ولنأتِ الآن إلى التعمق في مفهوم معنى كلمة “خدمة”. إن فعل “خدم” ليس ذا مفهوم تافه عادي. نعم إنه يستعمل كثيراً في كل اللغات وفي كل الأوضاع والظروف الممكنة، ولكنه من أعمق كلمات تاريخ الخلاص. وذلك لأنه قد تقدّس بقصد الله من وراءه بل بخدمة الله المتجسد. ويمكن التعبير عن كل تاريخ الخلاص والإعلان الإلهي في إطار الخدمة وداخل مفهوم الخدمة. فيمكن القول مثلاً إن سر الخلاص إنما هو انتقال الإنسان من وضع العبودية إلى وضع الخدمة، من عبد إلى خادم طوعي، أي من العبودية إلى الحرية. فحتى على الصعيد النفساني الصليب هو أساس خلاص الإنسان. ذلك أن في الإنسان مهما جهل نفسه تناقضاً ومشادةً بين العبودية والحرية: إننا نشعر كلنا أننا مشدودون بين الاثنتين، بين قدرة غامضة تريد إخضاعنا لقوات وسلاطين هي غريبة عنا وفينا في آن واحد، وبين ميل يدفعنا إلى أن نصير نحن، أن نطابق أنفسنا، أن نتحرر. وهذه المشادة الكيانية في الإنسان لم تجد حلاً لها إلا على صليب الجلجلة، صليب الإله الإنسان، يسوع المسيح. من خلال صليبه فقط تسنى أن يتحرر الإنسان الخاضع للخطيئة والفاقد حريته وحقيقته وروحه والمائل إلى العبودية.