منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟ (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=277530)

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:49 PM

كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

الإنجيل، كيف كتب، وكيف وصل إلينا؟


https://st-takla.org/Pix/Christian-Sy...abic-Bible.jpg
هذا الكتاب هو الجزء الثالث من سلسلة الكتاب المقدس والنقد الحديث، ويتناول بالدراسة والبحث موضوع الإنجيل في جوهره، ويقدم دراسة وافية وشاملة للتعريف بالإنجيل ومعناه ومحتواه وجوهره وإعلان الله فيه ونوع الوحي، ويوضح دور السيد المسيح فيه، ويشرح تعليمه وأقواله وأعماله، كما يوضح العلاقة بين السيد المسيح نفسه والإنجيل والوحي، فهل الإنجيل كتاب نزل عليه من السماء؟ أو هل هو نصوص وآيات قدسيه حملها إليه ملاك من منبع الوحي في السماء؟ أم هو شخص حي نزل من السماء، وشخص حي صعد إلى السماء؟ وماذا كان دور التلاميذ وعملهم بالنسبة للسيد المسيح؟ ولماذا أختارهم؟ وماذا كان توصيفهم بالنسبة للسيد المسيح، وبالنسبة للأنبياء والرسل السابقين؟ ما هو الروح القدس؟ ومن هو الباراقليط؟ ماذا قال عنه السيد المسيح؟ وما هي طبيعته وجوهره؟ وما هو عمله في الكنيسة الأولى، وفى الرسل، وفى الكرازة، وفى الإنجيل؟ كيف حمل الرسل الإنجيل وكرزوا به؟ ومتى فكروا في جمعه وتدوينه؟ ومتى كُتب؟ ولماذا؟ وأين؟ ولمن؟ وما هي الأناجيل المتفقة؟ وما هي أوجه الاتفاق والتميز بينهم؟ وما هي علاقة الأناجيل الأربعة ببعض؟ وما هي علاقتها ببقية أسفار العهد الجديد؟ كيف قُبلت الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد في الكنيسة الأولى بعد تدوينها؟ وكيف تقررت قانونية كل سفر فيها؟ وما هي أراء النقاد؟ وما هي افتراضاتهم ونظرياتهم وأهم آرائهم؟ ما هو موقف الكنيسة في الماضي والحاضر؟ ماذا قال آباء الكنيسة منذ سنة 95 م. إلى نهاية القرن الرابع؟ وكذا كان رأى النقاد في كتاباته هؤلاء الآباء؟
وفى الحقيقة فهذا الموضوع تناوله رجال الكنيسة وعلماؤها، وبصفة خاصة في الغرب، كما تناوله النقاد بمختلف ميولهم واتجاهاتهم وأديانهم، في الغرب والشرق، وهذا الكتاب يقدم خلاصة وأفكار ونظريات جميع الاتجاهات ولكن بروح أباء الكنيسة ومدافعيها القديسين العظماء من أمثال يوستينوس وإيريناؤس وأثناسيوس الرسولى وكيرلس عمود الدين.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:50 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الإنجيل ونوع الوحي فيه
كلمة "إنجيل في اللغة اليونانية "إيوا نجليون – euangelion - εύαγγελιον" وتعنى بصورة عامة "الأخبار السارة" أو "البشارة المفرحة" (1) good News. وقد أخذت كما هي تقريبًا في اللاتينية والقبطية "إيفا نجليون – evangelion" وبنفس المعنى ويرادفها في اللغة العبرية "بشارة" أو "بشرى" وقد وردت في العهد القديم ست مرات بمعنى البشارة أو البشرى بأخبار سارة (2) أو المكافأة على أخبار سارة. ويرادفها في اللغة العربية أيضًا "بشارة" كما تنطق أيضًا "إنجيل" (3).
وتعنى كلمة "إنجيل" في العهد الجديد وبصفة خالصة في الأناجيل الأربعة "بشارة الملكوت" (4)، "بشارة ملكوت الله" (5) الذي جاء في شخص المسيح وبشر به:

"وكان يسوع يطوف كل الجليل ويُعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب" (6)،
"ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم" (7)،
والكلمة المترجمة "بشارة" في هذه الآيات هي "إيوانجليون" أي "إنجيل الملكوت" كما ترجمت بشارة" و "إنجيل" في آية واحدة:
"جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله. فتولوا وآمنوا بالإنجيل" (8).
هذا "الإنجيل" أو هذه "البشارة" هو "إنجيل المسيح" وقد تكررت عبارة "إنجيل المسيح" (9) و"إنجيل ربنا يسوع المسيح" (10) و "إنجيل أبنه" (11) أي ابن الله، 14 مرة في رسائل القديس بولس الرسول في الكلام عن البشارة بالمسيح:
"أنى من أورشليم وما حولها إلى إلليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح" (12)،
"جلت إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح" (13)،
"عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" (14).
وهذا الإنجيل ليس مجرد رسالة حملها المسيح إلى العالم بعد أن نزلت عليه من السماء سواء عن طريق الوحي أو بواسطة ملاك أو في حلم أو في رؤيا أو بوسيلة أخرى كما حدث مع أنبياء العهد القديم "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة" (15)، وإنما هو شخص وعمل وتعليم المسيح نفسه "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (16)، فالمسيح هو ذاته الرسالة، محورها وجوهرها، هدفها وغايتها، كما أنه هو أيضًا حاملها وبعثها ومقدمها إلى العالم، فالإنجيل ليس نصوصًا نزلت على المسيح من السماء، وليس وحيًا أوحى إليه أو رؤيا رآها أو حلمًا حلم به، ولا هو رسالة سمائية نقلت إليه بواسطة ملاك من السماء ولا كان بينه وبين الله وسيط من أي جنس أو نوع، إنما هو شخص المسيح ذاته، عمله وتعليمه، فهو نفسه كلمة الله النازل من السماء، وكلمة الله هو الله الذي نزل من السماء في "ملء الزمان" وحل بين البشر:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. كل شيء به كان وبعيره لم يكن شيء مما كان… والكلمة صار (أتخذ) جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا…" (17)،
"ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (18)،
"الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساويًا لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع.." (19)،
"أجاب يسوع وقال لهم هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله… الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم… أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا… كل ما يعطيني الآب فإلى يقبل ومن يقبل إلى لا أخرجه خارجًا. لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني. وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئًا بل أقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه مشيئة الذي أرسلني إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير.. ليس أن أحدًا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (20).
والإنجيل هو أيضًا "البشارة المفرحة" والخبر السار" good News المقدم للعالم كله في شخص المسيح النازل من السماء ليقدم الخلاص والفداء للعالم أجمع ولينقذ البشرية من الهلاك الأبدي:
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (21).
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (22)،
"هذا هو بالحقيقة المسيح مُخلص العالم" (23)،
"أنا قد جئت نورًا للعالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة… لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (24)،
ينبغي أن يكرز بالإنجيل أولًا لجميع الأمم" (25)،
"أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يدان" (26)،
ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم" (27).
والخلاصة هي أن كلمة إنجيل سواء في الأناجيل الأربعة أو في كل العهد الجديد أو في المسيحية بصفة عامة تعنى كما عبر بالروح القدس القديس لوقا الإنجيلي:
"جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (28).
والسيد المسيح يوحد بين ذاته وبين الإنجيل ويعتبر أن ما له هو ما للإنجيل وما للإنجيل هو له، فيقول "من يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها" (29)، "لأجلى ولأجل الإنجيل" (30). وعندما سكبت امرأة الطيب على رأسه قال: "حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر بما فعلته المرأة تذكارًا لها" (31). الإنجيل هو شخص وعمل وتعليم السيد المسيح، فهو ذاته الرسالة النازلة من السماء وهو أيضًا الرسول الذي قدم الرسالة بذاته وفى ذاته. هو نفسه جوهر هذه الرسالة ومضمونها:
"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه … الذي رآني فقد رأى الآب … أنا في الآب والآب في (32)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:51 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الوحي والسيد المسيح

الإنجيل، كما بيّنا ليس هو رسالة أو نصوص دينية نزلت على المسيح من الماء كما هو الحال في أسفار أنبياء العهد القديم والذين أعلن الله عن ذاته وأرسل رسالاته إلى الأرض بواسطتهم وعن طريقهم وذلك بطرق الوحي المتنوعة مثل الرؤى والأحلام والتكلم مع بعض الأنبياء كموسى "فمًا إلى فم"؛ إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. أما عبدي موسى… فمًا إلى فم أتكلم معه وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز" (33)، "وكلمت الأنبياء وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالًا" (34)، ومثل إرسال الملائكة برسالات محدده أو عن طريق الوحي بالروح مثلما أوحى الله لنوح ببناء الفلك (36). إنما الإنجيل هو ما عمله وعلمه المسيح ذاته، والمسيح لم تنزل عليه رسالة من السماء بل هو ذاته نزل من السماء، فهو نفسه "كلمة الله الذاتي" و "صورة الله غير المنظور" و "بهاء مجده (الله الآب) ورسم جوهره"، وقد كلمنا الله به وفيه ومن خلاله مباشرة :
"الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء الذي به أيضًا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (37).
ولن المسيح هو كلمة الله الذاتي النازل من السماء فهو أعظم من الملائكة الذين حملوا رسالات السماء إلى الأنبياء وأعظم من الأنبياء الذين حملوا رسالات السماء إلى البشرية، والفرق بينه وبينهم هو الفرق بين "ابن الله" وخدام الله وعبيده. يقول الكتاب عن الفرق بينه وبين الملائكة:
أنه "أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم. لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضًا أنا أكون له أبًا وهو يكون لي أبنًا. وأيضًا متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور… ثم لمن من الملائكة قال قط أجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطنًا لقدميك. أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (38).
فالمسيح هو الأعز وهو الابن، ابن الله، والبكر الذي تسجد له جميع ملائكة الله، والجالس عن يمين الله الآب، بينما الملائكة هم أرواحًا خادمة وساجدة للسيد المسيح.
ويقول الوحي الإلهي عن الفرق بين المسيح والأنبياء في المقارنة بين موسى أعظم أنبياء العهد القديم وبين المسيح "حسب أهلًا لمجد أكثر من موسى بمقدار ما لباني البيت من كرامة أكثر من البيت… وموسى كان أمينًا في كل بيته كخادم شهادة للعتيدان يتكلم به. وأما المسيح فكابن على بيته" (39). موسى خادم في بيت الله وإنما المسيح هو ابن الله وصاحب البيت ذاته..
الفرق بين المسيح وبين الملائكة والأنبياء هو الفرق بين "الابن" و "الوارث" و "صاحب البيت" وبين الخدام والعبيد في ليت الله، بين ابن الله وخدام وعبيد الله. ويبين لنا السيد المسيح نفسه الفرق بينه كابن الله وبين الأنبياء كخدام الله وعبيده في مثل الكرم والكرامين الأردياء:
"كان إنسان رب البيت غرس كرمًا وأحاطه بسياج… وسلمه إلى كرامين وسافر. ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذوا أثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا قائلًا يهابون أبنى. وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه" (40).
السيد المسيح يصف الله الآب هنا ب "صاحب الكرم" ويصف الأنبياء "بالعبيد" وقادة إسرائيل "بالكرامين الأردياء" ويصف نفسه ب "الابن، أبنه، أبنى، الوارث، أي أبن الله".
ولأنه ابن الله بينما الملائكة والأنبياء هم خدام الله وعبيده، فقد وصف نفسه بأنه "الأعظم"، أعظم من الملائكة وأعظم من الأنبياء بل "وربهم" جميعًا؛ فقال إنه "أعظم من يوحنا المعمدان" (41) و "أعظم من يونان" (42) النبي، و"أعظم من سليمان" (43)، و "أعظم من يعقوب" (44)، و "أعظم من إبراهيم" "ورب" إبراهيم "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (45)، و "أعظم من داود" و "رب" داود "وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلًا: ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو؟ قالوا ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا قال الرب لربى.. فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون أبنه؟" (46)، كما وصف نفسه بأنه "أعظم من الهيكل" (47). فهو الأعظم في السماء وعلى الأرض والمسجود له من جميع الخلائق في السماء وعلى الأرض "لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (48). وكان هو رجاء جميع الأنبياء وقد تنبئوا جميعًا عنه في كل أسفارهم "ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب… مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (49)، وجميع الأنبياء اشتهوا أن يروه وأن يسمعوه "أن أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا. وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" (50). وهذا ما أعلنه هو ذاته.
وبالتالي فقد كانت رسالته مختلفة عن جميع الأنبياء، وكان شخصهن هو، هدف وغاية رسالات الأنبياء، وكما كان هو غاية إعلانات السماء والإعلان السمائي الأخير، والذي فيه تجلى الله على الأرض ظهر في الجسد، فقد كان الإنجيل، إنجيله، إنجيل المسيح، هو محور وجوهر وخلاصة وختام الوحي الإلهي والنبوة "فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (51).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:53 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الإنجيل، جوهره ومضمونه


الإنجيل، كما بينا، ليس هو مجرد نصوص نزلت من السماء، إنما هو شخص وعمل وتعليم المسيح ذاته، والمسيح ليس مجرد نبي نزل عليه وحى من السماء وإنما هو كلمة الله الذاتي الذي نزل من السماء وأتخذ صورة العبد وظهر في الجسد الإنساني في ملء الزمان. كما أن الإنجيل لا يحتوى على مجرد تعاليم أو نواميس أو شرائع وإنما يقدم "بشارة الخلاص الأبدي" لك البشرية في كل العصور والأزمنة، في شخص وعمل المسيح النازل من السماء والإيمان به "كابن الله الوحيد النازل من السماء ليعطى حياة أبدية للعالم". يقول القديس يوحنا الإنجيلي، بالوحي، عن محتوى وجوهر الإنجيل الذي دونه بالروح القدس:

https://st-takla.org/Pix/Christian-Sy...abic-Bible.gif
"وآيات أخرى كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب (الإنجيل بحسب ما كتب يوحنا). وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا أمنتم حياة باسمه" (52).
ويقول عن جوهر ومحور الكرازة الإنجيلية، أو الرسالة المسيحية:
"الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به كل يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع أبنه يسوع المسيح" (53).
"وهذه هي وصيته (الله الآب) أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح" (54)،
"بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل أبنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.فى هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل هو أحبنا وأرسل أبنه كفارة لخطايانا… ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم. من أعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله" (55)،
"إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يعرف الله فقد جعله كاذبًا لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن أبنه. وهذه الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في أبنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (56)،
"يا أولادي أكتب إليكم هذه لكي لا تخطئوا. وان أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايانا كل العالم أيضًا" (57).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:54 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
آلام المسيح وصلبه وقيامته: جوهر البشارة
https://upload.chjoy.com/uploads/1366610420683.jpg
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير


قال السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته: "هذا هو الكلام كلمتكم له وأنا بعد معكم انه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك"

وهو بهذا يوضح لنا جوهر البشارة الأبدية، الإنجيل الأبدي، الأخبار السارة والتي سبق أن أعلن عنها الوحي الإلهي في جميع أسفار الأنبياء، وهى أنه لابد أن يقدم المسيح ذاته على الصليب ويسفك دمه نيابة عن كل البشرية، من يؤمن به من البشر، يقدم ذاته كفارة عن خطايا العالم وفدية عن الخطاة "هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ب لتكون له الحياة الأبدية" "فإذ ذلك (المسيح) كان يجب أن يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه، وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد الدينونة. هكذا المسيح أيضًا بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه" فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقًا كرسه لنا حديثًا بالحجاب أي جسده" "نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة"

مما سبق يؤكد لنا أن جوهر البشارة هو ما قدمه المسيح للعالم، وهذا ما سبق أن تنبأ به وأعلنه أنبياء العهد القديم، وما قدمه المسيح للعالم هو جسده الذي فيه تألم وصلب ومات وقدم كفارة وفداء وخلاص للعالم أجمع، لكل يؤمن. وهذا ما نادت به الكنيسة منذ لحظة ميلادها يوم الخمسين:

"وأما إله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح تممه هكذا. فتوبوا وأرجعوا لتمحى خطاياكم ولكي تأتى أوقات الفرج من عند الرب. ويرسل آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص" .

والآيات أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقومون وبه أيضًا تخلصون… فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" "إنجيل الله الذي سبق فوعد به أنبيائه في الكتب المقدسة عن أبنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات… يسوع المسيح ربنا… الله الذي أعبده بروحي في إنجيل أبنه… لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن… لأن فيه معلن بر الله"

"ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا فإنما هو مكتوم في الهالكين الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله. فإننا لسنا نكرر بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربًا ولكن بأنفسنا عبيدًا لكم من أجل يسوع. لأن الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لمعرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" "إنه بإعلان عرفني بالسر… سر المسيح… كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح. أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل"

"الذي هو (المسيح) قبل كل شيء وفيه يقوم الكل… لأنه فيه سر، أن يحل كل الملء "ملء اللاهوت" . وأن يصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه… قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه إن ثبتم على الإيمان متأسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذي سمعتوه المكروز به في الخليقة التي تحت السماء"

"مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل"

الإنجيل إذًا هو غنى مجد المسيح صورة الله غير المنظور، نور المسيح الذي يشرق في القلوب قوة الله للخلاص بالمسيح، الخلود والحياة الأبدية في المسيح، عمل الله في المسيح الذي سبق أن وعد به أنبياء في القديم بالروح القدس "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها"
أنه البشارة بالخلاص الأبدي البشارة المفرحة والخبر السار بالحياة الأبدية في المسيح، بشارة الخلود والحياة الأبدية في المسيح. ويمكن أن نلخص الإنجيل بعبارة واحدة هي: "إنجيل المسيح"،

"وأما أنا فقد آتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"

وهكذا كان جوهر ومحور الكرازة المسيحية هو البشارة بالمسيح":

"وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفى البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح"

"وابتدأ من هذا الكتاب (سفر إشعياء) فبشره بيسوع"

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:55 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
إعلان الآب في الابن

تبدأ الرسالة إلى العبرانيين بالآيات التالية والتي تلخص جوهر الإعلان في الإنجيل:
"الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في "أبنه" الذي جعله "وارثًا" لك شيء الذي "به" أيضًا "عمل العالمين".
"صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا" "جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرًا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسمًا أفضل منهم. لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضًا أنا أكون له أبًا وهو يكون لي أبنًا" (1).
ويبدأ الإنجيل للقديس يوحنا بالآيات التالية التي تعلن عن حقيقة كلمة الله "الكلمة" وتكشف كيف تجسد الكلمة ونزل من السماء وظهر على الأرض وأعلن عن الله الآب في ذاته:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه… كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم. كان في العالم وكون العالم به ولم يعرف العالم… والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا… ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا. ونعمة فوق نعمة. لأن الناموسبموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (2). وعبارة "هو خبز تعنى "هو الذي أخبر عنه" كما جاءت في كثير من الترجمات العربية الحديثة.
ويكشف السيد المسيح عن حقيقة العلاقة بين الآب والابن وجوهر إعلان الإنجيل الذي بذاته وفى ذاته بقوله:
"كل شيء قد دُفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف (من هو) (3) الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف (من هو) (3) الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يُعلن لهُ. تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا منى. لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي خفيف" (4).
وقبل صعوده إلى السماء مباشرة قال السيد المسيح لتلاميذه:
"دُفع إلى كل السلطان في السماء وعلى الأرض. فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (5).
هذه الآيات وغيرها توضح لنا الحقائق التالية:
إن الله قد سبق وأعلن عن ذاته في القديم عن طريق وبواسطة الأنبياء مثل موسى وصموئيل وإشعياء وإرمياء وحزقيال وغيرهم إلى ملاخى.
وهؤلاء الأنبياء نزل علهم وحى الله وإعلانه عن ذاته ليس في شكل أو أسلوب واحد وإنما تعامل معهم بأشكال مختلفة وأنواع وطرق كثيرة كالرؤى والأحلام والأمثال والتشبيه والرموز وروح الله الذي كان يحل على النبي ويتكلم بلسانه "وحى داود بن يسى… روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني" (6)، وكذلك الألغاز وإرسال الملائكة، "رسل الله"، واستخدام الطبيعة كالريح والنار والسحاب واستخدام أدوات خيمة الاجتماع الطقسية، الأوريم والتميم، أو بالكتابة المباشرة، الوصايا العشر (7)، أو بمخاطبة النبي "فمًا إلى فم"، كموسى النبي: "إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. أما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتى. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين" (8)، "وكلمت الأنبياء" وكثرت الرؤى، وبيد الأنبياء مثلت أمثالًا" (9).
وكان هؤلاء الأنبياء لا يقولون ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم به الله بالوحي:
"لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به" (10)،
"وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلمكما ماذا تصنعان" (11)،
وكان الله يختار النبي بناء على مشورته الإلهية وعلمه السابق دون أن يكون للنبي أي دخل في هذا الاختيار الإلهي، كما أن كثيرين من الأنبياء لم يروا في أنفسهم الكفاية لهذا الاختيار الإلهي فقال موسى النبي عندما أرسله الله إلى فرعون ليخرج شعبه من مصر: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون… فقال (الله) إني أكون معك" (12)، وقال إرميا النبي عندما دعاه الله للنبوة "إني لأعرف أن أتكلم لأني ولد. فقال الرب لا تقل أنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب ويتكلم بكل ما آمرك به… ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك" (13)، وقال عاموس النبي "لست أنا نبيًا ولا ابن نبي بل أنا راع وجاني جميز. فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي أذهب وتنبأ لشعبي إسرائيل" (14).
3- وأخيرا كلمنا الله مباشرة وبدون واسطة بذاته، مباشرة، في أبنه، كلمته الذاتي وعقله الناطق، "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في أبنه". وهذا ما أوضحه السيد المسيح، نفسه، في مثل الكرمة والكرامين الأردياء حين قال أن الله الله "الآب" أرسل عبيده الأنبياء إلى بنى إسرائيل فاضطهدوهم "وجلدوا بعضًا ورجموا بعضًا" و "أخيرًا أرسل إليهم أبنه قائلًا يهابون أبنى" (15). وما قاله لنيقوديموس "هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد".
4- وابن الله هذا هو كلمة الله، الذي هو الله، صورة الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم جوهره، الأعظم من الملائكة والبشر والذي له السيادة والسلطان على جميع المخلوقات ما في السموات. ومن على الأرض ومن تحت الأرض.
5- ولم يكن إنجيله هو وحى نزل عليه من السماء بوسيلة ما مثل بقية الأنبياء وإنما كان هو ذاته النازل من السماء وتعليمه نابع من ذاته لأنه كلمة الله وأعماله نابعة من ذاته، لأن الآب يعمل به "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل… لأن مهما عمل ذاك (الآب) يعمله الابن كذلك. لأن الآب يحب الابن ويريه ما هو يعمله" (16).
6- ولم يكن الإعلان في الإنجيل هو مجرد رسالة نزلت على المسيح ودونت في كتاب ليقرأُه فئة من الناس، كما هو الحال بالنسبة لأسفار موسى الخمسة أو بقية أسفار العهد القديم، وإنما الإعلان في الإنجيل، الإنجيل ذاته، هو الخير السار والبشارة المفرحة المقدم للعالم أجمع والذي يتلخص فيما قاله الوحي "أنت المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (17)، هو "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (18)، هو الدعوة والكرازة بالمسيح وإلى أقصى الأرض" (18)، هو الإيمان بالمسيح ابن الله لنوال الحياة الأبدية "أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (19)، هو الشهادة "أن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم" (20).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:57 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
إعلان الله في الابن هو الإعلان النهائي

يقول السيد المسيح "فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا يهابون أبنى" (21)، ويقول القديس بولس "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في أبنه"، كان إعلان الله الأخير والنهائي في "أبنه". و "أبنه"، "الابن"، "ابن الله" هو أعظم ممن في السماء ومن على الأرض، فهو "ابن الله الوحيد" الذي من "ذاته" وفى "ذاته"، "صورة الله غير المنظور" (22)، "بهاء مجده ورسم جوهره". بنوة المسيح "الابن" لله "الآب" ليس مجرد بنوة روحية فقط أو بنوة معنوية وإنما هي بنوة حقيقة، فعليه، بنوة إلهية ذاتية لأن الابن مولود من ذات الآب وفى ذاته ولادة ذاتية لا نهائية وغير منفصلة فوق الجنس والحس والإدراك وفى كامل التجريد والتنزيه "أنت أبنى أنا اليوم ولدتك" (23)، ومن ثم فقد وصف الوحي الإلهي "الابن" بالابن الوحيد، الوحيد الجنس "مونوجينيس – Monogenes". الابن من ذات الآب، يقول "لأنى منه" (24)، وفى ذاته "أنا في الآب والآب فيَّ"، والكائن في حضن الآب، أبدًا، بدون انفصال "الذي هو في حضن الآب"، لذا يقول "أنا والآب واحد" (26).
هذا الابن نزل من السماء و "صار جسدًا"، "أتخذ جسدًا" "آخذًا صورة عبد" (27) "ظهر في الجسد"، "وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا"، "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر"، والنص اليوناني لعبارة "الابن الوحيد" هو "مونوجينيس ثيؤس – Monogenes Theos" أي "الإله وحيد الجنس" وفى القبطية "مونوجينيس أنّوتى – Monogenes Anoty" أي "وحيد الجنس الإلهي" وفى الترجمة العالمية الحديثة NIV والتي تعتمد على أقدم المخطوطات “God the One and Only" أي "الإله الوحيد" "الإله الوحيد الذي هو في حضن الآب"، "وحيد الجنس الإلهي، الكائن في حضن أبيه". الآب والابن واحد في الذات والجوهر والطبيعة الإلهية.
هذه البنوة وهذه العلاقة بين الآب والابن لا يعرفها ولا يدركها أحد إلا الابن ذاته والذي أعلن "وليس أحد يعرف من هو الآب إلا الابن ولا من هو الابن إلا الآب. ومن أراد الابن أن يعلن له" (28). ويكشف السيد علة ذلك بقوله: "أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني" (29).
والابن كما يقول عن نفسه هو الوارث" (30)، ومن الطبيعي أن الابن يرث أباه، والسيد المسيح، الابن هو الوارث "الذي جعله وارثًا لكل شيء أو كما سبق أن تنبأ داود النبي عنه "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملك لك" (31)، وكما قال هو ذاته "كل شيء قد دفع إلى من أبى" (32)، "دُفع إلى كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (33)، "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يديه" (34)، "لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (35)، وكما خاطب الآب "مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضًا إذ أعطيته سلطان على كل جسد ليعطى حياة أبدية لكل من أعطيته" (36)، ويقول عنه الوحي الإلهي الإنجيل "يسوع وهو عالم أن كل شيء قد دُفع إليه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضى" (37)، وفى الرسائل "لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات" (38)، "وأخضع كل شيء تحت قدميه" (39)، "لذلك رفعه الله وأعطاه أسمًا فوق كل أسم لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب" (40)، "لأنه إذ أخضع الكل له لم يترك شيئًا غير خاضع له" (41)، "الذي هو في يمين الله وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له" (42). وسبق دانيال النبي أن رآه في رؤيا وتنبأ عن سيادته على كل الشعوب:
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانة سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض" (43).
والابن كما يقول هو ذاته يعمل كل ما يعمله الآب:
"أجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل… لأن مهما عمل ذلك فهذا يعمله الابن كذلك لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله" (44).
ومن ثم يقول الوحي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة" (45)، "فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات الكل به وله قد خلق" (46). فقد خلق الله العالم بكلمته وكلمته هو الابن، السيد المسيح، أو كما يقول الوحي الإلهي "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (47)، "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (48)، "الذي به أيضًا عمل العالمين" (49) أي أن الله خلق الكون بابنه، كلمته، المسيح. وهو أيضًا، "الابن"، "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته"، فهو مدير الكون ومهندسه ومدبره "الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل" (51).
والابن هو كلمة الله، نطق الله الذاتي وعقله الناطق. وكلمة الله هو الله "فلا البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (52). وهو "ملك الملوك ورب الأرباب" (53). وهو "قوة الله وحكمة الله" (54)، المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (55)، "صورة الله غير المنظور"، "بهاء مجده ورسم جوهره". كلمة الله هو نطق الله الذاتي وعقله الناطق يصدر من ذات الله بالولادة وهو في ذات الله أزلًا بدون انفصال لأنه منه وبه وفيه. وكلمة الله، أو نطق الله الذاتي ليس مجرد نطق مثل نطق الإنسان أو لفظ يسرى في الهواء بعد أن يخرج من الفم، أنه صفة ذاتية وجوهرية في الذات الإلهية له كيان، وهو كائن في ذات الآب بدون انفصال "الابن الوحيد الذي هو حضن الآب هو خّبر"، هو "جوهر فردى عاقل… كائن موجود في جوهر الله… متفرد بخاصيته وهو أنه الكائن الوحيد.. العقل المطلق.. يستطيع أن يعبر عن نفسه بكلمة "أنا" لأنه ليس مجرد طاقة أو معنى.. يتصرف كجوهر كامل باستخدام خواص أقنوم الذات في الوجود وأقنوم الحياة في أنه حي" (56)، أو كما قال القديس أثناسيوس الرسولي "الله تام وليس بعادم كلمته… الله لم يكن قط بلا كلمة ولكن لم يزل له الكلمة متولد منه، ليس مثل كلمتنا التي لا قوام لها المهراقة في الهواء. ولكن كلمته ذو قوام حي تام ليس بمفترق منه ولكن ثابت أبدًا فيه لأنه لا موضوع له يكون فيه خارجًا من حيث لا يكون لأنه لا يخلو منه موضوع، فهو كلمته يملأ كل شيء ولا يسعه شيء" (56).
وفى الوقت المحدد لتجسده، في "ملء الزمان" نزل "ابن الله"، "كلمة الله" من السماء وظهر على الأرض، في الجسد، وحل بين البشرية وكشف عن ذات الآب وأعلن عن إرادته وغايته العظيمة للبشر والتي لخصه في آية واحدة "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (57). وقد جاء من "عند الآب"، خرج من ذات الآب، هو والآب واحد، وهو في الآب والآب فيه ومن رآه فقد رأى الآب، وأنه سيعود إلى الآب الذي جاء من عنده، جاء منه، وهو كائن فيه، برغم أنه، بلاهوته كان في السماء وعلى الأرض في آن واحد: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (58):
"ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (59).
"والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا… الله لم يره أحد قط إلا الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خّبر" (60)، "أخبر عنه"،
"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كُرز به بين الأمم أؤمن به في العالم رُفع في المجد" (61)،
"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الأبد إلا بي. لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانًا هذا مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أنى في الآب والآب فى… صدقونى أنى في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (62).
"خرجت من عند الآب وآتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأعود إلى الآب" (63).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:58 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
إعلان الآب في الابن هو إعلان النسل الآتي

يقول القديس يوحنا الرائي أنه عندما هم بالسجود للملاك الذي كان يقوده في رؤياه قال له الملاك "أنظر لا تفعل. أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (64)، فقد تنبأ جميع أنبياء العهد القديم عن السيد المسيح وكانت كل نبؤاتهم تشير إليه وتتجه نحوه، وقد كان هو قلب وجوهر وروح النبوة باعتباره إعلان الله النهائي والأخير للبشرية الذي جاء مخلصًا غافرًا للخطايا.
يقول بطرس الرسولبالروح القدس "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (65)، ويقول أيضًا أن الأنبياء لم يتنبأوا عن الخلاص بالمسيح فقط، بل "فتشوا وبحثوا عن هذا الخلاص الذي دلهم عليه روح المسيح ذاته الذي كان فيهم:
"الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم. باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (66).
هذه الحقيقة الجوهرية في إعلان العهد القديم أعلنها السيد المسيح لتلاميذه ورسله بأكثر وضوح بعد قيامته فقال لتلميذى عمواس:
"أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم له الأنبياء. أما كان ينبغي أن يتألم المسيح بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (67).
وقال لتلاميذ جميعًا "هم والذين معهم" (68):
"هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب على في ناموسموسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم" (69).
وهكذا يعلن الملاك والسيد المسيح وتلاميذه كما تشهد كل أسفار العهد القديم أن جميع الأنبياء تنبأوا عن السيد المسيح باعتباره إعلان الله النهائي للبشرية ومخلص العالم أجمع، لمن يؤمن به، ويقول العلامة الإنجليزي وستكوت: أن تعليم البين اليهود يقول أن "الأنبياء يحسبون أنبياء فقط لأنهم تنبأوا عن المسيا" (70).
وقد دعت النبوات المسيح ب "النسل الآتي" و"كوكب يعقوب" و"شيلون" أي الذي يكون له خضوع شعوب و"المسيح" و"ابن داود" و"الغصن" و"عمانوئيل" و"المدير" و"العجيب المشير الإله القدير" و"رئيس السلام" و"مولود العذراء" و"مولود بيت لحم"… الخ وغير ذلك من الألقاب.
ويبدأ الإعلان عن المسيح المنتظر بمجرد خروج آدم وحواء من جنة عدن، فقد خرجا من الفردوس بغواية وحسد إبليس الحية القديمة (71)، ودعى هذا النسل ب "نسل المرأة":
فقال الله للحية "وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك (71) وأنت تسحقين عقبه" (72).
وبتأكيد الوعد الإلهي أن هذا "النسل الموعود" الذي سيسحق رأس الحية، أي إبليس، سيأتي من المرأة، ومن المرأة فقط من دون الرجل، كان لابد أن يولد من عذراء، بكر، بتول، ومن ثم تنبأ إشعياء النبي بنبوته الخالدة:
"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد أبنًا وتدعوا أسمه عمانوئيل" (73).
وقد أستخدم الوحي الإلهي في هذه الآية الكلمة العبرية "عولماْ" والتي تعنى "فتاة ناضجة" وعذراء كاملة الأنوثة، امرأة في سن الزواج، أو عروس ولكن لم تدخل على عريسها بعد (74). وقد نقلها الوحي في العهد الجديد "عذراء – بارثينوس".
وأكد الوحي في العهد الجديد (الإنجيل) أن السيد المسيح هو هذا النسل الموعود فقال "ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (75)،
"أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى عذراء… وأسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال… ها أنت ستحبلين وتلدين أبنًا وتسمينه يسوع… فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا. فأجاب الملاك وقال لها الروح القدير يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (76).
ثم أختار الله إبراهيم أبو الآباء ليأتي هذا "النسل الموعود" من ذريته وقال له "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (77)، وأكد له الله أن هذا النسل سيأتي من أبنه إسحق "امرأتك تلد لك أبنًا وتدعوه أسمه إسحق. وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لنسله من بعده" (78)، ثم أكد الله هذا الوعد لإسحق وقال له نفس ما قاله لأبيه إبراهيم: "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (79)، ومن أبنى إسحق، عيسو ويعقوب أختار الله يعقوب وكرر له نفس الوعد الذي سبق أن وعد به إبراهيم وإسحق وقال له "وتتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض" (80).
وأكد الوحي الإلهي في العهد الجديد إن "نسل" إبراهيم وإسحق ويعقوب هذا هو السيد المسيح، فقال القديس بطرس الرسول لآلاف اليهود: "والعهد الذي عاهد به إله آبائنا قائلًا لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولًا إذ قام الله فتاة يسوع إذ أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره" (81)، وقال القديس بولس الرسول: "والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم… لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع… وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفى نسله. ولا يقول في الإنسان كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفى نسلك الذي هو المسيح" (82).
وتنبأ بلعام بن بعورن في زمن موسى النبي قائلًا عن هذا النسل الذي وصفه ب "كوكب من يعقوب": "أراه ليس الآن أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بنى الوغى" (83). وتنبأ يعقوب بأن هذا "النسل الآتي" سيأتي من ذرية ونسل أبنه الرابع يهوذا، من سبط يهوذا، فقال بالروح متنبئًا ليهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا أو مشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (84). وكلمة "شيلون" في العبرية "شيلوه" وتعنى "الذي له"، "الذي له الحكم"، "الذي له الصولجان"، "الذي له السيادة"، وبحسب نص النبوءة تعنى "الذي له.. خضوع شعوب".
هذا الذي سيكون له خضوع شعوب والذي سيأتي في نهاية، أو عند انتهاء الحكم من سبط يهوذا، تنبأ عنه إشعياء النبي بأنه سيكون "راية للشعوب إياه تطلب الأمم عليه مجدًا" (85)، أو كما يوضح الوحي في العهد الجديد معنى هذه النبوءة "ليسود على الأمم عليه سيكون رجاء الأمم" (86)، ومن ثم يتنبأ إشعياء عنه أيضًا: "فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك" (87)، "فيخرج الحق للأمم" (88)، "قد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض" (89). وتنبأ حجي النبي بأنه هو "مشتهى كل الأمم"، "وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم" (90)، وتنبأ ملاخى النبي بأنه "السيد المطلوب" و"وملاك العهد"؛ "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود" (91).
وتنبأ حزقيال النبي بأنه ستحدث انقلابات كثيرة حتى يأتي هذا "النسل الآتي" فقال بالروح "منقلبًا منقلبًا أجعله. هذا لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه" (92).
وقد جاء السيد المسيح في وقت انتهاء حكم سبط يهوذا الذي تسلم منهم الحكم هيرودس الكبير الذي ولد السيد المسيح في أواخر أيامه والذي قتل أطفال بيت لحم (93). والسيد المسيح وصف نفسه بأنه هو "كوكب يعقوب"، "كوكب الصبح المنير": "أنا يسوع… كوكب الصبح المنير" (94) الذي ينير القلوب كما يقول بطرس الرسول بالروح "ويطلع (يشرق) كوكب الصبح في قلوبكم" (95)، وهو الحاكم الروحي "ملك الملوك ورب الأرباب" (96) الذي جاء من سبط يهوذا لكي يملك على بيت يعقوب الروحي. قال القديس بولس الرسول بالروح "إن ربنا قد طلع من سبط يهوذا" (97) وجاء في سفر الرؤيا أنه "الأسد الذي من سبط يهوذا" (98)، وقال الملاك للعذراء حين بشرها بميلاده "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد" (99).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 04:59 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
إعلان الآب في الابن هو إعلان المسيح المُنتَظَر

كلمة "مسيح" في اللغة العبرية هي "ماشيح – Mashiah" من الفعل العبرى "مشح" أي "مسح" وتنطق بالآرامية "ماشيحا" ويقابلها في اللغة العربية "مسيح" ومعناها، في العهد القديم، الممسوح "بالدهن المقدس" the annoited، ونقلت كلمة "ماشيح" إلى اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية "ميسياس – Messias" وعن اليونانية نقلت إلى اللغات الأوربية "ماسيا – Massiah" كما ترجمت الكلمة إلى اليونانية، أيضًا ترجمة فعلية "خريستوس – christos" أي المسيح أو الممسوح annointed، من الفعل اليوناني "خريو – chriw" أي يمسح والذي يقابل الفعل العبرى "مشح" والعربي "مسح"، وفى اللاتينية جاءت "كريستوس – christos" وعنها في اللغات الأوربية "christ".
وكانت عملية المسح تتم في العهد القديم "بالدهن المقدس" الذي كان يصنع من أفخر الأطياب وأفخر أصناف العطارة وزيت الزيتون النقي:
"وكلم الرب موسى قائلًا: وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب. مرًا قاطرًا… وقرفة عطرة… وقصب الزريرة… وسليخة… ومن زيت الزيتون… وتصنعه دهنًا للمسحة. عطر عطارة صنعه العطار دهنًا مقدسًا للمسحة… يكون… يكون هذا لي دهنًا مقدسًا في أجيالكم" (100).
وكان الشخص أو الشيء إلى يدهن بهذا الدهن المقدس يصير مقدسًا، مكرسًا ومخصصًا للرب، وكل ما يمسه يصير مقدسًا:
"وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشاهدة والمائدة كل آنيتها والمنارة وآنيتها. ومذبح البخور ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدسًا" (101).
وكان الكهنة والملوك والأنبياء يدهنون بهذا "الدهن المقدس" ليكونوا مقدسين، مكرسين ومخصصين، للرب:
"وتمسح هرون وبنيه ليكهنوا لي" (102)،
"فأمسحه (شاول) رئيسًا لشعبي…." (103)،
"وآتى رجال يهوذا ومسحوا هناك داود ملكًا على بيت يهوذا" (104)،
وقال الرب لإيليا وأمسح يا هو بن نمشى ملكًا على إسرائيل وامسح إليشع بن شافاط… نبيًا عوضًا عنك" (105).
وكانت عملية المسح تتم بصب الدهن المقدس على رأس الممسوح وكذلك الأواني والأماكن الطقسية المراد مسحها وتقديسها فيصير الإنسان الممسوح مقدسًا ويحل عليه "روح الرب" وتتحول الأواني والأماكن إلى قدس للرب:
"ثم أخذ موسى دهن المسحة ومسح المسكن وكل ما فيه وقدسه. ونضح منه على المذبح مرات ومسح المذبح وجميع آنيته والمرحضة وقاعدتها لتقديسها. وصب دهن المسحة على رأس هرون ومسحه لتقديسه" (107)،
"فأخذ صموئيل قرن الدهنة ومسحه (داود) في وسط أخوته وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدا" (108)،
وقال صموئيل النبي لشاول بعد مسحه ملكًا "فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم (أى جماعة الأنبياء). وتتحول إلى رجل آخر" (109).
وهكذا دعى الكهنة والأنبياء والملوك ب "مسحاء الرب" (110) ومفردها "مسيح الرب" (111) لأنهم مُسحوا بالدهن المقدس وحل عليهم روح الرب. ولكن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكد لنا من خلال نبوات جميع الأنبياء أن هؤلاء "المسحاء" جميعًا، سواء من الكهنة أو الأنبياء أو الملوك، كانوا ظلًا ورمزًا "للنسل الآتي" والذي دعى من عصر داود فصاعدًا ب "المسيح"، وكانوا جميعًا متعلقين بهذا المسيح "مسيح المستقبل" الذي سوف يأتي في ملء الزمان" والذي وصفه الوحي في سفر دانيال النبي بـ"المسيح الرئيس" (112) و"قدوس القدويسين" (113) والذي سوف يكون له وظائف الكاهن والنبي والملك؛ الكاهن الكامل والنبي الكامل والملك الكامل.
لم يستطع أحد من البشر في كل العصور والأجيال أن يحقق الكمال في ذاته، يقول الوحي الإلهي "أكل قد زاغوا معًا. فسدوا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا وأحد" (114)، وكان لابد أن يأتي هذا "المسيح المنتظر" و"النسل الآتي" ليحقق الكمال في ذاته وينتشل البشرية من خطاياها، ومن ثم فقد كشف الوحي الإلهي للبشرية عن حتمية مجيء هذا "المسيح"، "الكامل" وتنبأ جميع الأنبياء عنه واشتهوا أن يروه وأن يسمعوا صوته (115) كما أعلن السيد المسيح نفسه ذلك.
هذا "انسل الآتي"، " الذي له السيادة" و"المسيح المنتظر"، كوكب يعقوب"، "كوكب الصبح المنير"، أعلن الوحي الإلهي أنه سيأتي من سلالة داود النبي والملك، فقد صار الوعد الإلهي لداود نفسه:
"أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبنى بيتًا لأسمى وأنا أثبت مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أبًا وهو يكون لي أبنًا. كرسيك يكون ثابتًا إلى الأبد" (116).
وقد تحقق هذا الوعد بعد داود مباشرة في ابنه سليمان الذي بنى الهيكل وجلس على كرسي عرش، داود أبيه. ولكن وعد الله لداود لم يكن مجرد وعد بملك يجلس على عرشه لفترة محدودة من الزمن، بل كان وعدًا بملك أبدى بملك إلى الأبد:
"مرة حلفت بقدسي أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي" (117)،
"وأجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات" (118)،
"يكون أسمه إلى الدهر. قدام الشمس يمتد أسمه ويتباركون به. كل الأمم يطوبونه" (119).
كان وعدًا بملك سمائي، روحاني، أبدى، هو الجالس عن يمين الآب، وهو رب داود نفسه: "قال الرب لربى أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطنًا لقدميك". قال السيد المسيح لرؤساء اليهود "ماذا تظنون في المسيح؟ أبن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربى أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطنًا لقدميك. فإن كان داود يدعوه بالروح ربًا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة" (120)
ويقول داود بالروح في المزمور الثاني عن هذا النسل الآتي، المسيح المنتظر، ابن داود، أنه "مسيح الرب"، "الملك الأبدي الممسوح من الله"، "ابن الله"، "الذي له السيادة على الكون":
"لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل قام ملوك الأرض وتأمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه … أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي. إني أخبر من جهة قضاء الرب قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا لك … فالآن أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعده. اقبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق (121)".
ويقول بالروح في مزمور 45 "أنت أبرع جمالًا من بنى البشر انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد" ثم يصل إلى الذروة عندما يدعوه بالروح "الله رب العرش":"كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك (122)".
وتصل ذروة النبوءة في سفر أشعياء النبي حين يعلن الوحي الإلهي أن ابن داود هذا، النسل الآتي والمسيح المنتظر، هو "الإله القدير" ذاته ويصفه بأكثر من صفة من صفات الله التي لا يمكن أن يتصف بها غيره:
"لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفيه ويدعى أسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد. غيره رب الجنود تصنع هذا (123)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:01 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
توالي النبوات عن المسيح



وتتوالى النبوات في سفر أشعياء وفى بقية أسفار أنبياء العهد القديم عن هذا المسيح الآتي الذي سيملك على جميع الشعوب بالحق والبر ويدعونه بالذي تطلبه الأمم والمشرع لجميع الشعوب وغصن البر والرب برنا والراعي الواحد، الراعي الصالح :
"ويخرج قضيب من جزع يسى وينبت غصن من أصوله … ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى (والد داود) القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ومحله يكون مجدًا" (أشعياء 1:11،10).

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...Prophet-01.jpg
"وأقطع لكم عهدًا أبديًا مراحم داود الصادقة هوذا قد جعلته شارعًا للشعوب رئيسًا وموصيًا للشعوب" (أشعياء 3:55،4).
"ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجرى حقًا وعدلًا في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا وهوذا أسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أرمياء 5:23،6).
"ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وإلى بيت يهوذا. في تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبت لداود غصن البر فيجرى عدلًا وبرًا في الأرض في تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الرب برنا" (أرمياء 14:33-16).
"وأقيم عليها راعيًا واحدًا فيرعاها عبدي داود هو يرعاها وهو يكون لها راعيًا. وأنا الرب أكون لهم إلهًا وعبدي داود رئيسًا في وسطهم" (حزقيال 23:24،24).
داود عبدي يكون ملكًا عليهم ويكون لجميعهم راع واحد فيسلكون في أحكامى ويحفظون فرائضي ويعملون بها … وعبدي داود رئيس عليهم إلى الأبد" (حزقيال 24:37،25).
وقد تنبأ ميخا النبي أنه سيولد في بيت لحم على الرغم من أنه الأزلي الموجود قبل كل وجود: "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل وخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 2:5).
وتنبأ جميع الأنبياء أن هذا المسيح الآتي، النسل الموعود، لن يأتي كملك جبار بل كراع حنون يرعى قطيعه، شعبه، إلى مياه حية، إلى الحياة الأبدية :
"كراع يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان وفى حضنه يحملها ويقود المرضعات" (أشعياء 11:40).
"لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضربهم حر ولا شمس لأن الذي يرحمهم يهديهم وإلى ينابيع المياه يوردهم" (أشعياء 10:49).
وقد تمت جميع النبوات حرفيًا في السيد المسيح الذي تنبأت النبوءات إنه لابد سيأتي. قالت المرأة السامرية للسيد المسيح: "أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء. قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو" (121)، ولما تبع أندرواس السيد المسيح بناء على شهادة يوحنا المعمدان عنه قال لبطرس أخاه "قد وجدنا مسيا. الذي تفسيره المسيح" (122). وعندما سأل رئيس الكهنة السيد المسيح عند محاكمته "هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع أنت قلت. وأيضًا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء" (123). وهو بذلك يشير إلى ما سبق أن تنبأ به دانيال النبي قائلًا بالروح: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته مال ينقرض" (124).
ولما بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم بأنها ستحيل وتلد المسيح "الآتي" إلى العالم قال لها: "وها أنت ستحبلين وتلدين أبنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلى يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية… الروح القدس يحل عليك وقوة أعلى تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (125).
ولما أرسل يوحنا المعمدان أثنين من تلاميذه إلى السيد المسيح ليسألاه السؤال الذي انتظرت الإجابة عليه أجيالًا كثيرة: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟" قال لهما "أذهبا وأخيرًا يوحنا بما تسمعان وتنظران. العمى يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ" (126). وهو بهذا يشير إلى ما سبق أن تنبأ به عنه إشعياء النبي "حينئذ تنفتح عيون العمى وآذان الصم تنفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الآخرين" (127)، "وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (128).
وفى مجمع الناصرة أعلن أمام الجموع إنه هو "الآتي" الذي تنبأ عنه الأنبياء مستشهدًا بما جاء عنه في سفر إشعياء النبي: "ودخل إلى المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ. فدفع إليه بسفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه روح الرب على لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفى المنكسري القلوب لأنادى للمأسورين بالإطلاق وللعمى بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس… فابتدأ يقول لهم أنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم" (129).
وعندما أراد السيد المسيح أن يعلن عن هذه الحقيقة لتلاميذه سألهم قائلًا: "من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ قالوا قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم وأنتم من تقولون أنى أنا؟ فأجاب بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحى. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. لن لحمًا ودمًا لم يعلن لك لكن أبى الذي في السموات" (130). وفى مناسبة أخرى كرر القديس بطرس إعلان هذه الحقيقة قائلًا: "ونحن أمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي" (131). وقالت له مرثا أخت لعاذر "أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم" (132).
وفى وقت ميلاد المسيح بالجسد من مريم العذراء كان اليهود في حالة انتظار وترقب لاقتراب مجيئه، وذلك بناء على معرفتهم بالنبوات التي تنبأت عنه ودراستهم لها، فقد ظهرت علامات مجيئه بانقطاع الحكم من سبط يهوذا وذلك باستيلاء هيرودس الكبير وأولاده الذين ولد السيد المسيح وصلب في عهدهم، على الحكم تحقيقًا لنبؤة يعقوب لابنه يهوذا "لا يزال قضيب (الحكم) من يهوذا أو مشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (الذي له الحكم والسيادة)" (133)، وكذلك أيضًا تحقيقًا لنبوءة دانيال النبي الذي تنبأ أن المسيح الآتي والذي وصفه ب "المسيح الرئيس" سيأتي ويقطع (أي يصلب) بعد مرور 490 سنة على صدور الأمر لتجديد أورشليم وبنائها" (134)، وكان الأمر قد صدر بذلك سنة 454ق.م" (135) وبناء على ذلك كان اليهود وقت ميلاده يعلمون أنهم يعيشون في الوقت المحدد لميلاده. وبالإضافة إلى ما جاء في النبوات فقد امتلأت كتب اليهود فيما بين ملاخى النبي حوالي 430ق.م. وآخر أنبياء اليهود قبل يوحنا المعمدان وبين السيد المسيح، وهى الفترة المسماة بفترة ما بين العهدين، بالكثير من التقاليد والأقوال التفسيرية وأدب الرؤى عن هذا المسيح الآتي" (136). بل وكان بعض شيوخ اليهود المعاصرين لتلك الفترة قد صار لهم الوعد من الله إنهم أن يموتوا قبل أن يروا "مسيح الرب" الآتي إلى العالم، ومن هؤلاء سمعان الشيخ الذي -كما يقول الكتاب- "كان بارًا تقيًا ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحى إليه بالروح القدس أنه لن يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب" (137). ولما دخل الطفل يسوع في اليوم الثامن لميلاده إلى الهيكل مع يوسف ومريم العذراء ليختن حسب الناموس، ذهب سمعان بالروح إلى الهيكل وحمل الطفل على ذراعيه "وبارك الله وقال: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (138). وكان هناك في نفس الوقت "حنة بنت فنوئيل" التي كانت عابدة في الهيكل منذ حوالي أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل، هذه العابدة عندما رأت الطفل الإلهي، الآتي إلى العالم، "في تلك الساعة وقفت تسبح الله وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم" (139).
وقد ظن الشعب عندما ظهر يوحنا المعمدان أنه قد يكون المسيح المنتظر "وإذا كان الشعب ينتظرون ويفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح" (140) وقد أجابهم يوحنا بقوله "أنا أعمدكم بماء للتوبة" (141) ولكن يأتي من هو أقوى منى الذي لست أهلًا أن أحل سيور حذائه" (142). وفى اليوم التالي جاء السيد المسيح إلى يوحنا فأشار إليه قائلًا "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم. هذا الذي قلت عنه يأتي بعدى رجل قد صار قدامى لأنه كان قبلي… وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (143).
وكان الرب يسوع المسيح يبرهن على صحة رسالته، في مواقف كثيرة بما سبق أن تنبأ به عنه جميع الأنبياء؛ ومن بين أقواله في ذلك:
"لأنكم لو كنتم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهى التي تشهد لي" (144)،
"لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموسموسى والأنبياء والمزامير" (146)،
"ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (147).
وكان تلاميذه ورسله عندما يبدأون كرازتهم لليهود، خاصة في المجامع يوم السبت، ويدعونها للإيمان به بالروح القدس، يبدأون بإعلان ما سبق وتنبأ به عنه جميع الأنبياء ويفسرونه لهم؛ يقول يكون. إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعًا أن ينادى بنور للشمس وللأمم" (148). عندما دونت الأناجيل أشار مدونيها بالروح لكثير من هذه النبوات وطبقوها على حياته وأعماله وأقواله، كانت أشهر عباراتهم التي استخدموها في ذلك؟ "لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل (149)"، "لكي يتم ما قيل بالأنبياء (150)"، "لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي (151)"، "لأنه مكتوب بالنبي (152)"، "حينئذ تم ما قيل بإرمياء النبي القائل (153)"، "لكي يتم الكتاب (154)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:02 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
إعلان الابن هو إعلان العهد الجديد



وكما تنبأ الأنبياء عن كل ما يختص بالسيد المسيح تنبأوا أيضا أنه سيؤسس، سيقيم، عهدًا جديد غير العهد الأول الذي قطعه الله مع إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، هذا العهد الجديد سيقيمه بصورة مختلفة تمامًا عن العهد الأول، القديم؛
"ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم (155) لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب (156)"،
"وأقطع عهدًا أبديًا لأني لا أرجع عنهم لأحسن إليهم وأجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون على (157)"،
"أميلوا آذانكم وهلموا إلى. أسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهدًا أبديًا مراحم داود الصادقة (158)".

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...-Shroud-05.jpg
هذا العهد الجديد هو العهد الذي أقامه السيد المسيح بدمه مع شعبه، جماعة المؤمنين، الكنيسة، إسرائيل الجديد، إسرائيل الروحي، وقد قطعه مع تلاميذه، الأسباط الاثني عشر لجماعة الله الجديدة، في العشاء الرباني وأتمه على الصليب بدمه، بدم نفسه وليس بدم تيوس أو عجول كما كان يحدث في العهد القديم "وليس بدم تيوس أو عجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد فكم بالحرى يكون دم المسيح الذي بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي. لأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدي (159)"، ويقول الكتاب أنه بعد عشاء الفصح "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا. هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا أشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا (160)".
هذا العهد الجديد كما أنه يؤسس على دم المسيح وليس على دم الحيوانات الطاهرة التي كانت تقدم منها الذبائح، فهو مؤسس أيضًا على "قسم" من الله وعلى كون المسيح هو الإله المتجسد ابن الله الحي، الحي دائمًا "أمسًا واليوم وإلى الأبد (161)"، الوسيط الوحيد والشفيع الوحيد "الحي في كل حين" الذي يتوسط بين الله بسبب كونه إله وإنسان في آن واحد ولأنه الحي دائمًا "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع (162)". لذلك فقد دعى ب "العهد الأعظم"، كما دعى أيضا "بالعهد الأفضل" لأن مواعيده أعظم وأفضل، بل وأسمى:
"وأما هذا فبقسم من القائل لهُ اقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. على قدر ذلك صار يسوع ضامنًا لعهد أفضل … فمن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم (163)"،
"ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم قد تثبت على مواعيد أفضل. فإنه لو كان الأول بلا عيب لما طلع الثاني (164)"،
"لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب. وظلام وزوبعة وهتاف بوق وصوت كلمات استعفى الذين سمعوه من أن تزداد لهم كلمة. لأنهم لم يحتلموا ما أُمر به وأن مست الجبل بهيمة تُرجم أو ترمى بسهم. وكان المنظر كذا مخيفًا حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد، بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكارًا مكتوبين في السموات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين وإلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل (165)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:03 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
ملكوت الله في العهد القديم



كلمة ملكوت في العبرية هي "مالكوت" وفى الآرامية التي كتبت بها بعض أجزاء العهد القديم والتي كان يتحدث به اليهود في زمن السيد المسيح "مالكوتا" وتعنيان في العهد القديم والكتاب المقدس كله حكم الله وسلطانه الشامل وسيادته على الناس والأمم والزمن في الماضي والحاضر والمستقبل، أي التاريخ الذي يحدد مساره ويحقق فيه إرادته، والطبيعة والكون كله، في السماء وعلى الأرض، فهو خالق الكون ومدبره والمهيمن عليه:
"يحمدك يا رب كل أعمالك ويباركك أتقياؤك بمجد مُلكك ينطقون وبجبروتك يتكلمون. ليعرّفوا بنى أدم قدرتك ومجد جلال مُلكك ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور (1)"،

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...rning-Bush.jpg
"الرب في السموات ثبت كرسّيهُ ومملكتهُ على الكل تسود.. باركوا الرب يا جميع أعماله في كل مواضع سلطانه باركي يا نفسي الرب (2)"،
"لأن الله ملك الأرض كلها رنموا قصيدة. ملك الله على الأمم (3)"،
"ليكن اسم الله مباركًا من الأزل وإلى الأبد لأن لح الحكمة والجبروت. وهو يغير الأوقات والأزمنة يعزل ملوكًا وينصب ملوكًا (4)"،
"لكي تعلم الأحياء أن العلى متسلط في مملكة الناس فيعطيها من يشاء وينصب عليها أدنى الناس (5)"،
"أن الله العلى سلطان في مملكة الناس وأنه يقيم عليها من يشاء (6)"،
"من لا يخافك يا ملك الشعوب (7)".
والكتاب يبين لنا قوة الله وسلطانه بصورة علمية عندما يذكر لنا أعماله مثل إغراق الأرض بالطوفان (8) وإرجاع الشمس للوراء (9) وشق البحر الأحمر وإغراق فرعون وجيشه فيه ونجاة شعب الله (10) وأنبع الماء من الصخر (11) وحرك النجم لإرشاد المجوس إلى مكان ميلاد المسيح (12) وجعل الشمس تختفي في الظهر وقت صلب المسيح (13) وجعل الملك نبوخذ نصر يعيش فترة من الزمن كالحيوان (14) ويستخدمه كآلة لتأديب شعبه وتحويلهم إلى سبايا (15) ويدعو الملك الفارسي كورش ليعيدهم ثانية (16)، وهو الذي يسمح لأمة بالنصر في الحروب وأخرى بالهزيمة وذلك بحسب قصده ومشيئته وعلمه السابق.
ولكن البشر كما يقول الوحي الإلهي؛ "حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي. وبينما يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات.. استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد (17)". سقط البشر في عبادة الأوثان وتركوا الإله الحي ملك الملوك ووضعوا أنفسهم في مجال ودائرة حكم الشيطان وسيادته وملكوته. ومن ثم فقد أختار الله إبراهيم ودعاه ليخرج من أرضه ويترك أهله وعشيرته ويسير في الطريق التي رسمها له ليأتي منه ويخرج من صلبه شعبًا خاصًا به يكون في دائرة ومجال حكمه المباشر. هذا الشعب يقوم دستوره على القداسة والبر والتبعية المطلقة لله وتدور طقوسه وشعائره حول التطهير "وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي (18)"، ويعبد الله وحده باعتباره الإله الواحد الوحيد ولا إله غيره:
"أسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد (19)"،
"لا يكن لك إلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن (20)"،
"أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي.. ولا إله آخر غيري.. ليس سواي.. أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلى (21)".
وكان قصد الله أن يكون هذا الشعب، في المستقبل، سبب بركة لجميع الأمم عن طريق النسل الآتي، المسيح المنتظر، الذي سيقيم ملكوت الله في العالم أجمع ويخضع كل ممالك الأرض للرب ومسيحه، أو كما يقول الوحي الإلهي "لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح (22)" :
"وقال الرب لإبر آم (إبراهيم) أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم أسمك. وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك العنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض (23)".
وقطع الله عهدًا "ميثاقا" مع إبراهيم بواسطة الذبائح وكشف له عن المستقبل في رؤيا (24) وجدد العهد مع ابنه إسحق "ولكن عهدي أقيمه مع إسحق (25)" ثم مع حفيده يعقوب الذي ظهر له في حلم وقال له "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق.. ويتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض (26)".
وجدد الله هذا العهد ثانية مع الشعب بعد خروجه من مصر بواسطة موسى النبي وقال لهم "أن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة (27)". وكان عهد الله معهم مشروطًا بحفظ وصاياه وسماع كلامه.
ولكن الله لم يختر هذا الشعب لميزة فيه أو فصيلة لأنه أختارهم وهم في صلب إبراهيم وإسحق ويعقوب ورباهم بذاته كما يقول "ربيت بنين ونشأتهم (28)". وإنما أختارهم بنعمته وأحبهم فضلًا ليحقق من خلالهم مشورته الإلهية كما سبق أن وعد إبراهيم وإسحق ويعقوب: "لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد أختار الرب إلهك لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم وأختاركم لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية ومن يد فرعون ملك مصر (29)".
فقد وجدت هذه الأمة وتأسست وقامت على أساس لاهوتي ولهدف سامي كان في قصد الله وهو فداء العالم في "ملء الزمان" عن طريق النسل الآتي والمسيح المنتظر الذي سيقيم ملكوت الله وينشره في جميع الأمم، وبالرغم من أنها عاشت أحداث زمنية وتاريخية في سياق التاريخ العام للعالم إلا أن هذه الأحداث كانت تسير بحسب قصد الله ومشيئته وعلمه السابق وبسماح منه تعالى. فقد كشف الله ما سيحدث لها على مر العصور لأنبيائه؛ كشف لإبراهيم في رؤيا مدة عبوديتها في مصر "أربع مئة سنة (30)" وكشف لسليمان عن انقسامها بعد موته (31) وكشف لإشعياء وإرمياء النبيين عن استخدامه لنبوخذ نصر ملك بابل في تأديبها وحمل شعبها سبايا إلى بابل وعن استخدامه لكورش ملك فارس في إعادة هذا الشعب ثانية إلى حيث كان بعد تمام سبعين سنة (32)، وكشف لدانيال النبي عن الدور الذي ستلعبه الإمبراطوريات العالمية الأربع، بابل وفارس واليونان وروما، في تاريخ هذه الأمة (33).
ولم يكن اختيار الله لإسرائيل يعنى أنه تنازل عن ملكه وسيادته على بقية الأمم، كلا، فهو ملك كل الأمم "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض (34)" وهو الذي "يعزل ملوكًا (35) وينصب ملوكًا".
وقد أعطى لنبوخذنصر ملك بابل حكم بلاد كثيرة "قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذ نصر ملك بابل عبدي (36)"، وسلط كورش ملك فارس على أمم كثيرة ودعاه بمسيحه "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوك أحلُّ لأفتح أمامه المصراعين والأبواب (37)" ودعى مصر وأشور وكوش بشعوبه وكما أخرج إسرائيل من مصر فقد نقل أيضا شعوب أخرى من مكان إلى مكان: "مبارك شعبي مصر وعمل يدى أشور وميراثى إسرائيل (38)"،"ألستم لي كبني الكوشيين يا بنى إسرائيل يقول الرب ألم أصعد إسرائيل من أرض مصر والفلسطينيين من كفتور والآراميين من قير (39)". وبرغم أن هذه الأمم كانت غارقة في الوثنية ولكن الله دبر في قصده الإلهي ومشورته الأزلية أن يفدى هذه الأمم ويعيدها إلى حظيرة ملكوته الروحي ثانية عن طريق النسل الآتي من بنى إسرائيل. وقد رأى الله بعلمه السابق أن هذه الأمم ستعود ثانية إليه كالابن الضال في حين يخرج شعب إسرائيل، الأمة المختارة، من الملكوت بسبب تطلعهم إلى ملكوت مادي يقوم على الحروب وسفك الدماء وبسبب رفضهم لابن الله الآتي ليملك على القلوب ويقيم مملكة ليست من هذا العالم، أي روحية غير مادية "أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية (40)".
عاش شعب إسرائيل تحت حكم الله المباشر وسيادته وسلطانه بواسطة الأنبياء والقضاة من موسى إلى صموئيل ولكنهم رفضوا حكم الله وطلبوا من صموئيل النبي أن يقيم لهم ملك يحكم عليهم مثل سائر الشعوب (41). رفضوا حكم الله وفضلوا عليه حكم البشر، وبرغم أن الله قال "إياي رفضوا لكي لا املك عليهم (42)" إلا إنه طلب من صموئيل أن يمسح لهم ملكًا حسب إرادتهم، فمسح شاول البنياميني ملكًا عليهم وحل عليهم روح الله وتنبأ مع الأنبياء ودعى "مسيح الرب" وكان عليه أن يحكم بحسب إرادة الله وشريعته (43) ولكنه فشل في ذلك، فرفضه (44) الرب وأختار داود ولم يفارقه وأخذ داود يسبح الله ويمجده ويتنبأ حتى دعى بالروح "الرجل القائم في العلا مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو (45)"، ودعى أيضًا بالرجل الذي بحسب قلب الله "أنتخب الرب لنفسه رجلًا حسب قلبه وأمره أن يترأس على شعبه (46)"، "وجدت داود بن يسى رجلًا حسب قلبى الذي يصنع كل مشيئتي (47)"، وبالرجل "الذي وجد نعمة أمام الله (48)"، وقيل عنه "وجدت داود عبدي. بدهن قدسي مسحته (49)"، وكان داود نموذجًا أمام بنى إسرائيل في كل العصور وقد وعده الله أن من صلبه سيأتي النسل الآتي والمسيح المنتظر ليملك على كرسيه إلى الأبد:
"أقسم من بعدك نسلط الذي يخرج من أحشائك وأثبتت مملكته... أنا أكون له أبًا وهو يكون لي أبنًا.. كرسيك يكون ثابتًا إلى الأبد (50)"،
"وأجعل على الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات.. مرة حلفت بقدسي إني لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي. مثل القمر يثبت إلى الدهر (51)".
قال القديس بطرس بالروح عن وعد الله لداود أنه "كان نبيًا وعلم أن الله حلف له بقسم انهُ من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه (52)". وتطلع الأنبياء جميعًا إلى هذا الملك الآتي من نسل داود ليجلس على كرسيه ووصفوه بالروح ب "الرب برنا (53)" و"الإله القدير.. رئيس السلام (54)" و"الأزلي (55)" والذي سيكون "عادل ومنصور وديع (56)" و"ابن الإنسان" الذي تتعبد له كل الشعوب والألسنة (57)"، وستكون قوته في "فمه" وسلاحه في "شفتيه" ومنطقه هو "بره وأمانته (58)"، ولن يحارب بالسيف ولن يقود جيوش تغزو وتهلك وتدمر بل يستولى على الأمم بالحب والسلام، ولا يضم الناس إلى ملكوته بالسيف أو بقوة الجيوش بل بالروح القدس "سيعمد بالروح القدس ونار (59)".
وقد رأى دانيال النبي ملكوته يسود على كل الأمم ويكتسحها أمامه بقوة إلهية. فقد رآه كحجر قطع من جبل بغير يدين وأكتسح جميع ممالك العالم "كنت تنظر إلى قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معًا وصارت كعاصفة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها"، وبعد التفسير الخاص بالممالك التي يرمز إليها التمثال، والتي هي إمبراطوريات بابل وفارس واليونان والرومان، قال الوحي أن الحجر الذي قطع بغير يدين وأكتسح هذه الإمبراطوريات جميعًا وملأ الأرض كلها هو المسيح الآتي الذي سيقيم ملكوت أبدي لا نهاية له؛ "وفى أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قُطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب (60)".
ورآه دانيال في رؤيا ثانية ولكن بصورة أوضح كابن الإنسان الذي يملك إلى الأبد على شعب قديسي العلى في ملكوت أبدى لا نهاية له:
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان آتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض.. والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت السماء تعطى لشعب قديسي العلى. ملكوته ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون (61)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:04 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
ملكوت الله في العهد الجديد

كان موضوع "ملكوت الله" أو "ملكوت السموات" هو جوهر ولب وأساس ومحور كرازة السيد المسيح، الذي يقول الكتاب إنه جاء ليكرز "ببشارة ملكوت الله (62)"، وأول كلمات يسجلها الوحي الإلهي للسيد المسيح هي "قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (63)". وكان "يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها. ويكرز ببشارة الملكوت (64)". وقد أرسل تلاميذه الاثني عشر ليكرزوا في كل مكان "قائلين أنه قد أقترب ملكوت السموات (65)"، كما عين سبعين آخرين وأرسلهم لينادوا، أيضًا، "قد أقترب ملكوت الله (66)".
وقد وردت عبارة "ملكوت الله" في العهد الجديد حوالي 72 مرة، خاصة في الأناجيل الأربعة، ووردت عبارة "ملكوت السموات" حوالي 32 مرة في الإنجيل للقديس متى فقط ولم ترد في أي مكان آخر، وهذا يرجع لأن القديس متى قد دون إنجيله بالروح القدس لليهود، وبصفة خاصة يهود فلسطين، والذين كانوا يتجنبون النطق أو التلفُظ باسم الله يهوه خشية ورهبة (67)، فراعى عادتهم هذه، كيهودي أصلًا، وأستخدم التعبير الذي كان شائعًا في وسطهم وهو "ملكوت السموات"، ومع ذلك فقد أستخدم تعبير "ملكوت الله" حوالي ست مرات للتعبير عن طبيعة وجوهر "ملكوت الله (68)".
كما استخدم العهد الجديد أيضًا عبارات "الملكوت"، "ملكوتك"، "ملكوته" التي تعود على الآب (69)، أو على الابن (70) "المسيح"، واستخدم أيضًا عبارات "ملكوت أبى (71)" و"ملكوت ابن محبته (72)"، أي المسيح، و"ملكوت المسيح (73)" و"ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح (74)" و"ملكوت يسوع المسيح (75)" و"صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه (76)"، أي الآب والابن. وهذا يعنى أن ملكوت الله هو ملكوت المسيح وملكوت الآب هو ملكوت الابن، أو كما يقول السيد المسيح "كل م للآب هو لي (77)". فالمسيح هو الملك "الآتي باسم الرب (78)"، ملك الملوك، ملك الملكوت الذي تنبأ الأنبياء أنه سيجلس على عرش داود إلى الأبد، الإله الأبدي القدير رئيس السلام.
وعندما جاء المسيح إلى العالم في "ملء الزمان (79)" و"ظهر في الجسد (80)" أعلنت الملائكة أنه الملك السمائي الآتي ليقيم ملكوت الله، فقال الملاك للعذراء مريم أثناء بشارته لها "هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (81)"، وهتف جند السماء عند ميلاده "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (82)" وذلك لحلول ملك السلام على الأرض، وجاء مجوس من المشرق مهتدين بنجم في السماء ليسجدوا له كملك "أين هو المولود ملك اليهود (83)" وقدموا له هدايا كملك، ولما رأى نثنائيل قدرته على معرفة الغيب، في أول لقاء لهما، قال له "يا معلم أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل (84)"، وهو يقصد الملك الآتي الذي تنبأ عنه الأنبياء، ولما أشبع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين آمنوا إنه هو الملك الآتي وأرادوا أن ينصبوه ملكا "فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم. وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا أنصرف إلى الجبل وحده (85)"، لقد كان هو حقًا الملك الآتي ولكنه لم يكن ملكًا أرضيًا يحكم على مجرد شعب واحد بل ملكًا سمائيًا روحيًا لكل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة، كما قال هو لبيلاطس "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسّلم إلى أيدي اليهود. ولكن الآن مملكتي ليست من هنا (86)". مملكته هي مملكة "قديسي العلى" التي تنبأ عنها دانيال النبي (87)، "مملكة لا تنقرض أبدًا ومُلكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد (88)"، وملكوته "ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون (89)"، ملكوت يسود فيه على ما في السماء وما على الأرض، كما قال هو "دفع إلى كل سلطان في السماء وعلى الأرض (90)"، "كل شيء قد دفع إلى من أبى (91)"، "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده (92)" ومن ثم فقد دعاه الوحي في سفر الرؤيا ب "رئيس ملوك الأرض (93)" و"ملك القديسين (94)" و"رب الأرباب وملك الملوك (95)" و"ملك الملوك ورب الأرباب (96)".
وفى حديثه عن "ملكوت الله" في الدهر الآتي، في المستقبل، بعد المجيء الثاني قال أن "ملكوت الله" هو ملكوته هو "يرسل أبن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم (97)"، "الحق أقول لكم عن من القيام هنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته (98)" وقال لتلاميذه "وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبى ملكوتًا. لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي (99)" وعندما قال له اللص اليمين وهو على الصليب "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس (100)".
وعلى الرغم من أن السيد المسيح رفض أن يُنصّب ملكًا على إسرائيل، لأنه ملك الملوك ورب الأرباب، فقد قبل أن يدخل أورشليم كملك، ولكن ملك "وديع ومتواضع" تحقيقًا لنبوءة زكريا النبي عنه "ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان (101)" والجموع هتفت له "مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية (باسم الرب). أوصنا في الأعالي (102)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:05 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
تأسيس الملكوت والكنيسة


أختار السيد المسيح تلاميذه الاثني عشر "وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله" وقال لهم "وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين قد أقترب منكم ملكوت السموات (103)". وقد أيد كرازتهم بعمل معجزات للبرهان على اقتراب ملكوت الله "أشفوا مرضى. طهروا برصًا أقيموا موتى. أخرجوا شياطين (104)". ثم عين سبعين آخرين وقال لهم أيضًا "وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم. وأشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله (105)".
وقد أسس السيد المسيح كنيسته على صخرة الإيمان أنهُ "المسيح ابن الله الحي (106)" ووعد بأنها لن تقهر أبدًا "على هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"، وأعطاها مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السموات (107)". وقد أسماها "كنيسة" وفى اليونانية "أكّليسيا – Ekklesia" وتعنى في العهد الجديد "جماعة المؤمنين – Congregation" وقد استخدمت في ترجمة العهد القديم إلى اليونانية أكثر من مئة مرة للإشارة إلى إسرائيل كشعب الله، ليؤكد أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين، شعب الله وإسرائيل الجديد، إسرائيل الروحي التي تضم جميع المؤمنين سواء من الذي كانوا من اليهود أو من الأمم. وأصبحت الكنيسة هي دائرة ومجال عمل الله الفدائي في التاريخ، أي دائرة ملكوت الله ومجاله، ملكوت الله على الأرض.

https://st-takla.org/Pix/Church-Sunset-Border.jpg
كان الهدف الأول لوجود إسرائيل كشعب الله المختار هو أن تكون بركة لجميع الأمم بواسطة نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، النسل الآتي الذي سيكون له السيادة، القضيب الذي يأتي من سبط يهوذا، شيلون، والغصن الذي يأتي من بيت داود، المدبر الذي سيولد من بيت لحم، الإله القدير رئيس السلام الذي سيأتي من إسرائيل بحسب الجسد (108)، مشتهى كل الأمم "ويكون أسمه إلى الدهر. قدام الشمس يمتد أسمه. ويتباركون به. كل الأمم يطوبونه"، "والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم.. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح". ولأن اليهود توقعوا أن هذا النسل الآتي والمسيح المنتظر سيكون ملكًا أرضيًا وأنه سيؤسس بهم إمبراطورية عالية ويجعل منهم سادة على كل الأمم. توقعوا أن يقيم لهم إمبراطورية سياسية استعمارية تسود على العالم كله بالحروب وسفك الدماء متناسين أن أهم أسس ملكوت المسيح هي السلام والبر والحق والعدل والوداعة "لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد (109)"، "هو عادل ومنصور وديع (110)". كما توقعوا أن يشبعهم بالخيرات المادية من أكل وشرب دون أن يعلموا أن "ملكوت الله ليس أكلًا وشربًا. بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (111)" وأن "لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله. ولا يرث الفساد عدم الفساد (112)". كما رفضوا فكرة انضمام الأمم إلى ملكوت المسيح وأرادوا ملكوتًا عنصريًا يتميزون فيه على سائر الأمم وحاولوا الحفاظ على تميزهم وتراثهم ومن ثم فقد رفضوا يسوع المسيح ورفضوا الإيمان بأنه المسيح المنتظر لأن الملكوت الذي جاء فيه وكرز به جاء مخيبًا لأمالهم وقرروا قتله "إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومان ويأخذون موضعنا وأمتنا (113)".
ولأنهم رفضوا المسيح وصلبوه ومن قبله قتلوا ورجموا وجلدوا الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم، كما قال السيد المسيح في مثل الكرامين الذين قتلوا المرسلين إليهم، فقد رفضوا من الملكوت "أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره (114)" وكان السيد المسيح قد أعلن أن كثيرين من الأمم سينضمون إلى ملكوت الله "وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السمواتوأما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية (115)". وبكى السيد عليهم وعلى الخراب القادم على أورشليم مدينة الملك ولكنه يُعلم أنهم سيعودون إليه وينضمون إلى حظيرة الكنيسة ودائرة ملكوت الله يومًا ما "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا. لأني أقول لكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب (116)".
حلت الكنيسة كشعب الله في العهد الجديد محل إسرائيل، شعب الله في القديم، وكما كانت إسرائيل هي دائرة ومجال حكم الله وسيادته وملكوته أصبحت الكنيسة هي ملكوت الله على الأرض، أو بمعنى أدق هي الدائرة والمجال الذي يعمل خلاله ملكوت الله، هي مملكة المسيح الروحية التي آمنت به وتطهرت من خطاياها بدمه فصار أعضاؤها ملوكًا وكهنة في ملكوت المسيح "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه (117)"، مستحق أنت (أيها المسيح) أن تأخذ السفر وتفك ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكًا وكهنة فسنملك على الأرض (118)".
وقد بدأت الكنيسة وبدأت الكرازة بملكوت الله بعدد قليل جدًا من التلاميذ الاثني عشر والرسل السبعين وبعض التلاميذ الآخرين، وقد وصفهم السيد "بالقطيع الصغير"، "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم سر أن يعطيكم الملكوت (119)" والمساكين بالروح "ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت السموات (120)"، وعلمهم دائمًا أن يصلوا "ليأت ملكوتك كما في السماء كذلك على الأرض (121)"، وأن لا يهتموا بالماديات ولا بالجسديات بل بالروحيات "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (122)"، وكشف لهم أسرار ملكوت الله " أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله (123)"، وأعطاهم سلطان الحل والربط كممثلين له "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء (124)"، ومغفرة الخطايا" ولما قال هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت (125)".
وقد وصف هذا القطيع الصغير الذي كان عليه أن يحمل الكرازة بملكوت الله لجميع الأمم والشعوب والقبائل والألسنة بحبة الخردل المتناهية في الصغر ولكنها عندما تزرع تصير شجرة عظيمة تتآوى في أغصانها طيور كثيرة "يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله. وهى أصغر جميع البذور. ولكن متى نمت أكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتى وتتآوى في أغصانها (126)".
ولأن الكنيسة أصبحت، هي، مجال ودائرة ملكوت الله، أو ملكوت الله على الأرض، فقد أصبح أعضاؤها، أعضاء الملكوت، أو كما يصفهم السيد المسيح "بنو الملكوت"، وصار لهم نفس ألقاب "أبناء الملكوت" التي لقب بها، سابقًا، بنو إسرائيل، وذلك إلى جانب الألقاب الجديدة التي صارت بحكم إنمائهم للملكوت، وأهمها "أبناء الله" الذين يصلون لله الآب ويخاطبونه بلقب "أبانا"، "أبانا الذي في السموات". يقول بطرس الرسول بالروح القدس وهو يخاطب أعضاء الكنيسة:
"وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب. الذين قبلًا لم تكونوا شعبًا وأما الآن فأنتم شعب الله. الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون (127)". وهذا ما سبق وقيل في لبنى إسرائيل في القديم.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:07 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
ملكوت الله في الحاضر وفي الدهر الآتي

فى مثل الحنطة والزوان (128) وصف السيد المسيح ملكوت الله بالزارع الجيد الذي زرع حنطة في حقله وجاء عدوه ليلًا وزرع في وسطه زوانًا ولما نما الزرع ووضع ثمرًا نما الزوان أيضا مع الحنطة فأقترح عليه عبيده أن يجمعوا الزوان ولكنه رفض لئلا تقلع الحنطة مع الزوان وقال لهم "دعوهما ينميان كلاهما معًا (الحنطة والزوان) إلى وقت الحصاد". وفى وقت الحصاد اجمعوا الزوان أولًا وأحرقوه بالنار "وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني". ثم فسر المثل هكذا "الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان (المسيح) والحقل هو العالم. والزرع الجيد هو بنو الملكوت. والحصادون هم الملائكة. فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء هذا العالم. يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم. ويطرحونهم في آتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم (129)".
وفى هذا المثل وتفسيره يوضح لنا السيد المسيح صورة ملكوته على الأرض، حيث يختلط بنو الملكوت وبنو الشرير، في العالم الحاضر، وملكوته في السماء حيث الأبرار، بنو الملكوت يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم، بينما يلقى بنو الشر في نار جهنم.
والعالم الحاضر أو "هذا الدهر" أو "الدهر الحاضر"، كما يتكرر في العهد الجديد،يعبر عن الفترة التي تتركز حول وعند تجسد السيد المسيح وتمتد إلى الوراء إلى بداية الخليقة وتمتد إلى الأمام إلى المجيء الثاني للسيد المسيح وقيامة الموتى وانقضاء العالم، أي الفترة الزمنية التي يعيشها البشر على هذه الأرض حتى يوم الدينونة. و"الدهر الآتي" أو "ذلك الدهر" هو ما يبدأ بعد المجيء الثاني للمسيح في المجد وقيامة الموتى وانقضاء العالم والدينونة ويمتد إلى الأمام في الأبدية التي لا زمن لها ولا نهاية. ويميز العهد الجديد بين حياتين؛ حياة "هذا الدهر" أو "العالم الحاضر" ولاذى لا يعنى به مجرد المكان "الأرض"، بل بالدرجة الأولى "الزمان"، والذي يسميه القديس بطرس بالروح "زمان غربتكم (130)" باعتبار أن بنى الملكوت "غرباء ونزلاء على الأرض (131)" كما يقول بولس الرسول بالروح، بدليل أن الكتاب عندما يقول "العالم الحاضر" لا يستخدم كلمة "كوزموس – Kosmos" والتي تعنى "العالم" بل يستخدم كلمة "إيون _ Aiwn" والتي تعنى "الدهر" مما يؤكد أنه يقصد "الزمان الحاضر". وهذا "الزمان الحاضر" أو "العالم الحاضر" أو هذا الدهر سينتهي تمامًا بالمجيء الثاني والدينونة. وأما "الدهر الآتي" أو "ذلك الدهر" والذي يبدأ بالمجيء الثاني والدينونة ويدخل في الأبدية أتلازمن فيمتد ببركاته ويذوق بنو الملكوت مواهبه وينالون عربونه في العالم الحاضر:
"ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين مع فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء.. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم (132)".
"الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي (133)"،
"الذي أعطانا أيضا عربون الروح (134)"،
"الذي ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح في قلوبنا (135)"،
"روح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا (136)"،
"الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتًا أو أخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ منه ضعف الآن في هذا الزمان بيوتًا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولًا مع اضطهادات وفى الدهر الآتي الحياة الأبدية (137)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:08 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
أبناء الملكوت والعالم الحاضر

يختلط أبناء الملكوت وأبناء الشرير، كما قال السيد المسيح في مثل الحنطة والزوان، في هذا العالم الحاضر الذي يصفه القديس بولس بالروح ب "العالم الحاضر الشرير (138)". فهذا العالم يقع تحت سلطان إبليس والذي يسمى أيضا "بإله هذا الدهر"؟ "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله (139)"، و"رئيس هذا العالم" و"رئيس سلطان الهواء". الذي يعمل في الخطاة، أبناء المعصية "رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (140)"، وفى أبناء الظلمة الذين يعيشون "في الظلمة (141)" ويعملون "أعمال الظلمة (142)"، فهو أيضا "سلطان الظلمة (143) "الذي طرحه الله مع جنوده" في سلاسل الظلام (144)" وحفظ "لهم قتام الظلام (145)" كما قيده أيضًا "بقيود أبدية تحت الظلام (146)"، ويوصف جنوده بـ "أجناد الشر الروحية"؛ "فإن مصارعتنا ليست مع دم أو لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات (147)"، وهو يعمل جاهدًا لإسقاط أبناء الملكوت "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو (148)".
ولكن المسيح قهره وهزمه وأنتصر عليه بتواضعه العجيب "أفتقر وهو غنى (149)"، "أخلى نفسه آخذًا صورة عبد.. وضع نفسه وأطاع الموت موت الصليب (150)"، وأذله ببره غير المحدود "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فىّ شيء (150)"، وأدانه بموته الكفاري على الصليب "الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجًا. وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيرًا إلى آية ميتة كان مزمعًا أن يموت (152)"، وأسقطه بأعماله الإعجازية وسلطانه غير المحدود "فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء (153)". ولهذا فإن أبناء الملكوت يستطيعون هزيمته أيضًا لأن المسيح أعطاهم سلطان عليه "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء (154)"، كما أن من يدخل حظيرة ملكوت المسيح لا يمكن أن يتركه "من يقبل إلىّ لا أخرجه خارجًا (155)"، "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعنى. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى (156)".
ولكن على أبناء الملكوت أن لا يتمثلوا بأهل العالم "لا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية (157)"، وأن لا يكون لهم علاقة مع الظلمة "أية شركة للنور مع الظلمة (158)"، "ولا تشتركوا في أعمال الظلمة (159)" لأنهم ملح الأرض ونور العالم "أنتم ملح الأرض.. أنتم نور العالم.. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات (160)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:10 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
المعمودية، وظهور ملكوت الله وانتشاره

ظهر ملكوت الله منذ التجسد في معمودية السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان وفى تجليه على الجبل وفى أعماله وصلبه وقيامته وصعوده وفى إرساله الروح القدسيوم الخمسين. منذ ذلك ينتشر الملكوت في العالم بقوة كلمة الله وعمل الروح القدس.
أ- المعمودية:
كان الكتبة والفريسون، قبل كرازة السيد المسيح، سيدون طريق الملكوت أمام الناس بريائهم ووقفهم كحجر عثرة في طريق الدخول إليه، لذا قال لهم "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المرأوون لأمتكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون (189)". وكان ملكوت الله يؤخذ بالقوة "ومن أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السموات يغضب والغاضبون يختطفونه (190)". ثم ظهر ملكوت الله بقوة بتجسد السيد المسيح وظهوره وأصبح متاحًا للجميع، يهود وغير يهود، لكل البشرية في العالم أجمع. وكانت المعمودية هي بداية هذا الظهور.
فقد "جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية. قائلًا توبوا لأنه قد أقترب ملكوت الله (191)". وكانت غاية رسالته هي المناداة بالتوبة "اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة (192)"، ليهيئ الناس للمسيح الآتي، أو كما قال الملاك ل "يهيئ للرب شعبًا مستعدًا (193)" و"كما هو مكتوب في الأنبياء. ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي (رسولي) الذي يهيئ طريقك قدامك (194)". وقال المعمدان نفسه "أنا أعمدكم بماء التوبة. ولكن يأتي بعدى هو أقوى منى الذي لست آهلًا أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار (195)". ولما جاء السيد ليعتمد قال له المعمدان يعلم أنه القدوس البار، فبالرغم من أنه اتخذ جسدًا وصورة العبد إلا أنه، كما يقول الوحي، كان بلا خطية "مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية (196)". ثم قال ليوحنا "أسمح الآن. لأنه لا يليق بنا أن نكمل كل بر." فسمح له يوحنا "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات انفتحت له فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه. وصوت من السماء قائلًا: هذا هو ابن الحبيب الذي به سررت (197)".
كان على السيد المسيح، القدوس البار، أنم "يتمم كل بر" برغم أنه هو نفسه "الرب برنا"، "كان ينبغي" كما يقول الوحي "أن يشبه أخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين (198)". وأمام هذا التواضع العجيب أعلنت السماء أنه ابن الله "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". وبعد هذا الإعلان كانت شهادة المعمدان للمسيح هي "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله (199)".
وبعد المعمودية ذهب الرب بالروح إلى البرية ليجرب من "رئيس هذا العالم (200)"، إبليس، "رئيس سلطان الهواء (201)" الذي تقدم إليه بعد أن صام "أربعين نهارًا وأربعين ليلة" ليجربه في ثلاثة أمور هي: احتياجات الجسد المادية "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا (202)"، تجربة الله بعمل معجزات لا تمجده "إن كنت ابن الله فأطرح نفسك (من على جناح الهيكل) إلى أسف. لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك. فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجلك (203)"، ثم طلبه الخضوع لإبليس ليعطيه ممالك العالم "ثم أخذه إبليس على جبل عال جدًا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيك هذه جميعًا أن خررت وسجدت لي (204)". وكان رد السيد الذي قهر الشيطان هو أن ملكوت الله لا يعتمد، في الحاضر، فقط على الطعام والشراب بل بالدرجة الأولى على احتياجات الإنسان الروحية "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (205)"، أو كما يقول بولس الرسول بالروح "لأن ملكوت الله ليس أكلًا أو شربًا. بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (206)"، ولا يعتمد على مجرد المعجزات الخارقة التي تتطلب لمجرد تجربة الله. ولا تهدف إلى مجده "لا تجرب الرب إلهك (207)"، ولا على الخضوع لإبليس لأن المسيح ما جاء إلا لينقض أعمال إبليس ويهدم ملكوت "لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس (208)"،"لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (209)"، فقال له "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. ثم تركه إبليس وإذا ملائكة فد جاءت فصارت تخدمه (210)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:11 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
أعمال السيد المسيح، وظهور ملكوت الله وانتشاره

كانت أعمال السيد المسيح ومعجزاته وآياته التي تفوق الحد والوصف والخيال برهان إرساليته من الآب، وهو لم يعمل أي معجزة لحد ذاتها أو لمجرد الإبهار، بل كانت برهانًا لإعلان لاهوته ومجده ومجد الآب وظهور ملكوت الله:
"لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالًا أعظم من هذه لتتعجبوا أنتم (211)"،
"صدقوني إني في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها (212)"،
"ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فأمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فىّ وأنا فيه (213)"،
"وتبعه جمع كثير لأنهم أبصروا آياته التي صنعها في المرضى (214)".
قال السيد عن مرض لعازر "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به (215)" وقال عن المولود أعمى "لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه.. ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار.. مادمت في العالم فأنا نور العالم (216)". وأكد للفريسيين أن أعماله هي برهان تراجع مملكة إبليس أمامه كما أنها برهان ملكوت الله "إن كنت أنا بروح الله، بإصبع الله (217)" أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله (218)"، ولما "رجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء (219)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:22 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
التجلي وظهور ملكوت الله




https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...-Christ-06.jpg
بعد الإعلان عن حقيقة كونه "المسيح ابن الله الحي (220)"، أعلن الرب عن حتمية آلامه وصلبه وقيامته وبدأ يتحدث عن مجيئه في ملكوته، ملكوته الآتي "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله". ثم أعلن لتلاميذه الإعلان التالي "الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته (221)". ثم يقول الكتاب "وبعد ستة أيام" من القول السابق "أخذ يسوعبطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا ظهرا لهم (للتلاميذ) يتكلمان معه (222)" ويقول القديس لوقا بالروح أنهما تكلما "عن خروجه الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم (223)" ثم جاء "صوت من السحابة قائلًا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا (224)"، لقد منح الرب لمحات من مجده لتلاميذه وأظهر ملكوته كما وعد

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:23 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
ظهور ملكوت الله في الصليب والقيامة

كان مزود بيت لحم هو العرش الأول للملك، ملك الملكوت، على الأرض، وكان الصليب الذي كان رُفع عليه في الجلجثة هو عرش التتويج الذي توج من عليه ملكًا يجذب إليه الجميع "وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت (225)". كان بعض اليونانيين يريدون أن يروا المسيح وسألوا تلاميذه من أجل ذلك فقال لهم "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" وأخذ يتكلم عن موته الوشيك على الصليب والذي سيكون سببًا لانضمام الكثيرين إلى الملكوت " الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير (226)". فهو ذاته البذرة التي كان يبج أن يموت لكي بموته يجذب الكثيرين إلى ملكوته. قال ليوحنا ويعقوب ابن زبدي عندما طلبت أمهما من السيد أن يجلسا واحد عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا.. كما أن ابن الإنسان لم يأتي ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (227)"، فقد جاء ليبذل نفسه على الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. قال في العشاء الرباني "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا (228)" وقال القديس بولس بالروح "هكذا المسيح أيضًا بعدما قُدّم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه (229)" وأيضا "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة (230)".
وكما كان موته على الصليب هو مجده والصليب هو العرش الذي يتجه إليه الجميع كانت القيامة، التي لم يتحدث أبدًا عن آلامه وصلبه دون ذكرها، هي برهان الحياة الأبدية في الملكوت وقد تحدث بعدها السيد مدة أربعين يومًا عن "الأمور المختصة بملكوت الله (231)"، وبعدها صعد الملك إلى السماء وجلس عن يمين الآب يقول بطرس الرسول بالروح "فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك. وإذا أرتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي أنتم تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول قال الرب لربى أجلس عن يميني. حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك. فليعلم جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا (232)".
من على الصليب أجتذب المسيح، الملك المتوج على الصليب، الجميع إليه وبالقيامة والصعود والجلوس عن يمين العظمة في السموات صار موضوع عبادة الجميع باعتباره رب المجد، ملك الملكوت، المعبود الذي يجب أن تقدم له العبادة:
"الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله وأعطاه أسمًا فوق كل اسم. لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (233)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:24 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
حلول الروح القدس وانتشار الملكوت

شبه السيد المسيح انتشار الملكوت بالخميرة الصغيرة التي تعمل بطريقة غير مرئية وتخمر كمية كبيرة من العجين "يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع (234)". وهذا بالضبط هو عمل الروح القدس. فالروح القدس هو العطية العظمى للملك القائم من الموت؛ الصاعد إلى السماء والجالس عن يمين الآب، وقد سكبه السيد على التلاميذ بعد عشرة أيام من صعوده إلى السماء ليشهد له من خلالهم "فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضًا (235)"، "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا (236)". وكان حلوله على التلاميذ هو بداية انتشار ملكوت الابن، وقد بدأ في الانتشار بقوة منذ اليوم الأول لحلوله، فقد آمن في ذلك اليوم وحده، كما يقول الكتاب، "نحو ثلاثة آلاف نفس (237)". كان الرسل يبشرون بالأخبار السارة ويكرزون بملكوت الله وكان الروح القدس، الذي يؤيدهم بالآيات والعجائب والقوات المتنوعة ومواهب الخاصة، يعمل في القلوب بطريقة غير مرئية، مثل الخميرة التي تعمل في العجين، ويحرك القلوب للإيمان بالمسيح "وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس (238)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:25 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
كرازة التلاميذ والرسل بالمسيح للعالم أجمع

بدأت كرازة المسيح وبشارته بملكوت الله بعد معموديته من يوحنا المعمدان واستمرت إلى أحداث صلبه وقيامته، وذلك بشخصه مباشرة. فقد كان يجول يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس (1)"، كان يجول في المدن والقرى والطرق والشوارع والأسواق والحواري وعلى ضفاف نهر الأردن والبحر الميت وبحيرتي طبرية وجنيسارت وفى السفن والبيوت وفى المجامع، كل سبت، وفى الهيكل في أورشليم، خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية التي يجتمع فيها مئات الألوف من اليهود. وكان محاط دائمًا بالجماهير الغفيرة والجموع التي لا تحصى. وكان أيضا يكرز لأفراد مثل نيقوديموس، أحد رؤساء ومعلمي اليهود، والمرأة السامرية، الخاطئة.
وكان لب وجوهر كرازته هو "توبوا لأنه قد اقترب (منكم) ملكوت السموات (2)"، "قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (3)"، وأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (4)"، وأنه هو الطريق الوحيد المؤدى إلى الله الآب وإلى الحياة الأبدية:
"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي (5)"،
"أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا (6)"،
"أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى (7)"،
"أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشى في الظلمة بل يكون له نور الحياة (8)".
وإنه هو الوحيد الذي من ذات الآب "أنا أعرفه لأني منه وهو قد أرسلني"، ومن ثم فهو وحده الذي يستطيع أن يعلن عنه "وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له (9)"، "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر (أخبر عنه) (10)"، وهو "صورة الله غير المنظور (11)"، "لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبى أيضا . ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه.. الذي رآني فقد رأى الآب.. أنا في الآب والآب في (12)".
كما أنه الوسيط الوحيد بين الله والناس"لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع (13)"، وهو الشفيع الوحيد "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم (14)"، "ومن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم (15)".
وكان تعليمه وأسلوبه في التعليم يختلف تمامًا عن أسلوب وتعليم معلمي عصره من كهنة وكتبة ولاويين وفريسيين وناموسيين، كما كان يختلف عن أسلوب وتعليم فلاسفة اليونان والرومان وغيرهم، فقد كان تعليم رجال الدين اليهود جاف وأجوف، وكان تعليم الفلاسفة مجرد نظريات فلسفية جدلية.
وقد عبر هو عن تعليمه بأسلوب هو "روح الرب على لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفى المنكسري القلوب لأنادى المأسورين بالإطلاق والعمى بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة (16)". وكان يعلم دائمًا بالأمثال "هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال وبدون مثل لم يكن يكلمهم. لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح فمي بأمثال وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم (17)"، "وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يفهموا (18)".
كان تعليمه سهل وبسيط ولكن كان يتكلم "بسلطان" إلهي، كما يقول الكتاب، كان تعليمه سام وبسيط في آن واحد: "كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة (19)".
"لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان (20)"،
"كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا من أين لهذا هذه الحكمة والقوة (21)"،
"كان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه (22)"،
"وكان يعلمهم في السبوت. فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان (23)".
وكانت أعماله الإعجازية والقوات التي تجرى على يديه لا حد لمداها أو عددها أو عظمتها فقد كان يشفى المرضى المصابين بجميع أنواع الأمراض "يشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب (24)"، ويفتح أعين العميان سواء الذين ولدوا بدون بصر أو الذين أصيبوا بالعمى في مراحل أعمارهم المختلفة، ويقيم الموتى سواء الذين ماتوا توا أو الذين تعفنت أجسادهم، ويطهر البرص ويخرج الشياطين ويمشى على الماء ويتحكم في البحر والريح، وبالإجمال فقد كان له سلطان على جميع المخلوقات سواء المادية أو الروحية؛ الطبيعة والحيوانات والطيور والأسماك والنباتات والماء والهواء والنار والإنسان والأرواح؛ أما في السماء وما على الأرض وما في البحار؛ فقد حول الماء إلى خمر (25) والخمسة أرغفة وسمكتين جعلها تشبع أكثر من خمسة آلاف نفس ويفيض عنهم أثنتا عشر قفة مملوءة من الكسر (26) ومشى على الماء (27) وجعل الشباك الفارغة تتخرق من كثرة السمك الذي ملأها به (28) وطلب من بطرس أن يصطاد سمكة موجودة في بطنها أستار ذهب فأصطادها في الحال (29) وأمر الريح الشديدة والبحر الهائج أن يهدأ فأطاعاه كما صعد إلى السماء طائرًا دون أن يحمله ملاك أو أي مركبة سمائية كما حدث لإيليا النبي (30)، كان في مقدرته وسلطانه أن يفعل أي شيء، أو كما قال هو "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل.. لأن مهما عمل ذاك (الآب) فهذا يعمله الابن كذلك (31)". وكانت الجماهير مندهشة ومبهوتة ومذهولة ومتعجبة من تعاليمه وأعماله:
"وكثيرون إذ سمعوا بهتوا قائلين من أين لهذا هذه. وما هذه الحكمة التي أعطيت له حتى تجرى على يديه قوات مثل هذه (32)"،
"من هو هذا. فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه (33)".
وكان محاط دائمًا بالجماهير الغفيرة وكان عدد غير قليل من هذه الجماهير مؤمنين به، وكان له تلاميذ كثيرون تعلموا منه وحفظوا أقوله وتعاليمه وسلكوا بحسب تعليمه ووصاياه.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:26 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
التلاميذ

تتكرر كلمة تلميذ (ماثتيس – Mathetes) في الأناجيل الأربعة حوالي 230 مرة وتتكرر في سفر أعمال الرسل حوالي 30 مرة، وتشير بصفة عامة إلى تلاميذ المسيح الذي آمنوا به وأتبعوا تعليمه، الذين أتبعوه وتعلموا عند قدميه واستمعوا إلى تعليمه، من خلال مواعظه وأقواله العديدة، ورأوا أعماله الإعجازية وآمنوا أنه أتى من الله، كما عبر نيقوديموس رئيس اليهود والذي كان يؤمن بالمسيح سرًا "يا معلم نعلم أنك أتيت من الله معلمًا لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه (34)". وكان هؤلاء كثيرين جدًا "فقال يسوع لليهود والذين آمنوا به: أنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي (35)". ويظهر عدد التلاميذ عند دخول المسيح أورشليم، أنهم جمهور كبير "ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات الذين نظروا (36)". ويصفهم سفر أعمال الرسل أيضا بأنهم جمهور "فدعا الإثنا عشر جمهور التلاميذ (37)". وبعد حلول الروح القدس كان عددهم يتكاثر جدًا "وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليموجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان (38)". هذا الجمهور الغفير من التلاميذ كان عليه أن يتعلم عند قدمي المعلم الأعظم ويحمل النير "احملوا نيري عليكم وتعلموا منى (39)"، وأن يثبتوا في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي (39)".
ومن بين هذا الجمهور من التلاميذ أختار السيد المسيح اثني عشر تلميذًا، يقول الكتاب "دعا تلاميذه وأختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلًا (40)" ليكونوا معه ويتعلموا على يديه وعدد قدميه ويتدربوا على العمل، الكرازة، الذي سيوكله إليهم بعد صعوده إلى السماء وحلول الروح القدس عليهم "وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليرسله ليكرزوا. ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين (41)".
وكان هناك أيضا أخوة الرب يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا (42)" الذين كانوا مواظبين بنفس واحدة على الصلاة والطلبة" مع بقية التلاميذ بعد الصعود. ومن هؤلاء الأربعة كان "يعقوب أخا الرب ويهوذا أخاه" ضمن الاثنا عشر، وصار يعقوب "أخا الرب" أول أسقف لأورشليم ودعى بيعقوب البار وكان ضمن الثلاثة تلاميذ المدعوين بالأعمدة "يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة (43)".
وقد أختار السيد هذه المجموعة، والتي وصفها بالقطيع الصغير، بناء على معرفته بالإنسان "لأنه لم يكن محتاجًا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان (44)"، "أنا أعلم الذين أخترتهم (45)"، وبناء على معرفته بالإنسان أيضا أختار يهوذا الإسخريوطي "أليس أنى أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال هذا عن يهوذا الإسخريوطي (46)". اختارهم، كل واحد، بالاسم ودعاهم كل واحد باسمه، قال لبطرس وأندراوس أخيه "هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه (47)" ولما رأى يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوفت تركا السفينة وأباهما وتبعاه (48)" ولما رأى متى العشار قال "له اتبعني. فقام وتبعه (49)" ولما وجد فليبس قال له "اتبعني (50)" ولما رأى نثنائيل قال عنه أنه نقى القلب "هذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه (51)" أي ابن إبراهيم بالروح (52)، وضمه إلى تلاميذه.
أختارهم بنفسه وجعلهم أحباء ورفعهم فوق مستوى العالم وعلمهم كل ما يتصل بغاية تجسده "أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود أسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكنى قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبى. ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.. لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم (53)".
وأوصاهم أن يتخذوا من شخصه الإلهي مثلًا أعلى يحتذون به:
"احملوا نيري عليكم وتعلموا منى. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف (54)"،
"لأني أعطيتكم مثالًا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعنون أنتم أيضا (55)"،
"لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا تركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته (56)"،
"من قال أنه ثابت فيه (في المسيح). ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضا (57)".
وكما تعلموا منه التواضع تعلموا منه الصلاة (58)، وخدمة الآخرين (59)، وإنكار الذات (60)، وبذل الذات (61)، وعلمهم مميزات ومسئوليات أبناء الملكوت في الموعظة على الجبل (62)، وكشف لهم أسرار ملكوت الله في أمثال؛ الزارع والحنطة والزوان وحبة الخردل والخميرة والكنز المخفي واللؤلؤة الثمينة والشبكة المطروحة في البحر (63)، وكشف لهم حقيقة تجسده باعتباره المسيح ابن الله الحي (64)"، كما عرفهم غاية وهدف مجيئه، تجسده، "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (65)"، "ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (66)"، "أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفى اليوم الثالث يقوم (67)"، ودعاهم للتفرغ له وترك كل شيء لأتباعه، لأجله ولأجل الإنجيل، لأجل الكرازة، لأجل بشارة ملكوت الله؛ "ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها (68)"،
"وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولاد أو حقولًا لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتًا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولًا مع اضطهادات وفى الدهر الآتي الحياة الأبدية (69)".
وأعطاهم السلطان لشفاء المرضى وإقامة الموتى وتطهير البرص وإخراج الشياطين (70) وأرسلهم، قبل الصلب والقيامة، في مهمات تدريبية، إعدادية، داخل إسرائيل (71) فقط، وذل لإعدادهم للإرسالية الكبرى إلى العالم أجمع بعد الصلب والقيامة وحلول الروح القدس (72). وعادوا ليخبروه بكل ما فعلوه وعلموه وقالوا "يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت شيطان ساقطًا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل أفرحوا بالحرى أن أسماءكم قد كتبت في السموات (73)".
وأعلمهم مقدمًا بما سيحدث لهم من متاعب وضيقات واضطهادات حتى الدم والاستشهاد "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن أحذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفى مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم.. وتكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى.. ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده.. فلا تخافوهم. لن ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور. والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح. ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم.. وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاه.. فلا تخافوا.. فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف أنا أيضا به قدام أبى الذي في السموات. ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبى الذي في السموات.. من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ومن وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها. من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (74)".
وكان هؤلاء الاثنا عشر معه دائمًا يذهبون معه إلى كل مكان ولا يفارقونه إلا فيما ندر، خاصة في الأوقات التي كان يختلي فيها للصلاة وحده، وكان يعلمهم مع الجموع بأمثال ويفسر لهم وحدهم مغزى هذه الأمثال! "أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله. وأما الباقين فبأمثال.. (75)"، "قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية (76)". وفسر لهم العهد القديم، خاصة النبوات التي تنبأ بها عنه جميع أنبياء العهد القديم؛ "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب.. أنه لابد أن يتم جميع ما مكتوب عنى في ناموسموسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (77)".
وأحتفل معهم بعشاء الفصح، العشاء الأخير، والعشاء الرباني، وصنع لهم أول عشاء رباني بالخبز والخمر الذين هما ذبيحة العهد الجديد التي يقدمها ببذل نفسه وسفك دمه عن الجميع على الصليب "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا: أشربوا هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا (78)"، "اصنعوا هذا لذكرى (79)". ثم وعدهم بالروح القدس الذي سينسكب عليهم بعد صعوده ليكون معهم ويمكث فيهم إلى الأبد.
هذه المجموعة من التلاميذ الاثني عشر صارت هي إسرائيل الجديدة، أو أسباط العهد الجديد الاثني عشر الذين كتبت أسماءهم في سفر الحياة وعلى أساسات أورشليم السمائية "وسور المدينة كان له أثنا عشر أساسًا وعليها أسماء رسل الحمل (المسيح) الاثنا عشر (80)"، وكانوا أساس إيمان الكنيسة مع المسيح والأنبياء "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية (81)".
وكان للتلاميذ الاثني عشر لب داخلي مكون من بطرس ويعقوب ويوحنا الذين أخذهم الرب معه على جبل التجلي وأراهم مجده (82)"، وكذلك عند إقامة ابنة يايرس من الموت (83)"، وكانوا الأقرب إليه في بستان جثسيماني ولم يقرب منه أحد سواهم عندما بدأ يحزن ويكتئب (84)". وكان القديس بطرس هو الذي تحدث الروح القدس على لسانه في الاعتراف العظيم بأن يسوع الناصري هو "المسيح ابن الله الحي (85)"، وكان يوحنا هو التلميذ الذي يحبه الرب والذي اتكأ على صدره وقت العشاء (86)" والذي اتبعه حتى الصليب والذي تسلم العذراء القديسة مريم، أم الرب، وهو على الصليب (87)"، وكان بطرس ويوحنا هما أول من ذهبت إليه مريم المجدلية لإخبارهما بحقيقة القبر الفارغ وبالتالي أول من ذهب من التلاميذ إلى القبر وشاهدا الأكفان والقبر الفارغ (88)". وكانا هما أكثر من تحدث معهم الرب بعد القيامة وعند ظهوره على شاطئ بحيرة طبرية وطلب من بطرس أن يرعى غنمه ووعد يوحنا بالعمر الطويل (89)".
وكان بطرس ويوحنا ويعقوب (أخا الرب) معتبرين أعمدة في الكنيسة الأولى (90)"، بعد استشهاد يعقوب بن زبدي (91)".
وإلى جانب الاثني عشر فقد "عين الرب سبعين آخرين أيضًا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعًا أن يأتي (92)".
وقد طوب السيد المسيح تلاميذه ومدحهم لأنهم نالوا ما لم يناله قبلهم الأنبياء والأبرار والملوك، فقد كشف لهم عن ذاته وعن العلاقة بين الآب والابن ورأوا كلمة الله المتجسد، صورة الله غير المنظور، الله الظاهر في الجسد "والتفت إلى تلاميذه وقال كل شيء قد دفع إلى من أبى. وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له. والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرونه. لأني أقول لكم أن أنبياء كثيرين وملوكًا كثيرين أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:28 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الرسل

كلمة رسول المستخدمة في الإنجيل هي "أبو يتولوس – Apostolos" وتعنى "رسول، مرسل، مبعوث فوق العادة، سفير"، وتعنى في العهد الجديد بالدرجة الأولى شخص المسيح باعتباره المريل من الآب "ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم (93)"، وقال السيد المسيح مخاطبًا الجموع "لأنى قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة (الآب) الذي أرسلني (94)"، وقال مخاطبًا الآب "وهذه الحياة الأبدية يعرفونك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته (95)".
وتعنى الكلمة في العهد الجديد، بصفة عامة، رسول المسيح، مبعوث المسيح، مرسل المسيح إلى كل العالم؛ "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت"، "من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (97)"، "الذي يسمع منكم يسمع منى. والذي يرذلكم يرذلني. والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني (98)".
ورسول المسيح هو الشخص الذي تعلم منه وتدرب على يديه، هو أحد الذين أتبعوه وعاشوا معه منذ معمودية يوحنا المعمدان إلى اليوم الذي صعد فيه إلى السماء (99)، أنه أحد الذين شاهدوا المسيح القائم من الموت وأعدوا للشهادة له في كل العالم. والذين شاهدوا الرب القائم من الأموات كثيرين وعلى رأسهم "الأحد عشر تلميذًا"، "هم والذين (كانوا مجتمعين) معهم (100)"، ويذكر القديس بولس أن الرب ظهر لثلاث مجموعات كبيرة غير الأفراد، هذه المجموعات هي "للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ.. ثم للرسل أجمعين (101)". وهذا العدد يعنى أكثر من خمسمائة بكثير.
وينطبق لفظ ووصف رسول بدرجة أكبر على التلاميذ الأحد عشر، بعد خيانة يهوذا وموته، الذين أختارهم الرب منذ البدء "ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا (102)"، "الذين سماهم أيضا رسلًا (103)". وهؤلاء الأحد عشر كانوا معه منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي صعد فيه. ويسميهم القديس لوقا "الرسل الذين أختارهم (104)" أي الرب، المسيح.
هؤلاء الرسل الذين كانوا مع الرب منذ معموديته إلى صعوده وأعدهم بنفسه ظهر لهم بعد القيامة "أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه منى. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير (105)". فقد أرسلهم للبشارة في العالم أجمع وليكونوا رسله وسفراءه إلى كل المسكونة، ولكن بعد حلول الروح القدس:
"وها أنا أرسل إليكم موعد أبى. فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي (106)"،
"ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة إلى أقصى الأرض (107)"،
"فتقدم يسوع وكلمهم قائلًا ك دُفع إلىّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أنا أوصيتكم به (108)"،
"وقال لهم أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن وأعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدن (109)".
وبعد مرور حوالي خمسة وعشرين سنة كان الرسل قد انتشروا في كثير من بلاد العالم وبقاع الأرض، ومن ثم يقول القديس بولس الرسول في هذه الفترة:
"الإنجيل الذي سمعتموه المكرز به في كل الخليقة التي تحت السماء (110)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:29 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
بولس الرسول

لم يكن بولس الرسول من الاثني عشر أو السبعين أو غيرهم مكن الذين شاهدوا السيد المسيح قبل الصعود، بل على العكس تمامًا فقد كان مضطهدًا للكنيسة في أيامها الأولى ثم ظهر له السيد في الطريق إلى دمشق وأختاره ليكون رسوله إلى الأمم "لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي (111)" ودعى "رسولًا (112)". وكانت دعوة الرب له مباشرة "وأعرفكم أيها الأخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولا عُلّمته (تلقيته). بل بإعلان يسوع المسيح. فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أنى كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها. وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي. ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن أبنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت ثم أستشر لحمًا ودمًا ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضًا إلى دمشق. ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يومًا. ولكنى لم أرى غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب (113)".
كانت رسولية بولس الرسول هي عمل مباشر للرب يسوع القائم من الأموات والجالس عن يمين العظمة في السماء "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات (114)"، كانت رسوليته بإعلان خاص ومباشر من الرب نفسه الذي ظهر له بعد صعوده إلى السماء وأختاره ليكون رسوله إلى الأمم وأعلن له الإنجيل مباشرة بدون وساطة أي إنسان "بإعلان يسوع المسيح"، "لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا أن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزًا وشكر وكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضا بعدما تعشوًا قائلًا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى (115)"، "أنه بإعلان عرفتي بالسر (116)".
ويلخص في رسالته الأولى إلى كورنثوس دعوته أو بشارته، جوهر الإنجيل الذي بشر به بقوله "وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون إن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثًا. فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وإنه ظهر لصفا (بطرس) ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمئة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا (117)". ثم يؤكد أن ما يكرز به هو نفس ما يكرز به بقية الرسل "فسواء أنا أم أولئك هكذا نكرر وهكذا آمنتم (118)".
وكانت إعلانات الرب له كثيرة جدًا حتى انه أُخذ، ذهب، إلى السماء الثالثة، إلى الفردوس "فإني آتى إلى مناظر الرب وإعلاناته. أعرف إنسانًا في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم. الله يعلم. أختطف هذا إلى السماء الثالثة. وأعرف هذا الإنسان أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم. الله يعلم. أنه أختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها (119)". لقد وصل إلى قمة الإعلان "إلى مناظر الرب وإعلاناته".
وقد بشر بولس الرسول في كثير من بلاد آسيا الصغرى وفلسطين وسوريا وقبرص واليونان وروما، من أورشليم إلى إلليريكون أقصى حدود اليونان "حتى أكون خادمًا ليسوع المسيح لأجل الأمم مبشرًا لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولًا مقدسًا بالروح القدس. فلي افتخار في المسيح يسوع من جهة ما لله. لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي لأجل إطاعة الأمم بالقول والفعل. بقوة آيات وعجائب بقوة روح الله. حتى إني من أورشليم وما حولها إلى إلليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح (120)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:31 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
وحدة الرسل في الإعلان مع الآب والابن

بعد العشاء الرباني وبعد أن غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه وإعطائهم درس عملي في التواضع وإنكار الذات بدأ يتحدث إليهم حديث وداعي طويل تحدث فيه عن تركه لهم ورحيله الوشيك من العالم وصعوده إلى السماء، بعد الصلب والقيامة، وعزاهم من مفارقته لهم، وأكد لهم حقيقة كونه الطريف والحق والحياة وأنه الباب الوحيد والطريق الوحيد المؤدى للحياة الأبدية، وحقيقة وحدته مع الآب في الذات الإلهية والجوهر الإلهي، وعلمهم أن يصلوا باسمه وأكد لهم أنه سيستجيب لكل ما يطلبونه باسمه، ووعدهم بإرسال الروح القدس الذي سيرشدهم إلى جميع الحق ويعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما قاله لهم والذي سيمكث معهم إلى الأبد، وعرفهم بأن دورهم الأول كرسله هو الشهادة له، وأعلمهم بما سيلاقونه من آلام واضطهاد. وفى ختام حديثه الطويل "رفع عينيه نحو السماء (121)" إلى الآب في صلاة ربانية ومناجاة إلهية بين الآب والابن على مرأى ومسمع من تلاميذه. فقد أتت الساعة المحتومة ليبذل ذاته على الصليب وتنتهي بذلك المهمة التي تجسد بسببها والتي من أجلها نزل من السماء وجاء إلى العالم "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت. فهي تبقى وحدها. ولكن عن إن ماتت تأتى بثمر كثير.. الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول أيها الآب نجنى من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة.. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع (122)"، وهو يقصد هنا الارتفاع على الصليب وهذا ما يؤكده الوحي بقوله "قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت (123)".
كان عليه بعد القيامة أن يصعد إلى السماء ويعود من حيث أتى "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء (124)"، ولكن يظل كما هو المالئ الكل بلاهوته والموجود في كل مكان. وقد اعتاد تلاميذه على وجوده معهم ولم يتصوروا أنه سيفارقهم أبدًا حسب الاعتقاد اليهودي "سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت أنه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان (125)"، ولكن قد آن الأوان ليترك العالم بالجسد وينطلقوا هم إلى العالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وينادوا للبشرية بالخبر السار والبشارة المفرحة، بشارة الخلاص الأبدي، لذا فقد صلى للآب من أجلهم، صلاة خاصة على مسمع منهم، وكان محور هذه الصلاة هو ثباتهم في الآب والابن وحفظهم من الشرير، فقد أظهر لهم اسم الآب وحفظهم كلمته وعلمهم وصاياه وآمنوا أنه من ذات الآب، من عند الآب خرج وإليه يعود "أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم (أي تلاميذه)كانوا لك وأعطيتهم لي. وقد حفظوا (كلمتك – Logos) كلامك. والآن علموا أم كل ما أعطيتني هو من عندك. لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينًا أنى خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني (126). لقد أعلن لهم عن ذات الآب وكشف عن شيء من طبيعته "الله روح" (127) وحفظهم كلامه، كلمته، وعمل أمامهم أعمالًا عظيمة تظهر مجده، وآمنوا من ذات الآب، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" (128)، كلمة الله، صورة اله (الآب) غير المنظور، بهاء مجده ورسم جوهره، كالشعاع من مصدر النور، نور من نور، كما أدركوا أنه العالم بكل شيء "الآن نعلم أنك عالم لكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد. لهذا نؤمن من أنك من الله خرجت" (129).
ثم يسأل الآب من أجلهم لأنهم للآب، آمنوا بالله أولًا، ثم صاروا للابن الذي هو الباب الوحيد للحياة الأبدية والطريق الوحيد للخلاص "وليس بأحد غيره الخلاص" (130) وقد تمجد المسيح فيهم؛ في إيمانهم به، في حفظهم كلامه ووصاياه "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعماله الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (131) أو كما قال لهم السيد المسيح نفسه "بهذا يتمجد أبى إن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي" (132)، وكما قال بولس الرسول بالوحي "أن الله بالحقيقة فيكم" (133)، وفى العجائب والقوات التي أعطاهم السلطان أن يعملوها باسمهن لذا يصلى "من أجلهم أسأل فهو لي وأنا ممجد فيهم" (134).
ويطلب من الآب أن يحفظهم في اسمه وأن يكونوا واحد في المسيح كما أن الآب والابن واحد فقد حفظهم السيد المسيح، الإله المتجسد في اسم الله، يهوه، ولم يهلك منهم سوى يهوذا الإسخريوطي "ابن الهلاك"، "ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتى إليك. أيها الآب القدوس أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحدًا كما نحن. حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك. الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب. أما الآن فإنى آتى إليك. وأتكلم بهذا في العالم ليكون فرحى كاملًا فيهم" (135).
وكما أبغض العالم المسيح لأنه ليس من العالم فقد أبغض تلاميذه أيضًا لأنهم قبلوا الابن وآمنوا أنه من الآب خرج وحفظوا كلمته فصاروا أقوياء به و"تقووا من ضعيف صاروا أشداء" (136) وصاروا غرباء عن العالم "غرباء ونزلاء على الأرض" (137)، لذلك أبغضهم العالم كما أبغض سيدهم وربهم، يقول بطرس الرسول بالوحي "أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس وأن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها" (138)، لذا قال لهم "إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم: لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم" (139)، ويقول القديس يوحنا "لا تتعجبوا يا إخوتي إن كان العالم يبغضكم. نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة" (140). ومن ثم يصلى السيد والرب "أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أنى أنا لست من العالم" (141).
ثم يطلب من الآب أن لا يأخذهم من العالم، كما أخذ إيليا بعد أن ضاقت نفسه من العالم، بل أن يحفظهم من الشرير "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أنى لست من العالم. قد سهم في حقك. كلامك هو حق. كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم" (142). فقد كان عليهم أن يحملوا رسالة الابن المتجسد إلى كل البشرية "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" (143) ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
كان يعلم أنه بتركه لهم وصعوده إلى السماء جسديًا سيصيرون كالأيتام لذا صلى للآب أن يحفظهم كما وعدهم أنه سيكون معهم دائمًا "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (144) ولن يتركهم يتامى "لا أترككم يتامى. أنى آتى إليكم" (145)، فهو الحي إلى أبد الآبدين بلاهوته (146) "بعد قليل لا يراني العالم أما أنتم فترونني. أنى أنا حي فأنتم ستحيون" (147).
ويسأل الآب أن يقدسهم في الحق، أي ينقلهم إلى حرية أولاد الله ويخصصهم لذاته وللحياة الأبدية، وفى كلامه الذي هو حق، أي يعيشون "في البر وقداسة الحق" (148)، قدسهم في حقك كلامك هو حق" (149)، فقد صاروا مقدسين بسبب تعليمه لهم وكلامه الذي حفظوه "أنتم أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (150). ويسأل أيضًا من أجل الذين سيؤمنون بالمسيح، الابن الفادي، بواسطة كرازتهم حتى ما يكون الجميع واحد "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحد كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أنت أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واجد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني" (151). أنه يريد أن تكون هناك وحدة واحدة بين المؤمنين وبين الرسل "ليكون الجميع واحدًا" وهؤلاء جميعًا في وحدة مع المسيح "هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضاّ لبعض كل واحد للآخر" (152)، وان يكون الجميع واحد مع الآب والابن "كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا.. أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد". يقول القديس يوحنا توضيحًا لذلك "الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. أما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (153).
أخيرًا يقول "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (إنجيل يوحنا 17: 24). وقد سبق أن وعدهم أن يكونوا معه حيث يكون هو "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتى أيضًا وأخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (154)، ومن ثم يقول القديس بولس بالوحي "وهكذا نكون كل حين مع الرب" (155).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:32 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
عمل الروح القدس وقيادته للكنيسة

بعد قيامته من الموت ظل السيد المسيح القائم من الموت يظهر لتلاميذه، رسله، مدة "أربعون يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه منى. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير.. لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (156)،
"فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (157).
طلب السيد القائم من الموت من تلاميذه، رسله، أن يقيموا في مدينة أورشليم ولا يبرحوها مهما كانت الظروف إلى أن يحل عليهم الروح القدس الذي سيعطيهم مواهبه وسيهبهم القوة "ستنالون قوة"، "تلبسوا قوة"، ولن تكون معموديتهم بالماء فقط، كما عمد يوحنا المعمدان، بل بالروح القدس، بالماء والروح، كما قال الرب لنيقوديموس ":إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله.. ينبغي أن تولدوا من فوق" (158). هذا الروح، الروح القدس، لا يعطى ولا يحل إلا على المؤمنين بالرب يسوع المسيح، فهذا ما أعلنه الرب نفسه "من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنا هو ماء حيّ. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد. لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (159).
من هذه الآيات ومما سبق نخرج بثلاث حقائق هامة:
إن الرب يسوع المسيح كان قد أعد تلاميذه، رسله، ليكونوا شهودًا له، شهودًا لشخصه وأعماله وأقواله، وبالدرجة الأولى شهودًا لصلبه وقيامته وصعوده، شهودًا له كالرب القائم من الموت والصاعد إلى السموات والجالس عن يمين العظمة في الأعالي.
ولكنه أكد لهم أنهم لن يستطيعوا أن يؤدوا الشهادة له أمام البشرية في كل العالم من ذواتها وبمجهودهم البشرى فهو لابد أن يكون معهم بروحه القدوس، ومن ثم فلابد أن يحل على الروح القدس، روح الله الآب وروح الابن، وأن يسكن فيهم ويقودهم ويرشدهم ويعلمهم ويذكرهم بكل ما قاله لهم وعمله أمامهم ويهبهم القوة لمواجهة العالم وقواته الشريرة.
وكان مقررًا أن يحل الروح القدس على التلاميذ والكنيسة، التي كانوا هم نواتها، بعد صلب المسيح وقيامته، أو بتعبير الرب نفسه بعد أن يتمجد، ومجده، كما سبق، هو ارتفاعه على الصليب "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان.. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الصليب الجميع" (160). وهذا ما عبر عنه عندما حانت لحظة القبض عليه لمحاكمته وصلبه "أيها الآب قد أتت الساعة. مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضًا" (161)، "الآن قد تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه" (162). وكان لابد أن يصعد المسيح إلى السماء ليرسل الروح النجس ويسكبه على التلاميذ؛ "لكنى أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى. ولكن إن ذهبت أنا أرسله إليكم" (163).
وكان السيد المسيح قد أعلن لتلاميذه بعد العشاء الرباني وقبل القبض عليه ماهية وصفات وعمل الروح القدس في الآيات التالية:
"وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. أما أنتم فتعرفونه لأن ما معكم ويكون فيكم. لا أتترككم يتامى. أنى آتى إليكم.. وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب بأسمى فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (164)،
"ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم من الابتداء" (165)،
"لكنى أقول لكم الحق أنه حير لكمن أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبى ولا ترونني أيضًا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ولكن لن تستطيعوا أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم.كل ما للآب هولي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم. بعد قليل لا تبصرونني. ثم بعد قليل أيضًا ترونني لأني ذاهب أبى الآب" (166).
وفى هذه الآيات يكشف الرب عن الآتي:
إن هذا المعزى الذي سيرسله من عند الآب باسمه هو روح الحق، روح الله "الله روح"، الروح القدس، "روح إلهنا" (167)، "روح المسيح الذي فيهم" (168)، "روح يسوع المسيح" (169) روح الآب وروح الابن "أن كان روح الله ساكنًا فيكم. ولكن أن كان أحد ليس روح المسيح فذاك ليس له" (170). فهو روح الله وروح المسيح، روح الآب وروح الابن، والآب والابن واحد (171)، ومن ثم فروح الآب والابن واحد، والآب والابن والروح القدس واحد "باسم الآب والابن والروح القدس" (172)، لذلك يقول الوحي "أرسل الله روح ابنه" (173)، فالله واحد؛ موجود بذاته، الآب، ناطق بكلمته، الابن حي بروحهن الروح القدس. والابن صادر (مولود) من الآب بالولادة بلا انفصال "أنت أبنى أنا اليوم ولدتك" (174)، والروح القدس صادر (منبثق) من الآب بالانبثاق، بدون انفصال أو انقطاع "الذي من عند الآب ينبثق" (175). ولأن الروح القدس هو روح الآب والابن المنبثق من الآب فهو مرسل من الآب "يرسله الآب" ومن الابن أيضًا "إن ذهبت أرسله (أنا) إليكم" ولكن "سأرسله أنا إليكم من الآب باسم الابن "الذي سيرسله الآب باسمي".
وقد دعى السيد المسيح الروح القدس ب "البارقليط" وفى اليونانية "بارالكيتوس – Parakletos" “Advocate” أي مدافع أو محامى. وقد دعاه السيد المسيح "باراقليطًا آخر" لأن المسيح نفسه أيضًا دعى باراقليط، يقول القديس يوحنا الرسول بالروح "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع (باراكليت – Paraleton) عند الآب يسوع المسيح البار" (176)، وقد ترجمت كلمة "باراقليط" في العربية "شفيع"، والشفيع هو المحامى أو المدافع.
وهو سيمكث إلى الأبد "يمكث إلى الأبد" وسيكون مع الرسل وفيهم "لأنه ماكث معكم وفيكم "روح المسيح الذي فيهم"، سيسكن فيهم "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (177)، "أن جسدكم هو هيكل للروح القدس" (178).
"لا يستطيع العالم أن يقبله" لأنه ضد روح العالم الشرير الذي رفض المسيح "إن كان العالم يبغضكم فأعلموا أنه قد ابغضني قبلكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته" (179)، يقول الوحي بلسان بولس الرسول "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة" (180).
وهو غير مرئي لأنه جوهر إلهي روحي غير مرئي، وغير مدرك "لا يراه ولا يعرفه". الله روح وغير مرئي "الله لم يره أحد"، "الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (181)، "لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (182). كما أن الروح، بصفة عامة، ليس لها خواص الكائنات المرئية من لحم ودم وعظام كما قال السيد نفسه "الروح ليس له لحم ولا عظام" (183).
ومهمته الأساسية هي الشهادة للمسيح "فهو الذي يشهد لي"، "والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق.. إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. ومن لا يصدق الله فقد جعله كاذبًا لأنه يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه" (184).
وكانت له مهمة خاصة جدًا بالنسبة للرسل وهى أن يعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما قاله الرب لهم ويرشدهم إلى كل الحق: "فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم"، "فهو يرشدكم إلى جميع الحق".
وهو يعلمهم كل شيء بأن يعطيهم الاستنارة الداخلية ويعلن لهم، يوحى لهم بكلمة الله "أما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ.. وأما أنتم فالمسيحية التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء" (185)، "ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله التي نتكلم بها أيضًا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس" (186).
وكان الروح القدس وما يزال، كما وعد الرب هو الذي يتكلم على لسان التلاميذ والرسل والمدافعين والخدام ويعلمهم ما يجب أن يقولونه:
"ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون. لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولونه" (186)،
"فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (187)،
"فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا. لأني أنا أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (188)،
"فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا. بل مهما أعطيتهم في تلك الساعة فبذلك تكلموا. لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس" (189).
وهذا ما تم حرفيًا، يقول الكتاب أنه عندما وقف بطرس ويوحنا أمام الكهنة والشيوخ ورؤساء الكهنة "امتلأ بطرس من الروح القدس" ووبخهم وشهد بكل جرأة لصلب وقيامة المسيح وأنه لا خلاص لهم إلا بالإيمان به "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس أسم أخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص"، ثم يقول الكتاب "فلما رأوا مجابهة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع" (190).
ب_ ويذكرهم بكل ما قاله الرب لهم "ويذكركم بكل ما قلته لكم؟ كانت بعض أقوال السيد المسيح، خاصة المتصل منها بآلامه وصلبه وقيامته غير متوقعة وصعبة على فهم التلاميذ وإدراكهم، كيهود، فقد كانت توقعاتهم وآمالهم في المسيح عكس ذلك تمامًا، ولذا يكرر الكتاب عبارات مثل:
"وهذه الأمور لم يفهما تلاميذه أولًا" (191)،
"وأما هم فلم يفهموا هذا القول. وكان مخفي عنهم لكي لا يفهموه" (192)،
"وأما هم فلم يفهموا هذا القول وخافوا أن يسألوه" (193)،
"أما هم فلم يفهموا من ذلك شيئًا وكان هذا الأمر مخفي عنهم ولم يفهموا ما قيل" (194).
ولكن بعد الصلب والقيامة بدأوا يتذكرون ويدركون مغزى ما سبق أن قاله لهم:
"ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه" (195)،
"فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا" (196)،
"فتذكرن كلامه" (197).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:33 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
حلول الروح القدس في الكنيسة

وكان لابد أن يحل الروح القدس عليهم لكي يتذكروا كلامه ويفهموا ويدركوا مغزاه "يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (198)، "يرشدكم إلى جميع الحق" (199).
وقد حقق الرب القائم من الموت والصاعد إلى السماء وعده في يوم الخمسين "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع (الرسل) معًا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (200). وبعد ذلك ظهر عمل الروح القدس مع التلاميذ، كما يقول الكتاب، في كل مكان بكل قوة:
حينئذ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل" (201)،
"ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه. وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون كلام الله بمجاهرة" (202).
ولما وقف القديس أستيفانوس يشهد للمسيح أمام مجمع اليهود الذين كانوا من جنسيات مختلفة "الليبرتينيين والقيروانيين والإسكندريين ومن الذين من كيليكيا وأسيا" وأخذوا يحاورونه، يقول الكتاب "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (203).
وكان الروح القدس هو القائد العام للكنيسة من خلال الرسل، معه وفيهم وبهم، يوجههم ويرشدهم ويقودهم ويقويهم ويتكلم بهم وعلى لسانهم ويحركهم ويرسلهم للكرازة في بعض الأماكن ويمنعهم عن أماكن أخرى؛ فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة" (204)، مركبة الخصى الحبشى، وبعد أن انتهت مهمته، يقول الكتاب "خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصي أيضًا وذهب في طريقه فرحًا. وأما فيلبس فوجد في أشدود. وبينما هو مجتاز كان يبشر جميع المدن حتى جاء إلى قيصرية" (205)، ووجه بطرس للذهاب إلى بيت قائد المئة الرومانى كرنيليوس ليبشره بالمسيح "قال له الروح.. فقال لي الروح أذهب معهم" (206)، أي رجال كرنيليوس.
وكشف الروح القدس عن المجاعة التي صارت على المسكونة في العصر الرسولي "وأشار (أغابوس) بالروح أن جوعًا عظيمًا عتيد أن يصير على المسكونة" (207)، وأمر بإرسال بولس وبرنابا للكرازة "وبينما هم (الأنبياء والمعلمون) يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول (بولس الرسول) للعمل الذي دعوتهما إليه.. فهذا إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية" (208). وهناك آيات كثيرة تتحدث عن عمل الروح القدس المتواصل في قيادة الكنيسة وتوجيه الرسل:
"لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نصنع عليكم ثقلًا غير هذه الأشياء الواجبة" (209)،
"وبعدما اجتازوا في فريجيه وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في أسيا. فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية فلم يدعهم الروح.. وظهرت لبرولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونية وأعنا. فلما رأى الرؤيا للوقت طلبنا أن نخرج إلى مكدونية متحققين أن الرب قد دعانا لنبشرهم" (210)،
"كان بولس منحصرًا بالروح وهو يشهد لليهود بالمسيح يسوع" (211)،
"ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيدًا بالروح لا أعلم ماذا يصادفني هناك. غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلًا أن وثقًا وشدائد تنتظرني" (212)،
"احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (213).
وأعلن الروح القدس لرسله وأنبيائه سر المسيح، سر الفداء والخلاص "أنه بإعلان عرفني بالسر.. سر المسيح الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح" (214).
وكان الرب يكلم الرسل في رؤى الليل ويوجههم لعملهم الكرازي:
"فقال الرب لبولس في رؤيا في الليل لا تخف بل تكلم ولا تسكت. لأني معك لا يقع بك أحد ليؤذيك لأن لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة" (215)،
"وفى الليلة التالية وقف به الرب وقال ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضًا" (216)،
"ولكن الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم" (217).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:35 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الرسل شهود المسيح للبشرية

عاش الرسل بالقرب من السيد المسيح. وتتلمذوا على يديه واقتربوا منه ودخل إليهم وخرج أو كما يقول بطرس الرسول "دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (217)، وأكلوا معه وشربوا سواء قبل الصلب والقيامة أو بعد القيامة "نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (218)، وتعلموا منه "تعلموا منى" وحفظوا كلامه "حفظوا كلامك.. الذي أعطيتني" (219) وشاهدوا كل أعماله التي أظهر فيها مجده "وأظهر مجده فآمن به تلاميذه" (220)، وأظهر لهم مجده على جبل التجلي عندما كشف لهم عن لمحه من عظمته ولاهوته "وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا يتكلمان معه.. وصوت من السحابة قائلًا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (221)، "فلما استيقظوا (التلاميذ الثلاثة) رأوا مجده.." (222)، كما رأوه بعد قيامته مرات عديدة"، "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (223)، وشرح، وفسر لهم، في هذه الفترة، كل ما يختص به وما سبق أن تنبأ به عنه جميع أنبياء العهد القديم. وقبل صعوده إلى السماء كلفهم بالبشارة به في العالم أجمع.
أعدهم ليكونوا شهودًا له لكل البشرية في العالم أجمع، ليكونوا شهود عيان يهدون بما شاهدوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم ولمسوه بأيديهم، ووعدهم بإرسال الروح القدس ليذكرهم بكل ما قاله لهم وبكل ما سمعوه ولمسوه، ويعلمهم كل شيء ويرشدهم إلى جميع الحق، ويشهد للمسيح من خلالهم "فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (224).
أعدهم ليكونوا شهودًا عيانًا له، أو كما وصفهم القديس لوقا الإنجيلي بالوحي "الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة" (225)، "الذين كانوا منذ البدء شهود عيان للكلمة"، لكي يكرزوا للعالم أجمع كشهود عيان لما يكرزون به، ويحملوا الأخبار السارة التي عاشوا أحداثها بأنفسهم وكانوا شهود عيانًا لها. ولذلك فقد كانت كرازتهم للبشرية لها بالخلاص والحياة الأبدية هي بما شاهدوه وسمعوه ولمسوه:
"والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (226)،
"الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (227).
"ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم" (228)،
"لأننا لم نتبع خرافات وضعه إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع ومجيئه بل كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسمى هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (229)،
"أطلب إلى الشيوخ الذين أنا الشيخ (بطرس الرسول) توفيقهم والشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يعلن" (230).
كانت الفترة التي قضاها الرسل مع الرب يسوع المسيح سواء قبل القيامة أو بعد القيامة هي أعظم وأروع خبرة اكتسبوها في حياتهم، وكانت أثمن وأروع ما لديهم ليقدموه للبشرية، الشهادة للمسيح، ابن الله النازل من السماء والذي بذل ذاته لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية وكان الروح القدس الساكن فيهم يعمل فيهم وبهم ويرشدهم ويقودهم ويذكرهم بكل ما اختبروه في حياتهم مع الرب الحي إلى أبد الآبدين.
كانت شهادة الرسل كشهود عيان للمسيح تقوم على أسا معرفتهم الخاصة به وبأحداث حياته في كل تفاصيلها، خاصة آلامه وصلبه وقيامته، واختيارهم منه شخصيًا ليشهدوا له ويشهدوا عنه:
"وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم كنتم معي من الابتداء" (231)،
"وقال لهم (بعد قيامته) هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموسموسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب وقال هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك (232)".
وفى أول خطاب له بعد حلول الروح القدس مباشرة شهد القديس بطرس الرسول وبقية الرسل أمام جموع غفيرة من رؤساء وعامة اليهود:
"أيها الرجال الإسرائيليون أسمعوا هذا الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون. هذا أخذتموه مسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منهُ.. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك.. فيعلم يقينًا جميع سكان بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا.. وبأقوال كثيرة كان يشهد لهم ويعظمهم.. فقبلوا كلامه بفرح وأنضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس (233)".
وفى عظته التالية في الهيكل قال لهم:
"إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتلو رئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك (234)".
ويعلق الوحي الإلهي على كرازة الرسل قائلًا: "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم (235)". وفى كرازة القديس بطرس الرسول للقائد الروماني كرنيليوس و"أنسبائه وأصدقائه الأقربين"، قال لهم بالروح القدس "أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئًا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا. يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه. ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفى أورشليم. الذي أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرًا ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فأنتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات. وأوصانا أن نكرز ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانًا للأحياء والأموات (236)"،وفى عظة القديس بولس أمام مجمع اليهود في إنطاكية بيسيدية قال لهم:
أن المسيح بعد صلبه وقيامته من الموت "ظهر أيامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب (237)".
كرز الرسل وبشروا البشرية في كل المسكونة بما شاهدوه بأنفسهم كشهود عيان أو كما يقول بطرس الرسول بالروح "كنا معاينين (رأينا بعيوننا) عظمته"، "تكلمنا باعتبارنا شهود عيان لعظمته". وكان الرب يؤيد شهادتهم بالآيات والقوات والمعجزات. يقول الروح القدس عن مؤازرته لكرازة بولس وبرنابا:
"فأقاما زمانًا طويلًا يجاهران بالرب الذي كان يشهد لكلمة نعمته ويعطى أن تجرى آيات وعجائب على أيديهم (238)". ويقول عن كرازة الرسل جميعًا "الذين سمعوا شاهدًا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته (239)".
كان الرسل دائمًا يؤكدون على أنهم، بالدرجة الأولى، شهود عيان، وأكثر من استخدم كلمات "شهد" و"شاهد" و"شهادة" عن نفسه هو القديس يوحنا الحبيب، التلميذ الذي ألتصق بالرب أكثر من بقية التلاميذ والذي لُقب ب "التلميذ الذي كان يسوع يحبه (240)"، والذي "كان متكئًا في حضن يسوع241)" وقت العشاء الربانى؛ ويقول في الإنجيل الذي دونه بالروح القدس:
"ولكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم"،
"هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونحن نعلم أن شهادته حق (243)"،
ويقول في سفر الرؤيا:
"يوحنا الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه (244)"،
"أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفى ملكوت يسوع المسيح وصبره كنت في الجزيرة التي تُدعى بطمُس (منفيا) من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح (245)". وعن شهادة الشهداء للمسيح يقول:
"رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم (246)". وعن انتصار المؤمنون على إبليس يقول:
"وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت (247)"،
"وذهب ليصنع حربًا مع باقى نسلها (الكنيسة) الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح (248)".
أخيرًا يختم الروح هذه الشهادة بقول الملاك ليوحنا "أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع.. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة (249)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:36 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الرسل والسلطان الرسولي الممنوح لهم

فى إرساليته الأولى للتلاميذ قال لهم "أشفوا مرضى. طهروا برصًا. أقيموا موتى. اخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا (250)"، وعندما عين سبعين آخرين وأرسلهم أمام وجهه أعطاهم نفس السلطان ولما رجعوا من مهمتهم "قالوا يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء (251)". وبعد قيامته وقبل صعوده إلى السماء قال لهم:
"وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات وإن شربوا شيئًا مميتًا لن يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون (252)". وبناء على ذلك كان الرسل في كل مكان حيث يذهبون يصنع الرب على أيديهم آيات وعجائب وقوات لا حصر لها حتى أنه، كما يقول الكتاب "كانوا (الناس) يحملون المرضى خارجًا في الشوارع ويضعونهم على فرش وأسرة حتى إذا جاء بطرس يخيم ولو ظله على واحد منهم.. وكانوا يبرأون جميعهم (253)"، "وكان الله يصنع على يدي بولس قوات غير المعتادة. حتى كان يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (254)".
وكانوا يصنعون هذه الآيات والمعجزات باسم "يسوع المسيح" ويعملوها بقوته هو كما سبق أن قال لهم "الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير. لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا". ومن ثم فعندما وجد بطرس الرسول مفلوجًا قال له "يا إينياس يشفيك يسوع المسيح. قم وأفرش لنفسك. فقام للوقت (255)"، وقال للمقعد أمام باب الهيكل "باسم يسوع الناصري قم وأمش" ولما وجد الناس تنظر إليه هو والقديس يوحنا مندهشين ومذهولين قال لهم "لماذا تشخصون إلينا كأنه بقوتنا أو تقوانا جعلنا هذا يمشى.. إله آبائنا مجد فتاه يسوع.. وبالإيمان باسمه شدد اسمه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه والإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم (256)".
وأعطاهم أيضا سلطان الحل والربط وغفران الخطايا "الحق أقول لكم إن كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء (257)"، "فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت (258)". هذا السلطان يذكر الكتاب استخدام بطرس له عندما عاقب حنانيا وسفيرة لكذبهما على الروح القدس، وحرم سيمون الساحر من شركة القديسين لأنه أراد أن ينال مواهب الروح القدس بالمال "فقال له بطرس.. ليس لك نصيب. ولا قرعة في هذا الأمر. لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام الله (260)". كما استخدم هذا السلطان أيضا بولس الرسول عندما عاقب عليم الساحر الذي قاوم كرازة بولس وبرنابا وأصابه بالعمى "هوذا يد الرب عليك فتكون أعمى ولا تبصر الشمس إلى حين (261)".
وكانت للرسل المكانة الأولى في الكنيسة باعتبارهم ممثلو المسيح وشهوده "الذي يقبلكم يقبلني (262)"، "الذي يسمع منكم يسمع منى. والذي يرذلكم يرذلني (263)". وكان لهم سلطان على أعضاء الكنيسة وتعاملوا مع كل الأمور والقضايا التي واجهت الكنيسة في مهدها وعقدوا أول مجمع للكنيسة في أورشليم لمناقشة وبحث موضوع قبول المؤمنين الراجعين إلى الله من الأمم. وأصدروا التوصيات والقرارات اللازمة لذلك (264). ومن ثم كان تصنيفهم الأول في الكنيسة قبل الأنبياء والمعلمين :
"فوضع الله أناسًا في الكنيسة، أولًا رسلًا، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب الشفاء.. (265)"،
"مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية (266)"،
"وأعطى (المسيح) البعض أن يكونوا رسلًا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين (267)".
وكانت الوصية العظمى التي حفظوها كاللؤلؤة الكثيرة الثمن هي "لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعًا إخوة (271)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:38 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الإنجيل الشفوي والتسليم الرسولي

سلم السيد المسيح تلاميذه ورسله الإنجيل شفاهة ولم يذكر الكتاب أنه كتب سوى مرة واحدة وكان يكتب بإصبعه على الأرض" (1)، وذلك في حادثة المرأة التي أمسكت في الزنى، وكلمة إنجيل ذاتها كما بينّا في الفصل الأول، تعنى بالدرجة الأولى، الأخبار السارة والبشارة المفرحة، بشارة الخلاص الأبدي، أي الكرازة بـ"جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (2). وكانت كرازة الرسل بالأخبار السارة، هي ذاتها الإنجيل، الإنجيل الشفوي "ويكرز ببشارة الملكوت هذه كل المسكونة" (3). وتوضح الآيات التالية عمل الله في الرسل في نشر الإنجيل شفاهة بالتسليم:
"الخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله" (4)، "وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقومون" (5)، "أن إنجيلنا لم يصر إليكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضًا وبالروح القدس" (6)، "أشكر إلهي.. لسبب مشاركتكم في الإنجيل من أول يوم إلى الآن" (7) "هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع أكليمندس أيضًا وباقي العاملين معي" (8)، "تيموثاوس أخانا العامل معنا في إنجيل المسيح" (9)، "ثم أريد أن تعلموا أيها الأخوة أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل" (10)، "ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل (11)".
ولذلك فعندما يقول الرسول "يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي (12)" و"للقادر أن يثبتك حسب إنجيلي (13)"، يقصد كرازتي، عملي في حمل البشارة، وعندما يقول "أنى أوتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان (14)"، يقصد كرازته بين الأمم وكرازة بطرس بين اليهود "فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيَّ أيضا للأمم (15)".
انتشر الإنجيل شفاهة في كل البلاد التي كرز فيها الرسل ولم تكتب الأناجيل المدونة سوى بعد أكثر من خمسة وعشرين سنة من صعود السيد المسيح.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:41 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الرسل شهود عيان

أعد السيد المسيح تلاميذه ورسله، وبصفة خاصة الاثني عشر، كشهود عيان له، ليحملوا الأخبار السارة إلى كل البشرية وينادوا بالأناجيل في كل العالم، وكانت كرازتهم بالبشارة الأبدية، بشارة الخلاص الأبدي، وإنجيلهم الشفوي يتضمن :
"جميع ما ابتدأ يسوع يعمله ويعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه (16)" أو كما كان سائدًا بين الرسل "كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه (17)"، وبصفة خاصة شهود آلامه وقيامته.
ويتضمن ذلك ما حدث بين القيامة والصعود، ما حدثهم عنه وما علمهم إياه الرب في تلك الفترة الهامة والتي تحدث فيها الرب بوضوح وجلاء أكثر مما كان قبل الصلب، فقد كان على وشك أن يتركهم جسديًا "بعدما أوصى بالروح القدس للرسل الذين أختارهم. الذين أراهم أيضا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله (18)".
ما جاء عن السيد المسيح في ناموسموسى والأنبياء والمزامير، والذي كشفه السيد نفسه وأعلنه لتلاميذه وفسره لهم:
"أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب (19)"، "وقال لهم (تلاميذه والذين كانوا معهم) (20) هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموسموسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدئًا من أورشليم. وأنتم شهود لذلك (21)".
ويقول بطرس الرسول بالروح موضحًا ذلك "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء (22)".
ولأنه هو كلمة الله الذي أوحى للأنبياء في القديم بروحه القدوس "روح المسيح الذي فيهم"، فقد سلم لتلاميذه أسفار العهد القديم "الأسفار المقدسة" التي قبلها هو ذاته دون أن يوجه لها أي نقد وأعتمدها وأعاد تفسيرها بروح العهد الجديد "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل (23)"، أي لأعيد التفسير والفهم، في ضوء تعليمه هو الذي يكشف جوهر هذه الأسفار وغاية رسالتها الذي هو المسيح نفسه "فأن شهادة يسوع هي روح النبوة (24)". وقد أشار السيد إلى ما جاء عنه في أسفار العهد القديم في مواقف كثيرة، وعلى سبيل المثال قرأته لأحد نبؤات إشعياء النبي عنه في المجمع يوم السبت وتفسيره لها بقوله "أنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم (25)"، وكذلك سؤاله لرؤساء اليهود عن كون المسيح ابن داود وربه "فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون أبنه (26)".
وقد عمل الرسل في كرازتهم بهذه الأسس الثلاثة للتعليم الذي تسلموه من سيدهم واستخدموا العهد القديم باعتباره الشاهد الأول للمسيح وفسروا نصوصه في ضوء العهد الجديد باعتبار أن العهد الجديد هو الاستمرار الطبيعي والفعلي للعهد القديم واقتبسوا منه وأشاروا إلى ما جاء فيه 2500 مرة منها حوالي 250 اقتباسا مباشرًا وذلك في أسفار العهد الجديد.
وهكذا كان محور كرازة الرسل وجوهر بشارتهم، ما عمله وعلمه السيد المسيح وما جاء عنه في أسفار العهد القديم وشهادتهم هم أنفسهم كشهود عيان عاشوا مع المسيح وشاهدوا أعماله وسمعوا تعليمه منذ معمودية يوحنا إلى الصعود. وبعد الصعود وقبل حلول الروح القدس وقف بطرس الرسول في وسط التلاميذ "وكان عدة أسماء معًا نحو مئة وعشرين (27)" وتكلم عن ما جاء في العهد القديم عن خيانة يهوذا واختيار بديلًا له "قال أيها الرجال الأخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلًا للذين قبضوا على يسوع إذ كان معدودًا بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة. فأن هذا أقتنى حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه أنشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها.. لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خرابًا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج. منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته (28)". وهكذا تم اختيار متياس على أسس تعليم المسيح الثلاثة، نبوات العهد القديم، تعليم المسيح وعمله والشهادة الرسولية له.
وبعد حلول الروح القدس مباشرة وقف بطرس مع الأحد عشر بما فيه متياس، وبدأ يخاطب الجماهير الغفيرة والتي كانت حاضرة في أورشليم للاحتفال بعيد الخمسين ويتكلم عن آلام المسيح وصلبه وقيامته، مستشهدًا بنبوة يوئيل عن انسكاب الروح القدس "هذا ما قيل بيوئيل النبي. يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنى اسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا"، وبنبؤة داود النبي عن قيامة المسيح "لأن داود يقول: فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين أنه عن يميني لكي لا أتزعزع. لذلك سر قلبي وتهلل لساني حتى جسدي أيضا سيسكن على رجاء. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا.. أيها الرجال الإخوة يسوغ أن يقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود أنه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم فإذا كان نبيًا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا" ثم استشهد بشهادة رسل المسيح "فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك (29)". وبعد شفاء المقعد عند باب الهيكل خاطب الرسول أيضا الجموع بنفس الطريقة والأسلوب؛ تذكيرهم للشعب بنبوات الكتاب "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع الأنبياء أن يتألم المسيح تممه هكذا"، تقديمهم للرب يسوع، عمله وتعليمه "إليكم أولًا إذ قام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره"، ثم شهادة شهود العيان "ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك (30)".
وفى كرازته لكرنيليوس القائد الروماني كان هذا هو نفس أسلوبه؛ ذكر النبوات وتفسيرها "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا"، وتقديم شخص المسيح الفادي "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه"، ثم شهادة الرسل له "ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفى أورشليم (31)".
وكان هذا هو أسلوب بولس الرسول أيضا، ففي عظته أمام الحاضرين بمجمع إنطاكية بيسيدية قال "وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمموها إذ حكموا عليه.. ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة (الصليب) ووضعوه في قبر. وظهر أيامًا كثيرة للذين حضروا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب (32)"، فسر النبوات وتكلم عن عمل المسيح وذكر شهادة الرسل لكل ذلك. وهذا ما أتبعه في كل مكان كان يذهب إليه ويكرز فيه، وكان ذلك أيضا هو جوهر تعليمه ورسائله "الإنجيل الذي بشرتكم به.. المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب.. وأنه ظهر للرسل أجمعين (33)".

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:44 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
اللغة التي سلَّم بها الرسل التسليم الرسولي

بأية لغة كان يتحدث السيد المسيح، وبأية لغة كرز الرسل وسلموا الأخبار السارة؟ كان هناك في فلسطين في القرن الأول للميلاد ثلاث لغات رئيسيه هي: اللاتينية وكانت لغة أهل روما وبعض المقاطعات الرومانية الرسمية وان كان كثيرون من الرومان أنفسهم يتحدثون اليونانية، ولذا فقد كتب القديس بولس إلى روميه باليونانية، كما كتب القديس أكليمندس أسقف روما رسالته الأولي باليونانية. واللغة اليونانية العامية "الكوينية – Koine" وكانت منتشرة بدرجة كبيرة في القرن الأول في دول حوض البحر المتوسط، وكان كثيرون في فلسطين يتحدثون اليونانية، فقد كان هناك مدن يونانية مثل قيصرية وديكابوليس وغيرهما وذلك إلى جانب التجار والمسافرين وبصفة خاصة اليهود الذين كانوا يأتون من دول كثيرة وبأعداد كبيره تزيد على المليون لقضاء الأعياد الدينية، خاصة عيد الفصح، في أورشليم. وبسبب انتشار هذه اللغة بين يهود المشتات فقد ترجمت أسفار العهد القديم إلى اليونانية حوالي سنه 282 ق.م. ولذا فقد كان من الطبيعي أن نجد بين تلاميذ المسيح من تلاميذ المسيح من يتحدث اليونانية. ثم اللغة الآرامية التي كانت منتشرة في فلسطين وما بين النهرين، وكانت الآرامية الغربية هي اللغة الرئيسية ليهود فلسطين، وكان المسيح وتلاميذ يتحدثون هذه اللغة بلهجة أهل الجليل والتي كانت مميزه وقد عُرف بها بطرس في أورشليم عندما أنكر المسيح "أنت أيضًا منهم فأن لغتك تظهرك" (79)، "هذا أيضًا كان معه لأنه جليلي أيضًا" (80). وإلى جانب الآرامية واليونانية كانت هناك اللغة العبرية لغة أسفار العهد القديم والتي كان لابد أن تقرأ بها الأسفار في الهيكل والمجامع أو في أي مكان.
كان السيد المسيح يتحدث بالآرامية مع عامة الشعب ويقرأ العبرية في الهيكل ويتحدث اليونانية مع الأجانب من أمثال بيلاطس وقائد المئة واليونانيين الذين أرادوا أن يروه وغيرهم، وكان في إمكانه كالإله المتجسد أن يتحدث بأي لغة، وبرغم أنه أتخذ جسدًا وصورة العبد وصار إنسانًا إلا أنه، كإنسان، كان "يتقدم في الحكمة والقامة عند الله والناس (81)"، وكإله، ابن الله الوحيد، فهو كلى القدرة والمعرفة والعلم.
وكان التلاميذ يتحدثون الآرامية وقد تعلموا أن يقرأوا الأسفار المقدسة بالعبرية وكان بعضهم يجيدون إلى جانب ذلك، اليونانية، خاصة بعد حلول الروح القدس فقد كتبت جميع أسفار العهد الجديد باللغة اليونانية كما كتبت كتب تلاميذ الرسل وخلفائهم باليونانية أيضًا حتى دعوا بالآباء اليونانيين . وعندما حل الروح القدس على الرسل جعلهم "يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا (82)".
وعندما بدأ الرسل الكرازة في أورشليم واليهودية كانوا يكرزون في الهيكل والمجامع لسنوات طويلة بالآرامية ويستشهدون بآيات العهد القديم في العبرية، كما كانوا يكرزون للمتحدثين باليونانية، مثل كرنيليوس القائد الروماني وأهله، كانوا يستخدمون اليونانية، وتدل بعض أسماء الشمامسة السبعة على أن بعضهم كانوا يتحدثون اليونانية، ولما خرجت الكرازة خارج فلسطين وكرز الرسل في قبرص واليونان وإيطاليا وبقية الدول التي تنتشر فيها اللغة اليونانية باليونانية وغالبا كان الرسل يبدأون الكرازة في مجمع اليهود في أيام السبت ثم يتحولون بعد ذلك إلى الأمم وهذا يعنى أنهم كانوا مضطرين لاستخدام اللغات الآرامية والعبرية واليونانية حسب الضرورة وحسب نوعية المستمعين سواء كانوا يهود أو يونانيين. أو يهود يتحدثون لغة فلسطين أو لغة البلاد التي يقيمون فيها.
ولذلك فقد نقلت الأخبار السارة، الإنجيل، وسُلم التقليد الرسولي، التسليم الرسولي بهذه اللغات الثلاث، خاصة اليونانية، الآرامية والعبرية أولًا، ثم اليونانية التي كانت منتشرة في معظم البلاد التي بشروا فيها. وحافظ الروح القدس الساكن فيهم والذي كان يتحدث على لسانهم على كل حرف وكلمة في التسليم الرسولي للأخبار السارة، فكان يقودهم ويذكرهم ويعلمهم ويرشدهم ويعصمهم من الخطأ والذلل.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:46 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
جوهر التسليم الرسولي | الأخبار السارة

أعلن السيد المسيح مرات كثيرة أثناء خدمته وكرازته قبل الصلب والقيامة عن حتمية تقديم ذاته وسفك دمه فدية وكفارة عن حياة البشرية، وأنه كان يجب أن يتألم ويصلب ويموت بالجسد ويقوم من الموت في اليوم الثالث نيابة عن الخطاة الذين يتوبون ويرجعون إلى الله، وأن يغفر الخطايا بدمه الزكي الثمين:
"ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (1)"، "هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (2)"،
"من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفى اليوم الثالث يقوم (3)"، "فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزءوا به ويجلدوه ويصلبوه وفى اليوم الثالث يقوم (4)"،
"كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده (5)"،
ويقول الوحي بلسان بولس الرسول "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار.. الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا (6)".
سفك المسيح دمه وبذل نفسه بسبب خطايا البشرية التي ضلت طريقها وابتعدت عن الله وخالفت ناموسه ووصاياه فجاء هو إلى العالم متجسدًا في صورة عبد آخذًا شكل الناس وصار بشرًا وتحمل الآلام والموت كإنسان نيابة عن هذه البشرية الخاطئة ليعيدها ثانية إلى الله الآب ويزيل الحاجز الذي يفصل بين الله وبين الإنسان (7)، ليصالحها معه بدمه ويبررها بقيامته، كما يقول الكتاب أنه "أسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (8)"، ويعطى بالقيامة برهان الحياة والخلود "وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل لأجل الذي مات من أجلهم وقام.. إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة.. الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم (9)"، "لكي يذوق (المسيح) بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (10)"،
"عالمين أنكم أُفتديتم.. بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح.. أنتم الذين تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجدًا حتى إن إيمانكم ورجاءكم هما في الله (11)"،
"الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. فإنه إذ الموت بإنسان – بإنسان أيضًا قيامة الأموات. لأنه كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع (12)" لأن "مخلصنا يسوع المسيح.. أبطل الموت وأنار الحياة والخلود (13)"،
"إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدين بيسوع سيحضرهم الله معه (14)"، "لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش ليسود على الأحياء والأموات (15)".
وبعد قيامته من الأموات ظل يظهر لتلاميذه مدة أربعين يومًا ثم صعد إلى السماء وجلس عن يمين العظمة في الأعالي وأرسل الروح القدس كما وعد ليقود الكنيسة في كرازتها وبشارتها بالأخبار السارة، ولأنه حي في السماء، الحي إلى الأبد، فهو يشفع دائمًا في المؤمنين، فهو الوسيط الوحيد بين الله والناس لكونه الإله المتجسد، والذي بذل ذاته فدية وكفارة عن حياة العالم، والشفيع الوحيد الذي يشفع في البشرية بحق دمه المسفوك، كإنسان، نيابة عنها: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع (16)"،
"وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عن الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل كل العالم أيضًا (17)"،
"فمن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون إلى الله إذ هو حي كل حين يشفع فيهم (18)".
وقد وعد السيد أنه سيأتي ثانية في مجد في نهاية الأيام ليدين الأحياء والأموات ويجازى كل واحد بحسب ما يكون عمله:
وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع رياح من أقصاء السموات إلى أقصائها (19)"،
"ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء (20)"،
"فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله (21)".
هذه المواضيع التي وضعها وأعلن عنها السيد المسيح وعلمها لتلاميذه ورسله ونفذ الجزء الأول منها؛ صلبه وقيامته وصعوده وإرساله الروح القدس، أمامهم وكانوا شهودًا عيانًا لها، وابتدأ عمله كالوسيط الوحيد والشفيع الوحيد، كانت هي محور وأساس وجوهر وبؤرة كرازتهم للبشرية، بشارتهم بالإنجيل، الأخبار السارة، وذلك منذ اللحظة الأولى لحلول الروح القدس وانسكابه عليهم وانطلاق الشرارة الأولى للكرازة المسيحية. وقد مارس الرسل والمؤمنون الأولون هذه الأمور علميًا في العبادة اليتورجية، التي بدأت بعد أول خطاب كرازي للقديس بطرس فور انسكاب الروح القدس، وذلك في المعمودية وتقديس يوم الأحد والتناول من جسد الرب ودمه، القداس (22)، الذي يصرخ فيه الكاهن قاله الوحي على لسان بولس الرسول:
"فأنكم كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء (23)"، ويرد عليه الشعب "أمين أمين أمين بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف (22)".
وعندما دونت أسفار العهد الجديد، كانت هذه المواضيع هي المحور والجوهر والبؤرة فقد شكلت حوالي 32% من الإنجيل للقديس متى وثلث الإنجيل للقديس مرقس وحوالي 20% من الإنجيل للقديس لوقا وحوالي 50% من الإنجيل للقديس يوحنا وكذلك رسالته الأولى، كما كانت أيضًا محور وجوهر وبؤرة كرازة القديس بطرس سواء المدونة في سفر أعمال الرسل أو المدونة في رسالتيه اللتين كتبهما قيل انتقاله من هذا العالم حوالي سنة 67 م. وكذلك كرازة القديس بولس المدونة في سفر أعمال الرسل أو المدونة في رسائله الأربع عشر التي كتبها فيما بين سنة 52 و64 م.، وكانت جوهر سفر الرؤيا الذي يدور في معظمه حول الرب القائم من الأموات، الرب الممجد والقائد والراعي لكنيسته والشفيع الحي إلى أبد الآبدين.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:47 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
كرازة بطرس الرسول | الإنجيل بحسب ما كرز به

الإنجيل كما كرز به القديس بطرس الرسول ودون في سفر أعمال الرسل وفى رسالتيه الأولى والثانية والمكتوبتين قبل سنة 64م يتضمن موجز شامل وكامل لكل ما عمله وعلمه السيد المسيح خاصة قصة آلامه وصلبه وقيامته وصعوده والتي تتماثل بدرجة شديدة مع ما جاء في الأناجيل الأربعة وبصفة خاصة من الإنجيل للقديس مرقس الذي يرعى معظم العلماء أنه أقدم الأناجيل التي دونت والتي يتصف بالإيجاز والقوة أيضًا إلى جانب خشونة اللغة وقدمها. ويذكر القديس بطرس فيما دون كرازته:
تجسد المسيح من نسل داود "فإذا كان (داود) نبيًا وعلم أن الله حلف لهُ بقسم أنهُ من ثمرة صلبه يقيم المسيح بالجسد ليجلس على كرسيه (24)".
موجز لأعمال المسيح والقوات التي صنعها في الجليل واليهودية وأورشليم "يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون (25)" "انتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبادئًا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا (المعمدان). يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كلن معه. ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفى أورشليم (26)".
حلول الروح القدس عليه "بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا.. مسحه الله بالروح القدس والقوة (27)".
تجلى الرب وإظهار مجده على جبل التجلي "لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفنا كم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسمى هذا هو أبني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس (28)".
القبض عليه ومحاكمته أمام مجمع اليهود (السنهدرين) وأمام بيلاطس الذي كان يميل لإطلاقه ولكن رؤساء اليهود فضلوا عليه باراباس "الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكنكم أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب رجل قاتل (باراباس) (29)".
صلبه وقتله بتعليقه على خشبة الصليب بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق "هذا أخذتموه مسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه (30)"، "ورئيس الحياة قتلتموه" (31)، يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم" (32)، "الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة " (33)، "الذي أيضًا قتلوه معلقين إياه على خشبة" (34).
قيامته من الموت "الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه.. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك" (35)، "الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (36)، "الذي أقامه الله من الأموات" (37)، وظهوره مرات كثيرة بعد قيامته وببراهين قاطعة "هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرًا ليس لجميع الشعب بل لشهود اله فأنتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات. وأوصانا أن نكرز ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانًا للأحياء والأموات" (38).
صعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب وإرساله للروح القدس الذي انسكب على الرسليوم الخمسين، وشهادة الروح القدس له بواسطة ومن خلال الرسل "وإذ أرتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتمونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات وهو نفسه يقول: قال الرب لربى أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطنًا لقدميك فليعلم يقينًا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا" (39)، "هذا رفعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا ليعطى إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضًا الذي أعطاه الله للذين يطيعونه" (40).
خضوع الأجناد السمائية له "الذي هو في يمين الله إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له" (41).
موته بالجسد نيابة عن الخطاة وفداءه لنا بدمه الذكي الثمين ومصالحته للبشرية مع الله فولدنا ثانية بقيامته "فسيروا زمان غربتكم بخوف عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم أنتم الذين تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجددًا" (42)، "لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا تاركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر الذي إذا شتم لم يكن يشتم عوضًا وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى بعدلٍ. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم. لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعى نفوسكم وأسقفها" (43)،
"فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الآثمة لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكي مُحنى في الروح" (44).
لا خلاص إلا بالمسيح وحده "وليس بأحد غيره الخلاص. لأنه ليس أسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص" (45)، "توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على أسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (46).
شهادة جميع الأنبياء له "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (47)، ونبؤاتهم عن آلامه وصلبه وقيامته "وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا. فتوبوا وأرجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتى أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل المسيح المبشر به لكم قبلُ" (48)، "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتّش وبحث عن أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي أن يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (49)، "لأن داود يقول فيه (المسيح).. لأنك لم تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا.. فإذا كان نبيًا.. سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا" (50).
مجيئه الثاني في نهاية الأيام وانقضاء الأيام وانقضاء هذا الدهر ونهاية هذا العالم الحاضر، حيث سيأتي في مجده ومجد أبيه ليدين الأحياء والأموات ويعطى المؤمنين إكليل المجد. "كما اشتركتم في آلام المسيح أفرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين" (51).
"ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أىّ أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضًا جديد يسكن فيها البر" (52) "ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى" (53).

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:49 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
كرازة بولس الرسول | الإنجيل بحسب ما كرز به

تسلم القديس بولس الأخبار السارة، التسليم الرسولي، الكرازة من الرب القاصم من الأموات مباشرة "لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا" (54)، "وأعرفكم أيها الأخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان لأني لم أقبله من عند إنسانٍ ولا علمته. بل بإعلان يسوع المسيح" (55)، ومع ذلك فقد تقابل مع رسل المسيح، شهود العيان، ومكث عند بطرس الرسول في أورشليم "خمسة عشرة يومًا" (56)، كما تقابل مع "يعقوب أخي الرب" (57) ثم ذهب إلى الرسل ثانيه بإعلان سماوي ليعرض عليهم الأخبار السارة التي ينادى بها، الإنجيل الذي يكرز به "ثم بعد أربع عشر سنة صعدت أيضًا إلى أورشليم مع برنابا أخذًا معي تيطس أيضًا. وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم... فإذا علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفًا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدةُ أعطوني يمين الشركة لنكون نحن لأمم أما هم فللختان" (58)، ومن ثم فقد كانت كرازته هي نفس كرازة الرسل وكان تعليمه هو نفس تعليم الرسل وكان إنجيله الرسل، إنجيل المسيح، الأخبار السارة. وكان هو أيضًا مثل الرسل شاهد عيان للمسيح المقام من الأموات والصاعد إلى السماء، فقد أختاره المسيح "لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل" (59).
وكان القديس بولس يكرز ويسلم التسليم الرسولي شفاهه "لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم " (60)، "وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم" (61)، كنا نكرز لكم بإنجيل الله ونحن عاملون ليلًا ونهارًا" (62)، ثم يكمل عمله هذا بإرسال الرسائل لكي يثبت المؤمنين وليجاوب على ما يطرأ من قضايا وأسئلة وليشرح لهم ما أصبحوا في حاجة إليه من معرفة إيمانية نتيجة لتقدمهم في الإيمان أو ليصحح بعض المفاهيم والأمور التي قد يساء فهمها، وغير ذلك من الأمور، وكان جوهر تعليمه سواء الشفوي أو المكتوب واحدًا "فأثبتوا إذًا أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا" (63). وقد حوت كرازته بالإنجيل والمدون بعضها في سفر الأعمال وبعضها في رسائله كثيرًا مما يختص بشخص الرب القائم من الأموات خاصة آلامه وصلبه وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين العظمة في السماء وشفاعته الدائمة ومجيئه الثاني في اليوم الأخير، وان كان قد ركز بصفة خاصة على الخلاص والفداء الذي تم بدم المسيح وعمله الكفاري على الصليب. وقد تلخصت كرازته هذه فيما دون في سفر الأعمال وفى الإصحاح الخامس عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:
أ- عظته الكرازية في مجمع إنطاكية بيسيدية:
والمدونة في سفر أعمال الرسل: "أيها الرجال الأخوة بنى جنس إبراهيم والذين بينكم يتقون الله إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص. لأن الساكنين في أورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا وأقوال الآباء التي تقرأ كل سبت تمموها إذ حكموا عليه. ومع أنهم لم يجدوا عله واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يقتل. ولما تمموا كل ما كُتب عنهُ أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أيامًا كثيرة للذين حضروا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب. ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا أن الله أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت أبنى أنا اليوم ولدتك. أنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فسادٍ فهكذا قال أنى سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضًا في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فسادًا. لأن داود بعدما خدم جيلهُ بمشورة الله رقد وأنضم إلى آبائه ورأى فساد. وأما الذي أقامه الله فلم يرى فسادًا. فليكن معلومًا عندكم أيها الرجال الأخوة أنه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا. بهذا يتبرر كل من يؤمن من كل. ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى" (64).
ب- عظته الكرازية أمام الملك أغريباس:
المدونة في سفر أعمال الرسل ونقتبس منها قوله بالروح "وأنا لا أقول شيئًا غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعًا أن ينادى بنور للشعب وللأمم (65)".
ج-التسليم الرسولي الذي سلمه لأهل كورنثوس:
" وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل الذي بشركم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضًا تخلصون إن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم بع إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثًا. فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا (بطرس) ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن وإن كان بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أن (66)".
هذه العظات أو الخطابات الثلاثة تلخص لنا محور وجوهر وبؤرة كرازته التي هي محور وجوهر وبؤرة كرازة الرسل جميعًا سواء المدونة في الأناجيل الأربعة أو في بقية العهد الجديد، وتبين لنا وحدة الكرازة والإعلان، وحدة الإنجيل.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:51 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الخطوط العامة في رسائل بولس الرسول عن السيد المسيح

وفيما يلى نذكر الخطوط العامة لما دون في رسائله الأربع عشر عن شخص السيد المسيح، ابن الله، سواء ما كان منها قبل التجسد وأثناء التجسد أو بعد الصعود أو في مجيئه الثاني في اليوم الأخير:
1- تجسد ابن الله الأزلي وغاية تجسده:
"الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. الذي هو صورة الله بكر "رئيس – Arshi" كل خليقة. فأنه فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به ولد قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل وهو رأس الجسد الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء. لأنه فيه سر أن يحل كل الملء. وأن يصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات (67)".
"الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه أسمًا فوق كل اسم. لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب (68)".
2- اتخاذه جسدًا وولادته من العذراء:
"ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبني (69)"،
"الله أرسل ابنه في شبه جسد الخطية (70)"،
"فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم أشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (71)"،
"لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانً لم ترد ولكن هيأت جسدًا (72)"،
"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد (73)"،
"ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم أفتقر وهو غنى لكي تستغنوا أنتم بفقره (74)".
3- تجسده من نسل إبراهيم ومن بنى إسرائيل وسبط يهوذا وبيت داود :
"وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفى نسله.. الذي هو المسيح (75)"،
"ومنهم (بنى إسرائيل) المسيح حسب الجسد.. (76)"،
"فأنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا.. (77)"،
"الذي صار من نسل داود من جهة الجسد.. (78)".
4- تجربته كإنسان:
"لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجرمين"،
"مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية (80)".
5- صراخه بالدموع في صلاته:
"الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه مع كونه أبنًا تعلم الطاعة مما تألم به وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى (81)".
6- تقديم ذاته بإرادته:

"لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه (82)".
7- آلامه وصلبه وموته نيابة عن الخطاة:
"اليهود الذين قتلوا الرب يسوع المسيح (83)"،
"نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة (84)"،
"لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا (85)"،
"أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم (86)"،
"إذ كنتم أمواتًا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا. إذ محا الصك الذي علينا في الفرائص الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرًا إياه بالصليب (87)"،
"الذي لم يشفق على أبنه بل بذله لأجلنا أجمعين.. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضًا الذي هو أيضًا عن يمين الله الذي أيضًا يشفع فينا (88)"،
"وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل لأجل الذي مات من أجلهم وقام (89)"،
"واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة (90)".
8- قيامته وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب:
"الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين (91)"،
"فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله (92)"،
"من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضًا الذي هو عن يمين الله الذي يشفع فينا (93)"،
"إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (94)"،
"الذي عمله في المسي إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل أسم يسمى"، "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي (95)"،
"قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات (96)"،
"يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس في يمين عرش الله (97)".
مجيئه الثاني في مجد:
".. عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكته وقوته في لهيب نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح الذين سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب ومن مجد قوته متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين (98)"،
"ثم نسألكم أيها الأخوة من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه أن لا تتزعزعوا سريعًا عن ذهنكم ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كاهنا منا أي أن يوم المسيح قد حضر. لا يخدعنكم أحد على طريقة ما. لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله. أما تذكرون أنى وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا. والآن تعلمون ما يحجز حتى يستعلن في وقته. لأن سر الآثم الآن يعمل فقط إلى أن يرفع من الوسط الذي يحجز الآن. وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة من فمه ويبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة (99)"،
"لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه (100)"،
"ثم لا أؤيد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضًا معه. فأننا نقول لكم هذا بكلمة الرب أننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب (101)"،
"فإن سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء (102)".
10- كونه ديان الأحياء والأموات:
"لأننا جميعًا سوف نقف أمام كرسي المسيح (103)"،
"لأنه لابد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا (104)"،
"الرب يسوع العتيد أن يدين الأحياء والأموات عن ظهوره وملكوته (105)".
وهكذا يتضح لنا أن جوهر وحور وبؤرة التسليم الرسولي، الكرازة بالمسيح، الإنجيل، الأخبار السارة، واحد عند جميع الرسل لأن جميعهم شهود عيان لكل ما عمله وعلمه السيد المسيح، أو تسلموا ذلك بكل دقة وأمانة في الروح القدس عن شهود العيان، وكان الروح القدس يتكلم فيهم وبهم ويعمل من خلالهم ويقودهم ويرشدهم ويذكرهم ويعلمهم.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:58 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
من التسليم الرسولي الشفوي إلى الإنجيل

سلم الرسل الأخبار السارة، الإنجيل، شفاهة عندما كانوا كل يوم بصفة عامة وكل سبت في مجامع اليهود وكل أحد في اجتماعات العبادة المسيحية بصفة خاصة يكرزون بالإنجيل ويعلمون الذين انضموا إلى المسيحية ويحفظونهم كل ما أوصى به الرب القائم من الأموات. واستمرت الكرازة الشفوية أكثر من عشرين سنة قبل أن يدون الإنجيل المكتوب معتمدة على شهادة الرسل شهود العيان وعمل الروح القدس فيهم وبهم ومعهم. وكان عدد شهود العيان، المكون من الرسل الاثني عشر وعلى رأسهم الأعمدة الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا (1)"، ثم الرسل السبعين الذين عينهم الرب وأرسلهم أمام وجهه أثنين أثنين (2)"، ثم جمهور التلاميذ الذين كانوا قد أتبعوه قبل الصلب والقيامة وعلى رأس هؤلاء مجموعة الأكثر من خمسمائة أخ الذين ظهر لهم الرب دفعة واحدة بعد القيامة، يعتبر كبير جدًا وشاهد حي أمين ولا حد لقيمته في الشهادة لكل ما عمله الرب وعلم به. وإلى جانب هؤلاء كان هناك عدد كبير يعد بالآلاف من الشعب ورؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيين واللاويين وغيرهم من الذين استمعوا للرب وشاهدوا أعماله أثناء كرازته في الجليل واليهودية وأورشليم وبقية مدن فلسطين، حيث تكلم الرب معهم وعمل أعماله لهم وأمام عيونهم، كما قال لهم القديس بطرس في أول خطاباته وكرازته لهم بعد حلول الروح القدس؛ أن المسيح "تبرهن لكم وصنع معجزات "في وسطكم وأنتم تعلمون (3)"، "الذي أسلمتموه أنتم (4)"، "الذي صلبتموه أنتم (5)"، "أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئًا من الجليل (6)". هؤلاء آمن منهم بالمسيحية آلاف عديدة وصاروا شهودًا لما عمله وعلمه ربها. وكان الروح القدس يعمل فيهم ويحفظهم كلمة الله.
هؤلاء المسيحيون الأولون حفظوا ما سمعوه بآذانهم وما شاهدوا بأعينهم وما سلمه لهم الرسل، فقد صاروا لهم تلاميذًا، وحافظوا عليه حتى الموت وكان الروح القدس يعمل فيهم وأيضا بهم. وكانوا كيهود سابقين مدربين على حفظ كلمة الله وحفظ تقليد آبائهم ومتعودين على ذلك جيدًا.
وقد برهنت الدراسات التي قام بها أحد العلماء ويدعى جيرهارديسونB. Gerhardsson (1961م) على أن معلمي اليهودية، الربيين" كانوا يعلمون تلاميذهم ويحفظونهم تقاليد اليهودية في قوالب وأشكال معينة ومفردات تحفظ عن ظهر قلب، وأنه كانت لديهم وسائل وطرق متعددة للمساعدة على الحفظ وتقوية الذاكرة. هذه الوسائل التعليمية التي اتبعوها جعلتهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفويًا قبل أن يوضع في شكل مكتوب. ولأن تلاميذ المسيح ورسله كانوا من اليهود وكان معظم معلمي المسيحية الأولين من اليهود وكان بعضهم تلاميذًا ليوحنا المعمدان وكان بعضهم من الربيين أيضا، ولذا فمن الطبيعي أن يستخدموا نفس الوسائل السائدة بينهم في التعليم المسيحي ونقل التسليم الرسولي، الإنجيل، شفاهة.
وكان التقليد أو التسليم الرسولي المسيحي، الإنجيل، أسهل بكثير في حفظه شفويًا من التقليد اليهودي، فقد كان شخص المسيح الحي الصاعد إلى السماء، أعماله وأقواله وحياته أثناء التجسد، هو هدف ومحور وجوهر وغاية الإنجيل، وكان الروح القدس يعمل في الرسل شهود العيان الأحياء، فكان التعليم المسيحي تعليمًا حيًا يقوم على شخص حيّ ورسل أحياء ومؤمنين شهود عيان للرب الحي والإنجيل الحيّ، وذلك بعكس التعليم اليهودي الذي اعتمد على تحفيظ آيات التوراة وتقليد الآباء.
ولأن السيد المسيح كان يعلم الجموع بسلطان وليس كالكتبة والفريسيين ولأنه كلمة الله النازل من السماء وكلامه هو كلام الله وأعماله هي أعمال الله، وقد آمن المسيحيون بذلك منذ البدء، فقد كان كلامه، هو كلام الله المقدس وقيمته لا حد لها وكان المؤمنون يقبلون كل كلمة بلهفة تفوق الوصف ويحفظونها عن ظهر قلب ويحافظون عليها حتى الموت، وكان الروح القدس يعمل داخلهم ويحفظ كلمة الله في قلوبهم.
وقد برهنت الدراسات أيضًا على أنه كان هناك بعض2 المذكرات الصغيرة والملحوظات المكتوبة التي استخدمت في حفظ أقوال الرب وأعماله كالموعظة على الجبل والنبؤات التي تنبأ بها لوقا الرب أنبياء العهد القديم وفسرها هو بنفسه لتلاميذه، وبعض أعماله ومعجزاته، ويشير القديس لوقا لمثل هذه الوثائق بقوله: "لأن كثيرًا من الناس أخذوا يدونون رواية الأحداث التي جرت بيننا كما سلمها الذين كانوا من البدء شهود عيان للكلمة" (7). هذه الملحوظات المكتوبة قد يرجع بعضها إلى ما قبل الصلب والقيامة.
وقد ساعدت أساليب الحفظ والوثائق (الملحوظات والمذكرات) المكتوبة على حظ الإنجيل الشفوي ووصوله إلى درجة كبيرة من الثبات قبل تدوين الإنجيل المكتوب بفترة طويلة. فقد كان التسليم الشفوي المحفوظ بعمل الروح القدس دقيق جدًا والاعتناء بحفظه يفوق الوصف وكان للمذكرات المكتوبة قيمة عظمى سواء قبل تدوين الإنجيل أو عند التدوين.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 05:59 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
الحاجة إلى الإنجيل المكتوب


كان المؤمنون الأولون في أورشليم يحفظون التسليم الرسولي بدقة شديدة، وكان الكثير منهم شهود عيان لما عمله وعمله الرب يسوع المسيح، وكان الرسل شهود العيان الموحى إليهم موجودين في وسطهم يرجعون إليهم وقت الحاجة باعتبارهم المرجع الأول ووسطاء الروح القدس الذي كان يعمل فيهم وبهم ومن خلالهم. وعندما خرجت الكنيسة من فلسطين إلى عواصم الدول الكبرى مثل إنطاكية والإسكندرية وأثينا ومدن اليونان ومدن آسيا الصغرى الرئيسية وروما وقبرص، كان الرسل أنفسهم على رأي هذه الكنائس وقد عينوا لهم مساعدين من تلاميذهم وخلفائهم والذين دعوا بعد ذلك بالآباء الرسوليين، على رأس هذه الكنائس في حالة انتقالهم إلى أماكن أخرى، ومن هؤلاء المساعدين الذين ذكروا في سفر الأعمال ورسائل القديس بولس والقديس بطرس، لوقا الطبيب وتيمؤثاوس وتيطس وأكليمندس وفليمون وأنسيموس وسلوانس ونمفاس وتخيكس وأرسترخس.. الخ (8). هؤلاء استلموا الإنجيل من الرسل شفاهة وحفظوه بكل دقة وقداسة وسلموه لآخرين مشهود لهم بالكفاءة والإيمان وهؤلاء سلموه لغيرهم وهكذا.

https://st-takla.org/Pix/Christian-Sy...pt-Reading.jpg
ولكن مع امتداد ملكوت الله وانتشار المسيحية في دول عديدة ومدن كثيرة وقرى لا حصر لها سواء بواسطة الرسل أو بواسطة تلاميذهم صار من المستحيل على الرسل أن يكونوا متواجدين في كل هذه الأماكن في وقت واحد، حتى جاء الوقت الذي آمن فيه الآلف بالمسيحية ولم يروا الرسل في عصر الرسل، بل وأصبح من دواعي سرور البعض وفخرهم أنهم شاهدوا الرسل واستمعوا إليهم وصار من دواعي فخر البعض الآخر أنهم تعلموا بواسطة تلاميذ الرسل بل ومن تلاميذ خلفاء الرسل، كما يفتخر إيريناؤس أسقف ليون بأنه رأى وسمع بوليكاربوس تلميذ الرسل، ويفتخر أكليمندس الأسكندرى بأنه حفظ التقاليد التي تسلمها من الذين تعلموا على أيدى الآباء الرسوليين، تلاميذ الرسل وخلفائهم. ولذا فقد صارت الحاجة إلى جمع الإنجيل وتدوينه ونشره في جميع الكنائس تزداد كل يوم بالتدريج حتى صارت ملحة جدًا.
وكانت حاجة المؤمنين لمعرفة أكثر عن المسيح وتعليمه تزداد كل يوم وفى كل مكان، وكان الرسل يرسلون مساعديهم حاملين الرسائل للإجابة عن هذه الاستفسارات، بل وكان الكارزون بالإنجيل في كل مكان، خاصة من الجيل الذي قاد الكنيسة وقام بعمل الكرازة من تلاميذ الرسل، في حاجة إلى الإنجيل المكتوب ليؤازر كرازاتهم الشفوية وليتركوه للمؤمنين بعد رحيلهم سواء إلى أماكن أخرى أو إلى العالم الآخر وليكون المرجع الباقي والدائم والثابت لهم إلى المجيء الثاني.
كما كانت اجتماعات العبادة الأسبوعية والليتورجية والتي وجدت حيثما وجد المسيحيين في حاجة للإنجيل المكتوب للاستخدام الليتورجية والقراءة والتعليم والشرح والتفسير.
وكان هناك العامل الأهم والذي كان من أهم الدوافع لتدوين الإنجيل وهو رحيل الرسل شهود العيان من هذا العالم إلى العالم الآخر فقد استشهدت الغالبية العظمى منهم في أوقات مبكرة فقطع هيرودس أغريباس رأس القديس يعقوب بن زبدي بالسيف (9) في السنوات الأولى للكرازة وأستشهد القديسين بطرس وبولس في روما بعد الصعود بحوالي عشرين سنة (سنة 67م). على أية حال فقد كان من الطبيعي أن لا يبقى الرسل أحياء في هذا العالم إلى الأبد. ومن ثم فقد كانت عملية تدوين الإنجيل حتمية.

Mary Naeem 30 - 04 - 2014 06:00 PM

رد: كتاب الإنجيل: كيف كُتِبَ؟ وكيف وصل إلينا؟
 
رسائل العهد الجديد


كانت رسائل العهد الجديد، عدا رسائل القديس يوحنا، هي أول ما كتب في العهد الجديد، الإنجيل، فقد كُتبت بوحي الروح القدس وأرسلت إلى كنائس مختلفة لتقرأها جميع الكنائس بالتبادل، وذلك للإجابة على استفسارات الكنائس الناشئة ولشرح أمور طرأت نتيجة لنضج الكنائس نفسها واحتياجها إلى المزيد من المعرفة والمعلومات. وهذه الرسائل لم تكن مجرد رسائل شخصية عادية بل كانت موحى بها ورسالة المسيح نفسه لأنها تضم تعليمه قبل الصلب وحتى الصعود، كما كانت تضم تعليمه الذي أعطاه لرسله بعد صعوده إلى السماء سواء مباشرة كالرب الجالس عن يمين العظمة في السموات أو بروحه القدوس.
1- رسائل القديس بولس الرسول:
كتب القديس بولس الرسول رسائله بالروح القدس ودون فيها تعليم الرب قبل الصعود وبعده وكان محتواها وجوهرها كما بيننا في الفصل السابق وكما سنبين الآن هو نفس محتوى وجوهر الإنجيل الشفوى والإنجيل المكتوب بعد ذلك. ويؤكد الرسول في كل كلمة وكل حرف أنه لا يقول ولا يُعلم ولا يكتب إلا وصايا وتعليم الرب ووحي الروح القدس. وبالرغم من أنه لم ينقل وصايا الرب بصورة حرفية إلا أنه نقل مضمونها وجوهرها بكل دقة وبحسب ما علمه وأوحى له الروح القدس. وهذه أهم أقوال الرب قبل الصلب والقيامة والصعود مقارنة بما قاله الرب ودون في الإنجيل المكتوب حرفيًا.
رسائل القديس بولس
"وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها. وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها. ولا يترك الرجل امرأته" (1كو 10:7-11).
فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذًا ما دام الرجل حيًا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر" (رو 2:7،3).
"هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون" (1كو 14:9).
"باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا" (رو 14:12).
"لا تجازوا أحدًا عن شرٍ بشرٍ. معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس" (رو 17:12).
"لا يجازى أحدًا أحدًا عن شر بشر بل كل حين اتبعوا الخير مع بعضكم لبعض وللجميع" (1تس 15:5).
"أعطوا الجميع حقوقهم. الجزية لمن لهُ الجزية، الجباية لمن لهُ الجباية، والخوف لمن له الخوف. والإكرام لمن له الإكرام" (رو17:3)
"لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة" (رو 13:14).
"ليس شيئًا نجسًا بذاته إلا من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس" (رو 14:14).
"لأنكم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء" (1تس 2:5).
"سالموا بعضكم بعضًا" (1تس 13:5).
"وأما أنت فلماذا تدين أخاك" (رو 10:14).
الإنجيل المكتوب
"من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزنى عليها. وأن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني" (مر 11:10، 12).
وأقيموا في ذلك البيت (الذي تكرزون لأهله) آكلين وشاربين مما عندهم لأن الفاعل مستحق آجرته" (لو 7:10).
"باركوا لاعنيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (لو 28:6).
"لا تقاوموا الشر بالشر" (متى 39:5).
"من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقرض منك فلا ترده" (متى 42:5).
"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مر 17:12).
"من أعثر أحد الصغار المؤمنين لي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر"
"ليس شىء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تنجس الإنسان" (مر 15:7).
"اسهروا إذًا لأنكم لا تعرفون في أية ساعة يأتي ربكم. وأعملوا هذا أنه لو عرف رب البيت في هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب" (متى 42:24،43).
"سالموا بعضكم بعضًا" (مر 50:9).
"لا تدينوا لكي لا تدانوا.. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك" (متى 1:27،3).

2- رسالة القديس بطرس الرسول الأولى:
وهذه الرسالة كتبت بالروح القدس ودون فيها القديس بطرس ست فقرات من أقوال السيد المسيح معظمها من الموعظة على الجبل:
"إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم" (1بط 14:4).
"طوباكم إذا أبغضكم الناس وعيروكم" (لو 22:6).
"طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين" (متى 11:5).
"غير مجازين عن شرٍ بشرٍ وعن شتيمةٍ بشتيمة بل بالعكس مباركين" (1بط 9:3).
"ولكم ضمير صالح لكي يكون الذين يشتمون سيرتكم الصالحة في المسيح يخزون فيما يفترون عليكم كفاعلي شر" (1بط 16:3).
"لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانا متألمًا بالظلم. لأنه أي مجد هو إن كنتم تُلطمون مخطئين فتصيرون. بل إن كنتم تتألمون عاملين بالخير فتصبرون فهذا فضل عند الله" (1بط 19:2-20).
"إن تألمتم من أجل البر فطوباكم" (1بط 14:3).
"وإن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة.. يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظوها" (1بط 12:2)
"باركوا لاعنيكم" (لو 8:6).
"لا تقاوموا الشر بالشر" (متى 39:5)
"صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (لو 28:6).
"وإن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم. فإن الخطاة أيضًا يحبون الذين يحبونهم. وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم فأي فضل لكم. فإن الخطاة أيضًا يفعلون هكذا" (لو 32:6-33).
"طوبى للمطرودين من أجل البر" (متى 10:5)
"ليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 16:5).






3- رسالة القديس يعقوب الرسول:
هذه الرسالة كتبها القديس يعقوب الرسول بوحي الروح القدس ودون فيها خمس فقرات كانت تفسيرًا وصدى لأقوال الرب، يقول في الأولى:"إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطى الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له" (1:5) وهذا تفسير لقول الرب عن الصلاة بإيمان: "اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم" (لو 9:11).
ويقول في الثانية "أما أختار الله فقراء (هذا) العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه" (5:2)، وهذا صدى لقول الرب "طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله" (لو 20:6).
ويقول في الثالثة "اتضعوا قدام الرب فيرفعكم" (10:4)، وهذا جوهر ومضمون قول الرب "كل من يرفع نفسه يتضع من يضع نفسه يرتفع" (لو 11:14).
ويقول في الرابعة "هلم الآن أيها الأغنياء أبكوا مولولين على شقاوتكم القادمة" (1:5)، وهذا من تعليم الرب القائل "ويل لكم أيها الأغنياء. لأنكم قد نلتم عزاءكم" (لو 24:6).
ويقول في الخامسة "غناكم قد تهرأ وثيابكم قد أكلها العُث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا" (2:5،3)، وهذا صدى لقول الرب "اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ" (متى 20:6).
ويقول في السادسة "لا تحلفوا بالسماء ولا بالأرض ولا بقسم آخر. بل لتكن نعمكم نعم ولاكم لا لئلا تقعوا في دينونة" (12:5)، وهذا جوهر ومضمون قول الرب "لا تحلفوا البتة. لا بالسماء.. ولا بالأرض.. ولا بأورشليم.. ولا تحلف برأسك.. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (متى 34:5-37).


الساعة الآن 10:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025