![]() |
" يوحنا الذهبي الفم 3 "
" يوحنا الذهبي الفم 3 " كتب المتنيح الحبر الجليل الأنبا أغريغوريوس أسقف الدراسات العليا مقالة بعنوان " يوحنا الذهبي الفم 2 " فى جريدة وطنى بتاريخ الأحد 26/11/2006 م السنة 48 العدد 2344 : " لقد تقبل ذهبي الفم الأمر بالنفي صاغرا,وقال:إلي أين سيذهبون بي؟ هل إلي مكان ليس فيه سيدي؟ لكني أعلم أن الأرض كلها وما عليها هي لسيدي الرب (الخروج9:29),(مزمور23:1),(.1كورنثوس10:26) إذن لا يخيفني النفي,ولا الموت لأن لي الحياة هي المسيح,والموت ربح لي (فيلبي1:21). أما المجمع الذي أصدر الحكم عليه بالعزل,فقد أحزنه جدا,لكنه عاد وتعزي إذ تذكر أن سيده من قبله حكم عليه مجمع السنهدريم اليهودي بالموت,وقبل ذلك أصدروا قرارا آخر بأنه إن اعترف أحد به أنه هو المسيح يقطع من شركتهم ويطرد من مجمعهم (يوحنا9:35,34,21). فلما أشرق نور الصباح,وتبين الشعب أن رجل الله قد أقصي عنهم بعيدا,غضبوا وتجمهروا,وذهبوا إلي القصر الإمبراطوري,ونادوا بسقوط الملك والملكة,وأرادوا أن يفتكوا بهما. فارتعبت (أفدوكسيا) ارتعابا شديدا,وهرعت إلي زوجها تصيح قائله:لقد هلكنا...أرجع يوحنا وإلا أفلتت المملكة من أيدينا. وحدثت ظواهر طبيعية ساندت غضبة الشعب,إذ تلبدت السماء بالغيوم,وقصف الرعد قصفا شديدا,واهتزت الأرض بهزة عنيفة كادت أن تتقوض معها أركان المدينة...وفهم الناس جميعا بما فيهم الملك والملكة أن ما حدث كان علامة علي الغضب الإلهي علي سوء معاملة رجل الله القديس. استيقظ في (أفدوكسيا) ضميرها,ورأت في كل ما حدث دلائل غضب السماء علي ما صنعت,وعلي قول شكسبير الشاعر الإنجليزي:إن الخطيئة تجعل من يرتكبها جبانا,يزعجه حفيف أوراق الشجر...فنهضت لوقتها وكتبت بقلمها إلي قديس الله يوحنا تقول: أتضرع إلي قداستك أن تؤمن أنني بريئة من كل ما جري لك.نعم إني بريئة من الأثم الذي أقترف ضدك,أن الله شاهد علي الدموع التي أذرفها والتي أقدمها قربانا لعزته الإلهية,أرجع إلينا,أنت الذي عمدت أولادي,فعد إليهم لتحفظ لهم الحياة والمملكة. وعلم الشعب أن بطريركهم القديس سيعود إليهم,فذهبوا جماعات إلي شاطئ البحر ينتظرون عودته,فما أن أطلت عليهم هيبته حتي هللوا وصفقوا فرحا برجوعه إليهم. ونزل يوحنا ذهبي الفم من السفينة,فركعت الجماهير أمامه,فباركها برسم علامة الصليب,وأخذوا يقبلون يديه وأهداب ثيابه وقدميه,ونظموا صفوفهم في موكب روحي يرتلون الألحان الشجية والترانيم الفرحية وهم يحملون الشموع والمشاعل حتي وصلوا به إلي كنيسة الرسل الكبري بينما كانت الأجراس تدق دقات الفرح.فما أن دخل ذهبي الفم الكنيسة وسجد أمام العزة الإلهية في الهكيل,حتي صعد إلي المنبر وألقي من فوقه خطابا مؤثرا.ومن فرح الشعب بعودته أقبلوا إلي الكنيسة في اليوم التالي فخطب فيهم ثانية خطاب الراعي لرعيته.فالتهب الناس بمحبته وزاد تعلقهم به,وتوقيرهم لروحانيته وقداسة سيرته. والتأم مجمع آخر من ستين أسقفا رد لذهبي الفم اعتباره,وثبته علي كرسيه,وعاد السلام إلي الكنيسة في القسطنطينية. غير أنه لم تلبث المتاعب في طريق القديس ذهبي الفم أن تجددت.ويبدو أن الدموع التي ذرفتها الملكة (أفدوكسيا) لم تكن دموع التوبة والندم,ولكنها كانت نتيجة لهلعها علي حياتها وخوفها من أن يزول ملكها منها بسبب نفي البطريرك القديس. فقد أقاموا للملكة (أفدوكسيا) في بعض ساحات القسطنطينية وميادينها,تماثيل لها,وأخذ عامة الشعب والسوقة يهللون لها ويرقصون أمام تلك التماثيل بصورة مخلة بالأدب والدين,رقصات وحركات فيها مجون وخلاعة,فانزعج لذلك البطريرك يوحنا,وأخذ يندد بتلك التصرفات الخليعة في مواعظه.ونقل المتحلقون والمداهنون إلي الملكة ما كان يقوله ذهبي الفم بما فهمت منه أن البطريرك يوحنا يحقرها ويشتمها ويحط من قدرها وهي ملكة البلاد,فاستشاطت غضبا لكرامتها,وسعت إلي الملك بحرارة ومرارة تطالب مرة أخري بنفي يوحنا وإبعاده.فاستجاب الملك لرغبتها وأصدر القرار وكان ذلك في الصوم الكبير لسنة 404م.وعلي الرغم من أن الحبر الروماني البابا أبنوشنسيوس (أينوسنت) innocent الأول (402-417) تدخل في الأمر ورجا الملك أن يعيد ذهبي الفم,فلم يقبل (أركاديوس) رجاءه,وكذلك رفض رجاء شقيقه الملك هونوريوس إمبراطور الدولة الرومانية الغربية,وأصر علي تنفيذ القرار. علي أن الطبيعة لم تبد في هذه المرة غضبا...فلا الأمطار هطلت,ولا الرعد زمجر أو قصف,ولا زلزلة حدثت...فلماذا؟...هل كانت السماء راضية هذه المرة عن نفي تقي الله ذهبي الفم؟ أو لعل العناية الإلهية تخلت عنه؟ أم أن الطبيعة غضبت في المرة الأولي بعلامات ظاهرة إيقاظا لضمير الملكة وتذكيرا لها بمكانة الرجل عند الله...فلما تقسي قلب الملكة (الخروج13:15) تخلت العناية الإلهية عنها,فلم يعد هناك داع لعلامات ظاهرة.هذه هي سياسة الله وتدبيره بالنسبة للخطاة.يرسل لهم في مبدأ الأمر بعض علامات ظاهرة بمثابة منخاس (أعمال2:37) لعلهم يستيقظون ويتنبهون,فإذا ساروا في غيهم,أسلمهم الله إلي ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق (رومية1:28).أما الظلم الذي يقع علي قديسيه فيحوله لهم إلي منفعة وخير وبركة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرا.وأما الصبر فليكن له عمل تام,لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شئ...طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة,لأنه إذا تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه (يعقوب1:12,4,3). أما يوحنا ذهي الفم,فعلي الرغم من أنه لم يكن سهلا عليه أن يترك الخدمة المقدسة,وشعبه,في أيام الصوم الكبير,إلا أنه احتمل الموقف بشجاعة تليق بالسائرين في طريق السماء...وقيل إنه صعد مرة علي المنبر ليعظ,فورد في خطبته قوله:إن هيروديا لاتزال ساخطة,وقد عادت ترقص,وهي تطلب رأس يوحنا... فلما بلغت هذه العبارة مسامع الملكة (أفدوكسيا) أيقنت أنه يشير بها إليها ويندد بها,فتميزت غيظا وحقدا.ولذلك أمرت الجند عندما أخذوه أن يشددوا عليه ويرهقوه في طريقه إلي المنفي,ويسيئوا معاملته,لعله يموت... أما يوحنا هبي الفم,فأراد أن ينقذ شعبه من إراقة الدماء بسببه,فأسلم نفسه إلي الجند في هدوء وفي الخفاء وبعد أن ودع بعض الأخصاء من شعبه.وقبيل ذلك قال للجند:لنودع ملاك الكنيسة قبل أن نخرج,فدخل الكنيسة وسجد أمام الرب وصلي,واستودع حياته بين يدي الرب,وخرج مع الجند من باب سري.وكان ذلك في يونية لسنة .404 ولقد أذاقه الجند ألوانا من العذاب تنفيذا لتعليمات الملكة (أفدوكسيا),فكانوا يضطرونه إلي السير علي الأقدام مسافات طويلة في مسالك جبال وعرة تحت أشعة الشمس المحرقة,وهو عاري الرأس حافي القدمين...فكانت الشمس تلهب صلعته,والأمطار تبلل ثيابه,والحر نهارا والبرد ليلا ينخران عظامه,وهو في السابعة أو الثامنة والخمسين من عمره...ومما يثير الإعجاب بقداسة الرجل أنه مع أتعابه وآلامه تلك,كتب مرة في رسالة بعث بها إلي العفيفة (أوليمبياذا) يعزيها عن نفسه وهو في المنفي,يقول:إن قلبي يذوق فرحا لا يوصف في الشدائد,لأنه يجد فيها كنزا خفيا.فيجدر بك أن تفرحي معي,وتباركي الرب,لأنه منحني نعمة التألم من أجله. ولما بلغوا به بلدة (كومان) في إقليم البنطس,خارت قواه,فلم يعد قادرا حتي علي الوقوف.ومع ذلك أجبره الجنود علي متابعة السير,فسار كما أرادوا,لكنه كان قد تهالك,فسقط علي الأرض,فلم يشفقوا عليه,وأعادوه إلي (كومان),وهناك شعر أن ساعته قد حانت ليغادر العالم نهائيا.فارتدي ثوبا أبيض,وتناول من القربان المقدس,ثم صلي وختم قائلا:ليكن اسم الله ممجدا في كل شئ.ثم أمال رأسه,وأسلم الروح.وكان ذلك في عيد (رفع الصليب) في 14 من سبتمبر لسنة 407,وكان قد بلغ الستين من عمره,فدفنوه بالقرب من أحد الشهداء (فاسلسكس). أما الملكة (أفدوكسيا) التي انتقمت منه فكانت قد ماتت من قبله بنحو ثلاث سنوات...ماتت في سنة 404,وهي السنة التي أصدرت فيها القرار بنفي القديس يوحنا ذهبي الفم. يا لغباوة الإنسان المغرور بسلطانه! هل كانت تعلم (أفدوكسيا) يوم أن أصدرت قرارها علي يوحنا بأن يموت,أنها هي بعينها ستموت قبله,وأن وفاتها كانت ستتم بعد شهور أو ربما أيام من قرارها؟ أما كان حريا بها أن تجعل للغضب مكانا,وتدع لله الانتقام,وأن لا تنتقم هي لنفسها؟ هل ذكرت (أفدوكسيا) قول الله تعالي:لي النقمة والجزاء (التثنية32:35),(يهوديت8:20),ويقول القديس بولس الرسول:لا تنتقموا لأنفسكم,أيها الأحباء,بل أعطوا مكانا للغضب.لأنه مكتوب لي النقمة,أنا أجازي يقول الرب...لا يغلبنك الشر,بل أغلب الشر بالخير (رومية12:9-21). كل ما أدركته (أفدوكسيا) أنها ملكة,وكأنها ذاك الذي لا يوجد من يمنع يده أو يقول له:ماذا تفعل؟ (دانيال4:35) أما الآن فلابد أنها أدركت وتعلمت أن فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلي فوقهما (الجامعة5:8). وأخيرا,وبعد ثلاثين سنة من وفاة ذهبي الفم,شهيدا دون سفك دم,وعلي الدقة في سنة 438 قام البطريرك بروكلوس proclus بطريرك القسطنطينية بنقل عظام القديس يوحنا الذهبي فمه من المكان الذي دفن فيه,إلي القسطنطينية في احتفال عظيم جدا يضم عشرات الألوف من جماهير الشعب التي خرجت تستقبل رفات البطريرك القديس,لنيل بركته,يتقدمهم الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني (408-450) وأخته بلخاريا,وكان الحزن والخجل والخزي تخيم علي محياهما,ويسألان القديس يوحنا أن يشفع إلي الله في أبويهما أركاديوس وأفدوكسيا,حتي يغفر لهما خطيئتهما. وظلت عظام القديس ذهبي الفم في كنيسة القسطنطينية,إلي أن حملوها إلي روما حيث دفنت في الفاتيكان تحت المذبح المخصص لها. أما روحه,ففي فردوس النعيم تنتظر يوم الجزاء العظيم,لتحظي مع جسده في ملكوت السماوات ومتي ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلي (.1بطرس5:4). |
رد: " يوحنا الذهبي الفم 3 "
شكرا على المشاركة
ربنا يفرح قلبك |
رد: " يوحنا الذهبي الفم 3 "
ميرسى مارى للمرور الرائع |
الساعة الآن 08:17 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025