![]() |
لا تعتزل يد الرب وهي تشكلك
لا تعتزل ما يؤذيك.. فربما ما يؤذيك هو في داخله خير ليك" كثيراً ما نردد: "اعتزل ما يؤذيك" كقاعدة ذهبية لراحة البال، ولكن هل كل ما يؤلمنا هو بالضرورة "شر" يجب الفرار منه؟ الحقيقة الروحية الأعمق تخبرنا بأن الألم ليس دائماً إشارة للتوقف ، بل قد يكون إزميلاً في يد "الخزّاف الأعظم"، ينحت فينا ليرفعنا من مجرد "طين" إلى "تحفة فنية" تليق بمجده. إن الله، كأب محب، لا يستعذب ألمنا، ولا يُسرّ بوجعنا في حد ذاته. حاشا له. لكنه، في حكمته اللامتناهية، يعلم أن "المتانة" الروحية والصلابة و المرونة النفسية لا تُبنى في أوقات الرخاء، بل تُصهر في أتون التجارب. غايته العظمى ليست مجرد راحتنا الآنية ، بل أن "نكون مشابهين صورة ابنه" (رومية 8: 29) ؛ تلك الصورة التي لا تكتمل إلا بملامح النضج والثبات. تأمل في قصة هاجر (تكوين 16)، حينما قست عليها سارة، كان رد فعلها البشري هو الهروب إلى البرية . لكن السماء تدخلت برسالة تبدو في ظاهرها قاسية ولكن في باطنها الرحمة كلها: "ارجعي واخضعي" . لم يكن الأمر إذلالاً، بل كان إعداداً. فالرب كان يعلم أن البركة العظمى والوعد بالميراث ينتظرانها هناك، في قلب المعركة، وليس في الهروب منها. وانظر إلى بولس الرسول، عملاق الإيمان، الذي تضرع ثلاث مرات ليرفع عنه الرب "شوكة الجسد" . لم يرفعها الرب، ليس بخلاً بالشفاء، بل كرماً في القوة، ليعلمه درساً أخلد: "تكفيك نعمتي ، لأن قوتي في الضعف تكمل". الألم هنا لم يكن "أذى" يوجب الاعتزال ، بل كان وسيلة اتصال دائمة بمصدر القوة. هذا ما لخصه مزمور 66 ببراعة تصويرية مذهلة ، كاشفاً عن منهجية التعويض الإلهي: "لأنك جربتنا يا الله، محصتنا كمحص الفضة... جعلت ضاغطاً على ظهورنا... جزنا في النار والماء". ولكن، ما هي النهاية؟ "ثم أخرجتنا إلى الخصب". المرور في النار والماء ليس عبثاً ، إنه الطريق الوحيد للوصول إلى "الخصب" والرحابة. الله يرى تعبك، ويحصي تنهدات صبرك، ويعدك بتعويض لا يُقاس، تعويض يُرمم النفس ويبني الروح، ويمنحك خيرات زمنية وأبدية. فلا تعتزل يد الرب وهي تشكلك، ولا تظن في الألم شراً محضاً . اصمد، لأن ما تراه اليوم "أذى"، ستراه غداً مجداً، وقوة، وخيراً لا ينتهي. |
| الساعة الآن 02:21 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025