التقليد الحقيقي هو “تقليد الحق” (traditio veritatis) الذي يستند، عند القديس إيريناوس، إلى “موهبة الحق الأكيدة” (charisma veritatis certum) التي “أُودعت” في الكنيسة منذ البدء والتي حفظها تعاقب الأساقفة غير المنقطع. فما “التقليد” في الكنيسة استمراراً للذاكرة الإنسانية وللأعراف والطقوس لأنه تقليد حيّ و”وديعة حيّة” (depositum juvenescens)، كما قال القديس ايريناوس. ولذلك لا نقدر أن ندرجه “بين الشرائع المميتة” (inter mortuas regulas). فهو استمرار لحضور الروح القدس المقيم في الكنيسة واستمرار للتوجيه الإلهي والإنارة الإلهية. إن الكنيسة لا تُقيّد “بالحرف”، لأن الروح يحركها دائماً. فالروح نفسه، أي روح الحق، الذي “تكلم من خلال الأنبياء” وأرشد الرسل هو يستمر في قيادة الكنيسة إلى فهم أكمل للحق الإلهي، فيقودها من مجد إلى مجد.
ليست عبارة “إتِّباع الآباء القديسين” إشارة إلى تقليد مجرّد ذي صيغ وافتراضات، بل هي أولاً احتكام إلى شهود قديسين. فنحن نحتكم إلى الرسل لا إلى “رسولية” مجردة. ونرجع إلى الآباء على نحو مشابه، لأن شهادتهم تنتمي عضوياً إلى بنية الإيمان الأرثوذكسي. فالكنيسة ائتمنت على بشارة (Kerygma) الرسل وعقيدة (Dogma) الآباء في آن. إننا نقدر أن نقتبس هنا ترنيمة قديمة رائعة (لعلّها من قلم القديس رومانوس المرنم) تقول: “ولأن الكنيسة تحفظ بشارة الرسل وعقائد الآباء فهي تختم الإيمان الواحد، ولأنها ترتدي حلّة الحق والقماش المنسوج في اللاهوت السماوي فهي تمدح باستقامة سر التقوى العظيم”.