منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=289097)

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:47 PM

كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
القمص أثناسيوس فهمي جورج
مقدمة

تنوعت الثمار في كنيستنا القبطية، ففي فترة الاضطهاد نالت أكاليل الشهادة في ساحة الاستشهاد، وفي فترة السلام نالت أكاليل الجهاد والنسك في ساحة البرية.
وهكذا عوض الاستشهاد بالدم قدمت الاستشهاد بالنية كاختيار يومي للحياة الأمينة والشهادة الحقيقية بدون سفك دم!!
وقدم علم الباترولوچى هذا التعليم على لسان الآباء الأولين الذين اعتبروا شهادة الكنيسة حمراء في فترات الاضطهاد وبيضاء في أزمنة السلام خلال المعرفة النقية وطاعة الوصية وممارسة الأعمال النسكية.
قد ازدانت الكنيسة المقدسة بالآباء النساك الذين أغنوا الحياة الكنسية بخيرة الإنجيل المُعاش، وصارت أقوال وأعمال آباء البرية الأوائل ومشاهير المعلمين والمرشدين الروحيين تُسجل من اجل تهذيب وتلمذة الأجيال التالية من الرهبان، ولم تكن هذه الأقوال مجرد كلمات نصح أو تعليم بل هي كلمات يسلمها الأب الروحي لأبنائه ككلمات واهبة للحياة تأتى بهم إلى ميناء الخلاص، لذلك حُفظت هذه الأقوال وسُلمت ولا تزال تُسلم إلى الآن...
إن أقوال الآباء النساك هي أدب نسكي نما في مصر في القرن الرابع وسط آباء ورهبان براري مصر وسوريا وفلسطين، في البداية شفاهة ثم بعد ذلك كتابة بالقبطية والسريانية واليونانية وأخيرًا اللاتينية.

إن هؤلاء الآباء النساك الذين نطقوا بهذه الأقوال وعاشوا، كانوا مسيحيين حقيقيين قبلوا وصية الإنجيل بكل اشتياق واستجابوا له بتصميم أكيد وعميق، حتى كملوا بأفعالهم وتأسسوا في الفضيلة.
فهناك الكثير لنتعلمه من رؤيتهم لله، ومن اقتنائهم لهذا الحب العظيم، ومن قبوله لعمل النعمة واستجابتهم لروح الله، ومن تحررهم من العالم، ومن غناهم في التقوى والصلاح والمسكنة الحقيقية.
لقد أكد اللاهوت النسكي الآبائي على أن المعرفة الاختيارية لله في محبته اللانهائية وتنازله هي دوماً عطية وهبة، ولا يوجد من يستحقها، فأول التطويبات هو المدخل إلى ملكوت السموات: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ"
فطوبى لهؤلاء الذين يفهمون ويدركون أنهم لا شيء، وإذا كانوا شيئاً ما فإنما هذا لأنهم محبوبون من الله ومقبولون عنده، ولأنهم يعرفون بالتأكيد أن قيمتهم في عيني الله تًقاس باتضاع ابن الله، بحياته وآلامه وذبيحة صليبه.
عاشوا بسر حبه هذا وتمتعوا بعطية حياته، فدخلوا به ومعه وفيه إلى ملكوت المحبة، عندما استجابوا لهذا الحب الذبيحي العجيب بالجهاد والنسك... الذي تمثل في نذور الفقر والطاعة والبتولية، ليرتع ملك المحبة في قلوبهم وعقولهم وحواسهم ويملك على إرادتهم بالتمام.
صنعوا أثماراً جيدة، وتكمّلوا بالنشاط والفضيلة، بالعمل والرؤية والنمو في معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي يجمع في شخصه جميع الفضائل والذي هو في نفس الوقت بدء ونهاية كل قداسة، فكما أنه أتى إلى العالم لا لعمل مشيئته، هكذا كل من يريد أن يكون راهباً لا ينبغي على الإطلاق أن تكون له إرادة خاصة في أي شيء.
ومن بين الكتابات الآبائية المميزة، كانت الكتابات النسكية المؤسسة على الرجوع الدؤوب إلى نصوص الكتاب المقدس والخبرات المُعاشة التي تشبع الوعي الروحي بالأفكار والمثالات والعبارات الاصطلاحية والسمة العملية الظاهرة.
وفى مناسبة اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية، أقدم ضمن سلسلة آباء الكنيسة "اخثوس ΙΧΘΥΣ" صفحة من صفحات العطاء الحضاري القبطي، راجياً للكلية الإكليريكية كل نمو وازدهار.
أقدم سيرة القديس أموناس تلميذ الأنبا انطونيوس الكبير عمود النور المضيء للعالم، الذي نال نعمة من الله لنفع كل الفاهمين، والذي نشر فكر الرهبنة في العالم المسيحي كله.
تتلمذ القديس أموناس على رجل الحكمة الإلهية المملوء نعمة ولطفاً، فجاءت سيرته ورسائله مبهجة للنفس مفعمة بالسلوك الرهباني النسكي.
وبلسان الشكر أتقدم لأبي ومعلمي نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين النائب البابوي الذي علمنا الكثير وساندنا بوداعة المسيح ونفعنا بإرشاداته وتوجيهاته، ليديمه الله للكنيسة بركة وذخراً.
وشكراً خالصاً لنيافة الأنبا ديسقوروس الأسقف العام من اجل تعبه وعطائه ورسالته في نشر المعرفة الإلهية.
وشكرنا وبنوتنا بارة للأب الموقر القمص تادرس يعقوب الذي غرس فينا محبة الآباء، وللأب الموقر القمص أثناسيوس ميخائيل الذي يشجعنا لاستمرار هذا العمل، وشكراً خالصاً للأحباء الذين يتعبون في صدور هذه السلسلة الآبائية، طالبين الحل والبركة من غبطة البابا الطوباوي الأنبا شنودة الثالث فخر كنيستنا الإسكندرية، ولينفعنا الرب ببركة صلواته عنا نحن أولاده وغنم رعيته... ولربنا كل مجد والكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.
عيد النيروز
1710 ش. - 1993 م.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:48 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
مدخل عن رسائل القديس أموناس

بعد نياحة الأنبا أنطونيوس كوكب البرية، تولى القديس أموناس رئاسة الجماعة الرهبانية في بسبير Pispir، ويُعتقد أنه هو عينه أموناس الذي ذكره روفينوس المؤرخ كأحد تلاميذ الأنبا أنطونيوس، ويمكننا أن نستشف القليل من المعلومات عنه من الأقوال المنسوبة إليه في كتاب "أقوال الآباء Apphthegmata Patrum"، فمنه نعرف أنه قضى أربعة عشر عاماً في الإسقيط، إذ يقول:
"لقد قضيت 14 عاماً في الإسقيط متضرعاً إلى الله ليلاً ونهاراً كي يعطيني نصرة على الغضب".
ومن هذا الكتاب عينه نعرف إنه زار الأنبا أنطونيوس في مغارته بعد أن اقتيد إليها بطريقة معجزية، فنقرأ فيه:
"كان الأنبا أموناس ذاهباً في أحد الأيام لزيارة الأنبا أنطونيوس، وضل طريقه، فجلس وغفا لوقت ضئيل، وعندما استيقظ، صلى إلى الله قائلاً: "أتضرع إليك أيها الرب إلهي، لا تدع خليقتك تهلك" وفي الحال ظهرت يد من السماء وبينت له الطريق حتى وصل إلى مغراة الأنبا أنطونيوس الذي تنبأ له بنمو روحي عال، فقد ورد في "أقوال الآباء":
"تنبأ الأنبا أنطونيوس بأن الأنبا أموناس سوف يتقدم في مخافة الله، فقد قاده خارج قلايته وأراه حجراً وقال له: "اضرب هذا الحجر" ففعل هكذا، ثم سأله أنطونيوس: "هل قال الحجر أي شيء؟" فأجاب: "لا" عندئذ قال أنطونيوس: "أنت أيضاً ستستطيع أن تفعل هذا" وهذا ما حدث فعلاً، إذ تقدم أموناس حتى صار صلاحه عظيماً جداً، ولم يكن يعرف الشر".

وتمثل رسائل القديس أموناس المترجمة هنا، مصدراً ثميناً لمعرفة تاريخ الرهبانية الأولى في برية الإسقيط، كما ذكرنا أيضاً هنا إذ تكشف عن نسك أصيل وعميق خال من كل فلسفة أو نظرية.
وفى هذه الرسائل، يتحدث أموناس عن العديد من الموضوعات الهامة، وأفكاره فيها نافعة لنا في زماننا الحاضر تماماً كما كانت نافعة لأولاده منذ ستة عشر قرناً، وفي العديد من رسائله (2 ,3 ,7 , 8) يؤكد على ضرورة طلب العطايا الروحية ويردد "اطلبوا دوماً النهار والليل"، "اطلبوا الروح القدس بكل قدرتكم" لكن يجب أن نطلب بدون شك أو تردد بل بملء الإيمان لكى يهب الله قوة إلهية δυναμισΘεικη وتعزية وحلاوة تتمثل في فرح وحرارة روحية، ويجب أن يهتم الإنسان بهذه العطايا الروحية على الدوام ويحرسها، وإذا ذهبت عن الإنسان حرارته الأولى علية أن يجد في طلبها وسوف تعود.
وشرط نوال هذه العطايا الروحية هو أن يكون الطلب والسؤال من كل القلب، فيكون القلب منشغلاً تماماً بالله نفسه، من أجل الله نفسه، وليس لأجل أي هدف أو شيء آخر، ويجب أن يكون جسد الإنسان حياً وليس ميتاً، كما يشرح أموناس (رسالة رقم 1)، مستخدماً كلمة "الجسد" بمفهوم إيجابي جداً، إذ يشير إلى الإنسان ككل.
وفى رسائله أرقام 9، 10، 13، يحذر أموناس هؤلاء الذين ينالون العطايا الروحية من أنهم سيواجهون حروباً لا محالة، يشنها الشيطان عليهم لأنه يريد أن يحرمهم من البركات الجديدة التي نالوها، وعلاج هذه الحروب هو الشكر لله والصبر في كل الأمور، لكن يجب أن نعرف أن التقدم في الحياة الروحية مستحيل بدون هذه التجارب، وبعد اجتياز هذه التجارب، يتمتع الإنسان بموهبة التمييز، ويجب أن يتضرع الإنسان ويصلى لأجل نوال هذه الموهبة (رسالة رقم 4).
والتمييز بين إرادة الله وبين خداع الشياطين هو موضوع الرسالة الحادية عشر، وهي تتحدث أساساً عن ضرورة طاعة المرشد الروحي، لأنه قادر على تمييز ومعرفة المصدر الحقيقي للدافع وراء أي عمل، أفضل مما يستطيع الإنسان نفسه أن يعرف.
ومن الرسائل أرقام 6، 8، 12، يتضح لنا أن هؤلاء الذين أعطوا مواهب روحية يخرجون في زمن مناسب للخدمة بطريقة أو بأخرى، لأن العالم في احتياج شديد لمن لهم المواهب الروحية من هذا النوع، وأهم أعمالهم هي الصلاة لأجل الآخرين (رسالة رقم 8)، وفي الرسالة رقم 12 يشرح أموناس أن فاعلية صلواتهم والإنسان المُثلى متى خرج من العالم، ازداد نمواً في الصلاة، ويصير له دور هام في المجتمع حتى وإن كان هذا الدور خفياً.
تاريخ النص

وصلتنا هذه الرسائل باللغات اليونانية والسريانية والغريغورية والعربية والأرمنية والأثيوبية، ورغم أن هذه الرسائل كُتبت في الغالب بالغة اليونانية، إلا أن النسخة السريانية (أقدم مخطوطة لها ترقى إلى عام 534 م) تقدم بوضوح تاريخاً أقدم للنص من ذلك الذي يقدمه النص اليوناني، ولذلك كانت النسخة السريانية هي المصدر الذي نُقلت عنه الرسائل إلى اللغة الإنجليزية.
وقد ترجمنا هذه الرسائل إلى العربية من الترجمة الإنجليزية التي قام بها ديرواس تشيتى Derwas J. Chitty وراجعها وقدم لها العالم سباستيان بروك Sebastian Brock أستاذ اللغة السريانية بجامعة اوكسفورد.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:50 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الاولى


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-Coptic-52.jpg
St-Takla.org Image: Angels, Coptic art
صورة في موقع الأنبا تكلا: ملائكة، فن قبطي
قبل كل شيء يا إخوتي الأعزاء، أصلي من اجل صحتكم في الأمور التي لا تُرى، لان "الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ" (2كو4: 8) وها أنا أرى أن جسدكم هو من فوق وهو حي تماماً، لأنه إن كان جسد الإنسان حياً، يعطيه الله ميراثاً ويُحصى في ميراث الله، لذلك افرح بكم وبجسدكم الحي، لان ذاك الذي له جسد ميت، لا يُعد مع الله (أي يُعد من شعب الله)، بل يعتبره الله مجرماً، فهو الذي يقول بالنبي لكي ينظر أن أجسادهم مائتة "نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ.2 وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ.3 يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟" (أش58: 1-3) ويجيبهم عندما يتكلمون ويقول "إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟" (58: 3-5) وكل ما كُتب بعد هذه الكلمات.
إن هذا الجسد المائت، أما انتم يا إخوتي الأحباء، فليس فيكم شيء من هذا الجسد المائت، لكن جسدكم حي، وأنا أصلي إلى الله من أجلكم كي يحفظكم، ويزداد في النعمة وفي الفرح وفي محبة الناس وفي محبة الفقير وفي الطرق الصالحة وفي كل ثمار القداسة،إلى أن تنطلقوا من هنا ويستقبل (الرب) كل واحد منكم في الموضع الذي ليس فيه حزن ولا فكر شرير ولا مرض ولا تعب، بل فرح وسرور ونور أبدي، وفردوس وثمر لا يضمحل، ويستقبلكم في مساكن الملائكة وفي "وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ" (عب12: 23) وإلى المواعيد التي لا يمكننا أن ننطق بها.
كتبت هذا إليكم من اجل المحبة التي عندي نحوكم، حتى تستريح قلوبكم، وهناك أمور أخرى أريد أن اكتبها لكم لكن "أَعْطِ حَكِيمًا فَيَكُونَ أَوْفَرَ حِكْمَةً" (أم9: 8).
الرب يحفظكم من هذا العالم الشرير، كي تكونوا أصحاء في الجسد والروح والنفس و"فَلْيُعْطِكَ الرَّبُّ فَهْمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ" (2تيمو2: 7) لتنجوا من شر الأيام.
وداعاً يا أحبائي وإخوتي. تذكروا أن جسد الإنسان يصير مائتاً بسبب محبة المجد الباطل وبسبب الشهوات.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:50 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الثانية

إلى أحبائي في ربنا: تحية
متى أحب احد الرب من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته، سوف يقتنى حزناً، والحزن يلد الدموع والدموع (تلد) الفرح، والفرح (يلد) قوة وفي هذا كله ستثمر النفس، وعندما يرى الرب أن ثمرتها حسنة هكذا، سيقبلها كرائحة حلوة، وفي هذه الأمور جميعها، سيفرح بهذه النفس مع ملائكته، وسيعين لها حارساً، الذي هو قوة تشمل النفس، يهرب ويخشى أن يقترب من هذا الإنسان، ويخاف من القوة التي تشمله.
لذلك يا أحبائي في ربنا، إذ اعرف أنكم -انتم الذين تحبهم نفسي- محبون لله، اقتنوا في أنفسكم هذه القوة، كي يهابكم إبليس وكي تكونوا مجتهدين في سائر أعمالكم.

وهكذا سوف تهبكم حلاوة (تعزية) الله أعظم قوة ممكنة، لان الحلاوة الإلهية هي "أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ" (مز19: 10)،وقليلون فقط من الرهبان والعذارى، هنا وهناك، عرفوا (وذاقوا) هذه الحلاوة الإلهية، لأنهم لم يقتنوا القوة الإلهية، إذ لم يكونوا يرعون أو يهتمون بهذه القوة ولذلك لم يعطيها الله لهم، لأنه يهبها لهؤلاء الذين يهتمون، فهو لا يأخذ بالوجوه، لكن يعطيها لهؤلاء الذين يرعونها في كل جيل.
لذا يا أحبائي، أنا أعرف أنكم محبون لله، وأنكم طالما قد قدمتم إلى هذا العمل، فقد أحببتم الله بكل قلبكم، لذلك أحببتكم أنا أيضاً بكل قلبي، ولأن قلوبكم مستقيمة، تستطيعون أن تقتنوا لأنفسكم هذه القوة الإلهية، كي تقضوا كل زمانكم في حرية وفرح، وكي يكون كل عمل من أعمال الله سهلاً لكم، لأن هذه هي القوة التي يهبها (الله) للإنسان هنا، وهي أيضاً التي ترشد الإنسان إلى تلك الراحة، حتى يعبر كل "سُلْطَانِ الْهَوَاءِ"(أف2:2).
لأن هناك قوى تعمل في الهواء وتعيق الإنسان وتمنعه من القدوم إلى الله، لذلك فلنصل إلى الله كي لا يمنعوننا من الصعود إليه، إذ طالما أن الأبرار تسندهم القوة الإلهية، لن يستطيع أحد أن يعيقهم.
وعمل هذه القوة الإلهية، متى سكنت في إنسان، هو أنه يزدرى بكل خزي وبكل مجد من الناس، ويبغض كل احتياجات هذا العالم، ويزهد في كل راحات الجسد، وينقى قلبه من كل فكر دنس ومن كل حكمة فارغة عالمية، ويتضرع بصوم ودموع ليلاً ونهاراً.
والله الصالح لن يتأخر عن أن يعطيكم إياها (أي القوة الإلهية) وعندما تقتنوها، سوف تقضون كل زمان حياتكم في راحة وتحرر من كل هم، وستجدون دالة عظيمة أمام الله الذي سوف يهبها لكم.
هناك أمور أخرى كثيرة أود أن أكتبها لكم، لكن كتبت هذه الأمور القليلة من أجل المحبة العظيمة التي لكم عندي.
سلام في قلبكم في ربنا. في كل عمل محبة من أجل الله.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:51 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الثالثة

اكتب إليكم كأناس محبين لله ويطلبونه من كل قلوبهم، لأن الله سيسمع لمثل هؤلاء عندما يصلون، وسيباركهم في كل شيء، وسيهبهم كل سؤالات نفوسهم عندما يتضرعون إليه.
أما هؤلاء الذين أتوا إليه، ولكن ليس بكل قلوبهم، بل بذهنين (أي بفكرين) والذين يتممون أعمالهم كي يمجدهم الناس، هؤلاء لن يستمع الله لهم في أي شيء يطلبونه منه، بل يغضب من أعمالهم، لأنه مكتوب "اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ" (مز53: 5).
ترون إذاً كيف يغضب الله من أعمال هؤلاء الناس ويعطيهم أياً من السؤالات التي يطلبونها منه، بل انه يقاومهم، لأنهم لا يتممون أعمالهم بإيمان، بل بتظاهر، لذلك لا تسكن فيهم القوة الإلهية، بل يتعبون في كل أعمالهم، وفي كل ما تمتد إليه أيديهم.

لذلك لم يعرفوا قوة النعمة ولا تحريرها (للإنسان) من الهم، ولا عرفوا فرحها، لكن نفوسهم مثقلة (بالهم) في جميع أعمالهم، والجانب الأعظم في جيلنا هو هكذا: لم ينالوا القوة الإلهية التي تشبع النفس وتعدها لتفرح وتهب لها يوماً بعد يوم المسرة التي تلهب القلب في الله، لأن العمل الذي يتممونه، يعملونه كما لو كان من أجل الناس، ولهذا لا تحل عليهم هذه القوة، لأنه مكروه أمام قوة الله ذاك الإنسان الذي يعمل أعماله كما لو كانت من أجل الناس.
لذا جاهدوا يا أحبائي، الذين ثمرهم مُعتبر في الله، في كل أعمالكم ضد روح المجد الباطل، كي تنتصروا في جميع الأمور، ويصير جسدكم كله مقبولاً، ويسكن حياً مع خالقه، وكي تنالوا القوة الإلهية التي هي أفضل من سائر هذه الأمور.
لأني مقتنع يا أحبائي، أنه طالما أنكم تبذلون كل ما في قدرتكم في محاربة روح المجد الباطل، وتجاهدون ضده دوماً، سوف يكون جسدكم حياً، لأن هذا الروح الشرير يهاجم الإنسان في كل عمل بر تمتد إليه يده، لكي يجعله بلا ثمر ويضيعه، وهكذا يمنع النفس -بقدر ما يستطيع- عم أعمال البر.
وهو يصارع كل من يريد أن يحيا بأمانة، ومتى مُدح أي منهم لأمانته أو اتضاعه أو احتماله للإهانة، يسرع الروح الشرير ويشن في الحال حرباً عليهم، ويهزم البعض منهم ويمزق أجسادهم ويخمدها (من الحرارة الإلهية)، وفي عمل الروح الشرير هذا، يحثهم على ترك درب حياة الفضيلة، وعلى أن ينشغلوا بإرضاء الناس، وهكذا يهلكون "جسدهم" رغم أن الناس يظنون أنهم قد ربحوا شيئاً، لذا لا يمنحهم (الله) القوة، بل يتركهم فارغين لأنه لم يجد جسدهم صالحاً، ويحرمهم من الحلاوة العظيمة التي للنعمة.
لكن جاهدوا أنتم يا أحبائي ضد روح المجد الباطل في كل وقت، كي تهزموه في كل شيء، فترافقكم القوة الإلهية في كل وقت، وسوف أتضرع إلى الله من أجلكم، كي يُعطى لكم هذا الفرح على الدوام، لأنه لا يوجد شيء أكثر من تحرراً من الهم.
وإذا رأيتم بعد نوال هذا الفرح أن حرارتكم تركتكم وتغادركم، أطلبوها ثانية وسوف تعوم، لأن هذه الحرارة مثل النار التي تحول البرودة إلى مثل قوتها، وإذا رأيتم قلوبكم مثقلة وقتياً، استجمعوا ذواتكم أمامكم، واسألوها إلى أن تستعيد حرارتها ثانية وتلتهب في الله، لأن داود النبي أيضاً، إذ رأى قلبه مثقل، قال "فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ" (مز42: 4)،و"تَذَكَّرْتُ أَيَّامَ الْقِدَمِ. لَهِجْتُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ. بِصَنَائِعِ يَدَيْكَ أَتَأَمَّلُ. بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ، نَفْسِي نَحْوَكَ كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ" (مز143: 5،6). هذا ما فعله داود عندما رأى أن نفسه تبرد وتفتر، حتى استعاد لها حرارتها مرة أخرى، ونال الحلاوة الإلهية في النهار والليل، افعلوا هذا إذاً يا أحبائي كي تنمو، وسوف يعلن الله لكم أسراراً عظيمة.
الله يحفظكم في صحة الروح والنفس والجسد، حتى يأخذكم إلى الملكوت مع آبائكم الذين عاشوا حياة صالحة، إلى دهر الدهور آمين.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:52 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الرابعة

أعلم أني أكتب إليكم كأبنائي الأعزاء، وأبناء الموعد وأبناء الملكوت، لذلك أذكركم ليلاً ونهاراً كي يحفظكم الله من كل شر، وكي تحرصوا دوماً على أن تنالوا من إفرازاً ورؤية جديدة، ولكى تتعلموا أن تميزوا بين الخير والشر في سائر الأشياء، لأنه مكتوب "وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (عب5: 14). هؤلاء هم الذين يهديهم الله هذه الرؤية الجديدة في جميع أعمالهم، فلا يستطيع أحد، لان إنسان ولا شيطان، أن يخدعهم، لأن المؤمن يمكن أن يُخدع بستار الخير، وكثيرون خُدعوا هكذا، لأنهم لم يُعطوا بعد من الله هذه الرؤية الجديدة، لذلك يقول المبارك بولس بعد أن عرف أن هذا هو غنى المؤمن العظيم: "بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ... لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ... وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ" (أف3: 14، 16، 18)، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.فإذ أحبهم بولس من كل قلبه، أراد أن يعطى لأبنائه الذين أحبهم هذا الغنى العظيم من المعرفة أي الرؤية الجديدة، لأنه عرف أنها إذا أُعطيت لهم لن يتعبوا في أي عمل، ولن يخافوا أي خوف، بل سيرافقهم فرح الله ليلاً ونهاراً، وسيكون عمل الله بالنسبة لهم في شتى الأشياء "أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ" (مز19: 10) وسيكون الله معهم على الدوام، وسيكشف لهم استعلانات وإسرارًا عظيمة لا يمكن للسان أن ينطق بها.
لذلك يا أحبائي، طالما أنكم تُعتبرون أبنائي، صلوا النهار والليل كي تُعطى لكم موهبة الإفراز هذه، التي لم تُعط لكم منذ أن بدأتم هذا الدرب النسكي، وأيضاً أنا أبوكم سوف أصلي لأجلكم كي تنالوا هذه القامة، التي لم يصل إليها كثير من الرهبان، عدا نفوس قليلة هنا هناك، لكن إذا أردتم أن تنالوا هذه القامة، لا تعتادوا أن تذكروا لبعضكم البعض أسماء أي رهبان متراخيين بينكم، لكن انسحبوا من بينهم وإلا لن يسمحوا لكم أن تنمو بل سيطفئون حرارتكم.
لأن المتراخيين ليس لهم حرارة، بل يتبعون إرادتهم ومشيئتهم الخاصة، وإذا قابلوك يتحدثون عن أمور هذا العالم، يمثل هذا الحديث يطفئون حرارتكم، ولهذا مكتوب "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ" (1تس5: 10) لأنه ينطفئ بمثل هذا النوع من الحديث وبالتشتيت، لذلك عندما ترون أياً من هؤلاء الناس، اصنعوا معه خيراً، وكونوا بعيدين عنهم ولا تختلطوا بهم، لأنهم لا يدعون الناس ينمون في القامة الروحية.
وداعاً في ربنا يا أحبائي. في روح الوداعة.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:53 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الخامسة

إلى أحبائي في ربنا:
اعرف أن محبة الله تجعل الإنسان يفكر دوماً في قريبه، وقريبنا هو ذاك الذي يفكر دوما في الدعوة السمائية الكاملة، مصلياً لأجلنا ليلاً ونهاراً كما يصلى نفسه، وإذ اعتبر أنكم أقربائي، أذكركم ليلاً ونهاراً في صلواتي كي يُعطى لكم نمو في إيمانكم وكل فضائلكم وتنالون قوة أعظم من التي لكم الآن
هذا افعله لأجلكم لأنكم مُعتبرون أبنائي في الله، فعندما كتب بولس إلى تيموثاوس الذي كان من أبنائه، كتب قائلاً "أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا، إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ" (2تيمو1: 3، 4).
والآن يا أحبائي، كما فعل بولس لأجل تيموثاوس، كذلك فعلت أنا لأجلكم، متذكراً تنهداتكم وعمل قلوبكم، وأنا اعرف أنكم أنتم أيضاً تريدون أن ترونني، وهذا أمر حسن جداً، لأن بولس يقول: "لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ" (رو1: 11) وهكذا الحال معكم، رغم أنكم تعلمتم بالروح، إلا أنى إذا أتيت إليكم سوف أقويكم أكثر بتعليم هذا الروح عينه، وسوف أعرفكم أمور أخرى لا استطيع أن اكتبها لكم في رسالة.
وداعاً في ربنا في روح الوداعة.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:53 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة السادسة

ليلاً ونهاراً كي تزداد فيكم قوة الله، وتعلن لكم أسرار اللاهوت العظيمة التي لا استطيع أن أنطق بها بلساني لأنها عظيمة وليست من هذا العالم، ولا تُعلن إلا لهؤلاء الذين طهروا قلوبهم ومن كل دنس من كل أباطيل هذا العالم، وفي هؤلاء الذين حملوا صلبانهم وأنكروا ذواتهم وكانوا مطيعين لله في كل شيء، يسكن اللاهوت مطمعاً ومغذياً للنفس، فكما أن الأشجار لا تنمو إلا إذا توفر لها الماء، كذلك أيضاً النفس لا تستطيع أن ترتفع إلا إذا نالت الفرح السمائي، وإذا ناله أناس فلقليل منهم يعلن الله أسرارًا سمائية، مظهراً لهم موضعها بينما لا يزالون في الجسد ويمنحهم كل ما يطلبون.
لذلك أصلي ليلاً ونهاراً كي تنالوا هذه القامة وتعرفوا عنى المسيح غير المحدود، لأن قليلين هم الذين بلغوا الكمال هكذا، وهؤلاء هم الذين لهم مواعيد الابن (اللوغوس) العظيمة، أن ينالوا عطايا ويساعدوا الآخرين.
ففي كل جيل لابد أن يوجد مثل هؤلاء الناس، الذين ارتقوا إلى هذه القامة، كي يكون كل واحد منهم قدوة ومثال لأهل جيله، لأن الإنسان الكامل هو مثال للناس، ولهذا أصلي بلا انقطاع لأجلكم بسبب المحبة التي احملها لكم، لأن المبارك بولس يتحدث أيضاً هكذا مع هؤلاء الذين أحبهم "نُعْطِيَكُمْ، لاَ إِنْجِيلَ اللهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا" (اتس2: 8) وقد رتبت أن يأتي ابني إليكم إلى يعطيني ربنا أن أتى إليكم أنا أيضاً في الجسد، كي أعطيكم نمواً أكثر مما أنتم فيه الآن، لأنه عندما يجتمع الآباء مع الأبناء، يكون الله موجوداً في وسطهم.
وداعاً في ربنا.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:54 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة السابعة

إلى أحبائي في الرب الذي أحصوا في نصيب ملكوت السموات، لأنكم بحكمة طلبتم الله متبعين مثال آبائكم في الإيمان، كي تنالوا المواعيد أيضاً، لأنكم تعتبرون أبنائهم، والأبناء يرثون بركة آبائهم، لأن غيرتهم تشبه غيرة آبائهم.
ولهذا، عندما سار يعقوب المبارك في كل طرق مخافة الرب التي لآبائه، حلت عليه أيضًا بركات آبائه، وإذ باركوه (أي آباؤه) رأى فجأة السلم والملائكة تصعد وتهبط عليه (تك28) وهكذا الآن بعدما ينال الإنسان بركة آبائه ويرى جموع الملائكة، لا يستطيع شيء أن يحركه، فعندما رأى المبارك بولس هذه القوات، صار راسخاً وصرخ قائلاً: "لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رو8: 38).
لذلك يا أحبائي اطلبوا ليلاً ونهاراً أن تحل عليكم بركات آبائي، وأن تفرح جموع الملائكة هكذا بكم في سائر الأشياء، وأن تكملوا باقي أيامكم في كل مسرة القلب... لأنه إذا بلغ الإنسان هذه الدرجة، سيرافقه فرح الله على الدوام، ولذلك لن يتعب في أي شيء، لأنه مكتوب "نُورُ الصِّدِّيقِينَ يُفَرِّحُ، وَسِرَاجُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ" (أم13: 9)،ولكنى أصلي أن تأتوا أنتم أيضاً إلى موضع الحياة، وهذا أفعله بسبب طاعتكم، فعندما رأى ربنا تلاميذه يطيعونه، سأل أبوه (الآب) من أجلهم قائلاً "أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي" (يو17: 24) وأيضاً طلب أن يُحفظوا "من الشرير" (يو17: 15) حتى يبلغوا موضع الراحة.
هذا هو ما أطلبه وأسأله من ربنا، أن تُحفظوا من الشرير وتبلغوا موضع الراحة الذي له، وتكونوا مباركين، لأنه بعد أن رأى السلم، رأى يعقوب حشود الملائكة وجها لوجه، بل انه تصارع مع ملاك وغلبه، ودبر الله هذا كي يباركه.
الله الذي خدمته منذ شبابي يبارككم.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:57 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الثامنة

إلى أحبائي في ربنا:
اكتب إليكم كأبناء أعزاء، لأنه حتى الآباء الذي بحسب الجسد يحبون أبنائهم أكثر حينما يشبهونهم، وهكذا أنا أيضًا بقدر ما تزدادون تشبهاً بي، أتضرع إلى الله كي يعطيكم أنتم أيضاً ما أعطاه لآبائنا المباركين، وأصلي لكي أحضر أنا إليكم، كي أسلمكم أيضاً أسرارًا أخرى لا استطيع أن اكتبها إليكم على الورق. وداعاً في سلام مع أبو المراحم كي تنالوا أنتم أيضاً العطية التي نالها آباؤكم.
فإن كنتم تريدون أن تنالوها، سوف تسلمون نفوسكم لتعب الجسد ولتعب القلب، وترفعون أفكاركم إلى السماء ليلاً ونهاراً، متضرعين من كل قلوبكم من أجل (نوال) الروح القدس، وسوف يُعطى لكم، لأنه هكذا كان الحال مع إيليا التشبيتي وأليشع وباقي الأنبياء الآخرين جميعاً.
واحذروا لكي لا يدخل أبدًا إلى قلوبكم أفكار شك قائلة: "من يستطيع أن ينال هذا؟" لذلك لا تسمحوا لهذه الأفكار أن تدخل إلى أذهانكم، بل أطلبوا في استقامة وسوف تنالون، وأنا أبوكم، سوف أصلي من أجلكم كي تنالوه، لأني أعرف أنكم كفرتم بذواتكم لكي تنالوا هذا، لأن من يتعب ويجاهد في كل جيل، ينل هذا الروح عينه، الذي يسكن في هؤلاء المستقيمي القلوب.
وأنا أشهد لكم أنكم تطلبون الله بقلب مستقيم، وعندما تنالون هذا الروح، سوف يعلن لكم أسرار السماء، لأنه سيكشف أموراً كثيرة لا استطيع أن أخطها على الورق، لكن سوف تتحررون من كل خوف، وسوف يغمركم فرح سماوي، وهكذا ستكونون كأناس قائمين فعلاً في الملكوت بينما لا تزالون في الجسد، ولن تحتاجوا إلى أن تصلوا لأجل أنفسكم بل لأجل الآخرين، لأن موسى، بعد أن نال الروح القدس، صلى من أجل الشعب قائلاً لله "إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ، وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ" (خر32: 31)،وهكذا ترون أن اهتمامه كان أن يصلى من أجل الآخرين بعد أن بلغ هذه القامة.
لكن قليلين فقط من بين الكثيرين نالوا هذه القامة حتى يصلوا من أجل أقاربهم، وأنا لا استطيع أن أكتب إليكم عن كل هذه الأمور، لكنكم حكماء وتفهمون كل شيء، وعندما أحضر إليكم سوف أخبركم عن روح الفرح وكيف تنالونه، وسوف أشرح لكم كل غناه الذي لا أستطيع أن استودعه للورق.
وداعاً في روح الحياة، متمنياً لكم نمواً وازدياداً في القوة يوماً فيوماً.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 04:58 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة التاسعة

اعلم أنكم تجاهدون بقلبكم وقد دخلتم تجربة عظيمة، لكن إذا احتملتموها برجولة وصبر، فسوف يأتيكم الفرح، لأنه إن لم تأت عليكم التجارب، سواء علانية أو سراً، لن تستطيعوا أن تتقدموا أكثر من درجتكم الحالية، لأن القديسين جميعاً عندما طلبوا أن يزداد إيمانهم دخلوا في تجارب، إذ عندما ينال إنسان بركة من الله، تزداد في الحال تجربة العدو له، لأنه يريد أن يحرمه من البركة التي باركه الله بها، لأن الشياطين، إذ يعرفون أن النفس تنمو وتتقدم عندما تنال بركة، يصارعون ضدها سواء في الخفاء أو علانية، وهكذا عندما أعطى يعقوب بركة من أبية، جُرب في الحال بتجربة عيسو، لأن الشرير حرك قلبه (قلب عيسو) ضد يعقوب، مريداً أن ينتزع منه البركة، لكنه بلا قوة أمام البار، لأنه مكتوب "لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ" (مز125: 3) وكانت النتيجة أن يعقوب لم يفقد البركة التي حظي بها، بل كان ينميها يوماً بعد يوم.
لذلك أنتم ابذلوا قصارى جهدكم كي تنتصروا في تحاربكم، فهؤلاء الذين ينالون بركات لابد أيضاً أن يحتملوا التجارب، وأنا أبوكم تحملت أيضاً تجارب عظيمة، في العلن وفي الخفاء, واحتملتها متضرعا في رجاء والرب خلصني.

كذلك الحال أيضاً معكم أنتم يا أحبائي، طالما قد نلتم بركة الله، كونوا مستعدين للتجارب حتى تعبروها، وعندئذ سيكون لكم تقدم ونمو عظيم في كل فضائلكم، وسيُعطى لكم فرح عظيم من السماء لم تعرفوه قبلاً.
ووسيلة عبور التجارب هي أن لا تخوروا، بل تضرعوا إلى الله من كل قلبكم شاكرين وصابرين في سائر الأشياء، وعندئذ ستعبر عنكم التجربة، لأن إبراهيم جُرب هكذا، وظهر أنه مصارع مَجيد، لأنه مكتوب "كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مز34: 19) ويعقوب يقول في رسالته"أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ" (يع5: 13). انظروا كيف التجأ جميع القديسين إلى الله عند دخولهم في تجارب، وأيضاً مكتوب: "اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ" (1كو10: 13).
وبسبب استقامة قلبكم، يعمل الله فيكم، فلو لم يحبكم، لما جربكم "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِابْنٍ يُسَرُّ بِهِ" (مز 3: 12؛ عب 12: 6) فالتجارب نافعة للمؤمن، وبينما يرتدون الزى الرهباني، ينكرون معناه، لأن الانبا انطونيوس اعتاد أن يقول لنا: "بدون تجارب لن يدخل أحد ملكوت الله"، والمبارك بطرس يقول في رسالته: "الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ ­إِنْ كَانَ يَجِبُ­ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ" (1بط1: 6، 7) ويقال عن الأشجار أنه كلما عصفت بها الرياح، كلما تأصلت جذورها ونمت، وكذلك الحال مع احتمال البار (للتجارب)، لكن في هذا الأمر وفي الأمور الأخرى، استمعوا وأصغوا إلى معلميكم كي تتقدموا وتنموا.
وفي بداية الحياة الروحية يجب أن تتعلموا كيف يهب الروح القدس الفرح للناس عندما يرى قلوبهم تنقى، لكن بعدما يهبهم الروح فرحاً وحلاوة (تعزية)، يرحل ويتركهم، وهذه علامة على عمله وتحدث مع كل نفس تطلب وتخاف الله، فهو يتركهم ويظل بالقرب منهم حتى يعرف هل سيستمروا في طلبه أم لا،فالبعض عندما يبتعد عنهم، يتثقلون ويجلسون في ثقلهم بلا حراك، لأنهم لا يسألون الله أن يزيل عنهم هذا الثقل وأن يهبهم ثانية الفرح والحلاوة التي عرفوها قبلاً، لكن نتيجة لإهمالهم ومشيئتهم الخاصة، يتغربون عن حلاوة الله، ولذلك يصيرون جسدانيين يلبسون زى الرهبان بينما ينكرون معناه، فهؤلاء هم العميان الذين لا يدركون عمل الله فيهم.
أما إذا لاحظوا الثل غير المعتاد بالمقارنة مع الفرح الذي كان لهم قبلاً، وطلبوا من الله بدموع وصوم، عندئذ، متى رأى الله أنهم يطلبون باستقامة من كل قلوبهم وأنهم يتركون مشيئتهم الخاصة، يهبهم بنعمته فرحاً أعظم من الأول، ويثبتهم أكثر.
هذه هي العلامة التي يعطيها (الروح القدس) لكل نفس تطلب الله.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:18 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة العاشرة

بعد أن كتبت رسالتي، تذكرت كلمة معينة دفعتني أن أكتب إليكم عن التجربة إلى تواجه نفس الإنسان المتقدم، والذي يهبط (بسببها) من رتبة الكمال الروحي إلى أعماق الهاوية، وعن مثل هذا يصرخ النبي قائلاً: "وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى." (مز86: 13).
إن التجارب تلازم كل من يتمسك بروح الله، لكن النتيجة هي أنه ينال إفرازاً ونوعاً مختلفاً من السمو، وهكذا عندما رًفع النبي ووصل إلى السماء الأولى تعجب من ضيائها، لكي عندما وصل للثانية ازداد تعجبه جداً لدرجة أنه قال: "اعتبرت أن ضياء الأولى ظلام" (صعود إشعياء 8: 21، وهو كتاب مسيحي يهودي من القرن الثاني، وهو يصف رحلة أشعياء النبي إلى السماء بعد استشهاده) وهكذا حتى بلغ أخر درجة من الكمال، لذلك نفس الإنسان الكامل في البر تتقدم وتنمو حتى سماء السموات ومتى بلغتم ذلك، تكونون قد اجتزتم كل التجارب، وحتى الآن هناك أناس على الأرض بلغوا هذه الدرجة.

هذا أكتبه إليكم كي تدركوا بثبات أن التجارب تأتى للمؤمن ليس من اجل هلاكه بل لأجل نفعه، وبدون أن تأتى التجارب على النفس، لا يمكنها أن ترتفع إلى موضع الحياة، أي إلى موضع ذاك الذي خلقها.
"الروح يهب حيث يشاء" (يو3: 8) وهو يهب في النفوس النقية القديسة البارة والصالحة، وإذا أطاعوا الروح، يهبهم مخافة الله مع حرارة وذلك في البداية، ومتى بذر بذرته فيهم تجعلهم يبغضون العالم كله، سواء كان ذهب أو فضة أو زينة، أو أب أو أم أو زوجة أو أبناء، وتجعل كل عملاً أو صوماً أو سهراً أو صمتاً أو أعمال الرحمة، ويصير كل شيء يُصنع من أجل الله حلواً لهم، حتى يعلمهم (الروح) كل شيء (قارن يو14: 26) وعندما يتعلم (الإنسان) كل هذه الأمور، يصبح معرضاً لأن يًجرب، وعندئذ، جميع الأشياء التي كانت تبدو له حلوة قبلاً، تصير ثقيلة عليه، وهذا هو السبب في أن كثيرين، عندما يُجربون يظلون في ثقل ويصبحون جسدانيين، وهم الذين قيل عنهم ببولس الرسول: "أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟ أَهذَا الْمِقْدَارَ احْتَمَلْتُمْ عَبَثًا" (غلا3:3)، وإلى لا هدف؟
لكن إذا قاوم الإنسان الشيطان في التجربة الأولى وهزمه، عندئذ يهبه الله حرارة وغيرة مملوءة سلاماً وتعقلاً ومثابرة، لأن الحرارة الأولى مضطربة وغير متعقلة،أما الثانية فهي أفضل وتولد في الإنسان القدرة على رؤية الأمور الروحية، بينما هو يصارع في قتال عظيم، وله صبر بلا قلق ولا تشويش، فكما هو الحال مع السفينة عندما تكون الرياح طيبة، تعمل مجاديفها أكثر، وهكذا هو الحال مع الحال مع الحرارة الثانية، إذ تجلب الهدوء والسكينة في كل شيء.
يا أبنائي الأعزاء، اقتنوا لأنفسكم هذه الحرارة الثانية كي تثبتوا في كل شيء، لأن الحرارة التي يكون الله مصدرها تبدد شهوات المدح والتملق، وتهلك عتاقة (الإنسان العتيق) وتجعل الإنسان هيكلاً لله كما هو مكتوب "إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ" (2كو6:16).
فإن أردتم أن تعود إليكم ثانية هذه الحرارة التي أُبعدت عنكم وأردتم أن تأتى إليكم، ها هو ما ينبغي على الإنسان عمله: يجب أن يقيم عهداً بين نفسه وبين الله، ويصرخ بحرارة قلب ويقول له: "اغفر لي ما فعلته في إهمال، لن استمر في عصياني" وعندئذ يجب أن لا يسير بعد بحسب هواه لكي يشبع إرادته، سواء في الجسد أو في النفس، بل يجب أن يطرح أفكاره أمام الله، بينما يبكت نفسه ويوبخها قائلاً: "كيف رذلتِ الصلاح واسهنتِ ببطالتك وعدم أثمارك كل هذه الأيام؟".
يجب أن تتذكر كل العذابات والملكوت الأبدى، موبخاً نفسك كل حين قائلاً: "انظري أيه كرامة أعطاكِ الله، وأنت أهملتيها واحتقرتيها" وعندما يخاطب الإنسان نفسه بهذا الكلام موبخاً إياها ليلاً ونهاراً، تأتيه فجأة حرارة الله، وهذه الحرارة الثانية أعظم من الأولى، فعندما رأى المبارك داود الهم والتثقل الذي كان عليه قال: "تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، السِّنِينَ الدَّهْرِيَّةِ" (مز77: 5) و"لَهِجْتُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ. بِصَنَائِعِ يَدَيْكَ أَتَأَمَّلُ. بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ، نَفْسِي نَحْوَكَ كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ." (مز143: 5، 6) وأشعياء أيضاً يقول: "عندما تنحني وتنوح، عندئذ تخلص وتدرك كيف يتم هذا نحوك" (أش30: 15 – سبعينية) (في الترجمة العربية المتداولة: "بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ".

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:19 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الحادية عشر

الآن يا أخوتي، يا أحبائي في الرب، الذي أحبهم من كل قلبي، اسمع أن التجربة تضايقكم، وأخشى أن تأتى من أنفسكم، لأني سمعت أنكم تريدون أن تتركوا موضعكم وحزنت لسماعي هذا، رغم أن الحزن لم يتملكني منذ وقت طويل، لأني أعلم يقيناً أنكم إذا رحلتم من موضعكم الآن، لنتقدموا على الإطلاق لأن هذه ليست إرادة الله، فإذا خرجتم وتصرفتم معتمدين على ذواتكم، لن يعمل الله معكم ولن يخرج معكم، وأخشى أننا سنسقط في كثير من الشرور.
إذا تبعنا مشيئتنا، لن يرسل الله قوته التي تُنجح وتثبت طرق الإنسان جميعها، إذ متى فعل المرء شيئاً متخيلاً أنه من الله، بينما تكون حقيقة الأمر أنه نابع من إرادته الخاصة، عندئذ لا يعينه الله، وستجدون قلبه ملئ بالمرارة وضعيف في كل شيء يمد إليه يده، وبحجة التقدم والنمو الأفضل، يضل المؤمن وينتهي به الأمر إلى أن يصير موضوع للسخرية والهزء، لأن حواء لم تُخدع إلا بحجة الخير والتقدم، إذ حين سمعت "وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك3: 5) وفشلت في تمييز صوت المتكلم، خالفت وصية الله، وهكذا ليس فقط لم تنتفع، بل وصارت أيضاً تحت اللعنة.

يقول سليمان الحكيم في الأمثال: "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ" (أم14: 12) وهو يقول هذا عن هؤلاء الذي لا يفهمون إرادة الله، بل يتبعون إرادتهم الخاصة، فإذ لا يعرفون مشيئة الله، يعطيهم الشيطان في البداية حرارة تشبه الفرح لكنها ليست فرحاً، وبعد ذلك يتحول إلى كآبة ويكشفهم، أما ذاك الذي يتبع إرادة الله فيتحمل كد عظيم في البداية، لكنه بعد ذلك يجد راحة وابتهاج، لذا لا تفعلوا شيئاً من ذواتكم حتى احضر لأتكلم معكم.
هناك ثلاث دوافع تصحب الإنسان أينما كان، وأغلب الرهبان يجهلونها، عدا فقط هؤلاء الذين بلغوا الكمال، الذين يقول عنهم الكتاب المقدس: "وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (عب5: 14) ما هذه الدوافع إذاً؟
دافع يقدمه العدو
دافع يلده القلب
أما الثالث فيبذره الله في الإنسان
ومن ثلاثة هذه الدوافع، لا يقبل الله إلا الذي له (أي الثالث).
لذا امتحنوا أنفسكم وتبينوا أياً من هؤلاء الثلاث يدفعكم لكي تغادروا موضعكم، ولا ترحلوا حتى يسمح لكم، وأنا أعرف ما هي إرادة الله لكم، لكن من الصعب عليكم أن تعرفوا ما هي إرادة الله، فإذا لم ينكر الإنسان ذاته ومشيئته الخاصة ويطيع آبائه الروحيين، لن يستطيع أن يعرف مشيئة الله، وحتى إذا عرفها، يحتاج أن يسنده الله ويعينه على تنفيذها.
وهكذا ترون أنه أمر عظيم أن تعرفوا مشيئة الله، وأمر أعظم أن تنفذوها، لكن يعقوب كانت له هاتان القوتان، لأنه أطاع والديه، فعندما قالا له أن يذهب إلى فدان آرام حيث لابان (قارن تك28: 2) أطاعهم في التو، رغم أنه لم يكن يريد أن يفترق عن والديه، وبسبب طاعته ورث البركة، ولو لم أطع أنا -أبوكم الروحي- قبلاً آبائي الروحيين، لما كشف الله إرادته لي، لأنه مكتوب"بركة الأب بنى بيوت الأبناء" (سيراخ 3: 9)وإن كنت أنا قد تحملت تعب وكد كثير في البرية والجبال، طالباً من الله نهاراً وليلاً حتى أعلن إرادته لي، استمعوا أنتم أيضاً الآن إلى أبيكم في هذا الأمر كي يصير لكم راحة ونمو.
لكنى سمعت أنكم كنتم تقولون "أبونا لا يعرف تعبنا، وكيف هرب يعقوب من عيسو" لكننا نعرف أنه لم يهرب من نفسه بل أرسله والداه، فاقتدوا أنتم بيعقوب، وانتظروا حتى يرسلكم أبوكم، كي يبارككم عندما تذهبون، وعندئذ سيُنجح الله جميع طرقكم.
وداعاً في الرب آمين.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:20 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الثانية عشر

أنتم تعلمون يا أولادي الأعزاء، أنه منذ أن زال التعدي، لا تستطيع النفس أن تقترب من الله إلا إذا ابتعدت عن الناس وعن كل تشتيت،إذ عندئذ سوف ترى النفس العدو الذي يخاربها، ومتى رأت العدو وهزمته في كل مرة يُدخلها في حرب معه، حينئذ يسكن الله في هذه النفس، عندئذ يطغيها حزن وضجر وأنواع أخرى كثيرة من الهم والثقل، لكن لا تخف، لأنهم لن يقووا عليها إذا سارت في هدوء وسكينة.

لذلك توجد الآباء القديسون أيضاً في البرية وحدهم، مثل إيليا التشبيتى ويوحنا المعمدان، فلا تفترض انه بسبب وجود الأبرار وسط الناس أنهم اقتنوا هذا البر وسط الناس، بل بعد أن اقتنوا أولاً الكثير من السكون، نالوا بعد ذلك قوة سكنى الله فيهم، ثم أرسلهم الله وسط الناس، بعد أن اقتنوا مل فضيلة ليعملوا وهم مملؤون من الله ويشفوا الناس من ضعفاتهم، لأنهم كانوا أطباء للنفس وقادرين على شفاء ضعفات الناس، ولهذا الاحتياج اُخرجوا من سكونهم وهدوئهم وأُرسلوا إلى الناس، لكنهم لا يُرسَلوا إلا بعد أن تُشفى أمراضهم هم جميعاً، لأن النفس لا يمكن أن تُرسل وسط الناس لتهذيبهم إن كان بها هي نفسها عيب أو علة، ومن يذهب قبل أن يبلغ الكمال، يذهب متبعاً إرادته الخاصة وليس بحسب إرادة الله، والله يقول مبكتاً هؤلاء: "لَمْ أُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا" (أر23: 21) ولذا لا يستطيعون أن يحرسوا أنفسهم ولا أن يهذبوا نفساً أخرى.
أما هؤلاء المُرسلون من قبل الله، فلا يريدون أن يخرجوا من سكونهم، إذ يعملون أنه بسكونهم نالوا القوة الإلهية، ولكن لكي لا يخالفوا الخالق، يذهبون من أجل التهذيب الروحي للناس، متمثلين به (أي بخالقهم)، فكما أن الآب أرسل ابنه من السماء ليشفى كل ضعفات وأمراض الناس (كما هو مكتوب: "أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا" (أش 53: 4)،كذلك يتبعون مثال خالق الكل، وهذا حتى يُوجدوا مستحقين للتبني كأبناء لله، زكما الآب والابن، كذلك يجب أن يكون هؤلاء (أى في طاعة الإرسالية) إلى دهر الدهور آمين.
أيها الأحباء، لقد عرفتكم بقوة السكون، وكيف تشفى في جميع الأحوال، وكيف أنها مرغوبة من الله، لذلك اكتب إليكم حتى تثقلوا في ما تصنعونه وتعلمون أنه في السكون تقدم ونما جميع القديسين، ولهذا طرحوا بعيداً عتاقة oldness (الإنسان العتيق) هذا العالم، والذي يكتب إليكم هذا قد نال بهذه الوسيلة (السكون) تلك القامة (أي درجة الرؤية الروحية والإعلانات).
إن الكثير من الرهبان في الزمان الحاضر لم يستطيعوا أن يثبتوا في السكون لأنهم لم يستطيعوا أن يهزموا إرادتهم ومشيئتهم، لهذا يعيشون وسط الناس على الدوام، لأنهم عاجزون عن أن يخوضوا في معارك، وهكذا يتركون السكون ويظلون في رفقة أقاربهم، ويجدون في ذلك راحتهم كل أيام حياتهم، لذلك لم يُوجدوا مستحقين للحلاوة والتعزية الإلهية، ولم ينالوا سكنى القوى فيهم، إذ عندما تنظر إليهم هذه القوة، تجدهم يستريحون في العالم الحاضر وفي الشهوات التي للنفس والجسد، والنتيجة هي أنها لا تستطيع أن تظللهم بعد، لأن محبة المال أو المجد البشرى الباطل، وكل أمراض النفس والتشتيت تمنع تلك القوة الإلهية من تظليلهم.
كونوا أقوياء في ما تعملون. هؤلاء الذين يخرجون من السكون لا يستطيعون أن يهزموا شهواتهم أو أن يحاربوا ضد عدوهم، لأنهم خاضعون لأهوائهم، أمل أنتم فتهزمون شهواتكم وقوة الله كائنة معكم.
وداعاً في الروح القدس.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:23 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الثالثة عشر

أحييكم في روح الوداعة المحب للسلام والذي يهب مذاقاً حلواً في نفوس الأبرار، لأن الروح (القدس) لا يحل في أي نفس، بل فقط في هؤلاء الذين تطهروا تماماً من أهوائهم، لأنه قدوس ولا يحل في أي نفس غير طاهرة.
وهكذا، لم يعط الرب هذا الروح للرسل إلا بعدما تطهروا، لذلك اعتاد أن يقول لهم: "وإن ذهبت أرسل لكم الروح المعزى روح الحق الذي يرشدكم كل شيء" (يو16: 7، 13)، لأن هذا الروح منذ هابيل ونوح وحتى هذا اليوم، لا يهب نفسه إلا لنفوس هؤلاء الذين تطهروا تماماً، لأن الروح الذي يظلل النفوس الأخرى، ليس هو الروح (القدس)، بل هو روح التوبة، ومتى ظلل روح التوبة على النفوس، يدعهم ويغسلوا من كل أدناسهم، ويطهرهم تماماً، ثم يقدمهم إلى الروح القدس الذي لا يكل بدوره عن أن يسكب عليهم شذا وحلاوة وتعزية كما هو مكتوب (من عرف مسرة الروح إلا أولئك الذين جعلهم مسكناً له؟" وقليلون هم الذي حُسبوا مستحقين لروح التوبة، أما روح الحق فيسكن فقط في بضعة نفوس في كل جيل.
وكما أن اللؤلؤة الكثيرة الثمن لا توجد في كل بيت، وقد لا توجد حتى في قصور الملوك، كذلك أيضاً الروح لا يوجد غلا في نفوس الأبرار المكملين (الذين نالوا الكمال)، لذلك هؤلاء الذين حُسبوا مستحقين له، يشكرون الله شكراً عظيماً قائلين: "نسبحك يا الله لأنك منحتنا الروح الذي تهبه لخدامك"، وجميع الأبرار الذين أُرسل إليهم الروح شكروا الله، لان هذه هي اللؤلؤة التي يحدثنا عنها الإنجيل (مت13: 44) التي باع الرجل كل مل له واشتراها، هذا هو الكنز المخفى في الحقل الذي وجده إنسان وفرح جداً، ويتساوى لديهم النهار والليل، ويملأ أرواحهم بينما لا يزالون بعد في هذه الخيمة (الجسد).
لقد عرفتكم بعطية الروح، وأريدكم أن تعرفوا أنه منذ اليوم الذي رحلت فيه عنكم، أنجحني الله في كل شيء حتى أتيت إلى موضعي، والآن أنا في وحدتي، يُنجح طريقي أكثر ويسندني سواء علانية أو في الخفاء، وكنت أتمنى أن تكونوا بجواري لأجل الاستعلانات المُعطاة لي، فكل يوم تختلف عن التي قبلها.
لكنى أريدكم أن تعرفوا ما هي التجربة:
انتم تعلمون أن التجربة لا تأتى على الإنسان إلا إذا أُعطى الروح، ومتى أعطى الروح يُسلم إلى الشيطان ليجربه، لكن من الذي يسلمه؟ روح الله (هو الذي يسلمه) لأنه من المستحيل أن يجرب الشيطان إنساناً مؤمناً إلا إذا أسلمه الله ليُجرب، لذلك، عندما تجسد ربنا وصار مثالاً لنا في كل شيء، وبعدما -من أجل تعليمنا وتهذيبنا في البر- اعتمد وحل عليه الروح في هيئة حمامة، قاده الروح إلى البرية ليُجرب، ولم يقو الشيطان عليه.
وقوة الروح تقوى الإنسان أكثر بعد التجارب وتضيف إلى قامته، وهكذا كانت تجربتي، فتماماً كما أنه عندما نزل ربنا من السماء، وجد جواً مظلماً، وعندما كان على وشك النزول إلى الجحيم، رأى جواً آخر أثقل من الأول وأكثر إظلامًا،قال: "نَفْسِي حَزِينَةٌ" (مت26: 38) كذلك انا أيضاً، كنت في ذلك الوقت منزعجا متألماً من شتى أنواع التجارب، وحزنت، لكنى أمجد الله الذي أخدمه منذ شبابي بكل قلبي، لأنه رفعني من ذلك الجو المظلم ورفعني فوق العلو الأول (أي صار في ارتفاع أكثر مما كان قبل التجربة)، وأنا اعتقد أن هذه التجربة الأخيرة.
ويوسف عندما بلغ أخباره الأخير في السجن (قارن تك29: 20) انزعج أكثر من انزعاجه في كل التجارب السابقة، أما بعد السجن، الذي هو صورة للجحيم، فقد أعطى كرامة عظيمة لأنه صار ملكاً (تك41: 40) ومنذ ذلك الوقت لم تتعبه أي تجربة أخرى، وهكذا عرفتكم في أي تجربة كنت أنا، وفي أي حال أنا هذه الأيام.
بعد أن كتبت هذه الرسالة، تذكرت كلمة مكتوبة في حزقيال تتضمن مثالاً للإنسان الكامل، فقد رأى مخلوقاً حياً عند نهر خابور له أربعة أوجه وأربعة أقدام وأربعة أجنحة، ووجوهه كانت وجه كروب، وجه إنسان، وجه ثور (وردت في الترجمة العربية المتداولة: أسد، ولكننا هنا ترجمنا نص الرسالة كما هو.)، وجه نسر (حز10: 14).
وجه الكروب يُرى عندما يحل روح الله في النفس ويحثها على التسبيح بصوت عذب جميل، أما عندما يريد الروح أن ينهض ويسعى وراء إنسان، يتخذ وجه إنسان، ما هو الثور إذا إلا الروح عندما يساعد النفس المؤمنة في حربها ويعينها كثور قوى يستطيع أن يهزم الشيطان؟ وما هو وجه النسر؟ أن النسر يحلق عالياً كما لو كان لها وجه نسر، يحل الروح (القدس) فيها ويجعلها تظل عالية بالقرب من الله.
إن هناك الكثير عن هذا المخلوق الحي الذي لم أقل عنه إلا القليل فقط، لكن إذا صليتم، سأحضر إليكم، وستدخلون بيت لحم، وهناك نوفى نذورنا ونصعد محرقاتنا التي وهدت بها شفاهنا (مز66: 13) وبعد ذلك سنفسر هذا المخلوق الحي بحسب قدرتنا، لأن "بيت لحم" يُفسر "بيت الله"، لذلك يُسر الله ببيته المدعو باسمه، وحزقيال هو كل من يرى هذا المخلوق الحي.
حيوا كل من له شركة في تعب وعرق آبائهم في التجربة، كما يقول يوحنا أيضاً في موضع ما: "بعرق النفس يتمجد الله" وهكذا ببذور عرقها، تصير النفس شريكة مع الرب، ومثل هؤلاء يصيرون أيضاً شركاء في ثماره، لأنه مكتوب "إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ" (رو8: 17) وما بعدها. والرب قال لتلاميذه: "أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا، لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ" (لو22:28 -30).
أنتم ترون أن هؤلاء الذين كانوا شركاء معنا في الأتعاب، قد جُعلوا أيضاً شركاء ف الراحة، والشريك في الخزي هو شريك أيضاً في المجد، لذلك قيل أيضاً في كتب الآباء: "الابن الصالح يرث البكورية وبركة آبائه"، فالأمر يتعلق بما نبذره، إنه بذر الله، والأبناء الصالحون هم الذين يرثون بكوريتنا وبركتنا... لكن اهتموا أنتم جداً كمعلمين صالحين بهؤلاء المسئولين منكم، إذ صالحة. نحن نعلم أنكم معلمون ومربيون بارعون، لكن تذكروا أنه من أجل هذه البذرة، ترككم الله في هذه الخيمة.
وداعاً في ربنا. في روح السلام الوديع الذي يسكن في نفوس الأبرار.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:24 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
الرسالة الرابعة عشر

ها هي الورقة التي كتبتها -أنا أبوكم- إليكم،هذا هو ميراث الآباء والأبرار الذي يسلمونه لأبنائهم ويتركونه لهم ليرثوه في البر، فالآباء بحسب الجسد يتركون لأبنائهم ميراثاً من ذهب وفضة، لكن الأبرار يتركون هذا الميراث لأبنائهم، ألا وهو البر، وبينما كان البطاركة (آباء العهد القديم) أغنياء جداً في الذهب والفضة، إلا انه عندما شارفوا على النياح، لم يعطوا أية وصية أخرى لأبنائهم عدا البر، لأن هذا يدوم إلى الأبد آمين.
إن الذهب والفضة فانيين، يخصان هذه الخيمة القليلة الأيام، أما البر فيخص ذاك المسكن الذي يدوم للإنسان إلى دهر الدهور، لذلك الميراث الذي يعطيكم إياه آباؤكم هو البر.
وداعاً في ربنا وفي الإرادة الصالحة بالبر التي يهبها الله لكم يوماً فيوماً حتى تخرجون من هنا.

Mary Naeem 10 - 06 - 2014 05:25 PM

رد: كتاب القديس أموناس: رسائله الروحية
 
المصادر والمراجع


1 THE LETTERS OF AMMONAS, Succesor of Saint Antony; tr. Derwas J. Chitty ;Revised and Introduced by Sebastian Brock; SLG Press.
2 THE SAYINGS OF THE DESERT FATHERS,The Alphabetical collection, tr. Bendicta Ward SLG; AMMONAS, P.22-24
3 PATROLOGY; by Johannes Quasten , vol.III, p.153-154.


الساعة الآن 11:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025