![]() |
اختراع الرحمة والانسانية
اختراع الرحمة والانسانية في عام 2014، ظهرت على الأرصفة التركية ماكينة مختلفة، تقف بهدوء بين ضجيج البشر. ليست ماكينة قهوة، ولا تذاكر، ولا حتى جهازًا إعلانيًا. كانت صندوقًا معدنيًا يحمل رسالة مكتوبة ببساطة… ولكن بعمقٍ يمس القلب: "أعد تدوير زجاجة… وأطعم روحًا جائعة." هذه الماكينة، التي طوّرتها شركة تركية تُدعى باجيدون Pugedon، أصبحت تُعرف بين الناس باسم "ماماماتيك" – أي ماكينة الأمومة والرحمة. فهي آلة تجمع بين شيئين نادرًا ما يجتمعان: حماية البيئة… وحماية الكائنات التي لا يملك أحدٌ صوتها. كيف تعمل هذه الآلة العجيبة؟ آلية بسيطة، لكنها تنطوي على عبقرية مدهشة: يضع المارّة زجاجة بلاستيكية فارغة أو علبة صفيح في أعلى الجهاز. في اللحظة نفسها، يسقط في الأسفل جزء صغير من طعام الكلاب في وعاء مخصص على الأرض. وعلى الجانب، وُضع وعاء ماء يمكن لأي شخص أن يفرغ فيه ما تبقّى من زجاجته ليمنح كائنًا عطشانًا جرعة حياة. كل هذا يعمل عبر منظومة ممولة بالكامل من قيمة المواد المُعاد تدويرها، دون أن تدفع المدن فلسًا واحدًا. أما الطاقة؟ فمعظم هذه الأجهزة تعمل بـ الطاقة الشمسية، لتظل واقفة تخدم ليلًا ونهارًا. بهذا التصميم، تجمع الماكينة بين رسالتين عظيمتين: أن تُطعِم جائعًا… وأن تُنقذ كوكبًا. تركيا – وخصوصًا إسطنبول – تضم عددًا هائلًا من الحيوانات الضالة؛ يقدّر البعض وجود أكثر من 150,000 كلب وقط بلا مأوى في المدينة وحدها. حيوانات تبحث عن لقمة، عن قطرة ماء، عن يدٍ تمتدّ لها بشيء من الرحمة. وقد جاءت "باجيدون" لتكون تلك اليد… ولكن على هيئة آلة. يحكي الناس هناك عن لحظات صغيرة، لكنها تصنع أثرًا كبيرًا: سيدة مسنّة تضع زجاجتها الفارغة في الآلة، ثم تجلس على الرصيف تراقب كلبًا نحيلاً يقترب بخجل، قبل أن يتردد لحظة… ثم يبدأ يأكل بشهية وكأنه يحصل على وجبة عيد. طفل صغير يركض نحو الماكينة وعيناه تلمعان، فيسحب من حقيبته علبة معدنية كان يحتفظ بها كي يعيش اللحظة التي يرى فيها الطعام ينساب إلى الوعاء. سياح يقفون مذهولين من بساطة الفكرة وعمق أثرها. هذه ليست مجرد آلة. إنها درس في الرحمة، تذكير بأن العالم أرحب عندما نتوقف لحظة لنفكر في أضعف مخلوقاته. ما بدأ كفكرة صغيرة تحوّل إلى مبادرة واسعة الانتشار: انتشرت الماكينات في إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وبودروم وغيرها. لاقت الفكرة ترحيبًا عالميًا، وتم تبنّيها أو تقليدها في دول أخرى. توسّعت شركة باجيدون لتقديم خدمات أخرى: توفير الطعام والدواء للمتطوعين دعم نقل الحيوانات مجانًا تقديم ندوات تعليمية للأطفال في المدارس عن الرحمة والاعتناء بالكائنات هذه ليست قصة ماكينة، هذه قصة إنسانية، ورحمة، وفكرة بسيطة استطاعت أن تمسّ قلب مدينة كاملة. إنها تذكّرنا بأن الرحمة ليست مشروعًا ضخمًا… بل قد تبدأ بزجاجة فارغة، أو بقلبٍ امتلأ بالرغبة في أن يصنع فرقًا، ولو كان الفرق في حياة كلب ضال لا يعرف أين يجد وجبته القادمة. ولعل أجمل ما تُخبرنا به هذه الماكينة هو: "ليس عليك أن تكون غنيًا لتساعد… فقط كن إنسانًا." |
| الساعة الآن 05:44 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025