هكذا إذ يوجه السيد المسيح حديثه إلى غير المؤمنين يحسب حياتهم هنا نهارًا إن قورنت بحياتهم في العالم المقبل. الآن وقت يمكن لهم أن يتمتعوا بنور شمس البرٍّ في أعماقهم بالإيمان الحي والتوبة الصادقة؛ أما في العالم العتيد فتحيط بهم الظلمة، حيث لا مجال للرجوع إلى المخلص وتقديم توبة. أما الرسول بولس فيوجه حديثه إلى المؤمنين حاسبًا حياتهم الماضية ليلاً حيث كانوا يسلكون في أعمال الظلمة، وقد حان وقت الرحيل إلى العالم المقبل حيث يتمتعون بنور المسيح الأبدي، الذي أمامه تحسب الحياة هنا أشبه بليلٍ دامس.
+ يا اخوة، إن وضعنا في الاعتبار عقوبتنا الموروثة، فالعالم كله أعمى. وقد جاء المسيح واهب الاستنارة، لأن الشيطان هو الذي يسبب العمى. لقد جعل كل البشرية مولودين عميانًا، ذاك الذي خدع الإنسان الأول. ليجروا نحو واهب الاستنارة. ليجروا ويؤمنوا ويتقبلوا الطين الذي من البصاق... ليغسلوا وجوههم في بركة سلوام... هوذا سلوام، أغسل وجهك، اعتمد، حتى تستنير وترى يا من كنت قبلاً لا ترى.
+ أولا: افتح عينيك لمن قال: "جئت لكي أعمال الذي أرسلني" (راجع يو ם: ٤). الآن يقف الأريوسي في الحال ويقول: "هنا كما ترى لم يفعل المسيح أعماله هو بل أعمال الآب الذي أرسله"... هل هذه الأعمال ليست أعماله؟ ماذا يقول الذي هو نفسه سلوام، المُرسل نفسه، الابن نفسه، الابن الوحيد، الذي تشتكي له مقللاً من شأنه؟ ماذا يقول: "كل ما للآب هو لي" (يو ١٦: ١٥)... فإنه لم يقل: "كل ما للآب قد أعطاني". مع أنه حتى إن قال هذا يظهر أيضًا مساواته له... اسمع في موضع آخر: "وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي" (يو ١٧: ١٠). التساِؤل ينتهي، فإن ما للآب والابن هو كما باتفاقٍ واحدٍ، فلا تُدخل شقاقًا. ما يدعوه "أعمال الآب" هي أعماله هو، فإن ما هو لك فهو لي... "لأنه مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك (وبنفس الطريقة)" (يو ٥: ١ם).
القديس أغسطينوس