بيت ستي بآخر الضّيعة بكعب الوادي
من أكتر من ميّة سنة عايشه ستّي بأخر أخر بيت بالضيعة، بكعب الوادي... بيت حجر، ما عندو طريق زفت، بل طريق إجر مزيّن بزهور وحشيش ... بيتها مغمور بالشجر، بالكاد بتشوفو من بعيد، حد بيتا نهر ولا أحلى... بعد ميّة سنّة زرتها...أخدني الحنين ع بابها الخشب الازرق... حد الباب جرن كبّة، حبق بتنكة، مكنسة لاقية عالحيط، مرشّة ميّ مصدّايه، ع فتحة المرشّة غزّيل عنكبوت...
كانت ستّي ع شباك البيت عم تطلّع لبعيد، قرّبت عالهدا وقريت بتجاعيد وجها قصص ما فهمتا كلها...بإيديها شرايين نافره ، نَمَش عليهن، عيونها غرقانين وفيهن دمعة...شعرها مجدّل بأغاني حب..
غمرتها وشمّيت فيها ريحة ياسمين ومواسم خضرا... عزمتها تجي معي لفوق، لفوق عالضيعة.وما تبقى وحدها بهالبيت البعيد، العتيق، المهجور...
سألتني عن الضيعة وخبارها: سألتني عن سنديانة الكنيسة لي عمرها من عمر الضيعة يلّي قطعوها ليعملو موقف للسيارات... سألتني عن وردة الخياطة اذا بعدها عم تخيّط فولارات ليحطوهن الصبايا والنسوان ع راسن بالكنيسة... وردة الخياطة باعت المكنة ونزلت ع بيروت...
سألتني عن قهوة "الشيش ياك"، وسهريات لعب الورق، كباش زنود الفلاحين. واذا بعدو طانيوس صوتو حلو بالعتابا... القهوة انطفى قنديلها. والسهريّة وحيدة. طانيوس ع فرشتو بالمأوى عم بغني وحدو لولادو لي بعاد...سألتني اذا المختار بعدو لكل الضيعة... المختار تلوّن بالحزب لي خوّفنا من بعض والحزب سرق الوطن... سألتني عن سطيحات البيوت، عن العرايش،، عن قطف الزعتر لي مزجوه بخشب نشاره بالافران لَيوزعو مناقيش... عن فستان العروس لي كان يبرم من صبية لصبية بالضيعة... والفستان هلّق "باليُوك" مغبّر والصبيّه بالمال ملهيّة...
قالتلي ستّي: "خليني هون...ورح صلّي أنا لاهل الضيعة...رح صليلن من حضارة الباطون...رح صليلون من مرض الوحدة... رح صليلون من نفاق الزعما ع شعب مخدّر.. من الدين المسَمَم لي بيحبس الناس بقضبان الشريعة المجَنزَره... رح صليلن لترجع السنديانة ومكنة الخياطة والسهريّة، وفستان العرس لي بيبرم من حلوة لحلوة...وتركني بهالبيت البعيد، العتيق، المهجور بس الفرحان..."
من كتاب حبّة قمح. ابونا روحانا