![]() |
جدعون وجزّة الصوف
https://upload.chjoy.com/uploads/175042667778271.jpg جدعون وجزّة الصوف: 33 وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ. 34 وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ، فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. 35 وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ. 36 وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، 37 فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَزَّةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَزَّةِ وَحْدَهَا، وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 38 وَكَانَ كَذلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَزَّةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ الْجَزَّةِ، مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. 39 فَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَزَّةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ». 40 فَفَعَلَ اللهُ كَذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ. اجتمع المديانيون والعمالقة وبنو المشرق لمحاربة إسرائيل في وادي يزرعيل [33]، ويعتبر هذا الوادي في قلب فلسطين لهذا كثيرًا ما كان موقعًا للمعارك. يمتد هذا الوادي من جبل الكرمل إلى وادي الأردن، يعبر أحد فروعه بين جبل تابور وتل موره وآخر بين تل موره وجبل جلبوع. وقد حمل الوادي هذا الاسم عن مدينة كانت ذات شأن، حاليًا هي قرية زرعين، ويسمى الوادي حاليًا مرج ابن عامر. إذ رأى جدعون اجتماع الأمم ونزولهم للحرب ضرب بالبوق بعد أن لبسه روح الرب، فاختفى جدعون في الرب كما يختفي الجسد في الثوب، وصار أداة لتحقيق غاية إلهية. والعجيب أن قومه الذين كان يخشاهم (أبيعزر) اجتمعوا وراءه للحرب، الأمر الذي حدث فجأة بقوة لا عن تأثير جدعون عليهم وإنما بلا شك هو عمل روح الرب الذي لبس جدعون، محولًا المقاومين إلى مجاهدين معه. هذه صورة حيَّة تقوية يختبرها المؤمن حين يسلك بروح الرب الذي تمتع به خلال سري المعمودية والميرون، فبقدر ما يتجاوب معه يحول الله الجسد الذي كان مقاومًا بشهواته إلى أداة مقدسة تعمل بكل طاقاتها وأحاسيسها لحساب مجد الله، متناغمة مع النفوس المقدسة ومتجاوبة مع عمل روح الله. تَشَجَّع جدعون إذ رأى عشيرته تتحول هكذا سريعًا، فدعا بقية السبط كله "جميع منسى" [35]، كما أرسل رسلًا لأسباط أخرى كأشير وزبولون ونفتالي... والعجيب أن أشير الذي خذل دبورة ولم يشترك معها في مقاومة سيسرا (قض 5: 17) جاء مع جدعون يشترك مع جبابرة زبولون ونفتالي. وكأن ضعف الإنسان في المعركة الروحية لا يعني الاستمرار في الاستسلام، فمن كان خائرًا من قبل وغير نافع للخدمة قد يصير جبار بأس في الروح. لذا فالقائد الروحي الحق لا يعتمد على الناجحين في جهادهم الروحي وحدهم وإنما يسند حتى الذين سبقوا ففشلوا لعله بروح الرب يقيمهم ويكونون قادة روحيين لهم عملهم وفاعليتهم في ملكوت الله. الآن يطلب جدعون من الرب علامة ليخرج للحرب؛ في اتضاع سأله أن يكون طلّ على جزة صوف يضعها في البيدر بينما تكون الأرض كلها جافة، فتحقق له ذلك حتى عصر الجزة فملأت قصعة ماء. وبتذلل سأله علامة أخرى أن تكون الجزة جافة تمامًا والأرض بها طلّ... وكان لهاتين العلامتين مفهومًا روحيًا عبّر عنه كثير من الآباء: يقول القديس أمبروسيوس: [الندى الذي على الجزة هو الإيمان الذي كان في اليهودية، لأن كلمة الله تنزل كندى. يقول موسى: [ليهطل كمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي] (تث 32: 2). هكذا عندما كان العالم كله جافًا بسبب حرارة الخزعبلات التي للأمم غير المثمرة، كان ندى الافتقاد السماوي ينزل على الجزة، أي في اليهودية. ولكن بعد أن رفضت "خراف... إسرائيل الضالة" (مت 15: 24) -حتى كما أظن قد رُمز إليها بجزة الصوف- ينبوع المياه الحية جف ندى الإيمان في قلوب اليهود وتحول المجرى الإلهي إلى قلوب الأمم. لهذا السبب فإن العالم كله الآن مرطب بندى الإيمان أما اليهود فحطموا أنبيائهم ومرشديهم. لا عجب إن كانوا الآن يخضعون لجفاف عدم الإيمان، فقد حرمهم الرب الإله من مطر الأنبياء المستمر، قائلًا: "أوصي الغيم إن لا يمطر عليه (على ذلك الكرم) مطرًا" (إش 5: 6). مكرّم هو مطر السحابة النبوية، وكما قال داود: "ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6). لقد وعدتنا الكتب المقدسة بهذا المطر أن ينزل على العالم كله ويرويه عند مجيء ربنا ومخلصنا بندى الروح الإلهي. وقد جاء الندى بالفعل، وأيضًا المطر. جاء الرب ومعه الأمطار السماوية. لهذا من كان عطشانًا من قبل فليأتِ الآن ليشرب من الروح الإلهي الداخلي. هذا هو ما سبق فرآه جدعون، أن قبائل الأمم تشرب بالإيمان الثمين من الندى السماوي الحقيقي]. مرة أخرى يقول: [أخيرًا على كل الأرض كما في البيدر ارتوت الكنيسة بندى النعمة الروحية بينما بقى المجمع يابسًا وجافًا من كل رطوبة كلمة الله ومطرها]. يقول القديس أغسطينوس: [نزل المسيح نفسه كمطر على الجزة بينما كانت الأرض جافة، وذلك عندما قال: "لم أُرسل إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 15: 24)]. يقول القديس چيروم: [عندما كانت جزة اليهودية جافة بالرغم من أن كل العالم كان رطبًا بندى السماء، وعندما جاء كثيرون من المشارق والمغارب (لو 13: 29) وجلسوا في حضن إبراهيم (لو 16: 22)، عندئذ توقفت معرفة الله عن يهوذا وعن أن يكون اسمه عظيمًا في إسرائيل وحدها (مز 76: 1) فقد بلغ صوت الرسل إلى كل الأمم وأقوالهم إلى أقاصي المسكونة (مز 19: 4)]. يقول القديس إيريناؤس: [هكذا أشار (جدعون) أنه لا يعود يكون لليهود الروح القدس من الله، كقول إشعياء: أوصي الغيم أن لا يمطر مطرًا" (إش 5: 6)، فالندى إنما هو روح الله... منتشرًا في كل الأرض]. يعلق القديس أمبروسيوس على تحقيق هذه العلامة في البيدر (مكان جمع الحنطة) قائلًا: [لم يضع جدعون الجزة بغير مبالاة في حقل أو حديقة إنما وضعها في البيدر حيث يوجد محصول الحنطة، "فالحصاد كثير والفعلة قليلون" (لو 10: 2)، لأنه خلال الإيمان بالرب يوجد حصاد مثمر للفضائل في الكنيسة العتيدة]. وكما يعلق أيضًا على الماء الذي بالجزة، إذ ملأ قصعة لم يستخدمه جدعون في غسل الأرجل إنما تركه للسيد المسيح الذي وحده جاء لا لكي يُخدم بل لكي يخدم (مت 20: 28). |
الساعة الآن 07:02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025