما واجهت هذه التجربة جميع الصوفيين. لقد نظروا إلى الكتاب كمجموعة من الأمثال المقدَّسة المدوَّنة بأسلوب رمزي خاص. لذلك كانت مهمة التفسير الكشف عن المعاني الخفية والإفصاح عن الكلمة الإلهية التي عُبِّر عنها بأساليب متعدِّدة وأُخفيت تحت حجب مختلفة. أمّا الحقيقة التاريخية والمنظور التاريخي فلا صلة لهما بالأمر. كما أن الملموسية التاريخية عندهم هي إطار تصويري أو خيال شعري، لأن ما يهمَّهم هو المعنى الأبدي. هذه النظرة تحوِّل الكتاب المقدس إلى مصنَّف لأمثال بنَّاءة ورموز عظيمة تشير إلى الحقيقة الأبدية. أوَليست حقيقة الله هي هي على الدوام وإلى الأبد؟ في هذه الحال يكون البحث في العهد القديم عن شواهد لكل المعتقدات المسيحية البارزة أمراً طبيعياً. فيذوب بذلك كلّ عهد في الآخر وتنطمس ميزاته الخاصة.