الكاهن صورة حية لمحبة الآب للعالم لأنه “مُسَلَّم” (بتشديد اللام وفتحها) للناس كالمسيح (من قبل الآب) لينقل إليهم محبة الله: لا أيَّة محبة (محبة مجردة أو بشرية) بل محبة فاعلة، عاملة، تتحسس أحوال الناس وتتألم معهم، تبحث وتفتش لتُخلِّص “ما قد هلك” (متى18: 11). بكلمة واحدة على الكاهن أن يكون المسيح في العالم. لا لم يُمسح الكاهن بمسحة الروح من أجل تأمين الطقوس الخارجية فقط “فهذا يكون أمراً فظيعاً” بل نحن ككهنة مكرسون ومفروزون للمسيح، عبيده وأعضاؤه المختارون الذين من خلالهم يبذل نفسه للعالم.. ومن الطبيعي أن تواجه الكاهن في هذا المضمار صعوبات وعقبات وصدمات شتى لأن هذا العالم ما زال يتمخض متوقعاً الخلاص.
ثمّ لا ننسى أن الكاهن أيضاً نبيٌّ: ليس بمعنى من يتنبأ بالمستقبلات بل من ينبئ بالله ويعلنه و “بصرخة” في وجه الناس، من يكلم شعباً أصم لا إحساس له وقد تقسَّى قلبه. وفي هذا الإعلان والصراخ لا يلتمس صالحه ومجده الذاتي بل يخدم وحسب. إن النبيَّ الحقيقي الوحيد هو المسيح الذي أجْلَت فيه النبوءات عن سرها. فكان عند ظهوره نبيُّ محبة الآب للناس ونبيُّ الاتضاع يؤدي خدمة ابن الله الذي أتى لخاصته وخاصته لم تقبله، ولكنه أحبها إلى المنتهى. وهذا يعني أن الكاهن على مثال المسيح سوف يصطدم دائماً بعادات الناس المتحجرة وعماهم. ولكن الوسيط ضروري رغم كل شيء لكي يحول دون سقوط ديانة الروح في النمطيّة الماديّة والاجتماعية والخارجيّة، فعلى الكاهن أن “يصدم” شعبه دائماً إلى حدًّ ما ليوقظ ويجدّد فيهم همّ “بتشديد الميم” الكنيسة الحقيقيّة الحيّة، لكي لا ينطفئ الروح.